"الأموال تعرف طريقها بسهولة لسوق المال الإسلامية في البحرين، ولكننا نعمل على أن تتجه إلى لندن".. هدف تتأهب الحكومة البريطانية لتحقيقه في المستقبل القريب؛ لتصبح "عاصمة عالمية للتمويل الإسلامي"، في منافسة قوية مع أكبر وأقدم العواصم الإسلامية المتخصصة في هذا المجال، كالمنامة ودبي وكوالالمبور. هذا الهدف صرح به ريتشارد توماس، رئيس المجلس الاستشاري الحكومي للتمويل الإسلامي، لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، مشيرا إلى أن النجاح الباهر الذي حققه نظام التعامل المالي الإسلامي على مستوى العالم في السنوات الخمس الماضية هو ما يشجع لندن للمضي قدما في هذا الاتجاه. ولتشجيع أصحاب الأموال المسلمين على استثمارها في لندن، يقول لك همفري بيرسي، رئيس بنك لندن والشرق الأوسط (بنك إسلامي): "إذا أردت أن تتحدث مع أي شخص حول التمويل الإسلامي وأنت في مكان آخر غير الشرق الأوسط أو آسيا فلتأت إلى لندن". وشهدت العاصمة البريطانية على مدار السنوات الخمس الماضية تجارب متنوعة في المعاملات المالية الإسلامية ظهرت في وجود أربعة بنوك إسلامية تجري معاملاتها بالكامل بما يوافق المبادئ الإسلامية في إدارة الأموال، وهي: المصرف الإسلامي البريطاني، والمصرف الأوروبي للاستثمار الإسلامي، وبنك لندن والشرق الأوسط، وبيت التمويل الأوروبي. وإلى جانب هذه البنوك الأربعة، التي لا يوجد لها نظير في بقية دول الاتحاد الأوروبي، حرص 21 بنكا تقليديا على قطف ثمار تجربة التمويل الإسلامي بتخصيص فروع للمعاملات الإسلامية، كان أحدثها فرعا لبنك "جيت هاوس" الذي حصل على رخصة العمل بهذا النظام من هيئة الخدمات المالية أبريل الماضي. ووفق أحدث دراسة حول التمويل الإسلامي أعدتها مؤسسة الخدمات المالية الدولية (آي إف إس إل) فإن لندن بها سوق ثانوية في الصكوك الإسلامية بتعاملات تصل قيمتها إلى ملياري دولار شهريا، إلى جانب سوق متنامية لخدمات الرهن العقاري بالتجزئة حسب الأصول الإسلامية. وأضحت لندن بذلك ذات دور ريادي في تطوير سوق خدمات التمويل الإسلامي التي يُقدر حجم التعاملات فيها الآن بنحو 531 مليار دولار على مستوى العالم بحسب الدراسة ذاتها. ويعلق ريتشارد توماس، رئيس المجلس الاستشاري الحكومي للتمويل الإسلامي، على ذلك بقوله: إن "السوق البريطانية تنتعش في هذا المجال، وهذه البنوك (الإسلامية) تجذب مزيدا من الاستثمارات لبريطانيا". وبريطانيا هي البلد الغربي الوحيد من بين 15 دولة على مستوى العالم التي تعتمد نظام التعامل بالسندات الإسلامية، كما أنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي رخصت لتأسيس مؤسسات مالية إسلامية قائمة بذاتها. حزمة مزايا وتأتي لندن بالمركز الخامس عالميا في التعامل بالنظام المصرفي الإسلامي بعد دبي صاحبة المركز الأول، ثم كوالالمبور في المركز الثاني، ثم المنامة، ثم الدوحة، بحسب تصنيف مجلة "فوربس" الأمريكية في عدد مايو الماضي. ونظرا لأن لندن لا تقنع بالمركز الخامس فهي تود استثمار حزمة مزايا تمتلكها مقارنة بمعظم الدول الأخرى في العالم، كي تصبح الحاضن الغربي لسوق التمويل الإسلامي؛ ما يتيح لها موقعا أفضل على خارطة سوق المال الإسلامية. ويعدد بيرسي، رئيس بنك لندن والشرق الأوسط، هذه المزايا لصحيفة "فاينانشال تايمز" قائلا: إن منها "السوق المالية المتطورة والمنظمة بشكل كبير، والأيدي العاملة الماهرة، والموقع الجغرافي المميز الذي ييسر لها التواصل مع المستثمرين والمتعاملين في الشرق الأوسط وآسيا، إضافة لوجود مليوني مسلم في بريطانيا يرغب الكثير منهم في التعامل ماليا وفقا للشريعة الإسلامية". كما يوضح الخبير المصرفي أن الحكومة أجرت إصلاحات قانونية لجذب الاستثمارات الإسلامية، ومنها إصدار تراخيص عمل للبنوك الإسلامية بدعم من بنك إنجلترا (البنك المركزي). ويشير إلى أنه "منذ خمس سنوات فقط، كان من شبه المستحيل بالنسبة لمستثمر إسلامي أن يحصل على خدمات مالية متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في لندن، أما الآن فقد أصبح بالإمكان الاستثمار في العقارات والسندات الإسلامية وأنشطة أخرى". ويوافقه توماس، رئيس المجلس الاستشاري الحكومي للتمويل الإسلامي، الذي يرى أن حزمة المزايا السابقة مناسبة لأن تضع لندن "في مقدمة المراكز المالية المنافسة لها على مستوى العالم". ويعتقد خبراء اقتصاديون بريطانيون أن الأموال المتجمعة في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، التي تجاوز دخلها العام الماضي حدود 610 بلايين دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط، يمكن أن تستثمر ربع دخلها عبر السندات الإسلامية في السوق البريطانية؛ ما يعني دفعا كبيرا لهذه السوق. وطبقا لمبادئ الاقتصاد الإسلامي فإنه يُحظر على المتعاملين إدارة الأموال في الربا أو تجارة الخمور والقمار والأفلام الإباحية والتدخين والسلاح ولحم الخنزير.