الرباط - يقترب شهر رمضان المبارك وتهفو نفوس أهالي مكناس المغربية إلى "مجالس القرآن"، ليتدبروا معانيه محلقين في سماء صوره وبلاغاته، خاصة إذا كانت صادرة عن الداعية الإسلامي المعروف الدكتور فريد الأنصاري الذي حرمه المرض هذا العام من المشاركة في المحاضرات العلمية التي ينتظرها أهالي المدينة بفارغ الصبر في كل رمضان. وسيترك الداعية المغربي -الذي يتلقى العلاج في تركيا- فراغا كبيرا في مجال الوعظ في مكناس، بل المغرب بأكمله، كما يشعر الكثير من محبيه بأسى بالغ لغيابه هذا العام، ليس لكونه رئيس هيئة علمية رسمية (المجلس العلمي لمكناس) وخطيبا مفوها، ولكن لأن مشروعه الدعوي يرتكز على القرآن ومجالسه وتدبر آياته وبلاغاته، وتزداد الحاجة لمحاضراته خلال شهر القرآن. ويقول محمد أبو البراء، أستاذ التربية الإسلامية بسلا، لشبكة "إسلام أون لاين.نت": "منذ أن عين د. الأنصاري رئيسا للمجلس العلمي وهو في حركية لافتة بمسجد محمد السادس والمسجد الكبير بمكناس، إضافة إلى سلسلة ندوات عقدها حول القرآن كأساس لنهضة الأمة".
ويضيف أبو البراء: "تابعت مشاركته، عافاه الله، في برنامج (مع الحدث) بالقناة الأولى على التلفزيون الرسمي، وأعجبني أسلوبه في الإقناع بجدوى الفكرة الإسلامية وأهم التحديات المفروضة عليها في عصر العولمة، كما أن مجمل أفكاره هي من صميم القرآن وتوجيهاته". خسارة للوعظ محمد النجار، أحد المغرمين بدروس ومحاضرات د. الأنصاري على الأسطوانات المدمجة، والذي كثيرًا ما يسأل عن جديد إنتاجه، يرى أن غيابه في رمضان المقبل جراء المرض يمثل "خسارة للوعظ الرصين والمبدع". ويدلل على ذلك بالقول: "عندما أنصت لخطبه ومحاضراته أشعر بروحانية عالية، فمثلا توجد خطبة خصصها لاستقبال رمضان تحوي توجيهات مفيدة لاستثمار أوقاته حتى لا تضيع وسط برامج اللهو التلفزيوني والفضائي". ويضيف النجار: "أحس بأن الرجل يتكلم بحكمة، فلأكثر من ثلاث سنوات وأنا حريص على الاستماع لهذه الخطبة كلما أقبل رمضان؛ لأن أفكاره ما تزال جديرة بالتمعن والنهل منها". وحرصت عدة مواقع إلكترونية على بث خطب ومحاضرات د. الأنصاري، خاصة موقعي "المغني" و"الفطرة"، فضلا عن موقع "يوتيوب" الشهير، كما أن أشرطته العلمية السمعية والمرئية قلما تخلو منها المكتبات المغربية ذات الاهتمام بالإنتاج الديني. ويوضح محمد الحفظاوي، أحد تلامذة الأنصاري، من جانبه أن "غياب الأنصاري من المؤكد سيكون له أثر في رمضان، نظرا لحضوره كشخصية علمية في مؤسسة علمية، وكخطاب دعوي متميز في المسجد". ويلفت إلى أن غيابه بالنسبة للمؤسسة العلمية "سيترك فراغا فيما يخص نوعية التدبير العلمي الذي كان يشرف عليه، كما أن مرضه يعني غياب حلقات قرآنية ومجالس علمية لها أثرها في رواده، وغياب خطاب دعوي يوم الجمعة يواكب الوقائع ويعالجها ببصمته المقاصدية الجريئة". حاضر بما كتب ويكتب الداعية مولاي عمر بنحماد، الذي سبق أن زار الأنصاري في تركيا، لا يعتبر سفره للعلاج غيابا، ويقول: "لا يمكن الحديث عن غياب، بل رحلة علاج، ونسأل الله تعالى له الشفاء ليستأنف عمله كاملا غير منقوص". ويلفت بنحماد إلى أن "المرض، ولا شك، قلل من درجة حضور الأنصاري في المشهد العلمي والدعوي بالمغرب، لكنه ما زال حاضرا بما كتبه.. أتمنى له عودة سريعة إلى المغرب". ويقدر الداعية المغربي شفيق الإدريسي أن مرض د. الأنصاري يمثل "خسارة كبيرة في المجال الدعوي والعلمي بالمغرب والعالم الإسلامي؛ لأنه داعية من العيار الثقيل وشخصية علمية غير عادية، كما له خصوصية نادرة في مجال الدعوة ورسوخ العلم، وقل أن يوجد مثيل له في المغرب". من هو الأنصاري؟ وفريد الأنصاري ولد بالراشيدية جنوبي المغرب عام 1960، وتخصص في مادة الأصول ضمن شعبة الدراسات الإسلامية، وتقلد منصب رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، وأستاذا لأصول الفقه ومقاصد الشريعة بالجامعة نفسها. وقد جعل اللغة العربية سبيله لتدبر آيات القرآن الكريم، فألف كتاب "التوحيد والوساطة في التربية الدعوية" في جزأين، و"بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار آيات الطريق"، و"مجالس القرآن من التلقي إلى التزكية"، و"ميثاق العهد" و"الفطرية"، إضافة إلى كتب علمية ونقدية في مسار الحركة الإسلامية بالمغرب، وآلاف التسجيلات حول مختلف القضايا الحياتية. والأنصاري أيضا أديب وشاعر؛ فله عدة دواوين شعرية منها: ديوان القصائد، الوعد، جداول الروح (بالاشتراك مع الشاعر المغربي عبد الناصر لقاح)، وديوان الإشارات، ومن رواياته الأدبية أيضا: كشف المحجوب، ومشاهدات بديع الزمان النورسي، وخصص له محبوه مدونة خاصة على الرابط التالي: http://faridalansari.maktoobblog.com