رئيس فرع كرة القدم بالنادي الإفريقي يعلن انسحاب المدرب فوزي البنزرتي    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    سيدي بوزيد: وفاة شاب وإصابة آخرين جراء حريق في ورشة لتصليح الدراجات بجلمة    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    تونس تُحرز بطولة إفريقيا للبيسبول 5    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    هذا هو المهندس على بن حمود الذي كلّفه الرئيس بالموضوع البيئي بقابس    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سودانان وعراقان ويمنان وأمة واحدة!
نشر في الحوار نت يوم 08 - 11 - 2010

كثيرا ما يغرق الواحد منا في الاهتمام بقضية أو أكثر من القضايا القطرية المحلية الملحة ثم يستمرئ ذلك من نفسه وربما يجد عليه أنصارا وتكون النتيجة في العادة: برود كبير في الاهتمام بالقضايا الجمعاء العظمى التي تفرض على الأمة العربية أو الإسلامية بأشكال متعددة ومن مصادر مختلفة.
ذلك أمر لا يبرر بحال كائنا ما كانت وطأة التحديات التي تحكم بقبضتها على هذا القطر أو ذاك لأنّ ذلك باختصار شديد وبساطة أشد يبدد فينا الاهتمام بالأمر العام للأمة وأكرم به من اتجاه في التفكير سرعان ما يأخذ طريقه إلى الفعل يجعل من ألم الفرقة العربية والإسلامية الراهنة يوما بعد يوم واقعا مفروضا تتثاقل الخطى على درب معالجته.
بكلمة واحدة: ذاك اتجاه في التفكير والمعالجة يطبع مع أحوال التمزق والتفرق والتشرذم في أكثر من صف من صفوف الأمة وعلى صعيد أكثر من حقل من حقول نشاطها.

ما هي بداية الوعي؟
بداية الوعي فيما نحسب تنشأ من الإحساس بالمفارقة العجيبة بين مثال لوحدة الأمة وبين واقع ملموس. مثال لا يفتأ يكر به عليك الإسلام صانع الأمة العربية والإسلامية سواء بسواء ومثال عاشته الأمة ذاتها حقبات من الزمن على اختلاف في درجات التماسك الوحدوي. بداية الوعي هي ذاك. بداية الوعي هي الإحساس الصحيح والعميق بأنّ فرقتنا من بعد وحدة بمظهريها العقدي النظري والعملي هي الشرخ الذي تسللت منه تباعا أمراض أخرى بل إنّ تلك الأمراض عند التحقيق ليست سوى أعراض جلدية أما الجرثومة المسؤولة عن وضعنا الحاضر فليست سوى جرثومة التفرق. كل بداية للوعي فيما نحسب مخالفة لذاك أو مهوّنة من شأنه فهي وعي مزيف أو مغشوش.

أول الصيدليات: صيدلية التاريخ.
هل أنّ تاريخنا نحن أمة العرب والمسلمين مفترى عليه حقا وما هي درجات الافتراء عليه أو تبرئته!... ذاك سؤال مهم. سؤال لا يتسع له المجال هنا ولكن محطات خطيرة جدا في تاريخنا لا بد من استحضارها كلما كان التفكير منا جادا في معالجة أوضاعنا. من يتغافل منا عن معركتي الفتنة العصيبة الكبرى الأولى في تاريخنا (الجمل وصفين) أو عن الانقلاب الأموي ضد ثاني أكبر قيمة عقدية في الإسلام (الشورى التي هي رمز كرامة الإنسان وتساوي المواطنين وحق الأمة في أمرها السياسي حقا لا تفرط فيه حتى تحت طعن القنا وخفق البنود، وهي العاصمة من التفرق والحاصنة للوحدة والضامنة للتنوع إلى آخر ذلك من مآثر الشورى)... ثاني أكبر قيمة عقدية في الإسلام مباشرة بعد عبادة الله الواحد سبحانه... أو عن الانقلاب ضد المرأة أثرا ارتداديا عاجلا أو استحقاقا حضاريا مفهوما من آثار واستحقاقات الانقلاب ضد قيمة الشورى... أو عن سيادة مناخات الانحطاط بما هو تقليد وجمود وإمعية واستنكار للتجديد والاجتهاد والابتداع والابتكار والاختراع... أو عن التنكيل العباسي المعتزلي بفريق من التمذهب الإسلامي بعصا السلطان... أو عن سقوط بغداد عاصمة ذلك التنكيل على أيدي التتار... أو عن سقوط الأندلس... أو عن حروب الفرنجة (الحروب الصليبية بالتعبير المسيحي)... أو عن سقوط آخر معقل سياسي للأمة يحفظ كيانها الوحدوي العام ولو رمزيا أي الآستانة... أو عن الغزو الثقافي والإلحاق الحضاري والاستلاب الفكري... أو عن تشظي الكيان العربي والإسلامي من بعد ذلك إلى دويلات مجزأة بأثر اتفاقيات سايكس وبيكو... أو عن الاحتلال العسكري المباشر للأمة قاطبة تقريبا ... أو عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين منذ 62 عاما كاملة حتى اليوم... أو عما لا يحصى من أنواع الاحتلال المعاصر اقتصايا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا وفرض واقع التجزئة والتفرق والتمزق وسلب الثروات ونهب المقدرات وإخضاع السياسات... أو عن تغذية النعرات القومية الداخلية بعضها ضد بعض تمهيدا لانفصالات مؤلمة في جسد منهك جدا من جراحات تاريخية ومعاصرة ثخينة سواء بأسماء مذهبية أو دينية أو عرقية...
من يتغافل عن تلك المحطات المؤلمة الخطيرة وغيرها لن تكون مقاربته لمعالجة أوضاعنا معالجة تلبي حاجاتنا الضرورية الحيوية مقاربة لا صحيحة ولا ذات جدوى.
من يتغافل عن التاريخ بكلمة فقد ذاكرته أو أكره نفسه على فقدانها وحظه في كدح الدنيا حظ وليد يحبو وأنى لوليد يحبو أن ينافس الجهابذة أو الكواسر والضواري!

السؤال الحضاري مازال معلقا.
خلاصة ذلك أنّ السؤال الحضاري المعاصر: لماذا تأخرنا أو انحططنا أو تراجعنا سواء تقدم غيرنا أو كان منحطا مثلنا ولكن نختلف في درجة أو نوع الانحطاط فحسب يظل ذلك السؤال معلقا في أعناقنا جميعا لا يعفى منه منتم إلى الأمة العربية أو منتسبا إلى الإسلام. لماذا انحططنا هو نصف الجواب الصحيح عن السؤال الأجمع: كيف ننهض من جديد؟ فمن لم يطرح السؤال الأول لن يظفر بجواب صحيح عن السؤال الثاني.

إيانا والخلط بين الأعراض والأمراض.
مما لا يحسب لنا في السنوات المتأخرة أنّ اللسان السياسي في توصيف الأمراض والأعراض طغى طغيانا شديدا على اللسان الفكري. اللسان السياسي يستبق اللحظة ويمضي بسرعة بسبب وظيفته وليس عيبا فيه إلى العرض الحاضر تنبيها إليه وتحريضا عليه من مثل سرطان الاستبداد السياسي. أما اللسان الفكري فهو ينفذ إلى المرض الأصلي تحليلا وتشريحا ومحاولة فهم. ربما تخلف اللسان الفكري بذاك المعنى في السنوات الأخيرة تقاعسا عن فريضة البحث والاجتهاد والتجديد فطغى اللسان السياسي الذي لا يزيد على قيادة وتوجيه أمة أو شعب أو مجتمع تحصن باللسان الفكري بعد تحليل لأدوائه وتشريح لمشكلاته. أما الاقتصار على اللسان السياسي أداء للدورين: دور القراءة والمقاربة ثم دور التحريض والتعبئة وإعادة البناء... ذاك اقتصار يهنأ به الكسالى بسبب أنّ الأزمة العربية والإسلامية الراهنة أزمة مستحكمة ومعقدة ومتشابكة بل شديدة الاستحكام والتعقيد والتشابك في التاريخ والحاضر وبين الفكر والدين والسياسة والعلاقة بالآخر.

خذ إليك هذا المثال التوضيحي العملي.
التعبئة السياسية الحاضرة ضد الاستبداد السياسي العربي عمرها عقود وليس مجرد سنوات والضحايا على دروبها بالآلاف المؤلفة والجهود لا تحصى ولا تعد ولكن دار لقمان كما قال الشاعر المصري على حالها والقيد باق والطواشي لم يعد صبيحا ولكنه ولد صبيح أي إمعانا في التوريث العائلي وإمعانا في تفعيل عقد الاستبداد وإنتاج التعذيب والقهر والمسخ وإكراه الملايين على الهجرة القسرية إلى الغرب وبيع البلدان بالمجان إلى أسواق النخاسة الدولية وفرضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل بل إمعانا في نفاق عربي عجيب يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والعدالة الاجتماعية والاستقلال والسيادة وهو لا يزيد على أن يروغ منا كما يروغ الثعلب الخداع.
مثالان يذكرهما المفكرون العرب والمسلمون وفي الفؤاد حسرات وحشرجات: مثال رومانيا وبعض بلدان أروبا الشرقية البالية حيث انقلبت الشعوب على المستبدين بأمرها (بل منها إيران أصلا)... ومثال تركيا الأوردوغانية أو تركيا الجمهورية الثانية.
أخطر نتيجة لذلك هي: اندياح آثار اليأس في الشارع العربي من المنهاجين معا: منهاج الثورة الشعبية التي تطيح بالمستبد ومنهاج الديمقراطية.
ذاك يأس لا يعالجه اللسان السياسي فحسب ولكن يعالج بالأساس باللسان الفكري تحليلا وتشريحا وتفكيكا وإعادة بناء أي: استدعاء الاجتماع والثقافة والدين والتاريخ قبل استدعاء السياسة فعلا يوميا مباشرا...
لنسأل أنفسنا بصراحة وشجاعة: أنى لجهود سياسية مخلصة كبيرة أن تبوء في نهاية المطاف بتيار إسلامي لب مشروعه هو: الحكم العربي الحاضر إمارة إيمانية أو خلافة راشدة أو قريبا من ذلك والخروج عليها بأي مظهر من مظاهر الخروج ولو كانت معارضة سياسية خروج عن الإسلام وعن مبادئ البيعة الإسلامية!! إعادة إنتاج ذلك يعني أنّ القضية أعقد مما كنا نتصور. لا تقل لنفسك مستريحا: ذاك تيار صغير معزول تموله أنظمة معروفة. ولكن قل: المشروع الحضاري النهضوي العربي والإسلامي المعاصر لم يستكمل حلقات فكرية سابقة تحمل المشروع السياسي بما أنشأ فجوة أو شبه فجوة بين النخبة وبين المجتمعات والشعوب. فجوة ملأتها السلطة العربية بالعصا فتعمقت الفجوة حينا وبالدجل حينا آخر وبالاستقواء بالآخر الغربي حينا ثالثا فكانت الأمة هي الضحية. ضحية يعلوها الدم الأحمر القاني والفقر والجهل والمرض والقابلية للاحتلال بأي صورة من صور الاحتلال المعاصر الجديد في كل موضع من مواضع جسمها.

سودانان وعراقان ويمنان..
تركيز الدوائر الغربية الكائدة على الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية في الأمة تركيز واضح جلي لا يحتاج إلا لفتح الأعين. قامت حركة الترابي في 30 حزيران 1989 على أسس منها التعجيل بالانقلاب تلافيا لسقوط الشمال في أيدي الجنوبيين وبعد عقدين فحسب (2010) تتهيأ الأوضاع محليا وعربيا وإفريقيا ودوليا لانفصال الجنوب الذي لا يعني سوى انتصار دوائر العداء في أمريكا وأروبا ضدنا إذ صرح أحد أكبر قيادات الجنوب أن تدشين سفارة لإسرائيل أمر ممكن وبذا يكون اليمن جارا لأسرائيل هناك وبلدان أخرى تحتاج إسرائيل أن تكون جارة لها. العراق اليوم هدية سفاح العصر بوش إلى إيران عراقات ثلاث: عراق الأكراد وهو مستقل استقلالا تاما سوى أنّ الفرصة الدولية مازالت غير سانحة للإعلان عن استقلاله بمثل ما هو متاح لجنوب السودان. وعراق الشيعة الموالي لإيران والطامحة إلى ابتلاع المنطقة جزءً بعد جزءٍ مستغلة انقسام العرب وهرولة حكامهم إلى الاحتماء منهم بالأمريكان وإحدى أيدي الأمريكان الطولى دون ريب ولا شك: الصهيونية. أما عراق السنة فهو العراق الذي يكاد ينتمي لعالم الوجود الافتراضي بعد حملات استئصالية تدميرية ضدهم ربما تحصدهم كما حصدت الشيوعية في أعقاب الثورة البلشفية ملايين من المسلمين في ما عرف بعد ذلك بالجمهوريات الإسلامية المستقلة. اليمن هو الآخر اليوم 3 يمنات أو أكثر: يمن علي عبد الله صالح في الشمال ويمن الجنوب المتململ المتمرد (توحدت الألمانيتان في الفترة ذاتها التي توحد فيها اليمنان ولك أن تنظر في أوضاع الوحدتين: وحدة ألمانية جعلت من برلين عاصمة أروبا بأكثر من مقياس تاريخي ومالي وسياسي. ووحدة يمنية فشلت فشلا ذريعا منذ السنوات الأولى وهي اليوم تهدد بالانفجار). ويمن القاعدة ويمن الحوثيين ولن تكون النتيجة سوى اضطرار علي عبد الله صالح إلى الاستقواء بالأجنبي سيما أنه سيكون جاره في سفارة إسرائيل في جنوب السودان.

وفي مصر قنبلة موقوتة مهددة بالإنفجار.
دعنا من الدويلات العربية الميكروسكوبية جغرافيا وتاريخا أو وجودا دوليا من مثل موريطانيا وتونس والصومال وغيرها... ما هو وضع أكبر دولتين عربيتين: العربية السعودية ومصر؟ مصر مهددة بمصير غير بعيد عن مصير السودان بسبب ما لا يزيد عن 4 بالمائة من الأقباط المسيحيين الموالين للحكومة المركزية من جهة ومن ذوي الاستقلال الديني والمالي من خلال الكنائس والمصالح والعلاقات الخارجية من جهة أخرى. ما كشف عنه الدكتور العوا للجزيرة قبل أسابيع من وجود أسلحة داخل بعض الكنائس المصرية فضلا عن تواتر أخبار موثقة صحيحة عن احتجاز أكثر من امرأة قبطية عضلا لها عن اختيار الإسلام سيما أنّ إحداهن زوج لأحد أكابر الأقباط نفوذا ... ما كشف عنه لا يعني سوى أنّ قنبلة موقوتة شديدة الانفجار تهدد مصر. قنبلة نسجت فتائلها بين ثلاثي: الحكومة المركزية التي يؤمن لها الاستمرار بقدر تمكينها للصهيونية وخنق غزة والتسامح مع المسيحيين والأقباط أنفسهم سيما قياداتهم النافذة حتى لو غرنا الذي غرنا من دعمهم لقضية فلسطين بعدما تبين أنّ دعم فلسطين من أكثر من طرف إسلامي أو مسيحي لم يكن سوى قرص حماية يوفر لمشاريع الانفصال أو العداء مناخات نشوء مناسبة مع الدوائر المعادية للأمة العربية والإسلامية سيما إذا كانت الحالة المعنية هي مصر المتاخمة لغزة وفلسطين وصاحبة الأزهر الشريف ولدورها المعروف تاريخيا ودينيا في القضايا العربية والإسلامية.

أزمتنا خطيرة وكبيرة ومعقدة والمعالجة من جنس المشكل.
كل ما أردنا لفت النظر إليه هنا هو أنّ الغرق من بعضنا في قضايا قطرية محلية ملحة لا يبرَّرُ بأي حال من الأحوال إلا بما يخدم القضايا الكبرى الأشد إلحاحا للأمة جمعاء قاطبة وإلا سقطنا فيما يراد لنا السقوط فيه أي استمراء حالة التمزق والتفرق والتشظي.
عناوين أزمتنا معروفة لكل طالب في الابتدائي ولكن المطلوب ليس تعدادها أو إحصاؤها بل المطلوب أمران: إعادة تركيب تلك العناوين (الاستبداد السياسي + نهب الثروات + مقاومة الاحتلال إلخ...) ضمن دليل معاصر مبسط يستوعبه الناس ويتعبؤون له ويتعاونون عليه تلافيا لحالة التشوش الذهني كلما تطرق الحديث إلى عنوان من تلك العناوين أو طرح السؤال الحضاري المعاصر الأكبر: كيف ننهض من جديد مؤسسا على سؤال: لماذا انحططنا؟!... الأمر الآخر المطلوب هو: التعبؤ لملء الفراغ الفكري المحيط بأزمتنا المعاصرة على معنى أن تؤسس الأجوبة على مقاربات فكرية صحيحة وتتسع لحد أدنى من العمق والدقة والشجاعة بنظرة في التاريخ وأخرى في الواقع فلا نقع صرعى تفسير تآمري ضدنا من جهة ولا نجلد أنفسنا جلدا يستحيل معه كل تاريخنا سوادا في سواد من جهة أخرى.

تحصنت تركيا أو هي على طريق التحصن ..
اختارت إيران طريقها المذهبي ونحن حيالها بين متوجس شرا وبين مؤيد باحتراز..
اتخذت بعض شعوب شرق أروبا طريق الثورات البرتقالية فحققت نجاحات..
احتمت بعض بلدان جنوب شرق آسيا بالهوية من جهة وبالتعويل على المقدرات الذاتية من جهة أخرى فكادت تنافس العمالقة اقتصاديا منافسة ندية...
حسمت أروبا معركتها الحضارية بين الإقطاع المتكنس أو الكنيسة المتأقطعة وبين الثورات العلمية بالإجماع الديمقراطي والعدالة الاجتماعية...
حتى الهند الوثنية حيث مليار وثلث من البشر أنقذتها الديمقراطية من الهلاك وهي اليوم قوة عمرانية ديمغرافية واقتصادية صاعدة...
حتى الصين الشيوعية توفقت إلى اختيار شيوعية ليبرالية غير عسيرة الهضم لم تكن عائقا أمام صعودها الاقتصادي تعويلا على إمكانياتها الذاتية...
لم يعد في الأرض غيرنا نحن العرب والمسلمين ممن لم يحسم خياره الثقافي والاجتماعي والسياسي والاستراتيجي بما يضمن له مساحة تليق بحجمه التاريخي والقيمي والجغرافي والعمراني والمالي فوق الأرض وتحت الشمس...
أليست تلك مفارقة خطيرة أولى بالبحث والمقاربة من قضايا عربية أو إسلامية أخرى أدنى حظا في سلم مراتب الأولويات الحضارية؟

الحوار.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.