من السذاجة أن يستغرب المرء ما تقوم به أمريكا من عمليات تجسّس على عميلها في بغداد نوري المالكي, رئيس وزراء المنطقة الخضراء. فدولة العم سام لها تاريخ مشهود, لا في التجسّس على العدو والصديق فقط, بل وفي الجرائم والانتهاكات والتجاوزات والخرق المتعمد والفاضح للقانون الدولي, والاستهتاربكل المعاهدات والمواثيق بما فيها تلك التي وقعّتها وصادقت عليها. وهل يتناسى الناس أو يتجاهلون إن أمريكا, خصوصا في إدارة المجرم بوش, تتجسّس على القادة الأمريكيين المعارضين لسياستها وعلى مواطنيها العاديين أيضا. ضاربة بعرض الحائط, بعد أن خرقت وتجاوزت على القوانين والأعراف الدولية, نفس دستورها وقوانينها وقيمها الأخلاقية ومعظم الانجازات التي تحققت في العقود الأخيرة لصالح المواطن الأمريكي. إن الوسواس الخنّاس, الذي يوسوس في صدورالناس, دخل الى قلوب ونفوس العصابة التي تحكم البيت الأسود في واشنطن. ونشر في أركان ذلك البيت المشؤوم الخوف والشك وعدم الثقة. الى درجة إن أمريكا, المهيمنة على العالم بقوتها العسكرية والاقتصادية وألاعلامية, تتجسّس على عميل من درجة واطئة جدا كنوري المالكي. والسؤال الذي يجب طرحه هو ماذا تريد أمريكا أن تعرف عن نوري المالكي؟ فالرجل لا يبتعد خمسين مترا عن مكتبه دون علم وإذن القوات الأمريكية, ولا يخرج من المنطقة الخضراء الاّ بصحبة كتبية مختلطة من مارينز أمريكا وميليشيات حزب الدعوة الذي ينتمي اليه. وكلّ تصرفاته وتحركاته وجدول عمله اليومي تحضع لمراقبة وتدقيق السفيرالأمريكي في بغداد. وكلامي هذا أكدته الناطقة باسم البيت الأبيض, دانا بيرينو, وهي تعقب على عملية التجسس من قبل إدارتها النزيهة جدا, قائلة"إن علاقتنا مع العراقيين تتسم بالصراحة والانفتاح. ونحن على إتصال كلّ يوم تقريبا. لدينا تعاون مكثّف مع رئيس الوزراء نوري المالكي..وسفيرنا يلتقيه يوميا تقريبا". ومعلوم إن إدارة المجرم بوش تتصل يوميا بعملائها في بغداد ليس حبّا بالعراقيين أو لتستفسرعن الظروف المعيشية للمواطنين وإذا ما طرأ بعض التحسّن, خصوصا بوجود ملايين الدولارات ومئات المستشارين والفنيين, في مجال الخدمات العامة كالماء والكهرباء الرعاية الصحية. لا.. وألف لا. لأن كلّ ما يهمّ أمريكا, في إتصالها شبه اليومي بساسة المنطقة الخضراء, هو التأكد من أن هؤلاء نفّذوا الأوامرالصادرة لهم من واشنطن بالشكل المطلوب ودون لفّ ودوران . لكن ما يثيرالضحك والسخرية حقا هو تصريح الناطق باسم حكومة العمالة في بغداد, على الدباغ, والذي قال فيه"إن العراق سيطلب تفسيرا من الولاياتالمتحدةالأمريكية حول تقرير أفاد بان أمريكا تتجسّس على مسؤولين عراقيين ومن ضمنهم رئيس الوزراء نوري المالكي".وإذا إفترضنا إن تفسيرا ما سوف يصل الى"دولة" نوري المالكي, فما الذي سيتغيّر مستقبلا في علاقة السيّد الأمريكي المتعجرف مع جوقة الخدم العبيد المصابين بالوهم والخداغ بأنهم أصحاب قرار مستقل ويقودون دولة ذات سيادة, بينما تقوم قوات الاحتلال, وكلابها المدمنة على شمّ رائحتهم الكريهة, بحراسة بيوتهم ومكاتبهم. بل إن ما يُسمى بالناطق باسم حكومة بغداد العميلة قال" إذا كان هذا الأمر صحيحا فانه يعكس عدم وجود ثقة". ويتناسى هذا العبقري إنه لا يمكن لأمريكا أو لسواها أن تثق بمن باع وطنه بابخس الأثمان, بل بلا ثمن, وخان شعبه وسبب ما لا يُحصى من المآسي والنكبات والويلات من أجل أوهام وأحلام صبيانية سرعان ما تبخّرت بعد أن بزغ, وبشكل أذهل وحيّرالعملاء وأسيادهم, فجرالمقاومة العراقية الباسلة الذي جعل نوري المالكي وناطقه الرسمي على الدباغ ومن هم على شاكلته محشورين في دهاليزالمنطقة الخضراء, يجترّون ذكرياتهم الجميلة التي عاشوها في الفنادق الراقية والفلل الفارهة, خارج العراق, عندما كانوا عبارة عن أحزاب وتنظيمات سياسية خاضعة للبيع والشراء. لقد توهّم هؤلاء الرعاع, بعد أن أعمى الحقد الأسود بصائرهم وأبصارهم, إن أمريكا التي تتعامل مع الجميع وفق مصالحها الخاصة فقط, وتعتبركلّ المنخرطين في مشاريعها وخططها عملاء من درجات وفئات مختلفة, تعتبرهم أصدقاء لها وتفتح لهم نافذة في قلبها المشحون بالحقد والعداء والكراهية على العرب والمسلمين, بمن فيهم التابعين لها والخاضعين مباشرة لسلطانها. وعليه فمن الأفضل لسكنة المنطقة الخضراء إن يكفّوا عن الثرثرة وإزعاج ربّ نعمتهم بوش الصغيرقبل أن تضطر إدارته لكشف وفضح ما هو أمرّ وأسوء من عمليات التجسّس عليهم. المصدر بريد الفجرنيوز