يوميات المقاومة: رغم مرور 7 أشهر على الحرب: صواريخ المقاومة تضرب الكيان المحتل    حالة الطقس لهذه الليلة..    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    إلى أين نحن سائرون؟…الازهر التونسي    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    تعادل الأصفار يخيّم على النجم والإفريقي    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس تحتل المرتبة 134 في تصنيف حرية الصحافة سنة 2011: التقرير الكامل لمراسلون بلا حدود لواقع الإعلام في تونس بعد 14 جانفي
نشر في ديما أونلاين يوم 26 - 01 - 2012

احتلفت تونس المرتبة 134 في تصنيف حرية الصحافة سنة 2011 وهو ما يعتبر تراجعا مخيفا بعد ثورة 14 جانفي. وبمناسبة الذكرى الأولى للثورة التونسية، تعدّ مراسلون بلا حدود تقريراً حول تطور المشهد الإعلامي في تونس .
ضرورة وجود إطار قانوني متين
لا يمكن ضمان استقلالية وسائل الإعلام في غياب إطار قانوني متين. بالرغم من التعديلات التي ما زال بالإمكان إجراؤها على النصوص، بيد أن تبنّي مشروعي القانونين (قانون الصحافة وقانون الإعلام المرئي والمسموع) في خلال جلسة مجلس الوزارء الأخيرة قبل انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 قد يسمح بتفادي الفراغ القانوني والحؤول دون تطبيق قوانين كانت سائدة في عهد زين العابدين بن علي.
في الواقع، ينبغي أن يشكل قانون الصحافة، حتى لو ما زالت العيوب تشوبه، الحد الأدنى من الحماية، باعتبار أن هذا التشريع ينص على حرية التعبير كمبدأ يجدر ذكره بوضوح في الدستور المستقبلي. ومن الآن فصاعداً، يجب تطبيق الأحكام الخاصة بالصحافة وحدها وإلغاء أي أحكام مخالفة.
ولا بدّ في المستقبل من التأكد من تطبيق هذا النص بالتحديد على الانتهاكات المرتكبة ضد حرية التعبير، باستثناء الأحكام العامة لقانون العقوبات. وفي خلاف ذلك، يقضى على النص تماماً.
ويبقى هذا النص عاجزاً عن تأمين الحماية الفعلية لحرية التعبير ما لم يكن مصحوباً بإصلاحات جوهرية تجرى على الأنظمة الإدارية والقضائية. ويجدر بالسلطات الجديدة والإدارة التي لم تجدد غداة 14 كانون الثاني/يناير 2011 أن تتخذ تدابير ملائمة لضمان التعددية والاستقلالية.
إلا أن التعيينات الأخيرة على رأس وسائل الإعلام الرسمية التي أعلن عنها رئيس الوزراء في 7 كانون الثاني/يناير خلافاً لأحكام المادة 19 من المرسوم رقم 2011-116 بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تشكل انتهاكاً صارخاً لمبدأ الاستقلالية. ويعتبر حاجة ملحة إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لتحل مكان الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بما تمثله من هيئة استشارية شكلتها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. وتنطبق الحاجة نفسها على إنشاء لجنة لمنح البطاقة الوطنية للصحافيين المحترفين.
لا يعالج قانون الصحافة قضية الإنترنت ووسائل الإعلام الإلكترونية بشكل كافٍ. مع أن هذا القانون ينص على مبدأ حرية التعبير الذي سيشكل حتماً الأساس لحماية مستخدمي الشبكة، ولكنه يحتفظ بالصمت إزاء خصوصية مسؤولية وسائل الإعلام الإلكترونية.
اللامركزية: رهان حرج
بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المواطنين، تعتبر حرية التعبير من الانتصارات الكبرى للثورة. ولكن التونسيين يلومون وسائل الإعلام الوطنية على تركيز اهتمامها على الأحداث التي تشهدها العاصمة من دون إيلاء المناطق أهمية كبيرة.
تشهد شبكة الإنترنت أيضاً على التنمية غير المتوازنة بين تونس العاصمة وسائر مناطق البلاد. ومع أن هذا البلد يعرف معدل نفاذ مرتفع يبلغ 34 بالمئة وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن شركة إنترنت ورلد ستاتس (في 30 حزيران/يونيو 2010)، غير أن التونسيين الذين يعيشون خارج المراكز الحضرية الرئيسة نادراً ما يملكون الإنترنت في منزلهم.
الواقع أنه خارج تونس العاصمة، في عهد بن علي، كانت وسائل الإعلام الوحيدة المتوفرة هي وسائل إعلام رسمية، بهدف منع انتشار الحركات الاحتجاجية الاجتماعية. وبالتالي، كانت خمس من المحطات الإذاعية المناطقية الست رسمية. لذا، من المتوقع أن يسمح ظهور إذاعات جديدة بتعزيز تطور القطاع وانفتاح المناطق. أما الصحافة، اليومية والأسبوعية الوطنية، فنادراً ما تحظى بمكاتب لها في المناطق، معتمدةً على مراسلين محليين يشكل افتقارهم إلى الاحتراف والتدريب عبءاً ثقيلاً على جودة المعلومات المنقولة.
لتصحيح الاختلالات المناطقية على مستوى التغطية الإعلامية، أوصت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال في 29 حزيران/يونيو 2011 بمنح تراخيص ل12 إذاعة، يقع ثمانٍ منها في المناطق. وفي السياق نفسه، من المرتقب أن يتم توفير تغطية أفضل للمناطق، بعد أن تحوّلت قناة التلفزة الوطنية الثانية الوطنية 2 إلى قناة المناطق في 2 كانون الثاني/يناير 2012.
سياسة ميّالة إلى وسائل الإعلام القائمة
الإذاعات: بين تكلفة الإنشاء وغياب المُعلنين
يحتكر الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي التابع لوزارة الصناعة والتكنولوجيا والمنشأ في العام 1975 [1] بث مجمل البرامج الإذاعية والتلفزيونية. ويتولى، من بين أمور أخرى، تحديد تكلفة البث.
في أيلول/سبتمبر 2011، حدد الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي ب110000 دينار/السنة (57000 يورو) ضريبة البث الإذاعي، أكانت الإذاعة خاصة أو نقابية. وقد أجمع مدراء المحطات الإثنتي عشرة التي تلقت توصية في حزيران/يونيو الماضي من الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال على أن هذا المبلغ فادح ويندرج في إطار الممارسات الرقابية المقنّعة. وحدها المحطات الإذاعية الخاصة التي تملك رأس مال كبيراً ستكون قادرة على تسديد ضريبة سنوية من هذا القبيل.
رفضت عدة إذاعات توقيع اتفاق مع الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي لأسباب مالية ولكن أيضاً من حيث المبدأ. فقد أعلن كل من راديو 6 في تونس العاصمة وصوت المناجم في قفصة رفضهما معتبرين أن المبلغ الذي حدده الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي غير متكافئ مع وضع الإذاعات المجتمعية. وإذا بدأ راديو 6 بالبث بشكل غير قانوني، فمن المرتقب أن يقوم صوت المناجم ببث برامجه على الهواء قريباً. ولكن إذاعات أخرى وقعت الاتفاق وباشرت بالبث مثل أوكسجين أف أم (بنزرت) وأوازيس أف أم (قابس) وراديو 6 (إذاعة غير شرعية في تونس العاصمة). أما ابتسامة أف أم فهي في مرحلة الأتمتة.
لمواجهة الصعوبات التي تعترض الإذاعات الجديدة ولحل المشاكل التي يمر بها قطاع الإعلام، توجهت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال في 28 كانون الأول/ديسمبر 2011 برسالة إلى السلطات الجديدة أوصتها فيها بتنفيذ 14 إجراء طارئاً. فاقترحت تعزيز المزايا الضريبية لضمان إثراء المشهد الإعلامي وتنوّعه على أساس الشفافية والنزاهة مشيرةً إلى أن الوضع يقتضي تخفيض تعريفات بث الإذاعات الجديدة واعتماد أسعار رمزية للمؤسسات المرئية والمسموعة غير التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، تُمنح التراخيص لمدة ثلاثة أشهر فقط حتى يتسنى لوسائل الإعلام توقيع دفتر شروط لم يعرض عليها بعد. ومن شأن الطبيعة غير المحسومة لهذه التراخيص أن تضع الإذاعات في مواقف محرجة حائلة دون الاستثمارات الخاصة. ولكن استقرار النظام الإعلامي يتوقف على منح هذه التراخيص بصورة دائمة في ظل إجراءات رقابية في حال الإخلال بأي موجبات.
وبالرغم من ازدياد عدد مشاريع إنشاء الإذاعات، إلا أن الإعلانات الخاصة باتت نادرة بفعل المناخ الاقتصادي الحالي السائد. ويفضّل المعلنون الخاصون القليلون التوجه إلى إذاعات معروفة في تونس العاصمة، أنشئت جميعها في ظل النظام القديم في غياب أي آلية شفافة لتخصيص الترددات والتراخيص.
الصحافة: مفارقة تشهد على نجاح الصحف القديمة في المحافظة على مصالحها على حساب الصحف الجديدة
من المفارقات أن الصحف الجديدة التي أبصرت النور وأخذت تسمع آراء جديدة لم تتمكن من أن تحافظ على مصالحها لأن الفائزين الفعليين في الثورة هم صحف كانت موجودة في عهد زين العابدين بن علي.
إنها صحف تتمتع بمكتسبات بسبب قدمها (إعلانات عامة وخاصة، ولاء القراء، شبكة توزيع، شبكات نفوذ، بنية تحتية). أما الصحف الجديدة فتفتقر إلى الموارد والنفوذ ولا يستقطب التزام بعضها السياسي بالضرورة المستثمرين.
على صعيد آخر، يفترض بالسلطات الجديدة أن تنهي مهام الوكالة التونسية للاتصال الخارجي التي تكمن إحدى وظائفها في توزيع الموارد المالية الناجمة عن الإعلانات العامة على مختلف الصحف. وقد أدانت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة التونسية للصحف الحزبية والمستقلة استمرار المنشورات التي كانت قائمة في ظل عهد الرئيس بن علي والمرتبطة مباشرة بالوزارات، في تلقي الأموال من الإعلانات العامة. وهي منشورات يمكنها أن تلجأ أيضاً إلى وسائل ضغط ملتوية خاصةً من خلال التوزيع (الشبكات ومنافذ البيع) بغية منع وسائل الإعلام الجديدة من التطوّر.
التلفزيون: انفتاح ضعيف
على عكس الإذاعات، يقع مقر قنوات التلفزة التونسية الجديدة كافة في العاصمة معززةً بذلك تركّز وسائل الإعلام فيها.
في 7 أيلول/سبتمبر 2011، أوصت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بمنح تراخيص لخمس قنوات تلفزة جديدة. ومنذ ذلك الحين، حصلت كل القنوات على اتفاق مبدئي من رئاسة الوزراء والتزام خطي من الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال يفيدان بأن مدراء قنوات التلفزة سيتلقون دفتر الشروط النهائي من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. ومن بين هذه القنوات، بدأت قناة الحوار التونسي وقناة TWT ببث برامجهما على القمر الصناعي نايل سات ولكن أياً منهما لا يبث على القناة الهرتزية. وستضطر القنوات الجديدة لانتظار حدث التلفزيون الرقمي الأرضي المرتقب في تونس في العام 2014 لتكفّ عن البث عبر الأقمار الصناعية.
إعادة تقدير ضرورية لأهمية المهنة
حاجة كبيرة إلى التدريب للحد من نقص الاحتراف في العمل
يفتقد بعض الصحافيين غير الخاضعين لأي تدريب في كثير من الأحيان والرازحين تحت وطأة ممارسة الانتقاد الصعبة إلى الاحتراف في تعاملهم مع الأخبار ومعالجة القضايا الحساسة. كذلك، تتسم الطلبات على التدريب بأهمية بالغة.
قامت عدة هيئات إعلامية ومؤسسية بتنظيم عدة دورات تدريبية (بي بي سي، دويتشه فيلله، راديو فرانس أنترناسيونال، بعثة الاتحاد الأوروبي...(
حتى لو كانت هذه المساهمات معتبرة، إلا أن الدورات التدريبية تبقى مبادرات آنية في حين أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التعليم الجامعي المرموق. ومعهد الصحافة وعلوم الأخبار هو المؤسسة الوحيدة التي توفر تدريباً عالياً في مجال الصحافة، مع أنه تجدر مراجعة كل الدروس الموفرة فيه لتزويد الطلاب المستقبليين بمسيرة رفيعة المستوى عبر إعادة تقدير أهمية الدورات التدريبية وتنقيح صورة المهنة نفسها التي كانت تشوبها تسويات وسائل الإعلام مع السلطة في عهد بن علي. فضلاً عن ذلك، من البديهي أن يسمح إنشاء مؤسسات جامعية أخرى خاصة وعامة تعنى بإعداد إعلاميين محترفين في رفع مستوى طلاب الصحافة.
إعادة تقدير مالية لضمان استقلالية الصحافيين
استخدم نظام زين العابدين بن علي المال لسنوات طويلة وسيلةً للضغط على الصحافة. فحوّل ظروف الصحافيين المعيشية المتردية إلى سلاح فعلي يتلاعب به لصالحه. وكانت مداخيل الصحافيين المتدنية تورّطهم في علاقة إذعان لأرباب عملهم المتزلّفين بدورهم إلى النظام المؤيّد للمحسوبية والفساد والرقابة الذاتية.
اليوم، يتلقى الصحافي أجراً يتراوح بين 250 و1200 دينار شهرياً (بمعدل حوالى 500 دينار). بالرغم من وجود اتفاقات جماعية ونشاطات نقابية، إلا أن صعوبات الصحافيين المالية ما زالت قائمة منذ بدء الثورة نتيجة مقاومة أصحاب وسائل الإعلام الرافضين للتغيير، في حين أنه ينبغي أن يحظى الإعلاميون المحترفون بمستوى معيشي لائق يشكل الضمانة الوحيدة لاستقلاليتهم الفعلية إزاء محاولات الرشاوى.
أخلاقيات للمدوّنين
بالتوازي مع رفع قيمة مهنة الصحافة ومكافحة ترشيح الإنترنت، من الضروري توعية المتصفّحين إزاء الأخلاقيات على الشبكة، ذلك أن القدح والذم والتشهير وانتهاك الخصوصية باتت من الأعمال الرائجة على الشبكات الاجتماعية شأن فايسبوك (2.7 مليون مستخدم)، ما يتسبب بتشويه سمعة الويب.
ويفتقد عدد كبير من الصحافيين ومستخدمي الإنترنت إلى الحس بالمسؤولية عند نشر المعلومات، متناسين إحدى القواعد الأخلاقية الأساسية: التحقق من المعلومات في عصر أصبحت الشائعات تنتشر فيه مثل النار في الهشيم.
"خطوط حمراء" مختلفة، ولكن أيضاً متحرّكة
لم تتوقف التهديدات لحرية الإعلام عن الازدياد منذ سقوط زين العابدين بن علي. ومع أن "الخطوط الحمراء" لم تعد مطابقة لتلك التي كانت موجودة قبل 14 كانون الثاني/يناير 2011، بيد أنها أصبحت تتخذ أشكالاً متعددة يصعب تعرّفها.
الرقابة غير المباشرة والرقابة الذاتية
صحيح أن الصحافيين لم يعودوا معرّضين لرقابة مباشرة يفرضها النظام بدقة، غير أن عملهم يتعرّض لعرقلة يومية بموجب مجموعة من العقبات التي تشكل أعمال رقابة غير مباشرة بقدر ما يصعب تحديدها وإحصاؤها.
لعل أبرز المشاكل التي أثارها الصحافيون تكمن في النفاذ إلى المعلومات، بالرغم من التصويت في 26 أيار/مايو 2011 على قانون يضمن الوصول إلى المصادر. كما اشتكى عدة صحافيين من غياب النقاش في أسر التحرير مشددين على أن مدراء الصحف أصبحوا فارضي الرقابة الجدد.
تشكل الضغوط التي يمارسها المواطنون على الصحافيين ولا سيما في المناطق والخوف من أن يحاكموا بسبب ما يقولونه أو يبثونه عوائق جديدة تعرقل عملهم. وتزداد هذه الضغوط إذا ما كانوا يغطون الاحتجاجات والإضرابات التي يتم في خلالها التهجّم عليهم بانتظام نتيجة التشكيك في حيادهم.
الدين، قضية حساسة
ترى أقلية من الأصوليين الدينيين أن حرية التعبير تتعارض مع احترام الدين. منذ 14 كانون الثاني/يناير 2011، تعرّضت عدة وسائل إعلام للهجوم. ووقع صحافيون ضحايا تهديدات لفظية أو اعتداءات جسدية. ولا شك في أن أعمال العنف هذه تمثل تهديداً خطيراً لحرية التعبير موجهاً بشكل خاص ضد الصحافيين المهتمين بتحليل المجال الديني وعواقبه على الساحة السياسية والإعلامية.
إثر بث فيلم الرسوم المتحركة برسبوليس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2011، تم الاعتداء على قناة نسمة ومديرها نبيل كروي المتهم على أساس المادتين 4 و48 من قانون الصحافة السابق والمادتين 226 و226 مكرر من قانون العقوبات التي تقمع جميعها الإساءة إلى الأديان والآداب العامة والأخلاقيات العامة. وقد تم تأجيل جلسة المحاكمة التي افتتحت في 23 كانون الثاني/يناير 2012 في جو مشحون إلى 19 نيسان/أبريل المقبل بناء على طلب الجهة الاتهامية. ومن شأن هذا التأجيل أن يزيد حدةً الجدل حول العلاقات بين حرية التعبير والدين. وفي خلال الجلسة، تم التهجّم على صحافيين معروفين بمساندتهم لقناة نسمة منذ انطلاق النقاش حول بث الفيلم.
بالرغم من خلافات التونسيين وضراوة نقاشاتهم حول الهوية الدينية، إلا أنهم يدركون هشاشة مبدأ حرية التعبير وضرورة حمايته.
ردود الفعل البوليسية القديمة
في 5 و6 أيار/مايو 2011، بعد أن أدلى وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي بتصريح، هزّت موجة من الاحتجاجات البلاد، ما حدا بعناصر القوى الأمنية إلى قمع التظاهرات المنظّمة في تونس العاصمة بعنف معتدين ومتهجّمين على الإعلاميين الذين كانوا يغطون الحدث. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف دوّامة العنف كما رأيناه في تموز/يوليو الماضي ومؤخراً في أوائل كانون الثاني/يناير.
من شأن أعمال العنف هذه التي يرتكبها عناصر القوى الأمنية أن تذكرنا بردود الفعل البوليسية التي كانت سائدة في عهد بن علي كما أنها تعكس الصعوبة التي تواجهها وزارة الداخلية لإصلاح الشرطة.
استئناف ترشيح الإنترنت
في 15 آب/أغسطس 2011، صادقت محكمة الاستئناف في تونس على القرار الصادر في 27 أيار/مايو 2011 عن المحكمة الابتدائية والقاضي بمنع النفاذ إلى مواقع إباحية. فبات يفترض بالوكالة التونسية للإنترنت التي تعدّ النقطة الوحيدة لولوج الإنترنت في البلاد إرساء نظام للرقابة والترشيح. وبما أن الوكالة لا تملك القدرة المالية والتقنية لتنشئ نظاماً مماثلاً، لم تتمكن من تطبيق الحكم وطعنت به. ومن المرتقب أن تصدر المحكمة العليا قرارها بشأن عودة الترشيح في شباط/فبراير المقبل. إذا تمت المصادقة على الحكم، ستلزم الوكالة التونسية للإنترنت بفرض الرقابة على أي محتوى يعتبر مخالفاً للقانون بعد تقديم شكوى، مؤديةً بهذا دور السلطات في فرض الرقابة على شبكة الإنترنت فيما يجدر بها أن تكون مستقلة.
لا شك في أن ضبط الويب أساسي، إلا أنه ينبغي تطبيقه بما يتوافق مع المعايير الدولية وحرصاً على احترام حرية التعبير عبر الإنترنت.
إن مراسلون بلا حدود لتعارض عودة الرقابة هذه وتأمل في أن تستبدلها السلطات التونسية بأدوات الرقابة العائلية. وفي غضون ذلك، يجدر بالمجتمع المدني والمدوّنين التعبئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.