اطاح الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بوالي محافظة سيدي بوزيد التي شهدت موجة من الاحتجاجات الصاخبة، امتدت الى عدة مدن اخرى بسبب ارتفاع معدلات البطالة، ولكن المشكلة لا تكمن في ضعف او قوة المحافظ، وانما في معالجة جذور المشكلة، من حيث اجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي تطالب بها قطاعات الشعب التونسي المختلفة. المحافظات الجنوبية التونسية التي شهدت الاضطرابات الاخيرة تشتكي من قلة الاموال المرصودة لمشاريع التنمية التي يمكن ان توفر الوظائف للعاطلين، كما يشتكي ابناؤها، مثلما جاء في المنتديات والبيانات المنشورة على الشبكة العنكبوتية، من التمييز في الوظائف العليا، وغياب جزئي او كلي للعدالة الاجتماعية. الرئيس بن علي تجاوب مع بعض هذه المطالب عندما رصد حوالى 15 مليون دولار لتوفير الوظائف للعاطلين في منطقة سيدي بوزيد، وتقديم اعانات لعدة اشهر لآخرين في محافظات اخرى، واقال بعض الوزراء في الحكومة المتهمين بالتقصير، وخاصة وزير الشباب، وهذه خطوات مهمة، ولكن لا بد من اتخاذ خطوات اخرى اكثر جرأة على صعيد مكافحة الفساد في البلاد، وتوسيع دائرة المشاركة في السلطة امام النخب السياسية المختلفة. المعارضة في تونس تشتكي من مضايقات كثيرة على صعيد كبح حرية التعبير، وتبنت هذه الشكوى منظمات عالمية، من بينها 'مراسلون بلا حدود'، حيث تعرض بعض الصحافيين للاعتقال والسجن، وكذلك بعض ناشطي حقوق الانسان. ومثل هذه الملفات بحاجة الى مراجعة جادة من قبل الرئيس بن علي الذي اكد في كل خطاباته الاخيرة حرصه على هذه الحريات واحترام حقوق الانسان. فالدرس الابرز الذي يمكن استخلاصه من هذه الاحتجاجات والظروف المحيطة بها ان الرقابة المشددة المفروضة على حرية التعبير ووسائل الاتصال من قبل الحكومة التونسية فشلت فشلاً ذريعاً في وصول الصور واخبار الاحتجاجات الى محطات التلفزة والصحف في العالم. فالشبكة العنكبوتية لعبت دوراً كبيراً في نشر المعلومات والصور، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي 'الفيس بوك'، واصبحت معظم محطات التلفزة في العالم تلجأ الى هذه الوسائل للحصول على الاخبار والصور. وما لا تستطيع هذه الوسائل بثه يجري ارساله وبثه عبر 'اليوتيوب'. واللافت ان هذه الاحداث جاءت بعد نشر موقع 'ويكيليكس' العديد من الوثائق السرية والحساسة عن الفساد في تونس وتجاوزات في ميادين حقوق الانسان. ما نريد ان نقوله انه لا توجد اسرار بعد اليوم تستطيع الانظمة العربية اخفاءها، مثلما كان عليه الحال في الماضي، ومرحلة الهروب من المشاكل والقضايا الرئيسية والمطالب الشعبية عبر كبح وسائل التعبير قد ولت الى غير رجعة، في زمن ثورة المعلومات التي نعيشها حالياً. والمأمول ان يستوعب وزير الاعلام التونسي الجديد هذه البديهية الاساسية وهو على وشك ان يباشر عمله في منصبه الجديد.