قبلي.. الاطاحة بشاب انتحل صفة عون أمن    تداول صور تعرض سجين الى التعذيب.. وزارة العدل تنفي وتوضح    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    بن عروس: حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    عمل أمني موجه بمنطقة الحرس الوطني بسوسة    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تنبيه للمواطنين بخصوص آخر أجل لخلاص معلوم الجولان..#خبر_عاجل    القصرين: حجز تجهيزات تستعمل للغشّ في الإمتحانات    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تركيا.. مجهول يهاجم زعيم أكبر حزب معارض    إحباط 3 عمليات تهريب لبضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120ألف دينار بغار الدماء وطبرقة (الحرس الوطني)    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    مع محمود"... الصحراء الغربية ، الخلاف التاريخي بين المغرب و الجزائر "    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 28 أفريل إلى 3 ماي 2025)    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    عاجل/ سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب المطار الرئيسي في إسرائيل..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    باكستان تغلق موانئها أمام السفن الهندية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    برشلونة يقلب الطاولة على بلد الوليد ويبتعد بصدارة "الليغا"    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يعلن إنتشاره في جنوب سوريا    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يفقد الإخوان التوازن الداخلي؟
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 07 - 2008

أتصور وجود معادلة داخل كل تنظيم أو مؤسسة للحفاظ على التوازن الداخلي، والمقصود من هذا التوازن هو قدرة التنظيم على الحفاظ على وظيفته وأساليبه وأهدافه، وقدرته على التطوير من خطابه وأساليبه وخططه، وقدرته على التكيف مع الأوضاع والظروف التي يعيش فيها، وقدرته على الاستمرار والبقاء والفاعلية، وقدرته على التعامل مع الواقع بطرق مختلفة تتناسب مع تغير الزمان، وخلاصة تلك العناصر تتمثل في قدرة التنظيم على العمل بالمرونة اللازمة مع التمسك بالخط العام والغاية النهائية، ويضاف لذلك قدرة التنظيم على الحفاظ على التوازن بين الأهداف المختلفة التي يعمل من أجلها، وكذلك التوازن بين مجالات العمل المتنوعة، وأيضا التوازن بين مراحل العمل المختلفة.
وفي مقابل فكرة التوازن الداخلي سنجد مشكلة فقدان هذا التوازن وحدوث خلل داخل التنظيم، وهذا الخلل قد يؤدي إلى عرقلة التنظيم عن القيام بالمهام التي خطط لها، أو قد يؤدي إلى تراجع أهداف معينة لصالح أهداف أخرى، أو قد يؤدي إلى عدم النجاح في مجال ما في مقابل النجاح في المجالات الأخرى، وقد يؤدي الخلل الداخلي إلى توقف عملية التطوير، أو التوسع في التطوير على حساب القدرة على تحقيق الأهداف، كما قد يؤدي إلى أولوية هدف البقاء والاستمرار على هدف التأثير والفاعلية وتحقيق الأهداف، أو يؤدي إلى تقليل قدرة التنظيم على تحقيق أهدافه، برغم امتلاكه لقدر مناسب من تلك القدرة، ويضاف لذلك أن الخلل قد يحدث في التوازن بين المحافظة على المؤسسة في مواجهة ضرورة القدرة على تحمل قدر مناسب من المخاطر، حتى يتمكن التنظيم من العمل من أجل تحقيق أهدافه، مما ينتج عنه إما المحافظة على التنظيم مع انخفاض تأثيره ودوره، أو المخاطرة بالتنظيم بدرجة تضره ضررا بالغا أو حتى تنهيه، دون أن يكون قد حقق أهدافه النهائية أو اقترب من تحقيقها.
إذا طبقنا هذا التصور عن التوازن الداخلي على جماعة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها من البلاد العربية، باعتبارها حركة إسلامية مركزية في العالمين العربي والإسلامي، أو كما تسمى الحركة الأم، فسنجد أن الجماعة تمثل صورة للتنظيم الذي يحتاج للتوازن الداخلي أكثر من غيره، أي أنها التنظيم الذي يمثل فيه التوازن الداخلي أحد مصادر القوة، وضرورة من ضرورات الحفاظ على الجماعة، كما أنه ضرورة من ضرورات استمرار فاعلية وتأثير الجماعة، لذا نرى أن مسألة التوازن الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين تمثل عنصرا مهما يشرح لنا ما يحدث داخل الجماعة، ويساعد على التوقع بما ستقوم به الجماعة في المستقبل، كما يساعد على تحديد مسار الجماعة من حيث مدى توسعها جماهيريا ومدى توسع تأثيرها، أو مدى تراجع تأثيرها وفاعليتها.
وبهذا المعنى نرى أن التوازن الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين يمثل المنظم الرئيسي الموجه لحركة الجماعة، والذي ينظم قدراتها وإمكانياتها والاتجاهات المتنوعة بداخلها، كما ينظم عملية الحركة والتطوير والفعل الدعوي والسياسي والاجتماعي، وهذا المنظم الداخلي يوجد بالفعل داخل مؤسسات الجماعة، ويتمثل في الشورى والعمل الجماعي، والتفاعل بين الاتجاهات المختلفة، ونعني بذلك أن عملية التوازن الداخلي تحدث من خلال مؤسسات الجماعة، ولكنها قد تنجح أحيانا أو تفشل أحيانا أخرى، فهي عملية معقدة ومركبة؛ لأنها ببساطة توازن بين كل العناصر الأساسية الموجودة داخل التنظيم.
ولأن جماعة الإخوان المسلمين قامت على يد مؤسسها، بوصفها هيئة إسلامية جامعة، تنشط في مختلف المجالات، وتعمل من أجل تحقيق النهضة الإسلامية، لهذا تقوم الجماعة بالعمل في مختلف المجالات الحياتية، كما تعمل من أجل خطة طويلة المدى ومستمرة، ولها العديد من المراحل، كما أن الجماعة توجد في العديد من الدول، واستمر وجودها عبر العديد من العقود، أي أنها وجدت عبر أزمان مختلفة وأماكن مختلفة أيضا، كل هذا يجعلنا بصدد تنظيم متعدد، فهو متعدد في مجالات العمل، وفي الأهداف ومراحل العمل، ومتعدد في الأساليب والخطط، وكل هذه التعددية، تجعل مسألة الحفاظ على التوازن الداخلي مسألة ليست سهلة، ولكنها عملية شاقة من التفاعل الداخلي، الذي قد يأخذ شكل تدافع داخلي، وقد يتحول إلى درجة من درجات الصراع الداخلي المؤقت.
التوازن الوظيفي
من أهم القضايا المثارة داخل جماعة الإخوان المسلمين قضية التوازن بين الوظائف المختلفة التي تقوم بها الجماعة، خاصة الوظيفة الدعوية العامة، والوظيفة التربوية الداخلية، والوظيفة السياسية العامة، فالوظيفة الدعوية العامة تتعلق بنشر الجماعة لفكرها بين الناس، ومدى قبول الناس لهذا الفكر، وبالتالي مدى الإقبال على الانضمام لعضوية الجماعة، والوظيفة التربوية الداخلية ترتبط بالعمل التنظيمي الداخلي ومنهج تكوين الكوادر وتثقيفها وبناء رؤيتها الإسلامية، أما الوظيفة السياسية العامة فترتبط بالدور السياسي للجماعة في الانتخابات العامة والخاصة، بما في ذلك دور الجماعة في المجالس التشريعية أو المحلية أو في النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، ودور الجماعة أيضا في المجال السياسي وعلاقتها بالقوى السياسية الأخرى، هذا بجانب الوظائف والأنشطة الأخرى للجماعة.
وما دامت الجماعة أسست على قاعدة تعدد أنواع النشاط، بل شموليتها، لهذا يصبح التوازن بين ما تقوم به الجماعة في المجالات المختلفة مهما، والتوازن يتحقق بقدرة الجماعة على تحقيق دور فعال في مختلف المجالات، بحيث ينمو هذا الدور تدريجيا، دون أن يؤثر العمل في مجال على المجالات الأخرى، وهنا يحدث فقدان التوازن بين وظائف الجماعة، عندما تركز على مجال بصورة تضر المجالات الأخرى، ثم تعود الجماعة للتركيز على ما أهمل لفترة، وبهذا تضطرب قدرتها على الموازنة بين دورها وفاعليتها في مختلف المجالات، مما يؤدي إلى فاقد في الجهد نتيجة إهمال جانب لفترة من الوقت ثم العودة لاستعادة ما فات، وقد يحدث التوازن بصورة أخرى من خلال مراحل العمل، فيكون نصيب مجال معين في المراحل الأولى قليلا، ثم يزاد مع الوقت دون التأثير على المجالات الأخرى بصورة سلبية، فلا يمكن لجماعة تقوم بدور متعدد، أن تجعل للعمل الدعوي مرحلة ثم للعمل السياسي مرحلة أخرى، بل يكون عليها الانتقال من مرحلة لأخرى لتوسيع عملها في مجال ما، مع الاحتفاظ بما تحققه في المجالات الأخرى.
ونعتقد أنه يغلب على جماعة الإخوان المسلمين التركيز على جانب لفترة، ثم محاولة تحقيق التوازن من خلال التركيز على الجوانب الأخرى لفترة أيضا، وهذا ليس أفضل أسلوب، فالتوازن الأنسب يجعل فاعلية الجماعة في المجالات التي اختارت العمل فيها في تقدم مستمر، مع احتمال أن تكون أهمية مجال ما قليلة في مرحلة، ثم تزداد في المراحل الأخرى.
التوازن بين الحسابات
داخل جماعة الإخوان المسلمين العديد من التخصصات والمهارات، والتوازن بينها مهم؛ لأنه جزء من التوازن بين مجالات العمل المختلفة، ولكل مجال عمل حساباته الخاصة، والعوامل المفيدة لنجاحه، وهنا قد تبرز في بعض الظروف والأوقات عوامل معينة تفيد مجالا ولا تفيد المجالات الأخرى، كأن يكون من مصلحة العمل الدعوي ونشر الفكرة بين الناس تهدئة العمل السياسي، وفي المقابل قد تكون عملية تهدئة العمل السياسي نوعا من التراجع الذي يؤثر على ما تحقق في هذا المجال، وهنا تكون المشكلة ليس في قدر العمل في كل مجال، ولكن في أن الاحتفاظ بقدر العمل المطلوب في مجال ما يتعارض مع متطلبات المجالات الأخرى، وهذه النقطة في حد ذاتها قد تكون سببا في عدم القدرة على الحفاظ على التوازن في مدى فاعلية الجماعة في المجالات المختلفة.
والأنسب هنا هو اعتبار تكلفة وضريبة عمل الجماعة كلٌّ واحدٌ لا يتجزأ ما دام مشروعها كلا واحدا لا يتجزأ، وهذا يعني وضع حسابات كل مجال في الاعتبار، ولكن في الحدود التي لا تؤثر على المجالات الأخرى، والتي تسمح بتحقيق تقدم في مختلف المجالات، حتى وإن لم يكن بنفس الدرجة، فالظروف التي تؤثر سلبا على العمل الدعوي أو السياسي لحد يجعل التقدم في أي منهما يتراجع بنسبة واضحة، يجب تجاهلها لصالح التخطيط للحفاظ على حد أدنى من التقدم والفاعلية في كل المجالات، وهذا أمر ليس سهلا، ولكن يصبح المطلوب تحقيقه هو أفضل ما يمكن عمليا.
لا توازن بين السرية والعلنية
بسبب الحصار الأمني والمواجهات الأمنية مع جماعة الإخوان المسلمين، وبالإضافة لمحاولة حصار جماعات الإخوان المسلمين في كل البلاد، يتكون لدى الجماعة هاجس الحفاظ على التنظيم، ويتبعه إجراءات تهدف لمقاومة الضربات الأمنية، وهنا قد يصبح الهاجس الأمني مؤثرا على علنية التنظيم، بأن يرى البعض ضرورة وجود قدر من السرية، وفي هذه القضية نتصور أن التوازن غير مطلوب، فالجماعة علنية أساسا، ودورها يتحقق بالعلنية، ومشروعيتها تتحقق أيضا بالعلنية، والسرية في أي مرحلة من المراحل، أو في أي جزء من التنظيم، لم تخدم الجماعة على المدى الطويل، حتى وإن حققت لها فائدة مؤقتة أحيانا، ولهذا نرى أن السرية في عمل التنظيم، سواء في جانب منه أو في مرحلة من مراحله، ليست حماية للتنظيم من الحصار والضربات الأمنية، بقدر ما هي عامل يؤثر على فاعلية الجماعة في معظم المجالات؛ لأن الجماعة تقدم نفسها بوصفها تنظيما يحمل رسالة يقدمها للناس، وتلك الرسالة تحتاج للعلانية والشفافية، فبقدر وضوح الجماعة بقدر ما تكون رسالتها واضحة، ودورها وأهدافها معلنة وواضحة، وهذا يؤسس لمصداقيتها بين الناس الذين تستهدف إقناعهم برؤيتها.
وهذا لا يعني تعريض الجماعة لضربات أمنية مؤذية، فالمطلوب ليس السرية، بل الاحتياط التنظيمي، والفرق بينهما كبير، فالاحتياط يعني أحيانا عدم إعلان اسم مسئول ما، برغم معرفة الجميع بوجود هذا الموقع، وقد يعني عدم الإعلان المسبق عن نشاط أو إجراء، مثل إجراء الانتخابات، ثم الإعلان عنه لاحقا، وقد يعني تأجيل الإعلان عن بعض الخطوات، على أن تصبح معروفة في النهاية، أو قد يعني الاحتياط الأمني عدم الإعلان عن بعض أعضاء الجماعة، والحقيقة أن عضوية الجماعة لا تحتاج لإعلان من قبل الشخص المنضم لهم، لهذا يصبح الإعلان عن الأعضاء الجدد تعريضا لهم للملاحقة الأمنية، لا فائدة من ورائه، وهكذا يمكن للاحتياط التنظيمي تجنيب الجماعة بعض وليس كل الضربات الموجعة، مع الوضع في الاعتبار أن الذي يحمي الجماعة فعلا من تشويه صورتها، والذي يجذب لها الاتباع هو علانية رسالتها وأهدافها وأغراضها ونشاطها، فإذا وصلنا للمرحلة التي تحقق المعرفة المهمة والأساسية لدى مختلف المراقبين ولدى المجتمع عن الجماعة أصبحت الجماعة علنية، حتى وإن حافظت على بعض التفصيلات غير المؤثرة على صورتها لتجنب بعض الضربات المحتلمة، وبهذا تكون العلنية هي تحقيق للتوازن بين رسالة الجماعة وبين حفاظها على التنظيم؛ لأن السرية تعرقل رسالة الجماعة، والتنظيم ليس إلا وسيلة لتحقيق الرسالة.
التوازن في المخاطرة
تلك واحدة من القضايا المهمة لدى جماعة الإخوان المسلمين، فدورها يتطلب منها التأثير على الواقع وإصلاحه، ومن ثم فهي حركة إصلاح تنشد الوصول إلى واقع أفضل، وأي حركة إصلاح تواجه بالنظام القائم الذي يرفض دورها ويرفض الإصلاح والتغيير، كما تواجه بالقوى المسيطرة والحاكمة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، والتي تعتبر أي مشروع للإصلاح مؤثرا على وجودها ومخططاتها وأهدافها، ولهذا فدور جماعة الإخوان المسلمين يقوم على المخاطرة، ودفع ثمن محاولة تحقيق الإصلاح والنهضة الإسلامية، والتي تمثل خطرا على القوى المهيمنة على العالم، والتي تعتبر نهضة العالمين العربي والإسلامي عاملا يوقف هيمنتها على العالم.
ومن الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين مؤسسة على قبول دفع ثمن رسالتها، وتعتبرها ضريبة لازمة لرسالتها والدعوة التي تحملها، ولهذا فتحمل التبعات والرضا عن الثمن المدفوع ليس مشكلة الجماعة، ولكن تتمثل المشكلة في حساب قدر المخاطر التي ترتبط بكل خطوة من خطواتها، والتي قد يتعرض لها التنظيم، وهنا يبرز اتجاه يميل لعدم تعريض التنظيم للخطر، برغم تحمل الأفراد لضريبة عملهم الإصلاحي، واتجاه آخر يرى أن عملية الحفاظ على التنظيم نفسها أصبحت تكلف الجماعة ثمنا مهما من دورها، وهو تأجيل أو عرقلة أو الحد مما يمكن أن تقوم به الجماعة في عملية إصلاح المجتمع والنظام السياسي، وصولا لتحقيق النهضة الحضارية.
والتوازن هنا مطلوب، فالمخاطرة موجودة في كل دور الجماعة؛ لأنها ترتبط بوجود عملية تغيير للواقع الراهن، فإذا كان التنظيم هو وسيلة الجماعة لتحقيق رسالتها، فمعنى هذا أن التنظيم سوف يتعرض للعديد من المخاطر، والتوازن يتحقق عندما لا يؤدي الحفاظ على التنظيم إلى الحد من تأثير الجماعة وفاعليتها في كل المجالات، وعندما لا يؤدي إلى تأجيل المراحل المستقبلية من عمل الجماعة، وعندما لا يبعدها عن تحقيق أهدافها النهائية، وفي المقابل فإن التوازن يتحقق أيضا بالبعد عن المخاطر العالية، والتي تقوم على أكبر قدر من المخاطرة في عملية مرحلية وجزئية، أو التي تقوم على حسابات تتعدى نسبة المخاطرة فيها، أي نسبة معقولة للنجاح.
وهنا يجب الاعتراف بأن هذا الأمر ليس هينا، خاصة في ظروف عمل معقدة، تتمثل أساسا في الاستبداد السياسي الداخلي، ومشاريع الهيمنة الخارجية، ولكن الملاحظ عامة أن هناك فترات غلب فيها حماية التنظيم من المخاطر، وفترات أخرى غلب فيها التقدم وتقبل بعض المخاطر على التنظيم، والمحصلة النهائية تثبت بأن التوازن يتحقق من خلال تقوية التنظيم وتوسيع قاعدته، ثم رفع مستوى المخاطرة بقدر ما تحقق من تقوية للتنظيم، وإلا ستكون عملية تقوية التنظيم بلا فاعلية مباشرة، أو تصبح عملية تقوية التنظيم بلا نهاية.
التوازن هو سر النجاح
نستطيع القول إن قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تعظيم دورها في كل المجالات التي تعمل بها مع مرور الوقت، وقدرتها على تحقيق فاعلية أكبر مع الزمن، وقدرتها على الحفاظ على التنظيم وعلى فاعليته في آن واحد، وقدرتها على تحصيل الآراء المتنوعة بداخلها والمهارات والتخصصات المختلفة لتقوية قدرتها على التخطيط واتخاذ القرار، أي قدرة الجماعة على تحقيق التوازن، هي من أهم عوامل نجاحها، فإذا اختل توازنها الداخلي فقد تفقد تأثيرها وفاعليتها عامة، أو تفقد دورها في أحد المجالات، أو قد تعاني من تراجع شديد في أحد المجالات، فحتى تتقدم الجماعة نحو هدفها بتحقيق النهضة الشاملة عليها أن تحقق التوازن بين الأهداف وبعضها البعض، وبين الوسائل وبعضها البعض، وبين الوسائل والأهداف، وتلك ليست عملية سهلة، ولكن صعوبتها تنبع أساسا من أن الجماعة اختارت أن تعمل من أجل الإصلاح والنهضة الشاملة.
(*)باحث قبطي مصري
إسلام أون لاين.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.