لقد بلغ الإسلام بتكريم الانسان مبلغا تجاوز وفاق كل التشريعات الاخرى، تكريم للانسان من حيث حقوقه ، بلغ درجة تجاوز فيها مستوى الحقوق لترتقي الى الضرورات، الضرورات التي لا تستقيم الحياة الا بتوفرها على الوجه المطلوب . من هنا ترتقي تلك الحقوق أو الضرورات من ناحية السعي لتوفيرها الى مرتبة الواجب :يأثم الفرد أو الجماعة ان هي فرطت فيها، كما يأثم من يحول بين الجماعة وبين واجب تحقيقها (الضرورات)... فالأكل والملبس والسكن والتعليم والحرية والآمن والمشاركة السياسية في صياغة القوانين والنظام العام للمجتمع والمحاسبة والمراقبة لاولياء الامور والانتفاضات والاحتجاجات والثورات ضد الدكتاتورات والمفسدين في الارض ممن تملكوا رقاب الشعوب...كل ذلك في نظر الاسلام من الضرورات أو الواجبات وليست فقط مجرد حقوق.... قد تتنازل عن حقك، فردا أو جماعة، لكن ليس لك أن تتنازل عن الضرورة، عن الواجب. الواجب الذي لا معنى للحياة بدونه، اذ لا يستقيم أمر الدين، أمر الاستخلاف في الارض ، أمر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أمر اقامة الحضارة الانسانية، عمران النفس وعمران الارض، لايستقيم ذلك الا اذا صلح أمر الدنيا بتمتع الانسان بكل تلك الحقوق والضرورات التي أوجبها الاسلام . انعدام ذلك يعني توقف للمسيرة الفعلية والحقيقية لعطاء الانسان ، العطاء بكل أبعاده... فقدان الانسان لحقوقه يحد من إمكاناته وابداعه ومن مناط التكليف...وعلى حد قول الامام الغزالي في كتابه " الاقتصاد في الاعتقاد" صفحة135:"ان نظام الدين لا يحصل الا بنظام الدنيا...فنظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل اليهما الا بصحة البدن وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والآمن...فلا ينتظم الدين الا بتحقيق الامن على هذه المهمات الضرورية...والا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرغ للعلم والعمل، وهما وسيلتاه الى سعادة الآخرة؟ فإذا: أن نظام الدنيا، أعني مقادير الحاجة شرط لنظام الدين..." أكاد أجزم أن شعوب أمتنا بأكملها بنسب تختلف من قطر الى آخر أصابها ما أصابها من حرمان لضروراتها المختلفة ، كان لذلك الاثر السلبي على مردود وعطاء شعوبنا ورقيها...حرمان أصاب كل جوانب الحياة، حرمان تسبب في ترسيخ الشعور باليأس والإحباط والشعور بالدونية خاصة عند رؤيتها لغيرها من الشعوب (الغربية بالخصوص ) تنعم بحقوق تمثل لها (شعوب الامة)حلما بعيد المنال ، أضف الى ذلك فقدان الثقة بالنفس، وصل الى حد فقدان الذاكرة، ذاكرة الامة بمخزونها الحضاري والتاريخي الذي يعج بأدبيات، تمثل وقودا وخزانا للشعوب يدفع بها للبحث عن وسائل وآليات صناعة الأمل حتى عند أشد الظروف صعوبة ، من تحت الركام وفي الأوقات الكالحة وزمن الكساد وانعدام العطاء.... فقدنا ذاك الأمل أمام وطأة الضغوط وشراسة الخصم حكامنا هذا من جانب، من جانب آخر، عجزنا نحن الشعوب والنخب والاحزاب بصفة خاصة عن طرح البدائل واستنباط الحلول من الواقع المرير، عجزنا عن ايجاد آليات للعمل داخل ما هو ممكن لبعث الروح من جديد وصناعة الامل... فكانت النتيجة أن تسلل اليأس الى أغلب طاقات الامة، الا من البعض الذين أخبرنا بهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم..." فكانوا هم بارقة الامل وسط نفق مظلم... هذا النفق المظلم الذي شيده حكامنا بالحديد والنار لعقود نراه اليوم ينهار في ظرف وجيز، أسابيع لا تتجاوز أصابع اليد... ما لبث أن انهار النفق لانه بني على باطل، تضخم النفق وتعاظم وتخمر بنيانه فكان انفجاره على شكل بركان يقذف حمما أحرقت الطغاة وكنستهم بلا رجعة...كنستهم شعوب ذاقت أصنافا من الحرمان: حرمان مادي ومعنوي، كممت أفواههم وجوعت بطونهم فخرجوا من بيوتهم ، ليس شاهرين سيوفهم على الحاكم لانه حرمهم قوت عيالهم ( كما ورد في قول أبي ذر الغفاري " عجبت لمن يدخل بيته كيف لا يخرج شاهرا سيفه على الناس " ولو كان أبو ذر يعيش بيننا اليوم لقال : عجبت لمن يدخل بيته ولا يجد قوت عياله كيف لا يقذف بصواريخه ولا يسير دبابات ويلقي حممها على من سلبه حقه في الخبز والكرامة والحرية) بلرأينا ورأى العالم كيف خرج هؤلاء بصدور عارية، مسالمين لا محاربين، أيادي فارغة حتى من حجارة، رسموا للعالم أجمع، أروع صور لأشكال النضال السلمي وهي الشعوب التي اكتوت بنيران الإعلام الغربي ومن وراءه، من مؤسسات البحوث والدراسات والفن والسينما وأنظمة وحكومات الشر في العالم "المتحضر جدا جدا" عبر تصويرها على أنه شعوب متعطشة للدماء صنيعتها القتل والإرهاب...هاهم اليوم يقدمون أروع مثال في كيفية التحرر وأنه بإمكانك التحرر وبأقل الخسائر شريطة أن تقرر الخروج ، الخروج الى الشارع و بدون رجعة الى أن يرحل من سد الشارع في وجهك لسنين. تخرج يحدوك الأمل، أمل تصنع وتوطد أركانه وتقويه بالصمود وتجديد أساليب النضال... تفنن الشارع التونسي والشارع المصري في صناعة هذا الامل، صناعة الامل هذه، هي الصناعة التي أجادها وأبدع فيها صناع ثورة تونس ومصر ومن هم في الطريق نحو ساحات التحرير من جزائريين ويمنيين وأردنيين وعراقيين( العراقيون ينتفضون اليوم لكنس أوسخ وأفسد وأكبر مجرمين وخونة عرفتهم الامة عبر تقديمهم لأعرق دولة داخل جسد الامة على طبق من ذهب لقوة شريرة مجرمة ارهابية اسمها أمريكا)قلوبنا اليوم مع شعب العراق الابي ليثأر لنا من هؤلاء الخونة من حجاج البيت الابيض والمسبحين بحمد ساسته ومجرميه...بإمكان الشعب العراقي ترحيل هؤلاء وإرجاعهم إلى قواعدهم ( لا سالمين ولا غانمين ان شاء الله)التي انطلقوا منها مع الأمريكان لغزو العراق الحبيب ونهبه وسلبه والقذف به الى عهد العصور الوسطى بعد أن كان منارة للامة... صناع أمل قالوا للطغاة ولمن جوعهم وسلبهم حريتهم وكرامتهم عله يفلح في تركيعهم ، قالوا لكل العالم نحن هنا بزغت شمسنا من جديد ومن كان يظن أن الامة ماتت فهو واهم، ما كل سكوت هو علامة رضا...أمة تنهض من جديد بسواعد المخلصين والشجعان من أبنائها، أمة تقول لنا ولكل شعوب العالم نحن انتفضنا لأننا سلبنا أهم ضرورات الحياة ، ما جعلنا نفقد الحياة وقيمتها وطعمها ولونها، ما جعلنا خارج حركة التاريخ بعد أن كنا أساتذة الدنيا وسادتها . أمة تنهض لتقول للعالم لفرنسا ولامريكا ولحكامنا لسنا شحاذين ولا متسولين حتى " تتكرموا " علينا بإعاناتكم المشبوهة بل نحن نطالب بحقوقنا التي بين أيديكم وفي أرصدتكم وفي جيوبكم خيرات بلداننا تكفينا فقط خلوا بيننا وبينها. كفوا أيديكم عنا واتركونا في حالنا نحن قادرون على قيادة سفننا بسواعدنا، من بيننا ربان لهم من القدرات ما لا تتصورون، خلوا بيننا وبين الصناديق وسترون، سدّوا أفواهكم واحبسوا أقلامكم لسنا في حاجة الى دروسكم فمن بيننا من الرجال والنساء ما يغنينا عن منظريكم ومراكز بحوثكم ونصائحكم المشبوهة ، بل أنتم ذاتكم في حاجة إليهم، ليعطونكم الدروس في شتى المجالات... أستودعكم أمانة الرحمان مفيدة عبدولي