من فضائل يوم الجمعة " إنّه خير الأيام" فعن أبي هريرة "ر" ، عن النبي "ص" قال: " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" مسلم . يوم الجمعة 14 يناير 2011، كان يوماً عظيماً للتونسيين.. شعب استنهض نفسه بإعجاز رباني ؟ا... وطاغية هرب متنكراً بثوب، وبنقاب امرأة، كالفأر المذعور، من الجنّة التونسية بعد أن أغرى العباد والبلاد طيلة 23 عاماً برنين حرياته الباطلة، وبريق اقتصاده المزيف، مقدماً بهروبه المثل الأوفى لمصائر الطغاة، والأنظمة الفاسدة التي تلدها السياسات المستبدة. إنّه يوم الفرح الكبير، والتأمل الطويل للتونسيين... وليس أدعى من هذا اليوم إلى القلق من حالة وطننا، وواجب التفكير بمصيره. وطننا الحبيب تونس كان بمثابة قنبلة صوتية من الشعارات البراقة على مدى سنين طويلة مع بورقيبة وعائلته، وحاشيته، ثم تحوّل إلى قنبلة دخانية من المناورات السياسية وخناجر مسمومة في ظهور أبناء تونس الأبرار مع بن علي وعائلته، وعصاباته. وتونس اليوم، بالرغم من الانتفاضة المباركة، ما تزال تحيا بظل نفس النظام الذي سقط في امتحانات التنمية والسياسة والاقتصاد والاجتماع، والذي فشل في تكوين مجتمع عادل ، متماسك وقوي، بسبب تحالف فئة كبيرة من المسئولين الرسميين مع الدول الأجنبية المقطورة بحركة التجارة الدولية في المجتمعات المتطورة. ولا رجاء من هذا النظام الذي ما يزال يحتضن من كان مسئولا عن الكثير من الجرائم، ومن كان يرى في حرية الصحافة والإعلام عاراً، والديمقراطية وحق تنظيم الأحزاب سفاهة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين جهلاً، وخللاً للأمن العام؟ا... هذا بالإضافة إلى بقايا سياسيين يراوغون كالثعالب، ويتسترون بثياب الإصلاحيين، إنما هم في الحقيقة ذئاب تحمل لتونس العار لأنهم أذيال المستعمر والطاغية، ولا غاية لهم إلا إلقاء بذار الفتنة والتفرقة بين التوانسة، وإذا حكموا البلاد سيهدمون ما تبقى من أركان العمران . ما العمل؟ ... لا أعرف بالضبط، إنما التفاؤل ضروري.. ولكن، بشروط العقل، وبثقافة سياسية تنطلق من برامج تؤطر القوى، وتقود الوعي والنضج باتجاه تحقيق المصالح العامة، والقضايا الوطنية والقومية. تونس اليوم، بعد ظهور الانتفاضة المباركة، بحاجة كبرى إلى الحرية والديمقراطية والإصلاح في جميع مجالات الحياة، وأغلب الشعب مستعد لقبول التغيير، ومعظم خواطر المبدعين والمفكرين والمثقفين منصرفة إلى العمل بنواميس الإصلاح والتقدم والتغيير. المشكلة الرئيسية تكمن في أن النظام حتى الساعة، ما يزال يحتضن من حمل راية التسلط والاستبداد والفساد، ومن حارب بشدّة كل من مارس واجباته الوطنية، أو الدينية المخالفة لتعليمات "المستبد الهارب وعصاباته". والمشكلة الرئيسية الثانية، هي وجود فئة كبيرة من الشعب، بالرغم من الانتصار الجزئي التي حققته الانتفاضة، ما تزال تهاب بطش السلطة مجدداً، فتتبع تعليماتها ولا تجسر على إتباع ما يوحيه لها ضميرها ورشدها خوفاً من الاعتقال والسجن. نحن نعلم أن طريقنا مليئاً بالصعوبات، ولن يخلو من مقاومات عنيفة، ومعاكسات شديدة أبقاها الاستبداد والجهل زمناً طويلاً عقبة في سبيل التقدم والتغيير. إنما الأمل الكبير يكمن في وقفة العز العظيمة التي ظهرت من خلال مساندة الجيش التونسي الباسل للشعب المنتفض، ورفضه التصدّي له بالسلاح مكتفياً بحماية المرافق الحكومية والممتلكات العامة والخاصة، وتمكنه بحكمة قيادته، وبعد رؤيتها، من الحفاظ على اللحمة بين مؤسسة الجيش وبين مواطنيه. والأمل أيضاً، وأيضاً، في مجموعة الأحزاب، والهيئات، والنقابات، والشخصيّات المعروفة بغيرتها على البلاد، التي تسعى وراء إصلاح الأوضاع السياسية، والتي تجدّ وراء التحرر والتقدم عملاً بناموس الارتقاء الطبيعي الداعي كل فرد من أفراد الشعب التونسي، إلى المحافظة على بقائه في وطنه عبر المشاركة في الانتفاضة المباركة التي ستسعى إلى تحقيق الإصلاح مهما حال دونها من حواجز وقمع وإرهاب. باريس تيسير العبيدي