شكّل المغرب العربي في 2007 ساحة التحول بامتياز، حيث ركّز تنظيم القاعدة على استخدامه نقطة تجنيد وإمداد للمركز المفترض لعمليات «المواجهة» في العراق، بينما كانت باكستان الساحة الأبرز شكّل المغرب العربي في 2007 ساحة التحول بامتياز، حيث ركّز تنظيم القاعدة على استخدامه نقطة تجنيد وإمداد للمركز المفترض لعمليات «المواجهة» في العراق، بينما كانت باكستان الساحة الأبرز على صعيد عمليات العنف وعدد الضحايا والملاحقات العسكرية للمتشددين من إسلام آباد إلى المناطق الحدودية. اكتملت دراما العنف في 2007 بالمشهد المروع لاغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بينظير بوتو، التي أعلن متحدث لتنظيم القاعدة بكل فخر أن اغتيالها يعتبر ضربة العام ضد مخزون الاحتياطي الأميركي في مخطط الحرب ضد الإسلاميين، التي تسميها واشنطن «الحرب على الإرهاب»، وذلك على الرغم من نفي حركة «طالبان» تورطها بالاغتيال. اللافت أيضا أن مشهد الاغتيال وتصريحات قادة «القاعدة» المحليين يحددان الطرفين الرئيسيين للمعركة المتفاعلة على ساحة اليابسة من واشنطن غربا إلى جنوب الفلبين شرقا، وذلك منذ نهايات عام 2001، عندما فقدت نيويورك برجيها وأمانها، ما فتح الطريق لإعلان استراتيجية (لا نقول جديدة)، بل فقط تم نقلها من الملفات إلى أرض الواقع لتنفذها إدارة بوش وفق منظومة تجمع بين السياسي والاقتصادي والديني، في مواجهة منظومة دينية بحتة يقودها تنظيم القاعدة من ظلام الكهوف الجبلية. وإذا كانت باكستان هي الساحة الأبرز في عام 2007 على صعيد عمليات العنف وعدد الضحايا والملاحقات العسكرية للمتشددين من قلب العاصمة في المسجد الأحمر (لال مسجد) إلى المناطق الحدودية، إذ الثقل الديموغرافي للعشائر، فإن بلاد المغرب العربي كانت هي ساحة التحول السياسي بامتياز، والتي بدا من خلال أحداث العام أن «القاعدة» ركزت على استخدام المغرب العربي نقطة تجنيد وإمداد للمركز المفترض لعمليات المواجهة مع الغرب «الكافر» في العراق. وتمثلت مفاجأة العام في إعلان الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري انضمام «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا إلى التنظيم. وأشار خبراء في شؤون الحركات الإسلامية في المغرب إلى أن السبب «التنظيمي» في ذلك يرجع إلى رغبة «القاعدة» في دمج التنظيمات القطرية في المغرب العربي وجمع عناصرها المختلفة تحت قيادة ومسمى واحد، كما حدث في الجزائر مع «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي أصبحت نواة ل«تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي». وأوضح الخبراء أن مواقف ليبيا الأخيرة المتقاربة مع الغرب جعلتها في مرمى نيران التنظيم بعد أن عاشت بمنأى عن هجمات «القاعدة» طوال السنوات الماضية، لكن ليبيا أفلتت من العمليات، وهذا لا يعني خطأ التحليل، لأن العمليات الإرهابية المرجح حدوثها في ليبيا اخترقت المغرب الذي تغيرت فيه صورة التركيبة المذهبية والسياسية التي ظلت عقودا طويلة حالة استثنائية على المستوى الأمني، لم تسمح بانتشار حركات العنف والتشدد المذهبي، وقد تم تدعيم هذه النظرة بعد فشل الإسلاميين المنضوين تحت مظلة حزب «العدالة والتنمية» في اكتساح الانتخابات التشريعية، كما رجحت استطلاعات رأي نشرتها جهات أميركية وأوروبية في العام المنصرم، محذرة من السيناريو التركي. لكن هذه النظرة المتفائلة سقطت في ليلة 16 مايو الماضي عندما استيقظ العالم فجأة على عملية انتحارية هزت خمسة مواقع في مدينة الدارالبيضاء، بكل ما يحمله ذلك من دلالات رمزية تفتح الباب لنوع مختلف من العنف في عام 2008. وفي نفس الفترة تقريبا كانت الجزائر قد شهدت للمرة الأولى، برغم تاريخها الدامي في العنف، هجومين بسيارات انتحارية استهدفت مقر الحكومة ومركز شرطة وأوقعت 62 قتيلا على الأقل وأصابت العديد من الأجانب بجروح خطيرة، وتبنى تنظيم «القاعدة في شمال افريقيا الإسلامية» مسؤولية التفجيرين، وباركهما الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في تسجيل مصور تم بثه، وأطلق التنظيم على التفجيرات اسم «غزوة بدر المغرب العربي». وكان فرع «القاعدة» قد أعلن مسؤوليته في 13 فبراير 2007 عن مقتل 6 أشخاص في منطقة القبائل في سبعة اعتداءات شبه متزامنة بقنابل وسيارات مفخخة، كما تبنى في 11 يوليو مقتل عشرة عسكريين وجرح 35 آخرين في الأخضرية (جنوب شرق العاصمة) في هجوم انتحاري بشاحنة تبريد ملغمة بمتفجرات، وتبنى في 6 سبتمبر عملية راح ضحيتها 22 قتيلا وأكثر من مئة جريح في اعتداء انتحاري استهدف موكب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في منطقة باتنةالشرقية، وبعدها بيومين 32 قتيلا و45 جريحا آخرين في اعتداء انتحاري بسيارة مفخخة على ثكنة لحرس الحدود في دلس شرق العاصمة. الغريب أن عددا من المحللين يرون أنه على الرغم من ذلك فإن الملمح العام يؤكد أن الجزائر تتعافى من دوامة العنف التي عاشتها منذ أكثر من عشر سنوات، والتي اندلعت عندما ألغت الحكومة المدعومة من الجيش الانتخابات التشريعية عام 1992 التي كان حزب «جبهة الإنقاذ الإسلامي» على وشك الفوز بها. ويفسر المحللون أسباب تراجع أعمال العنف التي حصدت أرواح 200 ألف جزائري، في أقل من عقدين بأنها نتيجة متغيرات سياسية، ومحاولات احتواء تمثلت في إطلاق سراح أكثر من 2000 من المسلحين الإسلاميين السابقين بموجب ميثاق عفو استهدف وضع حد للصراع. العنف الأحمر على أعتاب تونس الخضراء وفي تونس بدت مظاهر العنف الإسلامي في عام 2007 على أعتاب العاصمة، مما دفع رئيس حركة النهضة الإسلامية هناك راشد الغنوشي إلى التساؤل في دراسة تحذيرية طويلة «هل هذا العنف بداية أم نهاية؟»، مشيرا إلى الصدمة الكبيرة في الداخل والخارج نتيجة المواجهة المسلحة العنيفة التي اندلعت مع نهايات 2006 ومشارف 2007، والتي استمرت أكثر من 10 أيام بين الدولة بجهازيها الأمني والعسكري وبين حوالي 30 من الشبان التونسيين قدم بعضهم، حسب رواية السلطة، من الجزائر، وانضم إليهم بقية المسلحين الذين هم في سن العشرينات فما دون. الطريف أن الدولة سعت إلى تقديم إيحاءات إعلامية بأنها تطارد تجار مخدرات، وبعد أكثر من أسبوعين صرح وزير الداخلية لكوادر حزبه، وليس للصحافة والرأي العام، أن الأمر يتعلق بإرهابيين ينتمون إلى من دعاهم بمسمى غائم وجديد في الساحة التونسية، وهو «السلفية الجهادية»، تمّ قتل 12 من أفرادها وأسر 15، كما قتل اثنان من رجال الأمن وجرح آخرون. وبعد أحداث «جربة» أصدرت محكمة تونسية حكما بالحبس على 10 طلاب جامعيين فترات تتراوح بين عامين و5 أعوام بتهمة التخطيط للانضمام إلى «القاعدة» في العراق. وقد رأى سياسيون ومفكرون أن خطة الملاحقات الأمنية الناجحة التي تتبعها تونس لن تقدم حلا للخطر المقبل، لأنها تفتقر إلى معالجة الشروط السياسية والاجتماعية والثقافية التي توفر البيئة الملائمة لبزوغ العنف، وتهيئة المناخ لانتشار أفكار «القاعدة». وفي 30 ديسمبر، اي قبل يوم من نهاية عام 2007، حكم القضاء التونسي على اثنين من التونسيين الثلاثين الذين كانوا يحاكمون منذ نوفمبر بتهمة الارهاب والتآمر بالاعدام، بينما حكم على ثمانية اخرين بالسجن المؤبد. وفي مصر لم يكن «القاعدة» غائبا، إذ أعلنت السلطات الأمنية القبض على مشتبهين بالانتماء إلى التنظيم، وتردد اسم محمد الحكايمة باعتباره مسؤوله في أرض الكنانة، لكن التطور الأبرز في صراع «القاعدة»، و«الأغيار» من غرب وأنظمة علمانية تجلى في «مراجعات الجهاد»، التي قدمها القيادي سيد إمام تحت مسمى «وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم»، والتي نشرت «الجريدة» نصها حصرياً. مراجعات «الجهاد» أخطر ضربة ل«القاعدة» حمل عام 2007 معه أخطر ضربة لتنظيم القاعدة حسب تعبير أسامة بن لادن نفسه، وهي كتاب «وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم» الذي ألفه مفكر التنظيم السابق سيد إمام الشريف المعروف باسم حركي هو الدكتور فضل. ورغم أن فضل لم ينضم أبداً إلى «القاعدة»، إذ ابتعد عن كل الحركات الإسلامية الراديكالية منذ استقالته سنة 1994 من تنظيم جماعة الجهاد المصري، والذي كان أميراً له قبل تأسيس «القاعدة» في عام 1998 تحت اسم «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، فإن كتاباته السابقة ظلت هي المرجع المعتمد لدى قادة «القاعدة» والمنهج المستخدم في تثقيف العناصر الجديدة التي يتم تجنيدها حتى اليوم، خصوصا كتابي «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم الشريف» بالإضافة إلى عدد من الدراسات الأصغر حجماً. ويرجع خوف قادة «القاعدة» من الوثيقة لمكانة كاتبها، إذ توقعوا أن تتأثر أعداد كبيرة من شباب التنظيم بها، مما دفع أيمن الظواهري إلى الرد مرتين على الدكتور فضل الذي يعد أستاذه وشيخه، فأصدر شريطاً مصوراً قبل صدور الكتاب الذي نشرته «الجريدة»، خصص جزءاً كبيراً منه لتحذير شباب الإسلاميين من قبول أفكار الوثيقة. وقال الظواهري في شريطه «أود الإشارة إلى أن المجاهدين ليسوا أبرياء من النقص والخطأ والزلل لأنهم بشر يصيبون ويخطئون (...)، ولذا على المجاهدين أن يحلوا مشاكلهم في ما بينهم (...)، ونشر مشاكل المجاهدين على الملأ لا أرى فيه فائدة لهم، بل أرى ضرره أكبر بكثير من نفعه، ولذا على الأحباب المجاهدين أن يشفق بعضهم على بعض». وبعد نشر «الجريدة» حلقات من الكتاب أصدر الظواهري بياناً وقعه باسم «مجلس شورى تنظيم الجهاد في الخارج» خصصه كله للهجوم على الدكتور فضل، وكرر فيه وصفه بأنه «منهار يائس يبحث عن مخرج من السجن»، مشدداً على أنه كان الأمير للتنظيم، وبالتالي فإنه يتحمل مسؤولية الأخطاء التي تم الوقوع فيها في محاولة واضحة لحصار التأثير الذي أحدثته الوثيقة من الناحيتين الفكرية والحركية، ولاسيما أن الدكتور فضل حمل بشدة على الظواهري وبقية قادة «القاعدة» في تلميحات واضحة طوال فصول الكتاب، الذي فند أفكار التنظيم وبين ابتعادها عن الشريعة، سواء في استهداف السائحين الأجانب أو المدنيين في بلادهم أو غير المسلمين في بلاد الإسلام أو المواطنين المسلمين، وحتى الحكومات التي أكد أنه يمكن معارضتها من دون الخروج عليها بالسلاح. «القاعدة» في مصر شهد 2007 تطوراً رمزياً بإعلان أحد الإسلاميين غير المعروفين ويُدعى محمد الحكايمة تأسيس فرع ل«القاعدة» في مصر باسم «القاعدة في بلاد الكنانة»، وهي خطوة سعى من خلالها الظواهري إلى الرد على انتقادات عدد من مناوئيه الذين عايروه صراحة بأنه عجز عن الحفاظ على وجود الحركة الإسلامية في موطنه الأصلي مصر، والتي تعد مسقط رأس أفكار «السلفية الجهادية» بصورتها الحديثة. غير أن هذا الإعلان لم يحقق الهدف منه بل على العكس أكد لدى المحللين عدم امتلاك التنظيم أي وجود حقيقي في مصر، وهو ما يرجع إلى أن أعضاء «الجهاد» سقطوا في قبضة السلطات الأمنية في عام 1995 في القضية المعروفة باسم «طلائع الفتح»، وأيد معظمهم وثيقة الدكتور فضل، وعجزت «القاعدة» عن اجتذاب عناصر جديدة، وهو ما يفسر أن الحكايمة نفسه لم يكن سوى أحد عناصر الصف الثاني أو الثالث من أعضاء تنظيم الجماعة الإسلامية. وخصص الحكايمة بياناته المتتالية التي أصدرها من الخارج (يعتقد أنه يقيم في إيران وليس في أفغانستان) للهجوم على المتراجعين عن أفكار العنف، بداية من قادة «الجماعة» وصولاً إلى الدكتور فضل الذي نال بمفرده بيانين تلقى فيهما اتهامات وتشكيكاً في قدراته العلمية ومكانته التنظيمية في أوساط الإسلاميين. ويقول خبراء في شؤون الحركات الإسلامية إن عدم وجود فرع حقيقي ل«القاعدة» في مصر لا يعني أن التنظيم لا يملك قدرة على التأثير في أعداد متفاوتة من الشباب الذي يقتنع بأفكار السلفية العلمية ويصبح مستعداً للتحول إلى «السلفية الجهادية». ويحذر هؤلاء من تكرار سقوط عدد من الخلايا في قبضة الشرطة ينتمي أعضاؤها نظرياً إلى «القاعدة» من دون وجود أي خيط تنظيمي يربطهم بقادة التنظيم، أو انضمام أحدهم فعلياً إليه، وإنما جاء الاقتناع عبر شبكة الإنترنت التي باتت تمثل أهم منبع لتجنيد الأعضاء، إذ يؤمنون بالأفكار ويسعون إلى تنفيذها من دون صلة تنظيمية، حتى تحولت «القاعدة» إلى «ظاهرة إلكترونية». نيران في «النهر البارد» وفي تطور مختلف، خاض «القاعدة» معركة تكتيكية طويلة، لم يتم الكشف عن مجمل أبعادها، من خلال الصراع مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، وقد حاول بعض المحللين تفسير خطوة «فتح الإسلام» بأنها لعبة تكتيكية معقدة تتقاطع فيها خيوط إقليمية تتعلق بسياسات سورية وسعودية ولبنانية لا تخلو من تأثيرات دولية، استخدمت الساحة اللبنانية لتمرير رسائل سياسية من كل طرف إلى الآخرين، كما أن هناك تحليلاً أوضح يركز على فكرة «عرقنة» لبنان، واستخدامها قاعدة لتغذية العراق ب«المجاهدين»، أو تشتيت الأنظار واستنزاف الأجهزة الأمنية وإرهاق الحكومات الموالية للغرب، ولم تكن عملية «جند الشام» بعيدة عن هذا. وفي الأردن، خفت صوت «القاعدة» بعد مصرع «الزرقاوي» في صيف عام 2006، ودخلت العلاقة بين «جبهة العمل الإسلامي» التي تتبنى فكر «الإخوان المسلمين» والنظام الأردني أسوأ أحوالها، بعد تمرير مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد الذي رفضته الأحزاب نفسها، وإغلاق جمعية المركز الإسلامي الخيرية والتحقيق مع معظم موظفيها من دون تقديم أي شبهة فساد. وعلى الصعيد المباشر المرتبط ب«القاعدة» أعلن الأردن قتل عضو في القاعدة يُدعى سليمان غياض الأنجادي واعتقال آخر يُدعى رمضان مصطفي منسي خلال عملية مداهمة منزل تحصنا فيه في منطقة المطلع في مدينة إربد، ولكن بشكل عام تراجع نفوذ التنظيم كما بدا واضحاً من تضاؤل عدد القضايا المعروضة أمام محكمة أمن الدولة، والتي تقلصت من 18 قضية في عام 2006 إلى 7 فقط في عام 2007، أبرزها خلية إربد المسلحة التي أشرنا إليها. ومع ذلك، لا يستبعد الخبراء عودة شبح «القاعدة» إلى الأردن، لأنه مجرد ساحة تابعة لقوة ونشاط التنظيم في العراق، ولذلك سيظل تهديده للأردن مستمرا بشكل مباشر أو غير مباشر، ويساعد على ذلك انتشار الفكر «السلفي الجهادي» في أوساط أعداد لا بأس بها من الأردنيين، وتحديداً الشباب، وهو النموذج الذي تخشى الأجهزة الأمنية نسخه من تجربة الأردني المتطرف شاكر العبسي، قائد تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم «نهر البارد». ملاحقات قاسية في آسيا! من أفغانستان إلى إندونيسيا، ومن الفلبين إلى باكستان، بدت خريطة العنف الإسلامي، وخطط ملاحقته، في أوج تطورها الدراماتيكي، فإذا كانت حمى العنف في جنوب الفلبين تواصل حرارتها المرتفعة، والأرقام تكشف أن 2007 هو العام الأكثر دموية في أفغانستان، وبرغم تفكيك حكم «طالبان» رسميا، وضخ ميزانيات هائلة لقوات «حلف شمال الأطلسي» العاملة هناك، فإن باكستان كانت هي محور العنف والدم، وبدا التركيز الغربي عليها من خلال الضغط على الرئيس برويز مشرف لقبول عودة نواز شريف، وبينظير بوتو إلى باكستان كقادة ظل في الحرب ضد ما تسميه إدارة بوش «الإرهاب»، وهي الخطوة التي انتهت مع الأيام الأخيرة من العام باغتيال بوتو وإحباط شريف الذي أعلن عدم خوض حزبه للانتخابات، وتهديد مشرف بإعادة حالة الطوارئ التي رفعها بضغوط من بوتو نفسها. الوضع يبدو عبثيا في آسيا حيث شهدت أفغانستان في النصف الأول من العام الحالي 77 هجوماً على الأقل، أي أكثر من ضعفي الهجمات عام 2006 و26 مرة أكثر من عام 2005 للفترة نفسها. وحتى نهاية 2007 شهدت أفغانستان أكثر من 140 هجوماً، أسفر أحدها في نهاية نوفمبر عن ثمانين قتيلا منهم ستة نواب كانوا يزورون مصنعا للسكر و59 تلميذا. واللافت أنه وقع في المنطقة الشمالية الهادئة نسبياً، وارتفعت حصيلة الخسائر في صفوف «الحلف الأطلسي»، وخصوصاً الأميركيين، إلى 220 مقابل 191 في العام الماضي وبلغت خسائر الشرطة من جراء أعمال العنف نحو 700 قتيل. وعلى صعيد «طالبان»، تلقت الحركة عدة ضربات لم تؤثر فيها كثيرا على الرغم من إعلان مقتل عدد من قادتهم، وفي مقدمهم الملا داد الله الذي قتل في مايو، ويمكن القول إن الإنجاز الوحيد لقوات «الأطلسي» والقوات الحكومية تمثل في استعادة إقليم موسى قلعة جنوبي البلاد قرب نهاية العام. وبدا واضحا من تعدد مراكز ملاحقة الإسلاميين أن قنبلة «القاعدة» تشظت وانتشرت بشكل عنقودي في أماكن عديدة من العالم، للدرجة التي دعت أجهزة استخبارات عالمية تطلق على دول أخرى في آسيا اسم «أفغانستان الثانية»، وذلك بعد أن ربطت هذه الأجهزة بشكل واضح بين التنظيمات الإسلامية في المنطقة، خصوصا تلك التي تعمل داخل الأراضي الإندونيسية والماليزية، وبين «القاعدة»، فقد ذهبت الاستخبارات الأميركية إلى أن شبكة «القاعدة» في جنوب شرق آسيا يقودها اثنان من رجال الدين الإندونيسيين، هما أبو بكر باعشير، الزعيم السياسي ل«الجماعة الإسلامية» في منطقة جنوب شرق آسيا، والمسؤول عن وضع السياسات والتصورات والذي تطالب بتسلمه كل من ماليزيا وسنغافورة، ورضوان عصام الدين، المعروف بالحمبلي، والذي قام بتوفير التمويل اللازم للخلايا الإرهابية في تلك المنطقة. وتذهب الاستخبارات الأميركية إلى أن أبو بكر يعد المسؤول عن انتشار الخلايا النائمة في منطقة جنوب شرق آسيا. وعلى الرغم من أن الحرب ضد الإرهاب في جنوب شرق آسيا قد استهدفت في المرحلة الأولى التركيز على جماعة أبو سياف الفلبينية، فإنها سرعان ما امتدت بشكل محموم ووتيرة متسارعة إلى دول كثيرة من الشيشان إلى إندونيسيا، في مؤشر يلمح إلى أن عام 2008 قد يشهد المزيد من حمامات الدم، خصوصا في آسيا.