إن كان الغرب قد أصبح منذ يومين وبعد ابتلاع الصدمة، صدمة ثورة تونس بالامس وثورة الشعب المصري اليوم أصبح يدلي بمواقف أكثر مواكبة للواقع ومتطلباته، مواقف حسب بعض المحللين أقرب الى ردّات الفعل منها إلى مواقف مبدئية، فإننا نقول أنه استيقظ متأخرا...رأيناه بالأمس يقف صامتا أمام مشاهد مروعة بدأت يوم الجمعة، جمعة الغضب في مصر، اعتداء فاضح وسافر على متظاهرين عزّل، أمام سمع وبصر العالم، العالم " الحر" اعتداء بشتى وسائل القمع وأساليبه التي ابتكرها الغرب وصدرها الى حكامنا ليتفننوا من خلالها في تعذيبنا وإسكاتنا وفسح الطريق أمامهم لنهبنا وسلبنا وتكميم أفواهنا وتنويمنا ، حتى لا نهدد عروشهم وكراسيهم العفنة التي وبحسب ما تكشف بعد ثورة تونس من أسرار وقصص كنا نحسبها أساطير أو مبالغات ليس لها من دور سوى ملأ الجيوب من قوت الشعوب...فكان التمسك بها والاستماتة حولها من عدمه يعني مسألة حياة أو موت... في سبيلها، قد يحرقون الأخضر واليابس ومن بعدهم الطوفان، وليكن ما يكون المهم المحافظة على ما كنزوه من مجد وجاه وسلطان وذهب وفضة وأرصدة في البنوك سلبت من قوت أصحاب الفأس والمعول والبورويطة... استماتة مبارك أمام غضب شعبه الأبي في الدفاع عن "عرشه" خير دليل على حقارة هؤلاء واستخفافهم بمصير شعوبهم، لينزف الشعب لتحرق القاهرة ، ليحرق تراثها المهم الحفاظ على هذا "الكنز" و هذا "الفارس " سي مبارك...وها هو اليوم تتفتق قريحته و"ذكائه" الخلاق وعبر أمنه وبعد ساعات فقط من تغيير اسمه من" الأمن في خدمة الوطن "إلى" الامن في خدمة الشعب " على فكرة تعود إلى العصور الوسطى وعهد الصراعات القبلية ، جمال وبغال وحمير وعربات تجرها الخيول ، فرسانها رجال مدججون بالسياط والعصي والقضبان الحديدية والسكاكين والسيوف....السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ألم يفكر مبارك ومن ورائه نظامه العميل والخائن في سمعته وفي الرأي العام العالمي ؟أقول فكر هؤلاء في ذلك جيدا وبالأساس في ردة فعل أسيادهم في البيت الأبيض وتل أبيب وهذا ما يهمهم، هؤلاء هم من يقرؤون لهم ألف حساب والباقي لا يهم....هم يعلمون أن استماتتهم في الدفاع عن كراسيهم وبشتى الوسائل حتى وان كانت بالصورة الهمجية التي شاهدها العالم ، يفرح أعداء الشعب المصري وعلى رأسهم أسياد مبارك، يعلم مبارك وزمرته أن ذلك يصب بالأساس في مصلحة هؤلاء وأن قمع وإرهاب وقتل وتعذيب وتركيع الشعب المصري المجاهد هو أمنية من أماني أمريكا والكيان الصهيوني بل هو ثأر لهم . ثأر ممن قال لا وألف لا للخضوع لاملاءات أمريكا لا وألف لا للتخلي عن هويتنا ، لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني وان طبع الحكام فنحن هنا صامدون وفلسطين الأمس هي فلسطين اليوم من حيفا الى صحراء النقب، القدس هي القدس وتل أبيب هي تل الربيع.... ما رأيناه بالأمس وما نراه اليوم على الشاشات من مشاهد مروعة، مشاهد تضع الغرب أمام مفارقة أخلاقية مدمرة ، وهو العجز الفاضح ، بل العجز المتعمد والوقوف وقوف المتفرج أمام أحداث كانت قد تدفع الغرب الذي صدع رؤوسنا في يوم ما ولا يزال بالخطابات الرنانة وأنه الحارس الأمين وبدون منازع لحقوق الشعوب وحقها في تقرير مصائرها وانتخاب من يسوسها أحداث كانت قد تدفع الغرب لتجييش الجيوش لو كان الوضع يهم شعبا مواليا لها ينتفض ضد حكومة "مارقة" بحسب مقاييسهم ، مواقفهم من المظاهرات التي قادها الجناح الاصلاحي في ايران بعد نتائج الانتخابات الايرانية التي فاز بها أحمدي نجاد خير دليل على هذه الازدواجية المقيتة التي أصبحت لا تخطئها العين وهذا على سبيل المثال لا الحصر...قضية مقتل الحريري، جهد جهيد ومنذ سنوات لم يكلوا ولم يملوا، حتى وان كان على حساب استقرار لبنان وشعبه، أموال تهدر ومحاكم تقام ومفتش آت وآخر راحل، وكأنه لم يمت ولم يغتال الا الحريري. بينما المشهد العام يجعل المرء يشاهد الدماء والقتل والاغتيالات أينما أدار رأسه... انها مشكلة أو أزمة الضمير الغربي الذي يكيل بمكيالين، أزمة ضمير تمتد جذورها الى التركيبة الثقافية السيكولوجية داخل العقل الغربي ونموذجه الفكري القائم على المركزية الذاتية وعلى العنصرية وأن الآخر وبالخصوص العربي والمسلم لا يساوي سوى الجهل والسذاجة والإرهاب...وأنهم هم دون غيرهم من يقرر مصائر الشعوب، وبالخصوص من يسوسها وبأي قوانين ودستور يقودها...وأننا لم ننضج بعد لا للديمقراطية ولا للحرية .... سكوت الغرب عما يجري في مصر وعدم أخذ الموقف الحازم والواضح من مجرى الأحداث لم يفاجئنا...فقط أقول أو أطرح بعض الأسئلة : هل مازال عندنا أدنى شك في أن الغرب وبالأساس القوى "الكبرى" تتآمر على أمتنا وشعوبها؟ والحال أن الرصاص الذي أصاب أبناء الثورة في مصر هو أمريكي والغاز المسيل للدموع صهيوني ... هل مازلنا نشكك في صحة الكذبة الكبرى التي مفادها أن أمريكا وغيرها من قوى الشر والاستكبار في العالم تتدخل في شؤوننا، سعيا منها لنشر الديموقراطية في عالما العربي والإسلامي؟ موقف فرنسا من الأحداث في تونس، لا يزال في الأذهان. وصلت بهم الوقاحة لعرض المساعدة على بن علي لقمع الشعب الذي واجههم بصدور عارية وبطون خاوية...وذاك فقط ما طفح على السطح، وما خفي أعظم ...خوفهم من الآخر ومن الديموقراطية التي ان طبقت في أوطاننا فأنها لن تفرز الا الاحرار جعلهم يفكرون في مد يد المساعدة لقمع ثورة شعب يبحث عن الانعتاق والحرية والعيش الكريم، شعب له الرغبة كغيره من البشر في أن يختار بنفسه من يحكمه وكيف يحكمه. كل ذبه أنه انتفض وطالب بما يروج له الغرب ذاته من مبادئ الحرية والديمقراطية وكيف لا يطالب بها وهي من صميم وجوهر هويته العربية الإسلامية... ثم سكوتهم اليوم على هذا الطاغية الذي عاث في أرض مصر فسادا. سكوتهم على قمع ثورة ضد الطغيان والظلم والجور ، سكوت على فضائح أزكمت روائحها أنوف الجميع...شاهدناهم بالامس القريب يهللون لثورات تخدم أجنداتهم، هذه ثورة أرز وتلك ثورة برتقال . لكن لا أذن سمعت ولا عين رأت ثورة المحرومين والمظلومين... هل لدينا أدنى شك اليوم أن أمريكا وغيرها همها الوحيد هو زرع الفتن بين أبناء الشعب الواحد عبر سياسة فرق تسد؟ وما الهجوم على أبطال ميدان التحرير عن طريق الجمال و البغال والحمير الا من وحي المبعوث الامريكي الذي كان في زيارة لمصر قبل ساعات من ذاك الهجوم الوحشي والهمجي، المتخلف والمتعجرف الذي كان هدفه الرئيسي تشويه صورة الشعب المصري العظيم. كان المخطط له هو رؤية الفريقين على شاكلة حروب داهس والغبراء، أو لعلهم أرادوها رواندا جديدة يبيد فيها المصري أخاه المصري كما فعل الروانديين عبر حرب مدفوعة الاجر من طرف الغرب المجرم الظالم المتعطش للدماء منذ ولادته، حرب أبادوا فيها شعوبا وأجيالا بأكملها ولم تحاسبهم أية جهة لا دولية ولا محلية على مسؤوليتهم الأخلاقية والسياسية والفعلية أيضا، على ما اقترفته "أيديهم الوسخة والعفنة"...لعلم وعبر خيالهم الخلاق تصوروا أن مصر هي أوغندا أو الكنغو وأن المسلمين والاقباط هناك في مصر هم يعيشون على شاكلة قبائل الهوتو والتوتسي الذين سقطوا في فخ لعبة المصالح الذي يجيد الغرب لعبها عبر نشر القلاقل والفتن ...الشعب المصري أثبت لهم نضجه ووعيه بما يحاك له ، لذلك لم يسقط في فخ الفتنة وشق صف الشعب المصري وتعامل بصورة حضارية مع جحافل البغال والجمال والحمير . شباب التحرير خططه أرقى وأنبل من خطط الحمير من حكام وعملاء وأمريكان... سؤال أنهي به، هل مازال البعض ممن ارتموا في أحضان أمريكا ، من " المارينز" العرب كما يحلوا للبعض أن يسميهم يتهمون خصومهم من الذين سخروا أقلامهم وحناجرهم وسواعدهم لفضح أمريكا وخططها وأساليبها الماكرة في المنطقة، بأن لهم موقفا ايديولوجيا منها وأنهم أعداء الديموقراطية والحرية وكل تلك السيمفونية الأمريكية الممجوجة؟؟ أن هذا السقوط الاخلاقي للغرب وهو على فكرة ليس بالجديد ، نذكر به فقط، وقد تجلى بصورة لا غبار عليها ولا مساحيق في حرب غزة الاخيرة هو خطوة هامة في طريق عودة كثير من المخدوعين بقيم الغرب الزائفة الى الجادة والاعتزاز بما لديهم من منظومة متكاملة لا تنهاهم على التفاعل مع الآخر والاخذ منه بالقدر الذي يتماشى مع قيمهم ومبادئهم وعلى حد قول غاندي :"انني لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي، ولا أن يحكم اغلاق نوافذي ، اني أريد ان تهب ثقافة كل أرض حول بيتي باقصى قدر من الحرية ، لكنني أرفض أن تقتلعني ريح اي منها من جذوري" سيظل الشعب المصري صامدا ولن يقدر أحد كان من كان أن يقتلعه من جذوره، وسيعلم أمريكا ويعطيها دروسا في التحضر والديموقراطية الحقيقية، وليست تلك المزيفة والمفصلة بحسب مقاسات ساسة الغرب ونزواتهم ومصالحهم...وهاهم عملاء أمريكا في مصر يتقهقرون أمام غضب الشارع واسلوبه الحضاري في التحرك، أسلوب أبهر العالم بأسره وحد من كبرياء الاكابر...أصبحوا يتبنون اليوم وغصبا عنهم مطالب الجماهير سعيا منهم لإنقاذ ماء الوجه.... الشعب يتطور من ثورة المليون الى ثورة الملايين، وهم(فراعنة مصر) من طائرات "الآف 16" فوق ميدان التحرير في الايام الاولى للتظاهر الى البهائم والحمير والجمال، ما شاهدناه وشاهده العالم بأسره منذ يومين.... في أمان الله مفيدة عبدولي