أردت أن أدبج هذا المقال بهذا المثال الشعبي التونسي المعروف لألخص المشهد الحالي في تونس بعدما تخلت كل الأطراف تقريبا أو تكاد عن معتصمي القصبة مهدين بذلك للمبعوث الأمريكي "فلتمان" أولى نجاحاته لأنه يبدو مهندسة هذه المقاربة الخطيرة التي تعمل على اختلاق تصدعات جديدة في الكيان الاجتماعي باعتماد المغالطة و التشويه.
فترك هؤلاء المعتصمين لحالهم يواجهون آلة القمع التي وصفها احدهم بأنها اشد فتكا من "زمن" بن علي (وضعت الكلمة بين قوسين لأني لست متأكدا من انه قد ولى فعلا إلى غير رجعة) ستترتب عنه حتما مجموعة من النتائج السياسية و الأمنية الخطيرة:
1. تأكيد الفجوة بين شباب هذه الثورة و الأحزاب السياسية الوطنية التي يعول عليها في حماية هذه الثورة و ذلك بتأكيد الأطروحة التي مفادها أن هذه الثورة تندرج في سياق حراك اجتماعي ضيق ليس له امتداد سياسي و لا استراتيجي و أن هذه الأحزاب ليس لها ما تدعيه من أحقية في توفير مناخ انطلاق هذه الثورة و ليس لها أن تنشد منها أكثر مما قد تجود به جماعة "فلتمان".
2. تكريس الهوة الاجتماعية بين المدن الساحلية و مدن الداخل من خلال إضفاء بعد ثقافي و إيديولوجي على هذه الهوة تجعل مفاعيل هذا الشعب يتحرك الواحد منها ضد الأخر وتتحقق بذلك الفتنة التي تحرق الأخضر و اليابس.
3. إعطاء صورة سلبية على الحركات السياسية (وفي المقام الأول الحركة الإسلامية بكل مكوناتها) بتصويرها كحركات غاية رجائها أن تنتزع من هذا الحراك تأشيرة نشاط سياسي "قانوني" حتى و لو أدى الأمر إلى تحجيم الدور التاريخي لهذه الثورة والحد من "الحلم" الذي ولدته في أن نرى شعوبنا و امتنا تأخذ مصائرها بيدها.
4. عدم الانتباه إلى أولوية تحجيم الآلة الأمنية لأنها إن حافظت على آلياتها و "مكاسبها" سيكون من السهل عليها أن تنقلب على هذه الثورة. و في نظري أن التحرك ضد هذه الآلة الأمنية أولى ، على صعيد ترتيب الأولويات، من المطالبة بحل التجمع أو التسابق المحموم،دون أدنى معرفة بالمستلزمات القانونية، إلى المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الفساد المالي وهي موجة ركبتها السلطة القائمة نفسها في إطار خلط الأوراق.
إن عجز الأحزاب في الخروج بموقف موحد في نصرة و تاطير هذا الاعتصام حتى لا تتفرد به الآلة الإعلامية والأمنية هو أولى الخسائر المعلنة لهذا المقاربة السياسية القاصرة التي توشك أن تنقلب على الجميع.