" كنتُ قد شارفت الأربعين عندما تداركني الرؤوف الرحيم بالمؤمنين بهَبة ويقظة، فهام الفؤاد، وغلب التفكير في المبدإ والمعَاد، فوجدتني محمولا على الطلب مدفوعا إليه. كيف السبيل إليك يا رب؟" هكذا يتحدث الشيخ المربي مرشد "العدل والإحسان" عبد السلام ياسين عن نفسه حينما بلغ الأربعين سنة من عمره والتي عاشها متقلبا بين جملة من التجارب والوظائف والخبرات خدمة لبلده المغرب ما بعد الإستقلال, كما عاش أربعين سنة أخرى تداخل فيها الروحي بالسياسي وتنوعت فيها الإقامات, بين إقامة "جبرية" وإقامة "سجنية" وتضييقات "أمنية مخزنية" ليفارق محبيه وأنصاره والمتابعين لنشاطه في الثالث عشر من ديسمبر لسنة 2012. ولد عبد السلام ياسين في التاسع عشر من سنة 1928 بمدينة مراكش من أسرة معروفة ودرس القرآن وقواعد اللغة العربية بمدرسة محمد مختار السوسي ثم التحق بمعهد إبن يوسف التابع لجامعة القرويين كما درس اللغة الفرنسية والأنجليزية والروسية وبعد تعيينه كمعلم في مدرسة إبتدائية واصل دراسته بمعهد الدروس العليا للدراسات الإسلامية بالرباط. ثم عمل عبد السلام ياسين أستاذا للغة العربية والترجمة فمفتشا بالتعليم الإبتدائي وبعد الإستقلال ترأس الشيخ جملة من المسؤوليات الإدارية والتربوية بوزارة التعليم وألف في تلك الفترة مقررات وكتبا بيداغوجية في المجال التربوي. لم يمضي الشيخ فترة طويلة في أحد زوايا المغرب ليسلك "طريقة " مختلفة كان فيها الصدام مع النظام الملكي هو السمة البارزة لتلك السنوات التي يسميها المغاربة بسنوات "الجمر والرصاص" حيث وجه عبد السلام ياسين إلى الحسن الثاني رسالته المعروفة "الإسلام أو الطوفان" دعاه فيها إلى التوبة حيث قال له أن "تب إلى الله من تألهك وشركك" و ذكر الشيخ أن تثليث النصارى أهون من تثليث ملك المغرب في إشارة لشعار "الله الوطن الملك",كما اتهم ياسين ملك المغرب بآتخاذ أعياد لم يأمر الله بها وآتهمه بإنفاق أموال المغاربة في غير موضعها بل وتهريبها إلى الخارج. كما إتهم الملك بجمعه لبطانة فاسدة وشبهه بأنه "سوق ومانرى في سوقك إلا أصحاب الضمائر الرخيصة وفي سوقك وزراء قدماء سرقوا الملايين من أموال المسلمين وآفتضحوا....ومانرى في سوقك إلا أنصاف الرجال وأشباه الرجال...لا نرى في سوقك إلا المتملقين والماكرين". كما لم ينسى عبد السلام ياسين في رسالته الشهيرة أن يعرج على قاعدة إقتصادية بسيطة لا يعرف لماذا "تغيب" دائما عن أصحاب القرار وهي أن التنمية في ظل الفساد كالكاتب على الموج أو اللاهث وراء السراب حيث حكم على مشاريع الملك الإقتصادية بأنها "ضائعة وحياتك وأيامك رغم جهودك الصاخبة". كما أمر الملك ببيع قصره بفرنسا وإعادة أي أموال لا تحق له وطلب مؤسسة الحكم في المغرب بتطبيق الإسلام دون غيره من التشريعات والقوانين. كانت الإجابة على هذه الرسالة المفتوحة والتي فاقت المائة صفحة ثلاث سنوات من السجن تبعتها إقامة في مستشفى المجانين خرج بعد الشيخ عبد السلام ياسين بدأت فكرة العمل الجماعي تتخمر في عقل الشيخ المربي فتأسست في بداية الأمر "أسرة الجماعة" ثم "الجماعة الخيرية " ثم "جماعة العدل والإحسان" والتي بقيت إلى يومنا هذا جماعة محظورة وسجن الشيخ مرة أخرى لمدة سنتين بسبب كتاباته وأنشطته. وبقي عبد السلام ياسين رهين الإقامة الجبرية عشر سنوات كاملة ليخرج سنة2000 ويرسل برسالة جديدة إلى الملك السادس شبيهة بالرسالة الأولى محذرا فيها " الملك الشاب" من السقوط في مساوئ الحكم ومن البطانة الفاسدة ومن الإغترار بالسلطة. فترات السجن والإقامة الجبرية وترؤس حركة إسلامية كبيرة في المغرب لم تمنع مرشد العدل والإحسان من الكتابة حيث عرف بغزارة إنتاجه وكثافة أعماله وتنوع المجالات التي خاضها فكتب عن "الإسلام بين الدعوة والدولة " وعن "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" وعن "الإسلام و تحدي الماركسية اللينينية" وعن "الخلافة والملك" وعن "الإسلام والقومية والعلمانية" وعن "مقدمات لمستقبل إسلامي" وغيرها من كتابات عبد السلام السلام ياسين كثير. على إثر نزلة برد حادة فقد الشيخ عبد السلام ياسين الحياة في الثالث عشر من ديسمبر 2012 ليشيعه عشرات الآلاف في جنازة مهيبة حضرها مغاربة و شخصيات من مختلف أنحاء العالم إعترافا منهم بقيمة الشيخ وأثره في خدمة الفكر الإسلامي.
شهادات في حق عبد السلام ياسين :
محمد بديع - المرشد العام للإخوان المسلمين :عبد السلام ياسين كان مجاهدا في الدعوة. ليث شبيلات – سياسي ومعارض أردني :عبد السلام ياسين مجاهد عظيم,لقد كانت صلابته في الالتزام بشريعة الله وجرأته في تطبيق قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ، منارة هدى للمترددين بين خوفهم من سلطان الأرض وسلطان السماء سبحانه...". المصطفى المعتصم – حزب البديل الحضاري المغربي : عبد السلام ياسين مفكر...و "رجل" تنطبق عليه آية "من المؤمنين رجال". العجمي الوريمي –قيادي بحركة النهضة: عبد السلام ياسين كان "أمة". عبد الواحد محسن - ناشط مدني ببلجيكا : "بصمة " عبد السلام ياسين ستبقى إلى مالا نهاية. محمد الزهاري - رئيس منظمة المغرب لحقوق الإنسان: المغرب لا زال في حاجة لعطاءات عبد السلام ياسين. عفاف عاجي - حزب الأمة المغربي : مواقف عبد السلام ياسين مواقف ثابتة في مقارعة الظلم والإستبداد. عمر الحدوشي - من مشائخ السلفية في المغرب: شرف لي أن أحضر جنازة من وقف في وجه الظلمة والطواغيت. حسن الكتاني-من مشائخ السلفية في المغرب :فقدان عبد السلام ياسين خسارة كبرى. خالد السفياني – مجموعة العمل من أجل فلسطين والعراق: عبد السلام ياسين ظل شامخا طوال حياته. عبد الصمد بلكبير- مفكر وأكاديمي مغربي :عبد السلام ياسين ظاهرة بكل ما تعنيه من دلالات، فالزمان لا يجود بمثله في كل الأوقات فهو رحمه الله حالة استثنائية وتمكن من تأسيس مدرسة متميزة أعادت للفكر الإسلامي أهميته، وأعادت للقيم والأخلاق التي تربط بين المعتقد والعبادة والمعاملات حيث لا تفصل مدرسة العدل والإحسان عن مسؤولية الإنسان عن أهله وذويه وعن جيرته ووطن