على الرغم من عدم وجود إحصاءات مُحَدَّدة عن الانتماءات الدينية بوجهٍ عام في ألمانيا إلا أنه استنادًا إلى التقديرات المختلفة فإن عدد المسلمين يتراوح ما بين 3 إلى 3.2 مليون مسلم منهم حوالي نصف مليون من المواطنين الألمان الذين اعتنقوا الإسلام. أما بقية المسلمين فغالبيتهم العظمى من أصول تركية ويشكلون السواد الأعظم للجالية المسلمة في ألمانيا, أما البقية الأخرى فتنحدر من أصول عربية, بالإضافة إلى مسلمي البلقان وشبه القارة الهندية. ويُجْمِع المسلمون في ألمانيا على أن أحداث 11 سبتمبر, كانت متغيرًا مهمًا في النظرة إلى المسلمين, بالشكل الذي انعكس معه المناخ الاجتماعي الذي يعيش فيه المسلمون في ألمانيا. وكنتيجة لتصاعُد الحرب على ما يسمى بالإرهاب والتركيز على التهديد القادم من التطرُّف الديني كما يصفه الغرب فقد زادت النزعة العنصرية والتفرقة ضد المسلمين الذين شعروا بالعداء وأنهم ليسوا أهلاً للثقة, وأصبحت تلاحقهم وصمات عار بسبب عقيدتهم, بعدما ساهمت بعض وسائل الإعلام الألمانية في إذكاء هذه النزعة. وعلى الرغم من بعض المحاولات الإيجابية في أعقاب 11 سبتمبر, استهدفت مدّ جسور حكومية, إلا أن هذا لم يتمكن من وقف تنامي مناخ العداء للمسلمين ونظرة الارتياب تجاههم, ولذلك فإن قضية الخلط بين الإسلام والإرهاب جرى التعامل معها وكأنها أحد المُسَلَّمات وانعكس ذلك في تعمق شعور المسلمين بالعزلة, وإحساسهم بأنهم محاصرون أو في أفضل الأحوال مراقبون. ولذلك سجلت جماعات حقوق الإنسان وقوع عدّة حالات مثلت مضايقات للمسلمين شملت إهانات لفظية والتهديد بالقتل في بعض الأحيان وهجمات ضد المؤسسات الإسلامية, إلا أنه مع ذلك فإن الأمر لم يتحوّل إلى ظاهرة, حيث اقتصرت المضايقات على حالات حصرية وفى ظروف بعينها ومع ذلك, فحسبما ترى الجاليات المسلمة, فإن المناخ في ألمانيا لا يزال غير مريح. تحديات بالجملة المسلمون في ألمانيا تواجههم العديد من المشاكل والتحديات نتيجة الأسلوب الذي تشنّ به الحكومة الألمانية الحملة ضدّ ما يسمى الإرهاب, وخاصة منذ أحداث سبتمبر, والتي ساهمت بدورها في دعم وتأكيد الاتجاهات السلبية ضد المسلمين, حيث استخدمت السلطات الاعتبارات الأمنية كذريعة لتبرير مجموعة الإجراءات التي استهدفت المسلمين بوجهٍ عام حتى وإن لم يتورطوا في أعمال مخالفة للقانون, حيث كانت تحوم حولهم الشبهات, واستهدفهم لكونهم مسلمين بحُجّة حماية الأمن القومي حيث تتخذ ضدهم إجراءات كحملات التوقيف والاستجوابات وتفتيش المنازل ومراقبة دور العبادة. ولا تتوقف شكوى المسلمين عند حد السلطات فقط وإنما تمتد أيضًا إلى الإعلام الألماني الذي لازال يلعب أثرًا سلبيًا في تشكيل اتجاهات الرأي العام عن المسلمين في ألمانيا من خلال تغطيته غير المتوازنة لقضاياه والتي يغلب عليها الأحكام المسبقة. هذا ما تؤكده أيضًا دراسة في جامعة إيرلانجن حول "صورة الإسلام في الإعلام الألماني إذ تشير إلى أنه "سواء في الصحف أو الإذاعة أو التلفزيون أو حتى في المعاجم فإن هناك صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين, هذه الصورة تبلورت منذ سنين وخاصة بعد الثورة الإيرانية في العام 1979 حتى إنه في حال عدم استخدام مثل هذه الصورة يظلّ الانطباع الأول هو السائد وهو الجانب السلبي عن المسلمين لدى الألمان". وتعمد كثير من وسائل الإعلام الألمانية إلى تناول مواضيع بعينها عن الإسلام وغالبًا لا يتم طرح هذه القضايا بالموضوعية المطلوبة أو على خلفية معرفة تامّة بالإسلام والمسلمين خاصة وأنه في الآونة الأخيرة ظهر العديد من المقالات والتقارير التي تركز على الجوانب السلبية للمسلمين حسبما تراه الأوساط الألمانية مثل مشكلة القتل على خلفية الشرف والزواج بالإكراه أو العنف في العائلة المسلمة. وفى هذا السياق فقد سبق أن نشرت مجلة "فوكس" الأسبوعية على سبيل المثال على صفحة الغلاف عنوانًا يحمل اسم "الضيوف المخيفين" وذلك في إشارة إلى المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، إلا أنه في المقابل- وبشكل استثنائي- فقد سبق أن تطرقت مجلة "دير شبيجل" في أحد تحقيقاتها إلى تقييد حقوق المرأة المسلمة بعنوان "بنات الله .. عديمات الحقوق" في إشارة إلى ما أسمته معاناة المرأة المسلمة في ألمانيا من وطأة الظروف الاجتماعية التي تفرض عليهن أمورًا باسم الدين تنال الكثير من حقوقهن. تاريخ الوجود الإسلامي وحسبما تؤكد الدراسات التاريخية، فإن تاريخ المسلمين الموثق في ألمانيا يرجع إلى القرن الثامن عشر، أما الاتصالات بين المسلمين والألمان أنفسهم فتسبق ذلك، فقد كانت هناك اتصالات عدد من ملوك ألمانيا بالمسلمين ثابت تاريخيًا، بل إن بعض الفترات القديمة شهدت وجود جالية إسلامية مستقرّة منذ ذلك الوقت، وكان التعامل مع المسلمين والحضارة الإسلامية أكثر حضارة مما هو قائم اليوم, حيث كان عددٌ من ملوك ألمانيا آنذاك يزينون مساكنهم وقصورهم وحدائقهم بمنشآت من المعمار الإسلامي. وبشكل أكثر توضيحًا فإن الإسلام دخل ألمانيا الاتحادية والنمسا والجزء الألماني السويسري منذ مئات السنين، وكان ذلك عند وصول الفاتحين المسلمين الأتراك إلى مشارف فيبنا، ويرجع سبب وجود الجاليات الإسلامية في ألمانيا بهذا العدد الكبير إلى حركة الإعمار التي قام بها الألمان بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمتها، فاضطروا للاستعانة بعدد كبير من عمال البلاد الإسلامية. وبقدوم العمال وزيادة أعداد الطلبة الدارسين وللعوامل الأخرى الكثيرة بدأ الوجود الملحوظ والمكثف للمسلمين في ألمانيا، وكان هذا الوضع كفيلاً بأن يدفع المسلمين لإقامة اتحاد إسلامي يضمّ الجميع، حيث تمّ تكوين أول اتحاد إسلامي في أول الخمسينيات، كما أقاموا بعض المساجد الصغيرة لتأدية الصلاة فيها، وبمرور الوقت زاد عدد الجاليات بشكل كبير. وحسبما تشير الأنباء, فإن غالبية مسلمي ألمانيا ينتمون إلى المذهب "السني" حوالي 65% "فيما يصل عدد العلويين إلى 350 ألف وحوالي 1709 آلاف من الشيعة. إلا أنه وطبقًا لدراسات وقياسات الرأي فإن غالبية المسلمين لا يمارسون العبادات بشكل منتظم, ومنها الصلوات الخمس في جماعة, لتزامنها مع أوقات العمل, وحتى صلاة الجمعة؛ حيث يحرص على تأديتها بشكل منتظم مالا يقل عن 10 % فقط, ولذلك يتم توزيع صلاتها كل حسب ظروفه, حتى خروج موعدها بحلول صلاة العصر! إلا أنه مع ذلك وبوجه عام, فإن المسلمين في ألمانيا يتعرضون لتفرقة أو اضطهاد منهجي, وإذا كان القانون الأساسي الألماني "الدستور" يكفل حرية العبادة ويحمى هذا الحق, إلا أنه لم يمنع من وجود "مضايقات" كثيرة تواجه المجتمع المسلم في ألمانيا, منها ما هو نابع من عدم قدرة المسلمين أنفسهم على الاندماج الثقافي والاجتماعي في المجتمع الذي يعيشون فيه. وتعتبر هذه إحدى القضايا الأساسية المطروحة على بساط النقاش في ألمانيا منذ عدة سنوات, وحتى قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر التي تعتبر متغيرًا رئيسيًا في النظرة إلى المسلمين. والمسلمون في ألمانيا معظمهم يميلون إلى الطابع التركي نتيجة لاستقدام الشركات والمؤسسات- في حقبة الازدهار الاقتصادي أو كما يسمى "المعجزة الألمانية" نهاية ستينات وسبعينات القرن الماضي- للآلاف من الأتراك ليقوموا بالأعمال الدنيا التي لم تلق إقبالاً من المواطنين الألمان أو لم تكن تليق بالوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعموا به في تلك الفترة. ومع بداية قدوم المسلمين إلى ألمانيا لم يقدم القادمون الجُدُد من المسلمين للمجتمع الألماني إضافة كبيرة, حيث كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم "ضيوف" مؤقتين سرعان ما سوف يغادرون البلاد لكون ألمانيا في تلك الفترة لم تكن مجتمع هجرة. وفى الوقت نفسه لم يكن تكيُّف المسلمين الأجانب على العيش بالأمر اليسير ولذلك يمكن القول: إن ألمانيا في تلك الفترة كانت مجتمعًا مغلقًا إلى حدّ ما, ولم تكن فكرة الوحدة الأوروبية تبلورت بصورتها الحالية مما سهّل انتقال الأفراد بين المجتمعات الأوروبية فضلاً عن أن أفكار العولمة بكل تداعياتها المختلفة لم تكن قائمة. المهاجرون المسلمون الأوائل عاشوا على هامش المجتمع الألماني ولم يكونوا يومًا جزءًا منه ولذلك لم تعبأ بهم الدولة أو المواطنون ونظرًا لثقافتهم المختلفة والمتعارضة في كثير من الأحيان مع الثقافة الألمانية, فضلاً عن عدم إلمامهم باللغة الألمانية ووجود هُوَّةٍ ما جعلتهم يعيشون في مجتمعات خاصة بهم "جيتو" أو كما بات يقال يطلق عليهم فيما بعد "المجتمعات الموازية". بعد سنوات من الهجرة والاستقرار ووجود جيل ثانٍ من هؤلاء المهاجرين بدأ الاصطدام الحقيقي مع المجتمع الألماني الذي بدأ يفيق هو الآخر على حقيقة أن هناك مجتمعات أخرى تنمو على هامش المجتمع الأساسي, وتختلف عنه في كثير من السلوكيات يتعين مواجهتها مثل ما اعتبروه "الزواج القسري- أي الزواج الثاني- وبناء دور العبادة" بمخالفة للقوانين القائمة و"الذبح على الطريقة الإسلامية" وخاصة ذبح الخراف في عيد الأضحى. هذه المشاكل امتدت لتطال المدارس العامة من عدم اختلاط الطالبات المسلمات مع نظرائهن الألمان وعدم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والرياضية. وزاد من عُزْلة المسلمين انتشار الفضائيات منذ بداية حقبة السبعينات في القرن الماضي, فزادت من ثقافة "الجيتو", لكونها نقلت المجتمعات الأصلية إلى المهاجرين المسلمين في ألمانيا باللغة الأمّ والثقافة القومية, فزادت من الهُوَّة الموجودة بالفعل بين المهاجرين ومجتمعهم الحالي.