باريس – مع اقتراب موعد الإفطار تتزايد حركة المارة بين السوق الرمضانية المنتصبة في شارع "جون بير تنبو" وبين مسجد "عمر بن الخطاب" في نهاية الشارع، بينما ترتفع أصوات الباعة وهم يروجون لكعك "المقروض القيرواني" وحلويات "الشامية" وخبز "الملاوي" و"محجوبة" الجزائرية.. لسنا بالقطع في حي باب الوادي في الجزائر، ولسنا في حي باب سويقة بتونس العاصمة، ولسنا في مدينة مراكش المغربية.. إننا في قلب باريس , في حي "كورون" مملكة رمضان بفرنسا. في مدخل محطة مترو الأنفاق "كورون" والتي سمي الحي باسمها ليس من السهل أن تعثر على ذوي الوجوه الشقراء والعيون الزرقاء (أي الفرنسيين) وقد يصيبك الإجهاد إلى أن تعثر على واحد منهم يخرج أخيرا من تحت الأرض , فغالبية المترددين على المحطة من ذوي البشرة السمراء، أي وبلا منازع مغاربيون وهم الذين يتجمعون كل يوم في مجموعات صغيرة قبيل الإفطار يتحدثون في الغالب اللغة التونسية الدارجة؛ نظرا لكثافة التونسيين في هذا الحي على عكس حي بارباس في الدائرة الثامنة عشرة، والذي تقطنه غالبية جزائرية . وسوق "كورون" الرمضانية مقسمة إلى ثلاثة أقسام، فعلى يمين المحطة يقف باعة الحلويات والأطعمة بكل أصنافها من كعك "الزلابيا" و"المخارق" و"شامية الغزالة" و"هريسة الوطن القبلي بتونس" و"نعناع الشاي الأخضر" مرورا "بربطة السلك "والمعدنوس" ووصولا إلى "الخبز العربي" والذي تتزعمه "محجوبة" الجزائرية و"الملاوي" التونسي. ويقول أحد الباعة "هنا تجد حليب الغول"، أي كل ما يخطر لك على بال وتشتهيه معدتك الصائمة. "حليب الغول" بالفعل هنا يمكن أن نجد "حليب الغول" ففي موازاة السوق الرمضانية توجد سوق على الجانب الآخر من الشارع إنها عبارة عن "سوق الخردة" وفيها يباع كل شيء قديم وجديد حيث يفرش الباعة بضاعتهم على الأرض، والتي تختلط فيها الآلات الإلكترونية بالأحذية المستعملة بالساعات القديمة والأخرى الجديدة والتي تقلد آخر الماركات العالمية". لبيب القادم من تونس بدوره قال "يقضي العديد من الصائمين لحظاتهم الأخيرة قبل الإفطار في الفرجة وتقليب البضاعة والمساومة في شرائها". قضاء اللحظات الأخيرة في "كورون" إن لم يكن في التسوق بين المأكولات، أو ما بين سوق الخردة فإنه يكون على طول شارع "جون بير تنبو" حيث تنتشر المكتبات الإسلامية، حيث نشرت "مكتبة الأزهر" بمناسبة شهر رمضان سلعها من كتب في "فضائل الصوم" بالفرنسية وأشرطة الفيديو التي تحتوي على آخر خطب "شيوخ الشرق" المدبلجة إلى الفرنسية على الرصيف. وعلى صوت تلاوة "خافتة " للسديس" يعرض دكان صغير لبيع "القمصان" و"الجلابيب" أحدث الملابس القادمة من المملكة العربية السعودية، والتي تعرف إقبالا خاصا بمناسبة رمضان، والتي لا تؤدى صلاة التراويح إلا بها بالنسبة لشباب الجيل الثاني والثالث. ويقول فؤاد مرزوق أحد أصحاب هذه المحلات "الشباب يأتي من مناطق بعيدة جدا؛ أي من "سانت ديني (المنطقة 93)؛ لأنه يقال له إن كل ما يطلبه من كتب وألبسة إسلامية سيجدها هنا.. في كورون". مركز جذب إسلامي وبالفعل فإن "كورون" تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز جذب إسلامي بباريس إذ يعتبرها الإعلام الفرنسي أحد المناطق الساخنة حتى من ناحية انتشار التيارات الدينية المتشددة، ولا يخفى بالنسبة للعديد من العارفين للحي أن هناك تنافسا كبيرا للسيطرة على الحي بين جماعة "الدعوة والتبليغ" التي تسيطر على أكبر مسجد في المنطقة وهو مسجد "عمر بن الخطاب" وبين بعض التيارات السلفية التي تحاول التمسك بأبرز المحال التجارية الإسلامية هناك. وعندما تدق الساعة الثامنة وعشرين دقيقة" موعد الإفطار "تتحول شوارع "كورون" إلى مدينة أشباح وتخلو من المارة ومن المتسوقين.. لقد بسط رمضان "مملكته" في أحد الأحياء التاريخية لعاصمة الأنوار. هادي يحمد إسلام أون لاين.نت الأحد 14رمضان 1429 ه - 14/9/2008 م