يعود أعوان الوظيفة العمومية والإداريون في تونس يوم الإثنين إلى العمل بنظام الحصّتين. وعلى الرغم من أنّ التنظيم الإداري الجديد (العمل بنظام الحصتين) يأتي بعد 3 أشهر كاملة من العمل المتواصل بنظام الحصّة الواحدة وله مزاياه لدى الكثير، إلا أن شرائح واسعة من العمّال في تونس لا تحبّذ هذا التوقيت وتعتبره ذات انعكاسات سلبية على تربية الأبناء. خلال أشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب وأيلول/سبتمبر الماضية، يفترق الزوجان رؤوف سيّاري وعفاف عند الساعة الثامنة صباحًا تاركين ابنتيهما خولة في رعاية جدّتها، ولا يلتمّ شمل العائلة إلا في حدود الساعة الثانية والنصف بعد الزوال. تقول السيّدة عفاف وهي موظفة في أحد مراكز البريد : "بالنسبة إلي لا ضير من العمل بنظام الحصّة الواحدة على الرغم من ثقل الساعات التي أقضيها بعيدًا عن ابنتي، أعتقد أن الوقت الذي اقضيه معها بُعيد الظهيرة كاف لتنال منّي الرعاية والاهتمام أللازمين، كما أننا نتقابل على وجبتي الغداء والعشاء مع زوجي وحماتي عكس ما هو معمول به في التوقيت الإداري الجديد الذي لا يمكن بموجبه التمتع سوى بوجبة عشاء جماعية فقط". ولا يخفي الزوج رؤوف أيضًا استياءه الشديد من نظام العمل بحصّتين ويقول: "بما أنّ مركز عملي بعيد نسبيًا عن محلّ سكناي فإنني لا أتمكّن من العودة في الوقت الفاصل بين الفترة الصباحية والمسائية لرؤية ابنتي والاطمئنان عليها، وبالتالي فالاشتياق واللهفة لرؤيتها يعكّران مزاجي بشدّة أثناء العمل ويؤثران بقسوة على مردودي المهني بشهادة زملائي في العمل". ويبدو الامتعاض من نظام الحصتين لدى موظفي تونس جليًّا لدى العائلات التي يشتغل فيها كلّ من الأم والأب خارج البيت، إذ تحين لحظة الفراق مع السابعة والنصف صباحًا ولا يحصل لقاء الزوج بزوجته و أبنائه إلا في حدود السادسة مساء من كلّ يوم ما عدا الجمعة والسبت. من جهة أخرى، تروج وسائل الإعلام المحليّة هذه الأيام نصائح وتحذيرات الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين التي تحذّر العائلات المعنية بهذا النمط المعيشي المتغيّر من مخاطر وسلبيات جمّة تطال الأبناء والآباء على حدّ سواء. ويجمع المختصون والمتابعون بأن للانتقال المفاجئ من نظام الحصّة الواحدة الذي دام 3 اشهر كاملة إلى نظام الحصّتين له آثار سلبية خطرة على صحة الأزواج العاملين وأبنائهم. وشدّدت الأخصائية في علم النفس رانيا البحوري : على ضرورة أن يأخذ الآباء بالاعتبار مقدار الوقت الممنوح للأبناء في ظلّ نظام العمل بحصة واحدة ومحاولة المحافظة عليه في النظام الجديد، وتقول: "نخشى أن يؤثّر هجر الأبناء بصفة فجائية بعد تعويدهم على فترة طويلة من الرعاية والاهتمام على نفسيّاتهم ، الأمر الذي قد يؤثر أيضًا على أدائهم في الدراسة أو مع أقرانهم خارج البيت. على الآباء إيجاد فرص للمكوث مع أبنائهم ومتابعة سير نشاطاتهم اليومية بصفة عادية إلى حين مرور حيّز من الوقت للتأقلم مع ساعات العمل الطويلة وغياب الآباء عن المنزل تبعًا لهذا التوقيت الجديد". وتنصح البحوري كذلك بوجوب استغلال فترة الراحة التي تفصل بين الحصّتين الصباحية والمسائية لزيارة الأبناء خصوصًا صغار السنّ منهم ولو بالتناوب بين كل من الأم والأب، إذ إن التشتت العائلي يؤثّر بشكل مباشر على النموّ البدني والذهني السليم للطفل. وترى السيّدة علياء أستاذة تعليم ثانوي وأمّ لطفلين أنّ نظام الحصتين أضحى كابوسًا بالنسبة إليها إذ يرفض أبناؤها المكوث في المحضنة والتأقلم مع بقيّة الصبية، وتضيف لإيلاف: متأكدة أنهما لن ينصاعا إلا لطلباتها و أوامرها... و.يرفضون الامتثال لأوامر مربّيتهما و يرهقانها باستمرار، "لكن ما العمل و أنا متغيّبة عن المنزل طوال اليوم وزوجي يعمل بالخارج ولا يشاطرني العناء في تربيتهم ورعايتهم". وتخشى الأخصائية النفسية رانيا البحوري على الآباء أيضًا من نظام العمل بحصتين يوميًا وتقول: "الخطر من سلبيات نفسية يهدد أيضًا الأولياء وخصوصًا النساء، فكيف للام أن تظلّ طوال اليوم بعيدة عن فلذات أكبادها دون رعاية وهمسة حنان ومداعبة ، الحنق و العصبية المفرطة والتهاون في أداء الواجب ستكون نتائج طبيعية في هذه الحالات و هو ما وجب التركيز عليه في الفترة المقبلة من قبل المسؤولين علّهم يجدون تنظيمًا إداريًا أعدل وأخفّ ضررًا على الآباء وأبنائهم".