حين سمعت بأن سياداكم ستلقون كلمة متلفزة إلى الشعب، سَمّرت نفسي أمام التلفاز، كتلميذ نجيب يستمع إلى معلمه بكل جد وانتباه.، لكن، وبعدما أكملتم هذه الكلمة، وجدتني أتنهّد من أعماقي وأعصر جبهتي ، وأنا أكلم نفسي، بعجلة:" لقد تأخر الوقت، يا سيادة الرئيس" وخرجت تنهّداتي نفخا مضغوطا، كأنه الصقير: قلتم،في كلمتكم ( يوم 28/12/2010) أنكم تقدّرون: " الشعور الذي ينتاب أي عاطل عن العمل ، وخصوصا عندما يطول بحثه غن الشغل ، وتكون ظروفه الإجتماعية صعبة وبنيته النفسية هشة، مما يؤدي به إلى الحلول اليائسة،ليلفت النظر إلى وضعيته"، وهذا كلام مصيب وشعور إنساني نبيل، لكنه يدفعني إلى التساؤل : ما السبب الذي يجعل البطّال يطول بحثُه عن الشغل في دولة تقول إن سياستها الإقتصادية مبرمجة في مخططات مدروسة دراسة علمية دقيقة ، وأن تعليمها موجه سواء في تعليمه الثانوي أو الجامعي ، وأن هذا التوجيه محكوم بإرادة الدولة، إذْ هي التي تتحكم في من ، وكم، يذهب إلى شعبة العلوم الإقتصادية، ومن، وكم ، يذهب إلى الشعب العلمية ، وإلى من، وكم، يذهب إلى شعبة التقنية، ثم عند الدخول إلى الجامعة قدتجبر الدولةُ التلاميذَ إلى شُعب لا يرغبون في التوجه إليها، مما أفرز ما يزيد عن المائة والثلاثين ألفا من البطالين من أصحاب الشهادات العليا؟ ثم ما هي هذه الظروف الإجتماعية الصعبة؟ وهل هؤلاء البطالون هم من أوجدها وصعّبها، فكانت، نفسياتهم، وبسببهم أيضا، هشة ؟.كما أنه، يا سيادة الرئيس،، علينا أن نفرق بين " الحلول اليائسة" وبين " حلول اليأس" إذ أن هذا التفريق أكثر من ضروري، باعتبار أن الحلول اليائسة هي حلول فوضوية وغاياتها عبثية، عدمية، بينما حلول اليأس فيها جوانب مظلمة وجوانب أخرى مضيئة , وحادثة سيدي بوزيد هي من النوع الثاني، وأن صاحبها قام بها عن وعي كامل بأبعادها ورسائلها، التي تتلخص في أن صاحبها لم يُردبها أن " يلفت النظر إلى وضعيته " فحسب بل ليلفت النظر إلى وضعية رفاقه الذين أذلّتهم، وتذلهم البطالة، كما أذلهم، ويذلهم، طول البحث عن الشغل. وهذا الإذلال، يا سيدي،كما أرى، هو الفاعلُ في الظروف الإجتماعية والنفسية وبما أني لست خبيرا ، لا في الإقتصاد ولا في التحليل النفسي والطبي والميتافيزقي والجغرافي / السياسي، ولا عارف برسم الخطوط البيانية في التوازنات الجهوية والتنمية المستديمة، ولا المستدامة فإني غير مهيّئ للإجابة عن هذه الأسئلة الجادة المطروحة, لكني أرى أن من حق أي مواطن أن يجد لها الجواب المقنع بعيدا عن المغالطات الديماغوجية، وكذلك الأيديولوجية، وعن سياسة" أكباش الفداء" التي جربتها" إشتراكية بورقيبة" ووقفة تأمله النويرية، وما شهدته من " تلجيم" وتدجين المنظمات الوطنية . إن كل مواطن تُشغله مشكلة الشغل والبطالة سواء كان موظفا، في أي وظيفة كانت، أو متقاعدا، وسواء كان إبنه تلميذا ، أو طالبا( في أي مرحلة، أو كان متخرجا، وهذا ما يفسر، سيدي ، توسّع الإحتجاجات ضد البطاة لتشمل البطالين و العاملين ( موظفين، أساتذة، معلمين، أطباء، محامين.. الخ) وهي في الأصل تشمل ، حتى، سلك الأمن، أيضا، باعتبار أن لهم ذرية سيحتاجون إلى الشغل، وستتأثر نفسياتهم بالبطالة، إن أصيبوا بها مستقبلا. بينما سيادتكم قد ضمنتم، دستوريا، في الحاضر والمستبل، وضعا مترفها لأسرتكم ، ما لو أنها غرفت من رفاهيته بمغارف الذهب والفضة ما نقص ولا نفد، افلا يحق لغيركم من المواطنين أن يفكروا في ضمان مستقبل لهم ولأسرهم وأولادهم، والزمنُ غدار؟ سيدي الرئيس: 1) أعذروني، يا سيادةالرئيس،إذا قلت لكم إن كلمتكم قد أصابتني بخيبة أمل، لم أنتظرها، وقد بدأتموها بالإعتراف بأن البطالة لها تأثيراتها النفسية والإجتماعية في الإنسان، وأن كل من يتعرض إليها ويصاب بها ستسوء نفسيته وتصعب أوضاعه الإجتماعية. لكنكم أنهيتموها نهاية سوداوية قاتمة بما تضمنته من وعيد وتهديد، طالما أذاقتنا " التعليمات البوليسية" صنوفا، أقَلُّها، إغلاق مقرات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والتعسف على نشطائها بمنعهم من المرور أمام هذه المقرات ( بل والدهى غلق المقاهي العمومية في وجوههم وطردهم منها)،خاصة وأنتم، يا سيادة الرئيس تعلمون، علم اليقين، أن العنف لا يُوَلِّد إلا العنف، وأن على الجميع رفضه ، ساسة، وحكاما ومواطنين ومنظمات . وأن تجريم الإحتجاجات السلمية من قِبَل" التعليمات البوليسية" المتعسّفة لا يؤدي إلاّ إلى" إباحة" العمل السري والعنفي، وتونس مبنية بالأنس والمحبة، ولا تقبل عنفا ولا ظلما ولا ديكتاتورية 2) كنت أنتظر من كلمتكم..أن تقولوا : صحيح أن البطالة مشكل حقيقي ووطني، وإنها متفاقمة في بلادنا، وأن لها أسبابا هيكلية،وأخرى عالمية( واقتصادنا معولم، في حالة تبعية). وأننا ندعوا جميع الأطراف الوطنية ( الحكومة، والإتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمات الأعراف/ الصناعة والتجارة، والفلاحة/ وأحزاب المعارضة بجميع أطيافها، ويقيم الجميع في طاولة حوار وطني، يدرس قضية البطالة ويستخرج الحلول الممكنة، لها، ويتحمل الجميع مسؤولياتهم الوطنية، لأن تونس لجميع التونسيين، ومصلحتها تهمهم جميعا ، ونعتبر أن ما رأيناه من احتجاجات ما هي إلا " إحتجاجات ضد الإحتياجات الأساسية" رفعها التونسي ضد أوضاعه" الصعبة" المتردية" . وقد حددت الجماهير أهمّ احتياجاتها الأساسية في ما أطلقته من شعارات::( الشغل استحقاق= حق الشغل،وهو نفسه حق الحياة الحرة الكريمة. تونس حرة، حرة = يعني حق الحرية بصفة عامة وحرية الرأي والتعبير والإعلام،بصفة خاصة) 3) والمواطن عندما يرى أن تعليمه مقصّر، أو أن بطالته طالت، أو أن سبل العيش الكريم آخذة في الضيق له أن يعبر عن كل ذلك، بالطرق السلمية، لنسمعه وندعوا منظماته للتحاور حول الحلول الممكنة والواقعية للخروج من الضيق 4) ونعترف، أيها المواطنون أيتها المواطنات، بأن تلك الإحتجاجات التي ظهرت في تونس ( نتيجة ظروف ملتبسة دفعت بأحد البطالين المتعلمين، إلى إحراق نفسه، ) قد انحرفت عن الطريقة السلمية من جميع الأطراف( شرطة وجماهير) وهذا لا نريده، ولا تريده بلادنا ولا مجتمعنا المدني ( ومن غير المقبول أن يسقط ضحايا ، أو أن يُجلَد البعضُ في أقسام البوليس خاصة من بين المحامين وهم من القضاء الواقف لأن مثل هذه الأفعال الشنيعة فيها إعتداء صارخ على سلطة من سلطات الدولة وهي السلطة القضائية. ونرجو ألاّ يتكرر هذا مستقبلا في دولة القانون والحريات والمؤسسات، وأن نوسع في تربية المواطن على مشروعية الإحتجاج السلمي ، وهو احتجاج يضمنه دستورنا ولا مجال للخوف والتخويف منه في بلادنا. وأنا اعلن عن تعاطفي وتعاطف الدولة التونسية مع الفدائي ، في سيدي بوزيد، محمد البوعزيزي، وقد زرته بنفسي في المستشفى، واستقبلت والديه في قر قرطاج 5) كما نعِد الشعب بأننا سنقوم بمحاسبة كل المعتدين على حرمة المواطن واستقلالية القضاء، وتعسّف التعليمات البوليسية على الإحتجاجات السلمية، كما نأذن، حالا، وليس بعد ستة أشهر، برفع يد التعليمات البوليسية عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وتركها تمارس نشاطها وعقد مؤتمرها. عاشت تونس حرة مستقلة، وعاش شعبها عزيز كريما، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ويتعالى النشيد الرسمي:" حماة الحمى ياحماة الحمى. هلموا هلموا لمجد الزمن . لقد صرخت في عروقنا الدماء نموت نموت ويحيا الوطن... "، 6) ملحوظة : إن المرحلة التي تمر بها بلادنا، اليوم، تستوجب منا جميعا، أن نغير كلمة نموت نموت، في هذا النشيد، بكلمة "نعيش نعيش ويحيا الوطن"لأن الحياة أبقى من الموت ، وأن بلادنا اليومَ، تتطلب من أبنائها ضريبة العرق، أكثر من ضريبة الدم. 7) حقا، لقد انتظرت منكم، يا سيادة الرئيس، أن تدعوأ إلى الحد من سلطات التعليمات البوليسية، الجائرة والمتعسّفة، وتعلنوا التوسعة الديمقراطية الضرورية وإطلاق المزيد من الحريات الإنسانية، وتحرير منظمات المجتمع المدني من أسْر حزب الحكومة، والإعتراف بفشل السياسات التعليمية والإجتماعية والإقتصادية، التي انتهجتموها إلى حد اليوم، وهي سياسات تدفع إلى احتجاجات الجماهير. وإذاتوصلتم ، مرة، إ لى توقيف هذه الإحتجاجات، فلا شيء يضمن عدم تجددها، مستقبلا، وبأساليب أعنف وأشد. فلا جدوى من التلويح بعصاالوعيد والتهديد، وقد ذكرتم في بيان السابع من نوفمبر أنه " لا قهر بعد اليوم" أي بعد حلول السابع من نوفمبر87، علما وإن العصا ما خلقت مواطنا صالحا، ولن تخلقه خاصة في مرحلة" ما بعد سيدي بوزيد" .ويُسعدنا البوم أن نرى الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان، واستقلالية المنظمات الوطنية ولا نرى الظلم وتعسّف التعليمات البوليسية والإحتكار الحزبي والسياسي. فهل أدركتم الآن يا سيادة الرئيس أن هؤلاء الذين تظاهروا بمحبتهم لك، وناشدوك بتمطيط مدة حكمكم وتمديده ما كانوا يحبونكم ، وما كانوايحبون تونس بل كانوا يسعون لمصالحهم الخاصة، فجاءت إحتجاجات جماهير سيدي بوزيد مناشدة حقيقية صادقة لتوفير حق الشغل وحق الحياة الحرة الكريمة؟ هذا ما نراه، وندعوا له بالحكمة والموعظة الحسنة، خدمة لتونس التي نحبها حرة مستقلة عزيزة قليبية في 31/12/2010 عبد القادر الدردوري