سقط الصنم ، غرق فرعون وهامان وأبا لهب ، وسقطت الأقنعة التي طالما أبكت الملايين تنحت وخرجت بلا رجعة بعد أن امتدت جذورها في الأرض ثلاثين عاماً ،ُسقت دماءاً وأكلت حراماً وضحكت كبراً ، وارتفع صوتها بأنها باقية في الحكم طالما عاشوا ، بل سيورثونها لأبناءهم وأحفادهم . إن مصر اليوم في فرح وسرور ولطالما حلم الصغير والكبير من هذا اليوم أن يتحقق وقد تحقق الحلم الذي أصبح حقيقة للعين والقلب والفؤاد . البداية كانت من فأر الفأر أو ( الماوس ) باللغة الكمبيوترية هو الذى أسقط الرئيس بمساعدة الذراع الأيمن ( الكيبورد ) الذي نفذ الخطة لصنع ثورة إليكترونية بعد أن فقد الشباب ذاتهم وتخلى عنهم النظام ،ولم يفكرفي لحظة أنهم الأمل وهم المستقبل، ولقد أحدثت التكنولوجيا التى تملكها الشباب للأنظمة المترهلة والفاسدة والمستبدة صداعاً في الرأس وألماً في المعدة والعقل من كثرة ما أرعبتهم وأحرجتهم وكشفت ما أفسدوه ، وأخرجتهم من الثوب الأبيض الذي كانوا يرتدونه أمام الغرب وألبستهم زيهم الأصلى الأسود . فكشفت عورتهم وأضحت هي المنتصر الأول في ثورة 25 يناير الماضية ، وما أحدثته التكنولوجيا في الأنظمة الفاسدة خير دليل على أن الشباب هم عماد الأمة والمستقبل وأنهم صانعوا المعجزات وهم الذين سوف يحملون أوطانهم إلى بر الآمان طالما أن هناك عقل وحرية ( فأر وكيبورد ) ! الخلطة السحرية لصناعة الثورة مما سبق يجب أن نشير أن الثورات لم تكن لتقام إلا لأنها استنفذت آخر ورقات الصبر وأقلام الانتظار وأوراق الأمل فى التغيير، لذا تجد الثورات الماضية في العالم قامت جميعها وكان هدفها الأصيل هو الحرية والتكافل الاجتماعي ، فبغير كلتا العنصرين لم تقم أي ثورة ولا تجد ثورة من قبل تنادي أنها بحاجة إلى رخاء أكثر أو بحاجة إلى أجازات إضافية ، بل قامت للهدفين الأساسيين في جميع دول العالم التي قامت بهما الثورات ، وكانت تتكون تلك من خليط عجيب ممزوج بعناصر مختلفة ومترابطة مثل ( الشباب + الحماس + الأمل + الإرادة ) يضاف إليهم في هذا العصر عنصر التكنولوجيا ، فمنذ متى نسمع أن ( الفيس بوك والتويتر ) يسقط الأنظمة الديكتاتورية ، ومنذ متى نسمي أن الإنترنت يجعل رئيس وزراء إيطاليا برلسكوني يعتذر للإيطاليين عن الخيانة مع فتاة صغيرة ، ومنذ متى نسمع أن زوجة بن علي سرقت 1.5 طن ذهب وهي هاربة إلى السعودية ، هذا العنصر الذي استهان به الزعماء المتسلطون وضحكوا من سماع أسماءها ( فيس بوك وتويتر ) وقالوا اتركوهم يلعبوا ، اتركوهم يتسلوا ، حتى حلت الكارثة على رؤوسهم وأصبحوا الآن يلعبون ( بذراع البلايستيشن ) بعد أن خلعهم ( الفيس بوك والتويتر ) من على كراسي الحكم . مصر الجديدة جاءت الثورة وخرج الرئيس وترك الكرسي ، انتصر الشباب لأنهم المستقبل وغّيروا وجه المصري في العالم ، ليس الخامل ولا السارق ولا المتحجج ، بل الصانع القادر على بذل الدماء الزكية والنفيس حتى يحقق لبلده ما تحلم به ، الآن غيرنا النظام المستبد الفاسد ، أزلنا السارقين وسيحاكموا ، عثرنا على اللصوص وقدمناهم للمحاكمة ، فضحنا الظالم والقاتل وسوف يجازي ، لكن هل هناك شئ آخر يجب أن نفعله ! نعم هناك الكثير ، لقد حققنا السهل وهو الإطاحة بفرعون وملكوته ، وبقى أن نغير الأخلاق وطبيعتنا ، لقد أطاحنا بالنظام ، ويتبقى أن نراجع أنفسنا أننا يجب أن نعود للأصل في الموضوع والثورة والتي من أجلها مات المئات واستشهدوا من أجلها ، ، فهلا نعد إلى التربة الخصبة وإلى أصل الحكاية ، لقد أخذ بيت الشعر الذي يقول ( إنما الأمم الأخلاق مابقيت ، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ) إذاً فلا بد علينا إذا أردنا أن تستمر ثورتنا وتكتمل أن نبدأ بالأخلاق فنطهرها كما طهرنا النظام الفاسد ، وأن نحاسبها إذا أخطئت ،وأن نقف معها وقفة مثل التي حدثت في ميدان التحرير بصوت واحد بأن( الشعب يريد إصلاح النفوس ) فإذا تمكنا من صنع هذا ، فسوف تختفي الإتاوات والبلطجة ، وسوف تختفي الرشاوى والمحسوبية وسوف تختفي الإكراميات والتسهيل ، ولن يستطيع فرد أياً كان موقعه في الدولة أن يرتشي أو يسرق أو يغتصب مالا له ، لأنها سوف تكون لها حساب عسير على المخالفين ، انظروا إلى أوروبا، تقف السيارة عند الإشارة الألكترونية تنتظر أن تفتح ، برغم أنه لا يوجد شرطي يسألها ويحاسبها أو يعطيها مخالفة ، لكن هناك ضمير داخلي يقول له انتظر ، احترم القانون ، الأخلاق أولاً! هذا الذي نريده بالضبط أن يكون خُلقك هو رقيبك في المجتمع وبين الناس ، وفي العمل وفي البيت وبين أبناءك ، فإذا طبقت هذا فسوف تصل إلى مرتبة دولة مثل اليابان في العلم ، وماليزيا في العمل ، والصين في التطوروالتقدم ، وأوروبا في السلوكيات . وماذا بعد ؟ لا يعنيني من سيحكم مصرطالما أننا اتفقنا على تلك المبادئ التي ذكرتها ، لكننا نريد من يحكم أن يكون الأخ الأكبر الذي إذا أخطأ ذكرناه فيسمع ويصلح، وإذا أخطأ قومناه ، سنصبح حتماً بين مصاف العالم الأول المتحضر في كل شئ ، ولا ينقصنا مقوم لأنه تتوفر لدينا المقومات جميعها ( اليد العاملة – الثروات – الكفاءات – الأخلاق ) بهذا نضمن مستقبل مشرق لأولادنا على مر العصور بأنهم سوف يعيشون عيشة السعداء. تحية واجبة إلى كل من ضحى بروحه الذكية ونفسه الغنية ، وأعطى أنفس ما يملك ووهبها للثورة نرفع لهم القبعة ونقول لهم لقد بذلتم أغلى الغوالي وأسترخصتم الدنيا وصنعتم الحلم الذي طالما حلمنا به .. تحية إلى كل الشهداء البواسل في ثورة 25 يناير فالشهيد لا يموت ولا تنساه الأمم .