وصل الإسلام للمرة الأولى إلى ليتوانيا من خلال التتار الذي قدموا إلى البلاد قبل عدة قرون. ولكن الآن، يتعرض مركزهم الاجتماعي، كممثلين للديانة الإسلامية في البلاد، لخطر الضياع، وبشكل رئيسي من المهاجرين المسلمين الجدد. يوم الجمعة الماضي صعد جاكوباسكاس إمام مسجد كاوناس المنبر، وهو يرتدي عباءة بنية، حيث ألقى خطبة الجمعة باللغة الروسية، بينما أدى الصلاة وقرأ آيات القرآن باللغة العربية. وكان الإمام الذي درس في لبنان العلوم الدينية الإسلامية، يرى ضرورة عودة الوحدة بين الأقلية التتارية التي ينتمي هو نفسه إليها "الشيء الرئيسي الذي حافظ عليهم كجماعة واحدة هو الدين. المسجد، والإمام، وأشياء من هذا القبيل." المسجد الذي أصبح سيركاً ذلك ما كان عليه الأمر منذ قرون. كان المحاربون والنبلاء، الذين اعتنقوا الإسلام السني قد وصلوا للمرة الأولى إلى هذا الإقليم في القرن الرابع عشر، قادمين من كريما. في نفس الوقت الذي سقط فيه الاتحاد البولندي الليتواني الذي كان ممتدا من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. تحرك التتار بالتدريج إلى ما يعرف اليوم باسم ليتوانيا. وبقى في البلاد حوالي 4.000 تتاري، شكلوا أقلية صغيرة ولكنها مسجد كانوس الذي كان مخصصا للألعاب السيرك تحظى باحترام كبير. تمتع التتار بالحرية الدينية في ليتوانيا التي يعتنق أغلب سكانها الكاثوليكية، ولم يجبروا على التخلي عن ديانتهم، والتحول إلى الكاثوليكية. كما حدث في أسبانيا، على سبيل المثال، بعد طرد العرب والمسلمين منها. وعندما ألحقت ليتوانيا بالاتحاد السوفييتي، أجبر التتار على ترك قراهم والانتقال إلى المدينة. وتحول مسجد كاوناس، الذي كان قد أفتتح للمرة الأولى عام 1933، إلى مكان تعرض فيه ألعاب السيرك. ماذا تعني بكلمة مسلم؟ أعيد فتح المسجد مرة أخرى عام 1991 - كل ما احتاجوا إليه من أجل هذه الخطوة، هو حشد من المسلمين. لكن ايغدانس راسوس، أحد الخبراء الليتوانيين في شؤون الإسلام، يقول إن الروابط السابقة داخل الأقلية المسلمة قد اختفت: "في أحد الأبحاث التي أجريناها توجهنا إلى منزل حيث تحدثنا إلى بعض الناس. سألناهم، هل أنتم تتاريون؟ بالتأكيد. هل أنتم مسلمون؟ بكل تأكيد. ألسنا تتاراً؟ ولكن هل تقرأ القرآن؟ ليس لدي وقت لذلك، كما أنني لا أجيد لغة القرآن... هل تمارس الصلاة؟ ليس لدي وقت لذلك... هل تصوم رمضان؟ لم يعد الصيام أمراً معتاداً... إذن ما معنى أن تكون مسلما؟ هذا ما يجعلني تتاريا." يوافق إمام المسجد جاكوباسكاس على أن التتار عانوا معاناة كبيرة في ظل الشيوعية. وأنهم الآن يعانون مشكلة أخرى، بعد أن أصبحت ليتوانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي: حيث يترك الكثير من الشباب البلاد للعمل في الخارج. في نفس الوقت الذي تشهد فيه ليتوانيا تدفقا للمهاجرين. وأيضا عادت المساجد لتمتلئ من جديد، ولكن بالشباب المهاجرين من منطقة الشرق الأوسط، بشكل رئيسي. توترات لا يستغرب طالب الهندسة المعمارية اللبناني، علاء الدين الآغا، من قلة عدد التتاريين الذين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد. فالمسلمون التتاريون، في رأيه، أصبحوا مثل الليتوانيين الآخرين، يقول علاء الدين: "كل ما يفكرون فيه هو الشراب والسهر. لا أحد يفكر في ما بعد الحياة. بينما نحن، كمسلمين، علينا أن نفكر بالآخرة." يسرف بعض التتار في تعاطي المشروبات الكحولية، وأكل لحم الخنزير، وكل ذلك أدى إلى منازعات مع القادمين الجدد من المسلمين، الذين يتبعون تعاليم متشددة، وكما يقول الباحث ايغدانس راسوس عن المهاجرين الجدد "إنهم يقرأون القرآن فيستنتجون أن التتار ليسوا مسلمين حقيقيين."
ولا تزال السلطات الليتوانية تعتبر التتار الممثلين الرسميين لسكان المسلمين بسبب وجودهم التاريخي في البلاد، ولكن أصوات المسلمين المهاجرين أصبحت أكثر قوة مع مرور الوقت، وقد يطالبون قريباً بأن تكون لهم قنوات اتصال مباشرة مع السلطات. تسوية الخلافات إذا استمر التتار في لعب دور داخل الجالية الليتوانية المسلمة، عندها عليهم أن يكونوا أكثر انضباطاً في ما يخص قواعد الدين الإسلامي. ولكن معظم الشباب التتاريين توقفوا عن صوم رمضان. "إنهم يعتبرونه أمراً شديد الصعوبة" كما يقول أحد الخبراء في الإسلام. لم يستطيع إمام المسجد جاكوباوكاس أن يحصي أكثر من خمس نساء مسنات في مسجده هذا اليوم. ولكنه لا يزال يأمل بأنه سيكون هناك نوع من النهضة والإحياء الديني بين الشباب. وهو يعتقد أن الخلاف بين التتاريين والمهاجرين الجدد من المسلمين يمكن تسويته. فهم جميعا يؤمنون بنفس الإله، رغم كل شيء. "سأبقى تتاريا، وليس من المهم بأي لغة أصلي. فنبينا لم يأمرنا أبدا أن ننسي أصلنا."