تكاد أغلب الرؤى السياسية من شتى الأطياف الإيديولوجية تتفق على أن تعديل الدستور الذي طال انتظاره رغم أن الحديث عنه بدأ منذ عشر سنوات على وجه التقريب،أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقيق. ومن يسمع رئيس الحكومة أحمد أويحيى يؤكد ويضغط على فعل التأكيد و على وجوب تأييد ومبايعة عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية ثالثة، يجزم يقينا بأن الانتخابات الرئاسية القادمة لن يكون فيها إلا لاعب واحد أو فارس واحد،وإن أفرزت الساحة السياسية فرسانا آخرين مرشحين لأنهم ببساطة شديدة لن يكونوا إلا بيادق وأرانب يزينون العرس الانتخابي لا أقل ولا أكثر. فأحمد أويحيى كما نعرفه جميعا لا ينطق عن العبث ودون اليقين فالرجل ابن النظام والفتى المدلل للسلطة الفعلية،ورجلها في المستقبل،وعندما يؤكد على وجوب الفعل والتأييد فهذا لا يعني إلا شيئا واحدا كون المطبخ السلطوي جهز الطبخة وسواها وهي جاهزة للقضم والهضم. في خضم الحديث عن تعديل الدستور لا سيما منها المادة 74 لم يعد التعديل في واقع الأمر منصبا تحديدا على هذه النقطة بالذات،فهذه نقطة ما يزال يسيل لأجلها الحبر الكثير،وتكثر حولها التحاليل والتخمينات ما هي إلا مجرد نقطة هامشية وهي في آخر المطاف محصلة المحصلات.وحتى تعديل الدستور الذي يتحدثون عنه من جماعة التحالف الرئاسي الممثل في حزب التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم،ليس جديدا على الطبقة السياسية ولا على الشعب فقد سمعوا منذ عشر سنوات انتقادات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمثل هذا الدستور الذي يعتبر بحسبه ناقص الصلاحيات،وفيه من الخلال ما يجعله غير مكتمل ليكون دستورا يعتمد عليه لبناء دولة عصرية مثل نظيراتها في العالم المتطور. لكن السؤال الذي يطرح لماذا انتظر بوتفليقة هذه المدة حتى يغير في هذا الدستور،على الرغم من ملاحظاته عليه منذ وصوله إلى سدة الرئاسة؟.قد تأتي الإجابة عفوية كون الرئيس كان ينتظر نفاد عهدتيه،وقد كان أمامه الوقت الكافي على اعتبار أن العهدة الثالثة هي التي تحسم في مسألة هذا التعديل الذي سيكون تعديلا شاملا وكاملا. وهاهي ذي المناسبة قد جاءت ومنها يبدأ التغيير على مستوى الحكم برمته،فالحكم البرلماني الذي ينتقده بوتفليقة ويعتبره غير معبر عن طموحاته كرجل ليبرالي،يجب أن يستبدل بحكم رئاسي على غرار الحكم الرئاسي في أمريكا. وحسب التسريبات من مصادر عليمة فإن التعديل لن يكون فقط على مستوى المادة 74 ،ولكن سيكون على مستوى استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية،مع اعتماد بقاء مجلس واحد وهو مجلس الأمة الذي لرئيس الجمهورية دخل في تعيين ثلثه.وإذا انتخب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية للمرة الثالثة فحتما حسب المعطيات المتوافرة سيكون النائب أحمد أويحيى،وهنا يكون النظام الفعلي قد أعطى الرئاسة لرجلين اثنين كلاهما يؤمن بأن التداول على السلطة ما هو إلا أضغاث أحلام!. ومن خلال هذا المعطى الجديد يكون أحمد أويحيى نائبا للرئيس وفي الوقت ذاته رئيسا للحكومة وحينها سيكون بحسب الدستور رئيسا للجمهورية للعهدات القادمة من دون أي وجع للرأس. الأمر الآخر في كل هذه الترتيبات بعد المصادقة على تعديل الدستور وفق المشتهى البوتفليقي،والزمرة الحاكمة أن يوجد من يعطي لمثل هذه الترتيبات المصداقية الكافية ويزين العهدة الثالثة وهي تزف للرئيس عبد العزيز بوتفليقة باسم تعديل الدستور و مبايعة الثلاثي الحزبي الذي يمثله الائتلاف الرئاسي. وكما هو معروف ومتفق حوله فإنه لا أحد بإمكانه أن يدخل من هذا التحالف الرئاسي ولو مجرد كأرنب للحلبة الانتخابية،بل ستترك المهمة إلى بعض الأحزاب الأخرى على شاكلة حزب محمد تواتي الذي حتما سيكون الأرنب رقم واحد في هذه المعادلة الانتخابية. التخمينات في هذه الانتخابات هي بكل تأكيد كثيرة، لكن المتأمل في ما يشاع من أخبار أن هناك أرانب أخرى ستدخل الحلبة السياسية كالسيدة لويزة حنون،في انتظار ظهور اسم مستقل آخر.لكن الأسماء الثقيلة التي ستكون حاضرة وبقوة لتنافس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة- إن وجدت بطبيعة الحال- فإن اسم مولود حمروش متداول هذه الأيام بقوة،ولو أننا نستبعد دخول مثل هذه الشخصية المعترك الانتخابي دون وجود أي ضمانات كافية،هذا إذا سلمنا أن مولود حمروش قد طلق فكرة أن اللعبة الديمقراطية في الجزائر لعبة مغلقة لصالح مرشح السلطة.كذلك اسما عبد الحميد مهري وعلي بن فليس،وإذا ما دخلا هذين الاسمين المعترك الرئاسي القادم فبكل تأكيد ستكون المواجهة على أشدها،هذا إذا ضمنا حياد الجيش وضمنا أن الانتخابات ستكون شفافة لا تشوبها شائبة. تبقى منطقة القبائل التي ستخرج بكل تأكيد ثلاثة أسماء،الأول حسين آيت أحمد الذي من المؤكد أنه سيرفض الترشيح وبذلك لا يوجد من يترشح باسم جبهة القوى الاشتراكية،الاسم الثاني سيكون سعيد سعدي واحتمال ترشحه ومنافسة بوتفليقة واردة جدا ولن يكون أرنبا بل سيكون المرشح الفعلي الذي سيكون المنافس الشرس.أما الاسم الثالث فسيكون بن عمارة يونس وهذا الأخير سيكون خير أرنب يمثل المنطقة القبائلية. وإذا ما صدقت هذه المعطيات فإننا على يقين نكون أمام وضع سياسي جديد لا قبل للجزائر بها،وهذا سيحتم على السلطة الفعلية أن تطلق على هذه المرحلة التي ستعقب مرحلة الرئاسيات القادمة بالجمهورية الثالثة. لكن الأهم من كل هذا هل هناك أفكار بناءة تخرج الجزائر من مشاكلها التي تعيشها اللحظة باللحظة،وماذا يملك النظام الفعلي من تصورات لمستقبل ما بعد البترول ومستقبل ما بعد أن يصبح الشعب الجزائري في حدود أربعين مليون نسمة؟؟ الشرق