في يوم 28 يناير من سنة 2000 م كان المغرب على موعد مع الحدث من خلال مذكرة "الى من يهمه الأمر" التي بعثها الأستاذ عبد السلام ياسين المرشد العام لجماعة العدل والاحسان الى ملك المغرب "الجديد"أنذاك محمد السادس. كانت بمثابة نداء من عالم رباني يقول بأعلى صوته يا من يبثغي الخيروالصلاح من هنا الطريق. جاءت في سياق الدور الذي أراده الله من العلماء باعتبارهم ورثة الأنبياء من خلال تقديم النصح و الصدح بالحق. كانت بمثابة حجة وجوابا على الملك محمد السادس الذي ابتدأ حكمه ببعث اشارات ايجابية على نيته في التغيير. صيغت خطى رسالة "الاسلام أو الطوفان" التي سبق وأن بعثها الأستاذ عبد السلام ياسين الى الملك الراحل الحسن الثاني والتي جاء في مقدمتها : " رسالتي إليك ليست ككل الرسائل ؛ إنها رسالة تفرض الجواب عنها فرضاً، وحتى السكوت عنها جواب بليغ. إنها رسالة مفتوحة حرصت أن تحصل في أيدي الأمة قبل أن تصل إليك منها نسختك. لعلك تقرأها كما يقرأ الملوك رسائل السوقة، وعهدنا بالملوك التيه والفيش، لكنك لن تملك إلا أن تجيب عنها بعنف السلطان وجبروته، حين ترفض الوضوح الذي تتسم به النصيحة التي تحملها إليك وإلى المسلمين عامتهم وخاصتهم، أو تجيب عنها بالإخبات إلى الله والرضوخ للحق إن دعاك لذلك النسب الذي شرفك الله به، أوتداركك الله سبحانه وتعالى بنور يقذفه في قلبك تميز به الحق والباطل، وتسمع به الكلمة الطيبة التي جاءك بها بشير هذه الصفحات التي ما خططت فيها حرفاً إلاّ ابتغاء رضى الله ربي، لا عدواناً ولا كيداً، والله حسبي منك ومن العالمين." فما كان رد المخزن أنذاك على هذه النصيحة الغيورة على الأمة الا أن وضع الأستاذ عبد السلام ياسين في مستشفى الأمراض العقلية, لأنه في عرف المخزن لايقدم على مثل هذا العمل الامجنون وهو الذي تعود على"وما أريكم الا ما أرى" ;خاصة بعد خروجه قويا من انقلابين فاشلين, مما مكنه من تكميم أفواه جميع المعارضين و تدجين البعض الآخر . بعد المستشفى تم وضع الأستاذ عبد السلام ياسين رهن الاعتقال لمدة ثلاث سنوات ونصف, ليتوج هذا الاستبداد المخزني بوضعه رهن الاقامة الجبرية لمدة عشر سنوات .وسيرا على المنوال ووعيا منه بالمسؤولية و الشهادة على الأمة التي أناطها الله بعاتق الرسل و العلماء,بعث الأستاذ عبد السلام ياسين بمذكرة " الى من يهمه الأمر" بث فيها من موقع العالم رباني المجدد حرقته على ما آلت اليه الأمة من ترد و انحذار . كما تطرق فيها الى هموم الأمة وأمالها نحو الكرامة ,الحرية و العدالة,و الاصلاحات والمبادرات الواجب اتخاذها من طرف نظام العهد الجديد للخروج مما أطلق عليه المحللون السياسيون أنذاك " بالسكتة القلبية" التي كان يعيشها المغرب والتي ازدادت مع مرور الوقت قتامة. كان يطمح من خلالها الأستاذ عبد السلام ياسين أن تكون فرصة للملك محمد السادس نحو ثوبة عمرية , أضاعها الملك الراحل ,للقطع مع واقع الظلم والاستبداد الذي يعيشه المغاربة.وهوما أطلق عليه في المذكرة بالميراث الثقيل. لقد كانت هذه المذكرة بمتابة برنامج استعجالي ,أو خطة عمل بين يدي الملك الشاب أنذاك لاصلاح ما يمكن اصلاحه قبل فوات الآوان. حيث فصل فيها الأستاذ عبد السلام, بخلاف رسالة "الاسلام أو الطوفان", المجالات التي يجب أن ينصب عليها العمل لتحقيق الأماني و الأمال التي ينتظرها المغاربة من الملك محمد السادس. الا أن رد فعل المخزن على هذه المذكرة لم يكن أفضل من سابقه. فعلى غرار رسالة "الاسلام أو الطوفان" لم تلق هذه المذكرة أذانا صاغية من السلطة الحاكمة أو من يدور في فلكها,حيث جند المخزن جميع أدواته للنيل من مصداقية الرجل والطعن فيه باستعمال جميع الوسائل الخسيسة.وقد كان الأستاذ عبد السلام ياسين ,وهو الرجل الخبير,يعي جيدا أن العهد الجديد لايختلف عن العهد القديم ,حيث قال في باب "ملك الفقراء" من "مذكرة الى من يهمه الأمر": " جميلة تلك الوعود المنثورة على الرؤوس بسخاء، لكن ما أبشع الخيبة حين تستفيق الشبيبة بعد حين من الأماني المعسولة على مرارة الواقع التعس ! فبعد الاستعراضات والاحتفالات، سيرحل الشعر المحلق في الأجواء لِيَحل محله النثر المثقل بالبطالة والبؤس.لن تلبث الصورة المزركشة والنية الحسنة للسلطة الرمزية الجديدة أن تخونهما الإكراهات الاجتماعية الاقتصادية، والجوارح المستنسرة المتحفزة للاستماتة في الدفاع عن امتيازاتها والمحافظة على الظروف السياسية المُمَكِّنة لعهد الجمود . " فالثوبة العمرية دونها ارادة حرة تتعلق بالثريا و تزهد في الثرى. ماذا تبقى من مذكرة "الى ما يهمه الأمر " أو بالأحرى ماذا تبقى من المغرب بعد مرور عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس؟ بعد مرور عشر سنوات على "مذكرة الى من يهمه" تأكد بالملموس ما حذر منه الأستاذ عبد السلام ياسين على جميع الأصعدة ,حيث يحتل المغرب ذيل الترتيب مقارنة مع دول صغيرة تفتقر للموارد البشرية التي يتوفر عليها المغرب .نتيجة تكريس اقتصاد الريع,وتفويت أهم المنشئات الى الرأسمال الأجنبي والمحسوبين على المخزن عوض اعادة أموال الشعب كما طالب الأستاذ عبد السلام ياسين في مذكرته,مما زاد من معانات المغاربة و فقرهم . اطلالة سريعة على موقع المغرب في التقارير الدولية يؤكد هذا التراجع رغم محاولات المخزن نفي هذه التقارير في شخص أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط ، فحسب برنامج الأممالمتحدة للتنمية البشرية، تراجع المغرب الى الرتبة 126 من بين 177 دولة مقارنة مع تونس التي احتلت الرتبة 91 والجزائر الرتبة 104 وموريتانيا الرتبة 137.ووفق تقرير البنك الدولي، احتل المغرب الرتبة الأخيرة بين دول المغرب العربي بخصوص التعليم، كما كشفت تقارير كندية أن أداء تلامذة المدارس الابتدائية قد تراجعت بشكل فظيع في العلوم والقراءة. ويضع، أحد هذه التقارير، التلميذ المغربي مقارنة بتلامذة الدول المجاورة في موقع "التلميذ البليد".أما على مستوى محاربة ظاهرة الفساد و الرشوة تراجع المغرب في الترتيب العالمي الخاص بمؤشرات الفساد لسنة 2008، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، ليحتل الرتبة 80 بعد أن كان في الرتبة 72. علما أن هذا الترتيب يبدأ بالدولة الأقل فسادا إلى الأكثر إفسادا، أمافي مجال السلم والاستقرار تراجع المغرب من الرتبة 48 إلى الرتبة 63 في تصنيف "المؤشر العالمي لسنة 2008"، الذي يصدره الصندوق الدولي من أجل السلام ومجلة "السياسة الخارجية".بخصوص حرية الصحافة صنّف تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" المغرب في الرتبة 106 بعد أن كان يحتل الرتبة 89 بين 169 دولة. كما احتل المغرب حسب تقرير التصنيف العالمي لحرية الصحافة الرتبة 122 بين 173 دولة، و صنفته جريدة "وول ستريت جورنال" في الرتبة 96 ضمن 161 دولة، حسب مؤشر حرية الاقتصاد. ينظاف الى ذلك انتشار الرشوة و الاتجار بالمخدرات ,وهو ما تؤكده تقارير ترانسبرانسي. أما القضاء في المغرب فحدث ولا حرج ,فحسب إحدى برقيات وزارة الخارجية الأميركية التي كشفها مؤخرا موقع ويكيليكس المؤرخة في 24 غشت 2009 ,فيعاني من غياب الاستقلالية ومن انعدام الثقة، و القضاة لا يتمتعون بالحد الأدنى من الاستقلالية عن وزارة العدل التي تتحكم في مساراتهم الوظيفية,و المجلس الأعلى للقضاء -الذي يرأسه الملك- هو من يضطلع بمهمة اتخاذ الإجراءات التأديبية في حق القضاة، و وزير العدل عضو في ذلك المجلس. كما أن واقع حقوق الانسان فلايبشر بالخير, فالمغرب يعرف تراجعا خطيرا وانتهاكات متتالية نددت بها جميع التقارير الوطنية والدولية .وما المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب و يعرفها منذ سنوات لخير دليل على ذلك, والتي لم يسلم منها المغاربة باختلاف انتماءاتهم ومن ليس له انتماء:معطلون,طلبة,اعلاميون,حقوقيون وسياسيون.بالاظافة الى تجاوزات مقربين من القصر في حق المواطنين التي تمر دائما دون محاسبة. كما أن الأحداث التي عرفتها مدينة العيون بعد حل مخيم "أكديم إيزيك "وما سبقها من أحداث تؤكد ما سبق وأن حذر منه الأستاد عبد السلام ياسين في مذكرة"الى من يهمه الأمر" ,ففي باب قضايا ملحة يقول :" الضرورة تفرض التدخل العاجل والحاسم قبل أن يتلقى البناء المنخور ضربة قاضية من أحد هذين الاستحقاقين : مسألة الصحراء وانفتاح السوق العالمي بعد عشر سنوات." لقدظل المخزن يستحود على القرار في تدبير ملف الصحراء وينفرد به دون اشراك باقي مكونات المجتمع , كما يوظفه في قمع واسكات المعارضين باسم الاجماع الوطني ,و يستغله كغطاء للتغطية على اخفاقاته المتتالية على جميع الأصعدة. نقول هذا ليس انتصارا للمذكرة , وتشفيا في الوضع الذي أضحى يعيشه المغرب,بل رغبة في الاصلاح و انقاذ مايمكن انقاذه .و هو الغرض الذي من أجله كتبت المذكرة, والذي مافتيء الأستاذ عبد السلام ياسين يدعو اليه. بالاظافة الى مبادرة "جميعا من أجل الخلاص" والميثاق الوطني على أرضية الاسلام الذي طرحته جماعة "العدل والاحسان" من أجل تظافر جهود جميع المخلصين و الغيورين على هذا الوطن ومستقبله من فعاليات سياسية وثقافية ,علماء ومجتمع مدني لاعادة المغرب الى سكته الحقيقية التي تخدم المواطن ولا تستخدمه. مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=13107&t=ماذا تبقي من المغرب بعد عشر سنوات من مذكرة"الى من يهمه الأمر" ابراهيم مجاهد&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"