سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    يوميات المقاومة...تخوض اشتباكات ضارية بعد 200 يوم من الحرب ..المقاومة تواصل التصدي    أخبار الترجي الرياضي ...مخاوف من التحكيم وحذر من الانذارات    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    انتخابات جامعة كرة القدم .. قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    اعضاء لجنة الامن والدفاع يقررون اداء زيارة ميدانية الى منطقتي جبنيانة والعامرة من ولاية صفاقس    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    فاطمة المسدي: ''هناك مخطط ..وتجار يتمعشوا من الإتجار في أفارقة جنوب الصحراء''    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    قرار قضائي بتجميد أموال شركة بيكيه لهذا السبب    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام في رحى المعركة بين تأجيج الإسلاموفوبيا والتيار „الجهادي“
نشر في الحوار نت يوم 21 - 11 - 2010


معطيان واقعيان لا بد من فهمهما ومعالجتهما

أولهما: التيار „الجهادي“ قوامه التكفير والتفجير سواء تمثل في تنظيم القاعدة أو في التيارات الدائرة في فلكه. دعنا نقول: تاريخ 11 سبتمبر 2001 حلقة مفصلية في تاريخ الأمة ستظل تلازمها عقودا بمثل ما لازمتنا حتى اليوم نكبات وكوارث وهزائم وتراجعات وتعثرات ليست باليسيرة من الانقلاب الأموي ضد إرث النبوة السياسي وإدارة الخلافة الراشدة لمسألة الحكم حتى سقوط بغداد (السقوط الأول) وسقوط الأندلس وسقوط الآستانة وتفكك أوصال الأمة والغزو الفكري وانتصاب الاحتلال وخاصة احتلال فلسطين.

ثانيهما: تيار الإسلاموفوبيا سواء تمثل في اليمين الأروبي المتطرف (المسمى محافظ) أو في الجيوب العربية التي تغذيه.

تياران واقعيان ومعطيان حقيقيان لا يهون من شأنهما عاقل. غير أنّ هناك سؤال يتردد بإلحاح ولكنه سؤال خاطئ. من يتحمل مسؤولية الإسلاموفوبيا وآثارها المخيفة من مثل التضييق على الوجود الإسلامي في أروبا خاصة والغرب عامة بما يمد الجيوب العربية المعادية للهوية القومية للأمة أي الإسلام بانتعاشات جديدة ويبرر لها تضييق هوامش الحريات يوما من بعد يوم سيرا في الاتجاه المعاكس لثورات الاتصال ؟ هل أنّ المسؤول هو التيار „الجهادي“ الذي أيقظ أروبا المسيحية المتروّمة أو اليهودية المتصهينة للدفاع عن تراثها وحاضرها ومستقبلها حتى لو أدى ذلك إلى جرعات زائدة في التطبيق تحاصر قيم الديمقراطية أم أنّ المسؤول هو اليمين الأروبي (المحافظ المتطرف) بما اغتنم من فرص ثمينة من حماقات تيارات الجهاد الفوضوي لتصفية حسابات قديمة مع وجود إسلامي أروبي ضاق به ذرعا؟
ذاك سؤال خاطئ لأنه من قبيل السؤال التقليدي الأحمق: من الأسبق: أهي الدجاجة أم البيضة!؟لا يمكن أن يكون أحدهما سببا والآخر نتيجة ولكن يمكن أن يكون كلاهما ثمرة للآخر أو مبررا من مبررات أخرى كثيرة لنشوئه أو ظهوره. ذلك هو شأن الظواهر الاجتماعية في تعقدها وتشابكها سيما أن علاقة الإسلام بالغرب علاقة قديمة جدا ضاربة في أعماق التاريخ والجغرافيا والفلسفة.


ولكن ما هي المشكلة بالتحديد؟

ذلك هو السؤال الإيجابي الصحيح. لنحاول تفكيك المشكلة في محاولة لحسن فهمها وحسن معالجتها.


1 الجانب الأول من المشكلة هو: الانقسام العربي المريع

أخطر ما في ذلك الانقسام العربي هو:
* أنه مفروض من دوائر الغرب النافذة.

* وأنه يدغدغ النعرات المذهبية أو العرقية أو اللغوية أو الدينية حتى يكون الانقسام عدائيا منذ اللحظة الأولى ومواليا في جزء واحد منه على الأقل لتلك الدوائر الغربية النافذة التي فرضته.
* وأنه سرعان ما يستثمر إما للتطبيع المباشر مع الكيان الإسرائيلي المحتل أو لدفع جيران البلد الذي فرض عليه الانقسام إلى ذلكم التطبيع، وبالنتيجة توهين عرى المقاومة.

- وأن ثرواته تستباح نهبا وسلبا مقايضة لأكذوبة حمايته من عدوه العربي المجاور له.

أيّ الاحتلالين أقسى علينا: الاحتلال العسكري التقليدي القديم الذي سرعان ما يتنادى الناس لمقاومته لأنه احتلال عسكري ظاهر لا يختلف فيه اثنان أم الاحتلال السياسي والاستراتيجي الاقتصادي الجديد الذي تجد له من أبناء البلد أنفسهم أعوانا متحمسين بسبب سوء فهم التعدد الإسلامي دينيا ومذهبيا وعرقيا ولغويا ليستحيل قنبلة موقوتة بدل أن يكون نقطة قوة في ظل التكامل؟


2 الجانب الثاني من المشكلة هو: مراوحة مشروع النهضة المعاصر نفسه في مكانه

أخطر ما في تلك المشكلة هو:
* تفكك أوصال كثير من الإسلاميين تفككا واضحا ليس على المستوى القومي الأجمع فحسب بل في أحيان كثيرة على المستوى القطري أو الإقليمي. تفكك عناوينه الكبرى هي: الأنظمة العربية محميات محصنة من لدن دوائر النفوذ الغربي وهي ليست للبيع ولا للمبادلة لأيّ طرف لا يضمن مصلحة إسرائيل ولو بالتطبيع التجاري سرا. خرافة الدمقرطة في الوطن العربي خرافة لا تسمع اليوم سوى قهقهات الزمان من حولها والمكان سخرية وتندرا بل حولتها الأنظمة إلى عامل من عوامل بقائها وتجددها وتعايشها مع المعارضين. الإسلاميون لئن استقطبوا النخب فإنّ الحواجز بينهم وبين الشعوب والمجتمعات حواجز سميكة متّنتها عصا البوليس وحلوى الحاكم، فبات الأمر واقعا قد يستمرّ عقودا أن لم نقل قرونا.

* تراجع رهيب جدا في أداء (العلمائية بحسب بعض التعبيرات الجديدة الطريفة أي دائرة العلماء من ذوي الوزن العلمي والحركي والشعبي استقلالا كاملا عن السلطان). لا يتجاوز عدد أولئك ممن لهم مواقف واضحة ومساندة لمشروع النهضة المعاصر (مقاومة في فلسطين ومقاومة للاستبداد الداخلي)... لا يتجاوز عدد أصابع اليدين في أحسن الحالات أي بمعدل نصف عالم في كل بلد عربي أو أدنى من ربع عالم في كل بلد إسلامي! هو تراجع سجلت فيه العالمانية نصف انتصار وسجلت فيه عصا البوليس النصف الآخر وبقيت الأمة شبه يتيمة (دون "ماما" بعد سقوط الآستانة ودون "بابا" بعد موت العلماء وفرض الصمت على من بقي منهم حيا بحسب تعبير أحدهم).

* تفكك أوصال التيارات اليسارية سيما التي أصيبت بما يشبه اليتم من بعد اندحار الاتحاد السوفييتي أو التي انصهرت في رموز بعض الحكام السابقين انصهارا انفعاليا فلما ذهب أولئك بقي الأتباع فيما يشبه التسلل.

* مع تفكك تلك الأوصال بدرجات متفاوتة في الإسلاميين وفي اليساريين ومن بلد لآخر رغم أنّ التاريخ القريب أثبت أنّ المعالجة الراهنة لا تكون إلا معالجة جامعة وليست معالجة محلية قطرية فإنّ طرق التعاون والتضامن بأدنى درجات التنسيق بين رموز النهضة من إسلاميين وعالمانيين ويساريين وقوميين ومستقلين لا يكاد يخطو خطوة حتى يتراجع إلى الخلف خطوات ويجهض كل شيء بسبب اختلاف ثقافي يضخم حتى لكأنّ القوم اكتشفوه لأول مرة رغم أنّ دبابة السلطة العربية تدهس هؤلاء وأولئك معا دون رحمة ولا شفقة.


3 الجانب الثالث من المشكلة هو: تغلغل الأيدي الصهيونية في دوائر النفوذ الدولية

أخطر ما في تلك المشكلة هو:
* المقاومة سيما الإسلامية منها في فلسطين المحتلة وتحديدا من ميلاد حماس عام 1987 أيقظت أعداء المشروع الإسلامي في الأرض كلها فكان ذلك مناسبة لاجتماعهم وتعاهدهم بوفاء عجيب على تقديس الحلم اليهودي والمقاومة دونه حتى آخر رمق بالمال والدعم والتحريض ولا عليك أن تتصهين ديانة سماوية اسمها اليهودية أو تتغرب أو تتأورب ديانة سماوية أخرى اسمها المسيحية أو النصرانية. ولكن ماذا حصل عندنا نحن؟ تفتت العرب في إثر ذلك تفتتا عجيبا ومع مرور السنين العجاف لم يبق مقاوما غير حماس أو من معها من فصائل لا تستحق الذكر لصغر حجمها وليس لهوان فضلها. أي أنّ المقاومة جمعتهم وفرقتنا وأي مصير أنكى علينا من ذاك؟ لا يعني ذلك بحال أنّ المقاومة فعل مشين أو سلبي أو مدان أو في غير زمانه أو مكانه. حاشا لله. ولكن الذي يعنيه ذاك هو أنّ الهوان بلغ بنا مبلغا من السحت والعقم جعلنا نولي الأدبار عن أقدس قضية بعد التوحيد في يوم اجتمعت فيه الأرض كلها على فئة صغيرة قليلة في غزة. لم ننتصر لهم ولو شهامة عربية ونخوة أعرابية. مقاييس الدنيا لا تصرح سوى بأنّ غزة بفئتها القليلة الصابرة لن تصمد طويلا حتى تبتلعها الترسانة الصهيونية كما تبتلع قطعة من الحلوى مرة المذاق غير أنّ الدنيا في مثل تلك الأحوال لا يعمل بمقياسها ولكن يعمل بمقاييس أخرى لا يعلمها أكثرنا.

* التطبيع هو كلمة السر الدولية بين كل طرف دولي نافذ وهو بالضرورة معاد للخيار الإسلامي بل حتى الخيار الوطني إن كان يساريا أو قوميا أو عالمانيا وبين كل طرف عربي مجزإ تابع. التطبيع ليس نصب خرقة قماش إسرائيلية فوق بناية يحرسها البوليس ليل نهار صباح مساء على نفقه ميزانية الوطن المطبع ولكن التطبيع نهب وسلب وتغيير للبنية العمرانية وتدمير للهوية ومساهمة في تحديد العلاقات الخارجية واتجاهات السياسات الداخلية والدولية. التطبيع بكلمة هو احتلال مقنع لا يثير حفيظة الناس. إذا كنت ترضى في بيت نومك بوجود غريب أو غريبة إلى جانب زوجك يلازمك بصفاقة في كل حركة وسكنة فلك أن ترضى بالتطبيع في بلدك. ذلك أحسن مثال للتطبيع مع الصهيونية.

* إشهار سيف معاداة السامية من لدن الدول الغربية سيما أروبا ضد معارضتها التي عادة ما تكون من أحزاب الخضر أو البيئة أو اليسار الاشتراكي أو الليبراليين (حالة هولمان الألماني قبل سنوات) ثم ضد الوجود الإسلامي الأوروبي. (بل الحالة الأشهر: حالة الفيلسوف الفرنسي روجي قارودي صاحب أشهر كتاب ممنوع في الديمقراطيات الأوربية: الأكاذيب المؤسسة للسياسة الخارجية الإسرائيلية). مقتضى ذلك إحجام تلك القوى الأقل عنصرية عن الدفاع عن القضايا العربية خارجيا وداخليا وإسلام الوجود الإسلامي الأوروبي فريسة يتنافس على نهشها اليمين النازي الأشد تطرفا وعنصرية من جهة واليمين المسمى محافظا وما هو بمحافظ ولكنه يتمترس بالسلطة سيما في ألمانيا وفرنسا وهما من هما في التوزان السياسي والنقدي أوروبيا ودوليا. قضية الدولة اليهودية في إسرائيل مثلا مرت بسلام في المناطق الأوروبية التي من المفترض أن تدين تأسيس الدول على أساس ديني محض سيما بالنسبة لكيان استيطاني محتل من مثل الكيان الإسرائيلي.


4 الجانب الرابع من المشكلة هو: ظهور التيارات „الجهادية“

أخطر ما في هذه المشكلة هو:
* انشقاقها عن صف الحركة الإسلامية المعاصرة المعتدلة التقليدية المعروفة انشقاقا عنيفا جدا بما أحدث من شروخات فكرية وأخاديد حركية مثقلة بألغام مازالت لم تفكك بعد. ذلك أنّ تنظيم القاعدة وما تفرع عنه من تيارات جهادية قوامها التكفير بالجملة والتفجير بالجملة هو تنظيم منسوب إلى الإسلام بل إلى الحركة الإسلامية وكل من ينسب نفسه إليك عليك أن تتحمل وزره في منطق الأشياء. بعضنا يهون من ذلك متكئا على أريكته وسائقا لنا حالة الخوارج! ذلك تبسيط يعقد المشكلة ويلغمها بسبب أنّ الخوارج نشؤوا في زمان كان فيه للأمة سلطان سياسي وأي سلطان سياسي كان! كانت الأمة وقتئذ هي قائدة النظام الدولي والمؤثرة فيه والهادية له والشاهدة عليه وهي التي ستصنع غذاءه وملبسه من بعد سنوات وهي التي تحمي المطرود وتؤوي المشرد وتمنح اللجوء السياسي للمضطهدين. كانت الأمة بكلمة مثل جسد قوي سليم اعترته حمى سرعان ما ساق لها كروياته البيضاء فجمدوها ثم طرودها. حالنا اليوم لا يجوز قياسه بحالهم بكل المقاييس. نحن اليوم جسد منهك متعب مجهد يمكن لذبابة هزيلة أن تشغب عليه لو حامت حول أنفه.

* استخدام التيارات „الجهادية“ لأعلى وأغلى قيمة عقدية وتعبدية وخلقية في الإسلام أي الجهاد استخداما سيئا جدا بما يُسيل لعاب المضطهدين والمسحوقين ممن قد لا ينقصهم إخلاص ولكن بينهم وبين الفقه ما بين السماء والأرض. لك أن تقول أنّ التيار الإسلامي الوسطي المعتدل فشل حتى اليوم لولا سفر الجهاد للإمام القرضاوي الذي لم يطلع عليه حتى اليوم بل حتى بعد طبعته الثانية مجرد إطلاع أكثر من 1 بالمائة من أتباع وأنصار ذلك التيار فشل ذلك التيار في تخليص قيمة الجهاد في الإسلام من سوء الفهم وسوء التطبيق بسبب ما أصبح يعد غربة عن دنيا البحث العلمي وعالم الاجتهاد الفكري والتجديد الثقافي في مقابل جري يومي ساخن في إثر ما هو دون ذلك بكثير سواء في عالم الفكر والثقافة أو في عالم السياسة والإصلاح أو في عالم قراءة اتجاهات المستقبل وصيرورات الأحداث.

* استهداف تلك التيارات لعموم المسلمين سيما المرتبطين منهم بسبب المهنة بأجهزة الدولة أو أحزاب المعارضة ولو كانت معارضة إسلامية بالتكفير جئيا أو كلّيّا واستهداف المصالح الغربية بالتفجير بالجملة. إن قلت إنّ أصحاب تلك المصالح لن يبقوا مكتوفي الأيدي فما جانبت صوابا وإن قلت إنهم يردون الصاع بعشرة صيعان وبالحماقة ذاتها فما جانبت أيضا صوابا. من حكم الحياة أنّ أعسر مواقف الحكيم أشدّها عليه هي موقفه حيال صراع الحمقى. فإذا كان أحد الحمقى يملك القوة والمال والنفوذ والآخر يملك الشجاعة والإقدام والتضحية فإنّ الحرب بينهما لن تكون إلا وبالا على من حولهما من حكماء.

* اختراق المخابرات لتلك التيارات „الجهادية“ بقصد استدراجها إلى الهدف المقصود ثم القبض عليها قبيل النفاذ إليه بدقيقة أو في أثناء استكمال التحضير له للإلمام بكل المعطيات والعناصر والإمكانيات والشبكات والعلاقات وبذلك يتحقق لتلك المخابرات حلمها الأوحد: توريط الحمقى في أعمال تفجيرية بالجملة استكمالا لحلقات الإجهاز عليهم من جهة والإجهاز على من خلفهم من مسلمين مسالمين وليس الإسلام خارج اللعبة القذرة فهو عدو الناتو الأوحد بحسب تصريح رئيسه قبل زهاء عشرين عاما من بعد التخلص من العدو الشيوعي من جهة ومن جهة أخرى توفير شماعة صالحة لكل زمان ومكان تلقي عليها الدول الفاشلة اقتصاديا وسياسيا بهزائمها (حالة ساركوزي في مواجهة المظاهرات الأخيرة). التيارات „الجهادية“ إذن بكلمة سوق حرة مفتوحة لنشاط المخابرات من كل لون عربي وإسلامي وغربي وأروبي وأمريكي. سوق مفتوحة يدخل إليها بالمجان. ناكية النواكي هنا هي أنك لو حدثت واحدا من أصحاب تلك التيارات „الجهادية“ المخترقة بأنّ الاختراق الأمني اليوم هو السلاح الأشد فتكا في أيدي الأنظمة لقهقه سخرية منك!


لنعد تركيب المشكلة...

1 الأمة في الداخل خاضعة للتجزئة المفروضة معزولة عن الحياة بالإسلام إلا في إطار ديني ضيق لا يتعدى أركان الإيمان وأركان الإسلام وبعض الأحوال الشخصية فيما يختلط فيه الدين بالعادة اختلاطا شنيعا.

2 الحالة النهضوية الإسلامية المعاصرة عدا المقاومة في فلسطين تداخلت فيها عوامل غموض كثيرة فلا هي اقتربت مما خطته لنفسها قبل عقود طويلة ولا هي راجعت مسيرتها مراجعات جذرية لتعدل من بوصلة اتجاهاتها سيما في العلاقة بالتجديد والاجتهاد من جهة أولى وبالسلطان من جهة ثانية وبالشعوب والمجتمعات والجماهير دون النخب من جهة ثالثة.

3 ليست المقاومة حالة عامة في الأمة بل هي حالة فئة صغيرة قليلة في غزة وأكناف غزة وأخطر سؤال هو: إذا لم توحدنا المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي (لأنه محتل أولا ولأنه إسرائيلي ثانيا ولأنه يحتل القدس ثالثا) فعلى أي شيء نتوحد؟

4 الخرق الذي أحدثته التيارات „الجهادية“ في الأمة وفئاتها العلمائية والحركية والمثقفة هو ثقب واسع وملغم والأسئلة التي يلقي بها في مياهنا الراكدة ليست بسيطة كما يظن البسطاء منا بسبب ارتباطها الحميم بالعقيدة والدين والانتماء وبسبب ما تؤججه النيران في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان والقائمة طويلة.. هو خرق أعاد العلاقة بين الإسلام والغرب من بوابة الجروح المنكأة وليس من بوابة كلمة سواء مراعاة لحالنا على الأقل.

5 الوجود الإسلامي الأوروبي يواجه إحراجات ليست هينة بسبب إعادة تصوير تلك العلاقة على ذلك النحو المقلوب فهل يواجه الإسلاموفوبيا أم يواجه التيارات „الجهادية“ قوامها التكفير والتفجير أم يلازم الصمت حيال هذا وذاك وأنى له في ظل هذه الحرب المفتوحة أن يمارس رسالته بوصفه وجودا إسلاميا أروبيا وجزء منه كبير أوروبي خالص دما ولحما ولغة ووطنية وانتماء وتاريخا؟


أي عنوان للأزمة نختار؟

لعل أنسب عنوان هو: أوضاع الأمة ترزح تحت أزمات حقيقية كبيرة وخطيرة تداخل فيها الداخلي مع الخارجي والتاريخي مع المعاصر والاجتماعي مع السياسي.


رسالة هذه الكلمة الحرة باختصار هي...

1 ما طرأ على الأوضاع العربية والدولية في العقدين المنصرمين من مثل:

* فشل الدمقرطة العربية بل تعايش الأنظمة معها وانحياز النفوذ الغربي ومنه إسرائيل إلى تلك الأنظمة حتى بالتضحية بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

* جمود أكثر الحركات الإسلامية الوسطية المعتدلة وتراجعها في بعض الحقول والتأبي العجيب عن التحول والتأقلم وحصول غموض في حقول أخرى وغربة عن عامة الناس تتوسع يوما بعد يوم.

* الفرار من المقاومة وإسلامها لعدوها رغم صمودها الأسطوري العجيب.

* تعرض المنتظم العربي والإسلامي إلى مزيد من التمزق والتجزُّؤ تضامنا بين عدو خارجي يعمل على إحكام قبضته علينا وبين حالة من التهرُّؤ والغيبوبة بما جعل من تنوعنا نقمة تستأصل بالتفرق بعدما كانت نعمة نحسد عليها.

* نشوء الخرق „الجهادي“ سوء تأويل وتفجير لغضب تاريخي دفين.

* تبلور الوجود الإسلامي الأوربي في صورة قوة إصلاحية هادئة في الزمان المناسب والمكان الأنسب تعزيزا لوجود الأمة وتجددها بل ثباته في مواجهة آثار نكبة سبتمبر.

2 يتطلب ذلك بالضرورة مراجعات جريئة وهادئة من لدن المستأمنين على مصير الأمة.

* أول المستأمنين هم الراسخون في العلم ممن يقاومون ويجاهدون وليس من القاعدين.

* ثم الحركات الإسلامية سيما الإخوان المسلمون ومن يدور في فلكهم الفكري والإصلاحي.
* ثم المفكرون والمثقفون والإعلاميون والحقوقيون وأهل التأثير بصفة عامة.


ما هي اتجاهات المراجعة؟

1 اتجاهها الأول نحو الإسلاموفوبيا التي غدت خطرا حقيقيا محدقا. وأخطر ما فيها أنها مصنع خصب لتيارات التكفير والتفجير باسم الجهاد.

2 اتجاهها الثاني نحو تلك التيارات ذاتها حوارا ومناظرة ودعوة إلى الرشد على اعتبار أنّ شباب الأمة الإسلامية جمعاء رصيد المستقبل الحيوي ونحن وتلك التيارات في منافسة شديدة حامية أيّنا يظفر بانضمامه ومساندته.

3 اتجاهها الثالث نحو الجماهير والمجتمعات والشعوب تربية وتكوينا وتحريضا وتفهيما وتنويرا وتحريكا لعل الصلة بين النخبة وبين تلك الجماهير تجد طريقها إلى ما فيه خير الأمة.

4 اتجاهها الرابع نحو الدول والحكومات لا لمحاولة دمقرطتها فذلك ميؤوس منها بسبب ارتباطاتها الخارجية المعروفة - وفاقد الشيء لا يعطيه كما قالت العرب بحق -، ولكن لمحاولة نزع أسباب التتّر التي ظلّت كتلك الخرق الحمراء التي يثير بها مصارع الثيران ثوره... لا بد من إحصاء تلك الخرق الحمراء المثيرة ونزعها فمن خلال ذلك يمكن الإصلاح وتتعدّ مجالاته.

أي دور بكلمة واحدة لتلك القوى الحيّة في الأمة؟

هو دور تجديد الإسلام فكرا وحركة، والعمل على إبطال التشويه الذي طاله بفعل:
* الأنظمة التي تتخذه غطاء حينا وبساطا حينا آخر بحثا عن شرعية لا وجود لها.
* الإسلاموفوبيا الغربية.
* التيارات „الجهادية“ التكفيرية التفجيرية المسيئة لمفهوم وسطية الإسلام وسماحته.


الحوار نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.