يمكن للمرء أن يفهم حرص الولاياتالمتحدةالأمريكية على مصالحها في مصر وغيرها من الدول العربية الموصوفة بالاعتدال، كما يمكن تفهم الحرص الأمريكي على ترداد شعاراتها عن الحرية ونبذ العنف وغيرها من الكلمات التي تصدع بها رؤوسنا بين الفينة والأخرى. لكن الأمر غير المفهوم أن تتحدث أمريكا ويتصرف قادتها وكأن مصر العربية ولاية أمريكية. السيدة كلينتون وزيرة خارجية أمريكا تتناول الأزمة المصرية وثورة الشعب المصري فتصرح بطريقة تخلو من اللباقة والدبلوماسية عدة مرات خلال أسبوع حول ما يجب وما لا يجب في سلوك السلطات المصرية تجاه المنتفضين وطلباتهم، ولا تكتفي بذلك بل توجه ذات الأوامر للمتظاهرين بعدم اللجوء للعنف في التعبير عن مطالبهم. الناطق باسم البيت الأبيض، والناطق باسم الخارجية بواشنطن وغيرهما من المسؤولين يدلون بتصريحات مسهبة حول طرق العلاج للمشكلة المصرية ويتحدثون عن انتقال سلمي للسلطة، ويحددون رؤيتهم للقوى السياسية التي يجب أن تشترك في الحكومة القادمة فيجيزون هذه ويرفضون تلك بغلاف خادع يدعونه نبذ العنف والتطرف في الوقت الذي تدعم إدارتهم أكثر القادة المتطرفين في العالم وأشدهم عنفاً في الكيان الصهيوني! اللافت في هذه الصورة الغريبة لعلاقة مهينة وتسيء لتاريخ الشعب المصري وتستفز كرامته أن يطالعنا رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية بتصريحات يكررها عن أهمية التغيير والإصلاح في مصر وأن يعلن بطريقة موحية عن تشكيل خلية أزمة لمتابعة الشأن المصري وبأن استقرار مصر ضروري وحيوي للمصالح الأمريكية ولاستقرار منطقة الشرق الأوسط في تناغم واضح مع تصريحات إسرائيلية حول ذات الأمر. وحتى تكتمل صورة الهيمنة الأمريكية على الشأن الداخلي في مصر قامت أمريكا بإرسال من أسمته بالمبعوث الخاص للاتصال بأطراف الأزمة والعمل على تدوير زواياها. السفير الأمريكي السابق في مصر فرانك ويسنر يقوم بدور المبعوث الخاص وموجود الآن في مصر ويقال أن له خبرة في قضايا الشرق الأوسط، وهذا يعني أن المهمة قد بدأت بالفعل دون أن نسمع عنها من أي مسؤول مصري، وكأن الرجل من رجالات السلطة أو "من أهل الدار" كما يقال. الولاياتالمتحدة تحرص على الزج بنفسها طرفاً في الصراع الداخلي، وبرغم حديثها المستمر عن وقوفها على الحياد في هذا الصراع إلا أنها في الحقيقة تدعم الرئيس مبارك وبقائه في سدة الحكم مع تغييرات تجميلية لا تمس جوهر السياسة المصرية الداخلية والخارجية وبالأخص موقف مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وعملية السلام في المنطقة والذي تثني عليه الولاياتالمتحدة باستمرار. الإدارة الأمريكية لا تتعامل بهذه الطريقة والكيفية حتى مع أحد ولاياتها الاتحادية، ولا تجرؤ على هكذا تعاطي استعلائي معها، وقد رأينا كيف تتعامل أمريكا مع أزمات أخرى في مناطق متعددة ومع دول غير عربية، ولم نجد منها كل هذا التدخل الاستفزازي في شؤون تلك الدول. حان الوقت في ظل ثورة الشعب المصري المباركة أن تنتهي علاقة التبعية لأمريكا، وأن يتوقف هذا الارتهان المهين للسياسة الأمريكية لأن مصر ليست ولاية أمريكية ولن تكون.