تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعضنا أسير الغضب وبعضنا أسير الفراغ وبعضنا الآخر أسير بضاعة في العلم مزجاة ( 22 )
نشر في الحوار نت يوم 17 - 09 - 2010


مشاهد من خلق الصادق الأمين.
بعضنا أسير الغضب وبعضنا أسير الفراغ وبعضنا الآخر أسير بضاعة في العلم مزجاة.
((( 22 )))
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا فيقول له : ما صنعت شيئا. ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجه فيدنيه منه ويقول له : أنت أنت “.

أسرى الغضب.
لا تغضب.. ليس معناها لا تغضب. لم؟ لأن النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام أرقى من أن يكتم فينا غريزة الغضب. فما معنى لا تغضب إذن؟ معناها : أحبس غضبك في صدرك أو عبر عنه بالطريق الخلقي الإسلامي دون أن تصيب بأثر غضبك بريئا أو تعاقب بأكثر مما عوقبت به ولذلك قال سبحانه : „ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم”. وقالت العرب : إن لصاحب الحق مقالا. كما قالت : من إستغضب فلم يغضب فهو حمار. أرقى درجات الغضب هي أن يبرأ المرء من نفسه برء لا هوى بعده فلا يغضب إلا كما يغضب محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام أي : لا يغضب إلا إذا إنتهكت محارم الله. وهو قريب من أوثق عرى الإيمان التي أخبرنا عنها قائلا عليه الصلاة والسلام : „ أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله”. البغض والغضب بسبب إشتراكهما في الجذر اللغوي الواحد ينتميان إلى عائلة معنى واحد حتى مع إنقلاب منازل حروف ذلك الجذر. كما قال عليه الصلاة والسلام وهو يعترف بغريزة الغضب ولكن يهذبها فينا : „ ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب “. فهو إذن ينهى عن الغضب مرة ويأمر بملك النفس عنده مرة أخرى : معنى ذلك أن تجمع بين الحديثين لتدرك معنيهما معا. ربما يكون أجود من حلل ذلك الإمام الغزالي في مشروعه الإحيائي من خلال إيضاح العلاقة بين القوة الغضبية الشديدة جدا في الإنسان غريزة مغروزة إبتلاء من جهة وبين قوة العقل والرشد التي تشتبك مع قوة الغضب ثم تكون الغلبة لأفضلهما منزلا في الإنسان الغاضب جزاء وفاقا من جهة أخرى.
هذا هو الغضب الذي أقصده بهذه الموعظة المتواضعة.
هي كلمات من رحم الواقع المرير مليئا أحيانا بما يكره المرء. كلمات حاولت تفجير صدري مرات ومرات والله. ما حيلتك إذا إتصل بك زوج يروي لك قصة غضبه الشديد الذي أكرهه على النطق بكلمة الطلاق ضد زوجه مرات ومرات في المجلس الواحد. يروي لك ويقسم بأغلظ الأيمان أنه كان غاضبا غضبا لا عهد له به أو أنه يعتذر عن نفسه بسبب ما يقول أنها طبيعته الثابتة في سرعة الغضب. وكم جرى هذا بينكما في حياتكما يا سيدي؟ يهمهم ثم يصارحك بأنه جرى مرات ومرات غير قابلة للحصر أحيانا. القصة ذاتها تقريبا برمتها ترويها لك الزوج. يأتيانك بعد أن أتيا عشرة من قبلك يستفتيان هل يحلان لبعضهما بعضا بعد الذي جرى أم أنه سبق السيف العذل كما قالت العرب. يعتصر قلبك الأسف الدامي وتتوجه إليه بقسوة أحيانا قائلا بأن مشكلتك مع نفسك وليست لا مع زوجك ولا مع الفقه الإسلامي. مشكلتك في الحياة عويصة ولكن حلها بيديك أنت ولا شيء منها بغير يديك أنت. ألا تملك نفسك عند الغضب فتقول ما شئت إلا العبث بالطلاق لأنه عبث بالدين وعبث بالمرأة وعبث بالذرية وعبث بحياتك أنت. يصمت طويلا رغم قسوة التوجيه أحيانا وتظن أن الأمر في طريقه إلى العلاج ثم ما يبلث أن تأتيك زوجه في المرة القابلة لتقص عليك شريطا جديدا لا يختلف عن الورطة الأولى إلا في الزمان. الأسباب التافهة جدا للغضب واللسان البذيء الذي يقوده الشيطان بأثر قوة الغضب أينما شاء وربما وجبات من العنف البدني دسمة حارة والأنكى من ذلك كله : مشهد من الظلامية الجاهلية يرسم في وعي الطفل الصغير ضربا من التصور والخلق لن يمحى حتى يوم الغرغرة بالكلية ولكن قد تسعفه مطامنات من هنا وهناك لتحد من أثره البهيمي الوحشي الشائن. مع هذا الصنف من الناس تبدو بعض المعالجات هدرا مهدورا بحيث لا ينفع معه عدم إيقاع الطلاق بالثلاث في كلمة واحدة أو في مجلس واحد طلاقا بائنا أو أنك بحاجة إلى مقياس حراري من نوع خاص تزن به درجة الغضب الشيطانية التي تملكته لتدرك هل هي إغلاق أم مجرد دعوى للتفصي من آثار الطلاق. آفة هذا الصنف من الناس أنه غير صادق مع نفسه على معنى أني على ما يشبه غلبة الظن لو أن مصلحة حكومية ما ألزمته بشيء ما لألتزم به مهما كان ذلك الإلتزام قاسيا على نفسه بسبب أن المسألة متعلقة بمتاع الدنيا وبالقوانين الوضعية التي لا تحابي أحدا سيما في بعض بلدان أروبا. آفة هذا الضرب من الناس أن الرقابة الداخلية ضعفت وهانت حبالها فلم يعد صاحبها يحظى بمناعة دفاعية متينة ولذلك يعبث به الشيطان أيما عبث.
بكلمة : لم يشتد غضب الزوج مع زوجه لأتفه الأسباب فيدنس العلاقة بالحلف بالطلاق مرات ومرات ويعبث بأوثق ميثاق غليظ بينهما ولا يبالي فإذا كانت المعركة مع غيرها ممن له عليه سلطان من الدنيا لبدا ذلك الفحل المارد بين يديه نعامة ناعمة ملؤها السمع والطاعة بذلة وهوان ونفاق؟ جرب نفسك يا من تدعي أن الغضب فيك ضربة لازب فإن كنت حاد الطبع خارج بيتك كذلك حتى في وجوه الذين يستعبدونك ويسترقونك بأبخس الأثمان.. عندها لي معك حديث جديد.
أسرى الفراغ.
الفراغ في الحياة فراغان. فراغ بدني وفراغ عقلي والمقصود هو الفراغ العقلي وليس الفراغ البدني بسبب أن الإنسان ينتمي إلى الموجودات العاقلة. كثير منا فارغ فراغا عقليا فادحا على معنى أنه لا يسرح نظره بعيدا عنه وعن محيطه الضيق فيشغله سرواله عن القدس التي يدنسها الصهاينة بمثل ما تشغله لحيته عن الجوعى في الصومال وحرب الإخوة المجاهدين الأعداء هناك ينكؤون جراحات إخوانهم المجاهدين السابقين في أفغانستان فلا يستريحون حتى يسلموا الصومال إلى أعدائه بمثل ما سلم المجاهدون الأفغان بلادهم إلى أعدائها. أنعم بالجهاد وأكرم بالمجاهدين إذن. هاك أمثلة من الفراغ الذي يأسر كثيرا منا :
1 روى لي أحدهم أن زوجه إستمعت إلى أحد شيوخ الفضائيات يقول بأن المرأة التي لا تدعو لزوجها في صلاتها تكون صلاتها غير مقبولة!!! صعقت والله لما سمعت ذاك.
2 روت لي سيدة ألمانية مسلمة أنها إستمعت إلى إمام المسجد الذي ترتاده يقول بأن إلقاء الفضلات في القمامات خارج البيت بعد غروب الشمس حرام!!!.
3 كنت ذات فجر في رمضان الراحل أغذ السير لعلي أصيب ركعيات سحر غالية الثمن جدا فإعترض سبيلي شاب ألماني مسلم ظل يقص علي غارة جنية من غارات الجن المعروفة ضد بعض أصدقائه. ملك الأمر على صاحبي حياته وسلم بأن الجني إتخذ من جسم صديقه مسكنا جديدا إنتقل إليه بعدما عرف أن المرافق التي يوفرها له أطيب للعيش. سلم بذاك ولكنه بحسب ما قص علي لم يظفر بطرده رغم أنه قرأ القرآن على مسكن الجن الجديد. كدت لفرط غضبي أن أسأله عن أي قرآن قرأته والحال أنك لا تحسن شيئا منه؟ بالكاد حاولت صرفه بما أوتيت لعلي أصيب سجدة واحدة قبل بزوغ الفجر على أمل أن أحدثه في موضوع الجن في مرة قادمة.
4 بعض من هؤلاء الفارغين فراغا عقليا رهيبا سمعته بأذني هاتين وهي سيدة ألمانية مسلمة ضحى أمس تقول بأن مشكلة أرقتها ولا لزوم لها وهي مشكلة صراع الباكستانيين مع الإسرائيليين!!! ما أعلمه أن الباكستانيين في صراع دام منذ أسابيع طويلة مع الفياضانات التي لم تشهد لها البلاد مثيلا منذ عقود طويلة. حتى لو كانت زلة لسان أي أن المشكلة المقصودة هي بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ عجب عجاب يتراءى لك وتسأل نفسك أنى لهؤلاء أن تنتصر بهم أمة الإسلام؟ أي مسلم أنت إذا كنت لا تصحو ولا تنام على قضية القدس وقضية الأمة محلتة الأرض منتهكة العرض وقضية وحدة مزقتها مماليك العرب شذر مذر؟؟؟
هو ليس فراغا كميا ولكنه فراغ نوعي قاتل.
ليس هناك فراغ كمي بسبب أن الطبيعة تأبى الفراغ كما يقولون بحق ولكن الفراغ القاتل المقصود هو فراغ عقلي نوعي يجعل كثيرا منا اليوم يملأ رأسه بمعركته مع سرواله بناء على أحاديث صحيحة لم يفهم منها قطميرا واحدا وأخرى مع لحيته ومعارك أخرى لا حصر لها تشترك كلها في المظاهر أما ما ينفع الناس فلم يجد فيهم أرضا يمكث فيها. ما ينفعهم وينفع الناس بهم من مثل إمتدادات الإيمان إلى الحياة إصلاحا وتجديدا وإحسانا وإجتهادا ومن مثل تجويد الإسلام بالخلق الطيب الكريم حلما وأناة ومن مثل حمل هم الدعوة الإسلامية صحوة وحركة ومقاومة لكل محاولات الإستعباد الجديدة وإرهاصات الإسترقاق المتطورة التي تنذر الأمة بفرقة لا نلفى بعدها سوى العذاب ومن مثل مقارعة النظريات الغربية الوافدة التي تصنع العقول صنعا من مثل نظرية داروين وغيرها ومن مثل التفوق في البحوث العلمية والكشوفات الإجتهادية في كل حقل من حقول المعارف فضلا عن إتقان اللغات التي ترطن بها أغلب البشرية اليوم فوق الأرض وتحديات أخرى كثيرة وخطيرة وكبيرة.. كل ذلك لا تسمع له عندهم ركزا.
أسرى البضاعة المزجاة.
لكم يأخذني العجب أحيانا والله. لكم أبكي على كثير من الناس أحيانا أخرى والله. ينتابني كل ذلك عندما ألتقي بعضا من الشباب تسلل إلى مآوي العلم كما تتسلل الذئاب مخترقة النوافذ الخلفية بعد أن علمنا الإسلام العظيم أن فقه الحياة يقتضي دخول البيوت من أبوابها. دخول البيوت من أبوابها بمثل ما ورد في سورة البقرة لا يقصر على المعنى المادي فحسب حتى لو كانت المناسبة تقتضي ذاك ولكن الفقه البصير يدعوك إلى تعدية المعاني الإسلامية الجميلة العظيمة الكبيرة إلى الحياة. هل للحياة أبواب رئيسة وأخرى خلفية ونوافذ؟ أجل. أسرى البضاعة المزجاة يملأهم النهم إلى العلم أو بعضهم على الأقل ولكن كثيرا منهم يسيح في غابة العلم الواسعة جدا دون دليل فيستريح في ظل شجرة وارفة يظنها لورافتها أنه لا شجر بعدها ولا ظلال بعدها ولو غذ السير ردحا من حياته لمعرفة خارطة غابة العلم الواسعة جدا لكان مقامه بعد ذلك مقاما محمودا معزرا بالخبرة والدليل فيكون مثل التاجر الشاطر الباهر الماهر الذي يصيب من الأسواق ما لا يصيبه غيره. هل تستوي إقامتك مثلا حياتك كلها أو أكثرها في ظل حسنة لا تساوي بثمن القرآن الكريم سوى عشر أمثالها مع إقامتك في ظل حسنة خرج ثمنها عن الإطار الإسلامي المضبوط أصلا من مثل الصبر والصيام؟ أم هل يستوي ذاك مع ثمن الإنفاق في سبيل الله بحسب خارطة الثمن المحددة في سورة البقرة؟ أم هل يستوي ذاك مع من يغفر له كل شيء إلا الدين؟ ألا ينبئك ذاك أن حقوق العباد حتى لو كانوا كفرة فجرة غير ظالمين لغيرهم مقدمة في الأداء على حقوق الله نفسه سبحانه؟ كل ذلك يتطلب فقها ولا يتطلب علما لأن العلم لا يفي بما يفي به الفقه ولكن الفقه يلتقط إختلافات العلم وهي كثيرة ليضعها في سلم مرتبة أولوياته معيرة موازينه.
هاك أمثلة من البضاعة المزجاة.
1 موقف ظل محفورا في الذاكرة لأزيد من ثلاثة عقود كاملات والله. موقف لا ينسى. ألفيت شابا ذات مرة يسأل عن الثياب التي جامع فيها زوجه ولم يصبها من منيه شيء. قال الشاب أنه ظل يغسل تلك الثياب سنوات طويلات بل إن أصل المسألة أنه لم يعد قادرا على شراء أدوات التنظيف فضلا عن الألم المبرح الذي ألم بالزوج لفرط غسلها بيديها ثيابا جومعت فيها ولم يصبها منهما شيء. موقف كلما ذكرته تألمت والله.
2 أخبرني صديق قبل أيام قلائل بأن شابا يمتطي ظهر دراجته قدم مسرعا غاضبا إلى أحد المصلين في حديقة معروفة على تخوم مدينة بون الألمانية وذلك لما رآه يصلي دون سترة. أتى الشاب الغاضب بشيء وضعه بين يدي المصلي فلما فرغ الرجل من صلاته علمه فقه السترة وأنذره وحذره ألا تقبل صلاته في المرة القادمة ثم ذهب لا يلوي على شيء. لو تلبث قليلا كما روى لي صديقي لعلمه الناس أن السترة إنما توضع عند الخوف من مرور مار بين يدي المصلي أما في الهواء الطلق فمم يخشى المصلي حتى يضع أمامه سترة؟ فضلا عن كون السترة المطلوبة ما ينبغي أن تجاوز حد سجود المصلي لأن حرمة الصلاة محدودة بمكان السجود أما قبالة ذلك فلا ينتمي لحرمة المصلي وللناس أن يمروا آمنين مطمئنين سالمين وإلا تعطلت حركة المرور في المساجد وفي غير المساجد والحرج والعنت موضوعان حتما في الإسلام. ما هو حكم هذا الشاب في المرور الذي يراه بأم عينيه في الحرم المكي بسبب تعذر تجنب ذلك لا بسترة ولا بغير سترة؟ هل نبطل صلاة ملايين من الطائفين أم نعمل قاعدة رفع الحرج؟
أسير السجون يعتق يوما فهل يتحرر أسير الأفن العقلي؟
أولئك الأسرى يتحررون لو شاؤوا التحرر بفضله سبحانه. لكن الوعي بالشيء مقدم على الشيء ذاته كسبانا وإستغناء. تلك قاعدة و ضعها محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام في منهاجه الإسلامي. قاعدة في الحياة سماها : „ إنما العلم بالتعلم”. هل ولد أبو حنيفة أو مالك أو غيرهما من بطن أمه فقيها نحريرا؟ إنما العلم بالتعلم .. معناها = العلم جهد ذاتي لا يلتقط من الخارج ولكن تمتد إلى الخارج منافذ العلم فينا سمعا وبصرا وفؤادا لتكون غرابيل تصفي السمين من الغث وإلا فإن الخارج يحوي كل سمين وكل غث ولو إلتقطنا كل ما تلتقطه أسماعنا أو أبصارنا لهلكنا. كيف نكون مسؤولين إذن عن كسبنا إذا لم نستخدم منافذ العلم فينا مصافي أمينة. قاعدة أخرى زين بها محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام منهاجه الإسلامي العظيم وذلك عندما قال : „ رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه”. ألا ينبئك ذاك أنك يمكن أن تكون أنت بنفسك ذاك الذي يحمل إليه الفقه فيفقه فيه لينقيه بما يناسب زمانه ومكانه وحاله؟ ألا يخاطبك عليه الصلاة والسلام بذاك أنت بنفسك؟
شر الأدواء أن تستقيل من مسؤولية التفكير وتؤمم عقلك لغيرك.
ذاك شر الأدواء فيما رأيت. هما طرفان ووسط. طرف ملؤه الكبر والعتو يقول قائله كما يقول كثير من الأغرار اليوم : نحن رجال مثل أبي حنيفة ومالك بل أكثر. وطرف آخر ملؤه التواضع المزيف والتدين المغشوش يقول قائله كما يقول كثير من أهل الجمود والتقليد اليوم : ليس في الإمكان أحسن مما كان. وبين الطرفين المكروهين وسط متين جميل قويم ملؤه الإجتهاد والجهاد معا. إجتهاد بالعقل لا حصر لدرجاته حتى يعد المقلد المحسن مجتهدا أفضل من المقلد الببغاوي القرودي. وجهاد بالمال والنفس والعلم والكلمة. شر الأدواء أن تستقيل من أغلى شيء رغب فيه الإسلام أي التفكير والتدبر والتعقل والنظر وليس أشر من ذاك سوى أن تؤمم عقلك لعقل غيرك يفكر لك بعقله فإذا كان الذي يفكر لك بالنيابة عنك حيا أمكنك حواره ولكن إذا كان ميتا من الأموات.. إذا أممت عقلك لميت كائنا من يكون عقل ذاك الميت إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام فأنت بالموت أولى منه بل أنت الميت حقا لأنك مقلد خانع لن تنفع نفسك من بعد موتك بصدقة جارية أو علم بثثته في صدور الرجال أو ولد صالح يدعو لك وقد يكون العقل الذي سلمتك عقلك فاز بذلك وما كان يدري أن ثروته ستقع بين يدي مقلد لا يحسن حتى فن التقليد.
والله أعلم.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.