تسارعت الأحداث بشكل مفاجئ وانتهى الأمر بالإعلان عن إلقاء القبض على رادوفان كارادجيتش ، المطلوب منذ وقت طويل للمحكمة الدولية في لاهاي بتهمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية وجرائم حرب ، وزادت مع الإعلان فرص نجاح مفاوضات انضمام دول البلقان الغربية إلى الاتحاد الأوروبي. الاتحاد الأوروبي أعرب عن رغبته في انضمام دول يوغسلافيا السابقة وألبانيا حال التوافق على شروط الانضمام ، ومن بينها التعاون غير المشروط مع المؤسسات والمنظمات الدولية والأوروبية ، ولعل تسليم المطلوبين سيكون أبرز وجوه أي تعاون محتمل. انتهاء قصة الفار من وجه العدالة والمتهم بحصار سراييفو ومذبحة سريبرينيكا ، التي قتل فيها نحو ثمانية آلاف بوسني ، سيشجع المسئولين كافة على الحديث عن المزيد من التعاون في المجالات الاستخبارية وتسليم المطلوبين. يعتبر البعض أن التوسع في مساحة الاتحاد الأوروبي باتجاه ضم دويلات البلقان الغربية بمثابة الحل الوحيد لضمان الاستقرار في تلك المنطقة الجارة للاتحاد الأوروبي. دول ضعيفة سياسيا واقتصاديا مقارنة بدول أوروبا عموما ، يعتبرها المجتمع الدولي غير مؤهلة لأن تكون جزءا من أوروبا الجديدة. خاصة بعد ثبوت تقارير أصدرتها البعثات الدولية تؤكد تفشي الفساد بشكل كبير في المؤسسات العامة وفي مراكز حساسة من البناء السياسي. تقرير اللجنة الأوربية المعنية بتوسع الإتحاد الصادر نهاية العام الماضي يشير بوضوح إلى "عدم أهلية دول البلقان للانضمام وانعدام الجدية في الجهود المبذولة حتى الساعة". البعض يعتقد أن الرفض الايرلندي لمعاهدة لشبونة ، التي تدعو إلى جملة من الإصلاحات في المؤسسة الأوروبية ، ساهم في أن تبقى الأوضاع على حالها في بلدان أوروبية بأمس الحاجة إلى تلك الإصلاحات ومنها بلا شك.. دول البلقان. السياسة التي اتبعها الاتحاد الأوروبي لضم دويلات الاتحاد السوفيتي السابق عام 2005 ، لا يمكن تطبيقها بالضرورة على دول البلقان. وأسباب ذلك عديدة ، قد يكون أهمها استمرار الصراع بين تلك الدول حتى بعد الاستقلال والخلاف على ملفات الحدود والشراكة والتكوين السياسي بعد انهيار الكتلة الشيوعية ، وهو أمر لم يكن بهذه الصعوبة مع دويلات الاتحاد السوفيتي السابق. قبل أسابيع علق أولي رين ، المفوض الأوروبي الخاص لتوسيع الاتحاد الأوروبي قائلا: "يلزمنا الكثير من الصبر والجدية بالنسبة لدول البلقان لتحقيق أي تقدم محتمل" ، وجدد رغبة الاتحاد الأوروبي لضم دول البلقان إذا ما التزمت الأخيرة بحل القضايا العالقة. وبعد اعتقال كارادجيتش ، يبقى ملف كوسوفو من بين أبرز القضايا العالقة قبل انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات. العقدة بالنسبة لأوروبا تكمن في قلة الخيارات في التعامل مع ملف البلقان بين تولي الملف الأمني في منطقة ما زالت تعاني من عدم الاستقرار ، وبين قبول عضوية تلك الدول بشكل فوري لتكون المهمة الأمنية من مسئولية الأجهزة الأوروبية في الاتحاد. ولتكون مهمة حلف شمال الأطلسي في تلك المنطقة أكثر وضوحا. يريد الجميع حلا لانضمام تلك الدول دون المجازفة بمعايير الانضمام أو بترك هذه البقعة الحساسة المجاورة للاتحاد الأوروبي. في الوقت ذاته ، فإن جهود الحكومات في تلك الدول يبدأ بلا شك من جدية الرغبة لدى الاتحاد الأوروبي في انضمام دول البلقان ، لأن ذلك سيكون بمثابة الدافع الأهم نحو المزيد من الإصلاحات. وطبعا يتوجب على دول البلقان أن تثبت بأنها أهل للالتحاق بواحدة من أهم الكتل السياسية في العالم. العلاقة بين دول الاتحاد ينبغي أن تقوم على الشراكة لا على الاعتماد على الآخر في تصريف الأمور. ويعني ذلك أن تتحمل دول البلقان المسئولية كاملة في التعامل مع المشاكل السياسية والاقتصادية بدلا من انتظار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ثم تركها للقادة الأوروبيين ، لينشغل الجميع بملفات الفساد والإصلاح بدلا عن ملفات التنمية وتطوير البنى التحتية وتطوير النظامين السياسي والاقتصادي. توماس فرنزي «لوموند»