أجرت الحوار : سورين سيلو ( لوموند ) قال الخبير السياسي ورئيس قسم الدراسات بالمركز الفرنسي للأبحاث العلمية "رولان مارشال" إن اتهام المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية "لويس مورينو أوكامبو" للرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، هو موقف لا سند له من الناحية الشرعية أو القانونية، ويمثل تهديدا خطيرا لجهود السلام والتسوية بإقليم دارفور. تصريحات الخبير السياسي الدولي "مارشال" جاءت ضمن مقابلة نشرتها له صحيفة "لوموند" الفرنسية، هذا نصها : العديد من الدول عبرت عن مخاوفها بعد طلب استصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني البشير، فما هي انعكاسات هذا القرار على الوضع الميداني في دارفور؟ قضية دارفور هي الأزمة التي تثير بشكل أكبر الرأي العام الغربي. ومن وجهة نظر إنسانية بحتة يمكن القول إن المشكلة قد تم احتواؤها، ومع ذلك يلاحظ تردّ في الأوضاع منذ فشل اتفاقية آبوجا مايو 2006. وهذه الوضعية تتحمل مسئوليتها الحكومة وكذلك المليشيات التابعة لها سابقا، والتي تتصرف اليوم باستقلالية تامة عن سلطات الخرطوم، كما أن الانقسامات الكبيرة التي شهدتها حركات التمرد بدارفور تعد عاملا أساسيا في تردي الأوضاع بالإقليم . وعلى المستوى السياسي فقد تم تعيين وسيط جديد مؤخرا، ولاشك أن قرار محكمة الجنايات الدولية سيمثل عقبة كبرى أمام قيامه بمهامه. كما أن مذكرة التوقيف التي طلبها المدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية "لويس مورينو أوكامبو" بحق الرئيس البشير من شأنها أن تعرقل النجاحات المحققة فيما يتعلق بتطبيق بنود اتفاقية السلام بين السلطات المركزية في الخرطوم وحكومة جنوب السودان. هل تعتقدون أن المدعي العام "أوكامبو" ذهب بعيدا باتهامه مباشرة لرئيس دولة مازال في السلطة ؟ يبدو لي أن محكمة الجنايات الدولية تمارس الكثير من السياسة والقليل من القانون ، وعندما نقرأ عريضة الاتهام التي ألقاها "لويس مورينو أوكامبو" أمام مجلس الأمن الدولي في 5 يونيو الماضي نجد أن الصورة المقدمة عن الوضع في دارفور أقرب للهلوسة والتخريف منها للحقيقة والواقع.كما أن بعض المقارنات التي أوردها " أوكامبو" - كالقول بأنه ترتكب اليوم مذابح جماعية بمخيمات اللاجئين – مرفوضة تماما وتعكس تحيزا واضحا . ومهما كان شعورنا اتجاه الرئيس البشير أو موقفنا منه فإنه لا يمكننا أبدا مقارنته بهتلر! إنها أخطاء جسيمة وليس لها أي سند من ناحية التحليل السياسي أو الميداني ، وهي من الناحية القانونية لا معنى في أحسن الأحوال ، وهي في أسوا الأحوال تمثل عارا وفضيحة مشينة . ومن وجهة نظر سياسية يمكننا القول إن البشير بصفته رئيس دولة ارتكبت تجاوزات خطيرة يجب أن يعاقب ، ولكن من وجهة نظر قانونية بحتة يبدو الأمر سطحيا وضعيفا للغاية . عن السيد "أوكامبو" يتمتع اليوم بشعبية كبيرة في العديد من العواصمالغربية بما فيها باريس ، ولكن في بلدان العالم الثالث ينظر إليه باعتباره إحدى وسائل الغرب لتمرير خطابه ، وفرض مواقفه على أساس أنها تمثل رأي العالم أجمع . هل في استطاعة مجلس الأمن تجميد إجراءات المتابعة من محكمة الجزاء الدولية ؟ في البداية سيقوم فريق من قضاة المحكمة الدولية بدراسة الأدلة المقدمة من المدعي العام " اوكامبو" ومعرفة مدى الحاجة لإصدار مذكرة توقيف دولي بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وذلك سيستغرق على الأقل شهرا ونصف ، وبعد ذلك تبدأ الأمور الجدية . ويبدو أن هناك فقرة في ميثاق روما تخول مجلس الأمن الدولي اتخاذ القرار بتجميد إجراءات المتابعة قبل اكتمالها . ولكن بعيدا عن موضوع مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوداني هناك مشكلة حقيقية ، فعندما ننظر إلى أدلة الإدانة المقدمة من المدعي العام يتولد لدينا شعور بأن أي مسئول سياسي سوداني يمكن ملاحقته غدا من قبل محكمة الجنايات الدولية ، وفي هذه الحالة ليس الرئيس عمر البشير كشخص هو المستهدف ، وإنما النظام السوداني بأكمله ، وهنا نجد أنفسنا أمام وضعية تتسم بالغموض التام والضبابية القانونية ، حيث إن جهاز الدولة بأكمله قد تم تجريمه .. فكيف نقيم سلاما في مثل هذه الظروف ؟ اعتقد أنه يتعين علينا التفكير قليلا ، وألا ننساق وراء مواقف سياسية تسيء كثيرا للمصداقية القانونية للمحكمة . توجيه الاتهام للسلطات في الخرطوم هل يؤثر في رأيكم على ميزان القوة على الساحة ؟ لاشك أن المتمردين في دارفور يعتبرون أنهم قد كسبوا معركة كبرى بعد طلب المدعي العام إصدار مذكرة توقيف بحق البشير، وهم بالتأكيد سيسعون لكسب معارك أخرى . وبالتالي فإن حركات التمرد بدارفور ستقول غنها الفرصة الذهبية الآن لتعديل ميزان القوة العسكري لصالحها ، وإلا فلن يتم لها ذلك أبدا. وهذا بلا شك سيؤدي لردات فعل انتقامية عنيفة من الحكومة السودانية التي ربما تقول إنه لم يعد لديها الكثير مما تفقده وبالتالي سندخل في مواجهات دموية وتصعيد عسكري خطير كالذي حدث قبل سنتين ، والخاسر الأكبر من هذه الوضعية هم السكان المدنيون في دارفور بكل تأكيد . الصين والولاياتالمتحدة وكذلك الأممالمتحدة عبر كلها عن مخاوفها العميقة ..ما رأيكم ؟ الأممالمتحدة تخشى على سلامة موظفيها في عين المكان ، أما الصين فإنها ترى أنه من غير المناسب أبدا أن تجد اسمها مرتبطا بجرائم إبادة جماعية ، قبل أسابيع فقط من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية التي ستحتضنها . في حين أن الولاياتالمتحدة لم تكن ابدأ متحمسة لمحكمة الجنايات الدولية التي لم تصوت أصلا على قرار إنشاءها . وكانت واشنطن ترغب في توجيه رسالة قوية لسلطات الخرطوم للحصول على تسوية سريعة للأزمة ، لكنها لم تكن أبدا تتوقع أن تذهب محكمة الجنايات الدولية بعيدا إلى هذا الحد . وهناك قضية أخرى هامة جدا بالنسبة للأمريكيين تتعلق بالحرب على الإرهاب . فكما نعلم منذ سبتمبر 2001 تتحرك الحكومة السودانية بتنسيق تام مع واشنطن في هذه القضية ، لدرجة أن المعني بمتابعة الملف مع الجانب الأمريكي في هذا الموضوع - وهو نفسه المدير العام لجهاز الأمن السوداني ، والمسئول عن تطبيق سياسة الحكومة في دارفور- قد تمت دعوته لمقر المخابرات المركزية الأمريكية " السي آي إيه " وهنا يمكننا طرح السؤال التالي : في أي إطار يمكن للحكومة السودانية أن تقرر مواصلة تعاونها مع الولاياتالمتحدة ؟ ترجمة/ سعد بن أحمد