بقلم الأستاذ أحمد بوعشرين مكناس هذا الغرب الرسمي تعرت أقاويله وادعاءاته الزائفة بأنه حام للحرية ومدافع عنها ومنحاز إلى كل مظلوم في العالم في إطار منظومة حقوق الإنسان التي يدعي أنه يتبناها، وهو في كل مرة يخدع آمالنا وتطلعاتنا بشعاراته البراقة ، ويخذل الشرفاء التواقين إلى الكرامة والحرية، ما عدا إذا كانت مصلحة هيمنته تقتضي الدعم و الانحياز، فهو يهرول ويضخم ويتنادى برفع الظلم وبمحاسبة المجرمين والجلادين، الإجرام الحقوقي والإبادة في قاموسه التعريفي مصطلحات مطاطة، والاعتداء والظلم في مرجعياته معايير متلونة وحربائية، والانحياز والتضامن والعقاب أدوات متغيرة بحسب ما تقتضيه استراتيجيته في تأبيد مصالحه واستمرار نفوذه على عالم المستضعفين، شهدنا له بذلك وهو يقلل في خطابات مسؤوليه وإعلامه من شأن ما يقع في غزة برغم مشاهد المحرقة الصهيونية على أهالينا في غزة الصمود، ويستدعي قاموسه الإجرامي المقيت فيدعو إلى عدم الاستعمال المفرط للقوة ويالا إجرامية الموقف، وفي مجزرة قانا تكررت نفس المواقف، فلا دعوة إلى محاكمة الصهاينة المجرمين، ولا تنديد دولي بما اقترفوه، وبالأمس القريب شهدنا كيف أن هذا المجتمع الدولي صمت على جريمة الانتهاك الجسيم للإرادة الشعبية بالشقيقة الجزائر في التسعينا ت من القرن الماضي، وبنفس المنطق الذي ليس فيه ثبات في المواقف ولا المعايير كان عقابهم الذكي والضمني لشعب فلسطين بعدما اختارت إرادته في انتخابات شهد العالم بنزاهتها أن تنحاز إلى صف المقاومة، وهذا الغرب الرسمي المنافق هو الذي تحرك بسرعة ملفتة لينصب محكمة دولية للتحقيق في مقتل الحريري، ولتحريك المتابعة في حق عمر البشير بتهم الإبادة الجماعية بدارفور، والآن وفي هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشعب التونسي في انتفاضته الشعبية ضد ظلم طال أمده واستبداد عمر مقامه وفساد تفشت مظاهره، لم تحرك هذه الهبة الشعبية ساكن هذا الغرب سوى ببعض الكلام العابر عن ضرورة "ضبط النفس" وعن"قلقه" من مجريات الأحداث هناك، وإذا ما صعد ردد كلاما حول ضرورة عدم قمع الاحتجاجات السلمية، وعدم الاستعمال "المفرط" للقوة من لدن رجال الأمن، استمعنا إلى وزيرة خارجية فرنسا وهي تختزل بشكل مقصود عمق ومضمون هذه الانتفاضة في مجرد مشكل بطالة حاملي الشهادات، وهي تعلم علم اليقين ودولتها تعلم علم اليقين والغرب الرسمي الذي يردد نفس هذه الأسطوانة يعلم علم اليقين، أن البطالة هي نتيجة وليست سببا، وأن المشكل هو في عمقه سياسي، مرتبط بغياب التوزيع العادل للثروة والسلطة، وأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية صارت كالماء الراكد لا تأتي بجديد مادام هناك حزب واحد هو الذي يفوز بالأغلبية ورئيس واحد هو الذي يترشح و"يكتسح" ويفوز بنسب 99 في المائة، وأن الاحتقان السياسي بلغ أوجه بمصادرة الحريات وتهميش أو نفي أو اعتقال كل معارضة إلى حد تجفيف ينابيعها، نعم هذا الغرب يعلم كل هذا، ومع ذلك يحرف الحقائق مادام انعتاق أهل تونس لا يتماشى ومصالحه الإستراتيجية العليا، لسبب بسيط: لأن في استمرار الاستبداد في المنطقة تنتعش هذه المصالح، كما في التجزئة تنتعش، إن الموقف الراهن للغرب الرسمي عموما وفرنسا خصوصا من ما يقع في تونس لهو درس لكل القوى الإصلاحية الشريفة في عالمنا العربي والإسلامي عموما والمغرب العربي خصوصا، درس مفاده أن التعويل الأساس هو على الشعوب و حركيتها، وأن الإصلاح الفالح بإذن الله هو الذي تربته محلية محضة خالصة لا تشوبها شائبة اختلاط مع تربة أجنبية فاسدة لا خير فيها ولا من ورائها، حيا الله شعب تونس وأهله، وليلكم قريبا، قريبا سينجلي بإذن الله. كتبت في مكناس بتاريخ 08 صفر 1432 الموافق 13 يناير 2011