الحماية المدنية.. إخماد 91 حريقا خلال ال24 ساعة الماضية    القبض على المتصدين للهجوم على السفارة المصرية في لندن    المنتدى التونسي: ضرورة مراجعة توزيع المساهمات وضمان الشفافية في إدارة صندوق التأمين على فقدان مواطن الشغل    إيران ترفض اتهامات أستراليا وتتعهد بالرد على طرد سفيرها    الرابطة الأولى: قمّة مشوّقة في الجولة الرابعة بين الترجي الجرجيسي واتحاد بنقردان والنادي الإفريقي يواجه البنزرتي    جهاد جاب الله يعلن اعتزاله اللعب    إتحاد بن قردان: تعزيز الرصيد البشري للفريق ب3 لاعبين    طقس غير مستقر اليوم...وأمطار محلية قد تمتد إلى المنستير والقصرين    أحلام: ''رجّعوني على تونس...توحشتكم''    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الجمهورية برئيسة الحكومة..#خبر_عاجل    استشهاد 14 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على عدة مناطق من قطاع غزة..#خبر_عاجل    الرابطة الأولى: لاعب الترجي الرياضي يعزز صفوف الشبيبة القيروانية    زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق قاتل الكلب "روكي"..    النفزاوي: لا نقص في الدواجن والبيض.. والأسعار في تراجع مع وفرة المخزونات    موسكو.. من قرية صغيرة الى قلب روسيا النابض وافضل الوجهات السياحية    بناته أم حفيداته؟ قضية "زنا محارم" عبر أجيال تهز الشارع المغربي    البطولة الإسبانية: فوز جديد لأتلتيك بيلباو وخيتافي    إندونيسيا.. آلاف الطلاب يشتبكون مع الشرطة احتجاجا على "بدلات" النواب    القمة الأمريكية الكورية الجنوبية: استثمارات ضخمة وتطوير التعاون الصناعي والدفاعي    بسبب التطرف اليميني.. تسريح ما يقرب من 100 جندي من الجيش الألماني    مصر تدفع بآلاف الجنود إلى سيناء وتعزز قواتها العسكرية    وزارتا النقل والسياحة تتفقان على تكوين فريق عمل لايجاد حلول للاشكاليات التي تعيق فتح خطوط جوية جديدة    مهرجان الفستق بماجل بلعباس ..تثمين ل«الذهب الأخضر»    الفنانة أنغام تعود إلى منزلها بعد فترة علاج في ألمانيا    تاريخ الخيانات السياسية (57) .. .الخليفة الطائع من القصر إلى الحجر    في الطريق الرابطة بين جندوبة وفرنانة ... 3 وفيات و 6 جرحى في حادث تصادم بين «لواج» وسيارة عائلية    شبيبة القيروان - زين الدين كادا يعزز الصفوف    بورصة تونس: "توننداكس" يستهل معاملات الاسبوع على ارتفاع بنسبة 1ر0 بالمائة    إطلاق أول مسابقة وطنية لفيلم الذكاء الاصطناعي    فتح جسر على مستوى الطريق الجهوية رقم 22 يربط مستشفى الحروق البليغة ببن عروس بمداخل المروج    عاجل/ دراسة تكشف عن مشكلة خفيّة في أجساد النساء خلّفها فيروس كورونا    للتسجيل الجامعي عن بعد: البريد التونسي يكشف عن آلية جديدة للدفع    يأكل اللحم: تسجيل اول إصابة بالدودة الحلزونية في امريكا.. #خبر_عاجل    بهاء الكافي: عودة قوية ب"الرد الطبيعي" بعد غياب    قابس : برنامج ثقافي ثري للدورة السابعة لتظاهرة " أثر الفراشة "    من بينها تونس: 7 دول عربية تشملها فرص الأمطار الصيفية    شكري حمودة يوضح: التنسيق مع المصانع المحلية والدولية يحمي المخزون ويواجه النقص الظرفي    كيفاش نحضر صغيري نفسيا لدخول المدرسة لأول مرة؟    بشرى سارة: تقنية جديدة لتصحيح النظر بدون ليزر.. ومدتها دقيقة واحدة..    لقاء اعلامي للصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات    عدسات العالم تسلّط الضوء على الوعي الثقافي: المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية في دورته الخامسة    وزير الخارجية يلتقي عددا من التونسيين المقيمين بالسعودية    اصدار طابع بريدي حول موضوع الطائرات الورقية    عاجل/ من بينهم 3 توفوا في نفس اليوم: جريمة قتل 5 أشقاء تبوح بأسرارها..والتحقيقات تفجر مفاجأة..!    الحماية المدنية: 113 تدخلاً لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية..    العودة المدرسية 2025: كلفة تجهيز التلميذ الواحد تصل إلى 800 دينار!    اليوم: انطلاق بيع اشتراكات النقل المدرسية والجامعية    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الإثنين ؟    ارتفاع طفيف في الحرارة مع ظهور الشهيلي محلياً    الأبراج ليوم 25 أوت 2025: يوم تحت شعار الخيارات الحاسمة    سوسة: مهاجر إفريقي يُقتل طعناً بسكين على يد أصدقائه    تاريخ الخيانات السياسية (56) .. أفتكين و بختيار وسطوة الترك    وفاة مفاجئة لفنان مصري.. سقط أثناء مشاركته بمباراة كرة قدم    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية..    أولا وأخيرا .. هاجر النحل وتعفن العسل    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنتم السابقون ونحن اللاحقون ...
نشر في الحوار نت يوم 23 - 10 - 2010

الدكتور محمد بن نصر/ المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية
فرج ، منصف، رضا، من الأحبة الذين رحلوا عنّا مؤخّرا، رحلوا عن هذه الدنيا التي من فرط قوى الشّد فيها تنسينا أن الموت يمكن أن يداهمنا في كل لحظة ويرمي بنا خارج الزمن الدنيوي حيث نلقى الله بأعمالنا، السعيد حقّا منّا هو من ربّى نفسه على الاستعداد ليوم اللقاء، يفكر ويخطط ويكدّ ويعمل وهو مستحضر للحظة الفراق وجاهز لاستقبال ملك الموت. ذلك هو الكدح الجميل، الكدح الذي يصل عالم الغيب بعالم الشهادة.
فرج، وتعود الذاكرة إلى الزمن الذي أضحى بعيدا، إلى ثمانينات القرن الماضي، وإلى غرفة من غرف المبيت الجامعي بدار تونس في إحدى ضواحي باريس القريبة، كان بسماحته واندفاعه العفوي لتفريج كرب الدفعة الأولى من مناضلي الجامعة التونسية. ثلة حديثة عهد بباريس، لم تبهرهم أنوارها واستأنفوا حوارا طويلا بدؤوه منذ فترة حول القرآن والثورة على الظلم وسبل تحقيق العدل والمساواة. تعجّب فرج من هؤلاء النفر الذين يتكلّمون لغة لم يعهدها ويعبّرون عن هموم وآمال لم تكن في قاموس من سبقهم وعزم على صحبتهم وانتهاج نهجهم وكان السند القوي لهم وهم يتلمسون سبل التأقلم مع واقعهم الجديد. أنهى فرج دراسته الجامعية وقرر أن يعود إلى تونس، إلى حيث كان أولئك النفر. وشاءت الأقدار أن نلتقي ثانية ولكن للمرة الأخيرة في خريف 1984 في تونس قضينا في صحبته أياما لا تمحى من الذاكرة، واستأنفنا في بيته الذي ملأته الأخت هناء هناءً وبهجة أحاديثنا التي كنّا قد بدأناها في باريس. وعندما ضاقت واستحكمت وعزمت على الرحيل بعد أن خاب أمل العودة، كبكب بعض من رفقاء الدرب وحسبوا أن في الأمر خلط لحساباتهم ولكن وكعادته قال لي فرج لا تحزن "هانت". إنّه فرج، يحمل بجدارة معنى اسمه وفي ذلك تفصيل نتركه للتاريخ.
وتوالت الأيام والمحن وتقطعت بنا الأسباب ونال فرج منها ما نال ولكن بالرغم من قسوة المشهد وعمق الجراحات ظل فرج على عهده لا يتأخر أبدا عن إغاثة الملهوف ما استطاع إلى ذلك سبيلا. عاودنا التواصل مؤخرا بعد انقطاع طويل و شعرت وكأنّني تحدثت إليه بالأمس القريب. هزّني خبر وفاته الذي بلغني متأخرا وآلمني ذلك جدّا، توفي يوم 20 سبتمبر ولم أعلم بوفاته إلا بعد عشرة أيام. تبّا لك أيتها الدنيا تلفلفينا بردائك الناعم ويأخذ الموت منّا الأحباب ونحن عنهم غافلون، رحمك الله يا فرج وفرّج الله عنك كرب الآخرة كما فرّجت عن إخوانك كرب الدنيا.
منصف، كان كما ما وصفه إخوانه الذين عاشروه في زمن العسرة الذي طال بهم في أرض السودان، منصفا في كل شئ، في القول وفي العمل، منصفا حين ينتقد وحين يمتدح. عرفت "منصف" لأول مرة سنة 2007 وكان ذلك بمناسبة المشاركة في مؤتمر فكري في العاصمة السودانية وحدّثني "منصف" عن صعوبات الغربة في السودان والسبل الممكنة لتذليلها، لم تمنع الظروف الصعبة التي عاشها منصف من إكمال دراسته الجامعية، استطاع بهمّته العالية أن يجتاز امتحانات التعليم الجامعي بنجاح ويحصل على شهادة الدكتوراه ثم يدرّس في الجامعات السودانية ويتدرج في مشواره العلمي والمهني. حرصت على ملاقاته في كل مرّة أزور فيها السودان وأتواصل معه عبر التلفون في أوقات متباعدة ولا أدري ما الذي دفعني إلى الاتصال به يوم 25/09/2010 بعد انقطاع دام بضعة أشهر، كان صوته متغيّرا، سألته فزعا عن أحواله فقال لي أنّه أجرى عملية جراحية في الأردن لم يكتب لها النجاح وأنّه عازم على إعادة إجرائها في السودان، ودّعته على أمل أن أعاود الاتصال به ثانية. وشاءت الأقدار أن ألتقي في بداية شهر أكتوبر بالأخ منتصر نور، أحد الباحثين في مركز التنوير المعرفي الذي كان ينشط فيه منصف. حدّثني منتصر عن مرض منصف وهالني ما سمعت ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا وأعلمني بعدها أن منصف قد دخل في مرحلة غيبوبة شبه كاملة ثم جاءني خبر موته عصر الأحد 18 أكتوبر، إنا للّه وإنّا إليه راجعون. هكذا يا منصف، لم ينصفك أحد وظللت تنتظر جواز السفر عشرين سنة وحين على ما يبدو حصلت عليه لم تسافر به حيا إلا مرة واحدة للعلاج وأخيرا انتبه إليك أبناء الوطن ومنحوك وثيقة سفر لتسافر بها إلى بلدك في مثواك الأخير. أهكذا تكون نهاية الكرام؟ لكن ستجد الإنصاف حتما عند ربّ العالمين يوم لا منصف غيره.
رضا، رضي بقدر الله وحكمه، بالرغم من قدراته العلمية والمهنية التي لا ينازع فيها أحد وبالرغم من حصوله على الجنسية الفرنسية لم يفلح في اقتلاع موقع في الجامعات الفرنسية وفي كل مرّة يظن أن في الأمر مفازة يفاجئونه بالاعتذار. سئم الحياة في فرنسا التي لم تقدر جهده وعلمه وعزف عن المطالبة بحقه في مزاولة مهنة التعليم التي يتقنها ولكنه وضعها في خدمة المؤسسات الإسلامية الناشئة فكان أينما حل محل تقدير وإكبار وذاق تجربة العمل مع المسلمين بحلوها ومرّها ثم سيطرت عليه فكرة العودة إلى البلد، العودة إلى الأرض التي أنجبته فبدأ بإقامة مشروع فلاحي صغير في بلدته الصغيرة ثم عنّ له أن يترشح ليلتحق بهيئة التدريس في الجامعة التونسية وتمّ اختياره من بين مرشّحين كثر وهكذا أصبح منطق الأشياء مقلوبا أحيانا، لم يحظ بالقبول حيث كان يظن أن مؤهلاته العلمية هي الحكم وحظي به حيث ظن أن الماضي سيلاحقه ويؤخر المؤهلات العلمية ليقدم اعتبارات أخرى. عندما التقينا لآخر مرة في الثامن والعشرين من سبتمبر المنقضي وجدته منطلق المحيى، قوي العزيمة يأمل في خدمة بلده وتنمية قدرات أبنائه ولكنّه كان في ذات الوقت مترددا بعض الشيء. في أكثر من مناسبة في جلستنا هذه يقول لي "أتتصور يا صابر وهكذا كان يحب أن يناديني، أن خيار العودة خيار صائب، كان يخشى أن تدور عليه الدوائر وكنت أجيبه وممّ تخشى يا رضا؟ توكّل على الله وجرّب وإن غيّروا رأيهم فلن يضرّوك بشيء. كان حريصا كل الحرص أن يُبقي على المادة التي يدرّسها في قسم الدراسات العليا في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية ولو في أوقات مكثّفة وفي آخر مكالمة هاتفية جرت بيننا في الثاني من شهر أكتوبر الحالي اتفقنا على المواعيد التي سيدرّس فيها. في الواحد والعشرين من الشهر نفسه وفي اللحظة التي أرسلت له رسالة الكترونية لأشكره على الملاحظات التي أبداها بخصوص رسالة ماجستير كان قد أخذها معه ، جاءني خبر وفاته، هزّني الخبر ولكن لم يُحدث عندي من هول الصدمة هلعا استثنائيا في لحظته خاصة وأن ذهني منصرف هذه الأيام إلى التفكير في أسئلة يدور أغلبها حول الموت، بعضها حق وكثير منها باطل، من نوع هل يمكن للإنسان أن يستشعر دنو أجله؟ كيف يمكن أن يحسن الاستعداد للرحيل؟ كيف يفكر الموتى وكيف يملئون وقت فراغهم؟ وهل لهم أصل وقت فراغ؟ وغيرها من الأسئلة وخلصت بعدها إلى التفكير في السؤال المشروع عقليا وغير المشروع دينيا ثم ما معايير السؤال المشروع في ضوء القرآن الكريم؟ لم يخرجني من ذلك إلا هول الخبر: توفي رضا وتوفي أبوه بعده بقليل وأخته في الإنعاش وأخوه جريح، كل ذلك إثر حادث مرور مروع، لا حول ولا قوة إلا بالله . في لحظة زمن يتوقف كل شئ وتبدو كم هي هزيلة هموم الدنيا بل كم هي تافهة المشكلات التي تنخر النفوس فتحولها إلى آلات منتجة للشقاء والأحزان المجانية.
رحمهم الله جميعا وجعلهم عبرة للعاملين أمثالهم لعلّهم يستحضرون لحظة الفراق وهم يرفعون "القواعد من البيت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.