علي بوراوي تكلّم الشعب، وسكت المأجورون، وكان لا بدّ لهم أن يسكتوا. ها هم التونسيون يصرخون بملء أفواههم: انتفاضة مستمرّة، بن علي على برّه". قالها قبلهم كثيرون بصيغ مختلفة، فعُذّبوا وأوذوا وحوكموا وسُجنوا، ونُهِبت أرزاقهم، ومُنعوا من العمل، وسُدّت في وجوههم أبواب العيش الكريم، ومُنع حتى أهلهم وذووهم من مساعدتهم والإتصال بهم. قالها كثيرون قبل عشرين عاما، فوُجّهت لهم مختلف التّهم، وشُرّدوا في كل بلاد الدنيا، وسُلّمت أسماءهم إلى الشرطة الدولية (الأنتربول) لتَعْتَقِلَهم. قالها تونسيون كثيرون، منذ الأيام الأولى للحكم النوفمبري الغاشم، الذي قرّر إذلال رجال تونس، بكلّ الوسائل، ومهما تكن التكاليف، وأينما رحلوا. ولكن ظلم العباد وإذلالهم لا يمكن أن يستمرّ إلى الأبد، وصيحات المظلومين وأنّاتهم، ودعواتهم، فعلت فعلها في قلوب أبناء تونس، فصبروا، واحتسبوا، وظلّوا ينتظرون الساعة التي يستطيعون فيها أن يقفوا صفّا واحدا، وكلمة واحدة، في وجه الطغاة، الذين نهبوا خيرات البلاد وشرّدوا شبابها. لقد قام التونسيون، وقرّروا ألاّ يتراجعوا إلى الخلف، كلّفهم ذلك ما كلّفهم. قاموا ليطالبوا بالتغيير الحقيقي، وليس التغيير المزيّف. قاموا وقالوها واضحة لا تحتمل التأويل، وبدون تردّد أو خوف: ارحل عنا يا بن علي. ارحل أنت وعصابتك. ارحل، وانتفاضتُنا ضدّ القمع الذي سَقيتَ به أرض الخضراء، ستظلّ مستمرّة، حتّى تتطهّر من رجسك. ارحل صاغرا ذليلا مطرودا، وتجرّع قليلا بعض ما سقيته لأحرار البلاد، وكلّ التونسيين أحرار، إلاّ من تلطّخت يده بخيانة هذا البلد والتنكيل بأهله. قالوها قوية مدوية، وأَسمعوا العالم ما قالوا، وابحث لنفسك عن ملجإ، لأنّ أرض تونس أطهر من أن تقبل أمثالك. كم أنت عظيم يا شعب تونس. فلك المجد، ولك الحرية التي انتزعتها من أعدائها انتزاعا، ودفعت ثمنها من دماء أبنائك، ومن حياة شبابك. ولا نامت أعين الجبناء.