إن الحدث الليبي لهو من الخطورة بمكان , بحيث يتجاوز كل الشعارات الاستنضالية الورقية والاصطخابات الكلامية في الصحف والقنوات والمواقع ... , في حين يواجه الليبيون وحدهم عالما ً مستهترا ً لا مباليا ً يشاهد مدنا ً ليبية تقصف , وعالم يتفرج على أناس عزل يبادون إبادة الهنود الحمر أو ( الحشرات الضارة ) , ونساء وأطفال وشيوخ تذبحهم مرتزقة غلاظ شداد من إفريقيا وأوكرانيا وصربيا , حسب التقارير الواردة فقد يبلغ عددهم حوالي 500 ألف ونيف أو يزيدون , لا يملك هؤلاء المرتزقة – بموجب التعاقد – إلا أن يقتلوا ويخربوا ويغتصبوا !!! .الظاهرة الليبية وارتباطها ب ( القذافية ) كمذهب وانتماء , فقد هزت الغرب وزعزعته أكثر من مثيلاتها في تونس ومصر , أو البحرين واليمن , لكون القذافي قد طمئن الغرب – في السنوات الأخيرة بخلوده وديمومة نظامه ( كملك الملوك ) والمتصرف في مهبات الرياح في العالم العربي والإفريقي , وإله السراء والضراء في ليبيا !!! لذا فإن الغربيين سرعان ما انعكفوا على التحليل والبحث والتقصي ليل نهار , مما يفسر الصمت الغربي في أوائل أيام اندلاع شرارة الثورة , والتريث حتى في الشجب , حيث بادروا إلى عمل مسح ميداني جديد على امتداد الرقعة العربية لأبعاد الثورات القائمة والمقبلة للوصول إلى كيفية الالتفاف عليها , قبل أن تتحول المنطقة إلى مشاهد نيازكية بركانية يستحيل إخماد نيرانها 0 أما عن أسباب وتلكأ الأمريكيين , وصمت رئيسهم باراك أوباما , فلم تكن سوى مؤشر لطبخ مسوغات ( إنسانوية ) للتدخل العسكري في ليبيا عن طريق الحلف الأطلسي بممارسات الضغوط الخفية على هيئة الأممالمتحدة والمجموعة الأوربية التي يعطينا رؤسائها أمثال ( ساركوزي – ميركل ) علاماتها الخفية , في حين نبه الزعيم الكوبي / فيديل كاسترو / فور الخطابين الصادرين عن كل من القذافي ونجله , يحذر من التخطيط الجهنمي للتدخل الأمريكي السافر والمحتمل جدا ً لاحتلال ليبيا بالتنسيق مع القذافي نفسه !!! والسيناريو المخطط له هو – وضع الأيادي الأمريكية على مناطق البترول , بسبب الرعب المهول الذي أصاب بورصات المال وتدهور العملات في وول ستريت , وبسبب هزات كيانات لوبيات شركات البترول الضاغطة على القرار الأمريكي ومظاهر الارتعاب الأمريكي , والأوروبي والإسرائيلي من شح مصادر الطاقة التي ستغرق الغرب في ظلامية ( القرون الوسطى ) مم يدل على هشاشة هذه الحضارة الادعائية القادرة على كل شيء , ويبدو أن قدرها الآن بين كفي عفريت , إذا حدثت تغييرات في المنطقة لغير صالحها - وهذا هو الرعب الحقيقي الغربي وليس سلامة ( الدمى ) أو صيانة الشعوب أو نشر الديمقراطية . والتعتيم الإعلامي الغربي الكلي على ما يجري في ليبيا , اللهم سوى بعض المقتطفات للقطات " للفرجة " مأخوذة من قنوات مثل ( الجزيرة ) , بحيث اختفت , ويا للغرابة - كل وسائل الإعلام الكبرى التي نقلت أحداث العالم الكبرى منذ عقود , في ظروف أكثر صعوبة وتعقيد مثل الحروب في فيتنام وأفغانستان والعراق والبوسنة والشيشان ورواندا والصومال وليبيريا , والكونغو وغيرها ولم تتمكن من تغطية حدث لا يبعد سوى مسافة طيران عصفور عن عواصم أوروبا – مما جعل بعض المراقبين يؤكدون على التخطيط الوثيق بين القذافيين مع المخابرات الأمريكية – كما حدث ما بين مبارك وأوباما وجنرالاته المتربعين على العرش المصري الآن !!! وما يؤكد هذا التخوف هو – خطابات القذافي ونجله التي كانت تستهدف تضخيم عنصر الفوضى المطلقة والمرعبة بليبيا بسلوكها البربري – الموجهة للمتفرج الغربي لبث الرعب فيه للتعجيل بتهيئ الرأي العام الغربي بالتدخل الدولي , وإحلال الأمان بالمنطقة , وضمان تحصين مصادر الطاقة لكي لا تسقط في أيادي ( الأمارات الإسلامية , والقاعدة , وفلول الجهاديين ) , والتي كانت إشارة صريحة إلى المجتمع الدولي , بضرورة تدخل الناتو - كما أكد على ذلك كاسترو في تصريحاته – لحماية مصالح أمريكا والغرب وإسرائيل الاقتصادية والأمنية قبل فوات الأوان إن الامبراطورية ( أمريكا ذات الإيمان الواحد ) , يمكن أن تمارس حقها في سياسة القوة ما دامت أيديولوجيتها مستقرة , لأن ما يخدم الدولة يخدم عقيدتها , ويمكن في أي حال قهر المنشقين أما ديمقراطية متعددة العقائد الدينية والعلمانيات فيه بالمقارنة المستمرة دائما ً في حرب مع نفسها حول مسائل الخير والشر , والصواب والخطأ والحكمة والحماقة وفي السياسة المحلية ( الداخلية ) فإن ساحة المعركة القانون , أما في السياسة الخارجية فهي التقاليد المقدسة – النص المقدس باعتبار أن أمريكا هي( أرض الميعاد ) والدولة القائدة التي عليها أن تقود دبلوماسيتها وسياسياتها . والأمريكيون ينفون – بعد تلكؤ ومماطلة احتمال تدخل الأطلسي العسكري على ليبيا , ولم تكن سوى خدعة تكتيكية , لإبعاد الأنظار عن هذه الفرضية التي تدرس الآن جديا ً في دهاليز وكواليس ( تل أبيب – بروكسل – واشنطن ) , لربح الوقت قبل البت في الانقضاض , وكاسترو من كوبا يحذر العرب من الوقوع في أكبر الأفخاخ للالتفاف على الثورات التي بدأت تهدد أمن عالم الشمال , بالتخطيط لوضع مؤامرة سايسكوبية جديدة , بغية تغيير الخرائط وتفكيك المناطق حيث أن الغرب بدأ يتصرف تصرف الثور الهائج المذبوح , تخوفا ً على مصيره ومصالحه واستمرار يته . يجب علينا العرب أن لا نعطي الفرصة لهذا المجتمع الدولي , المعتل المأفون الذي يتفرج .. عوامه ما بين حاقدين ومتحسرين ومتحيرين ومتشفين , وخواصه عابثون , يخططون وينتظرون فرصة انقضاض بلدانهم على ثروات البترول التي تهدد سقوط حضارة ( إنسانية ) لا تملك من المقومات الأخلاقية والروحية أي سند يسند أسسها أو يقيم أعمدتها , سوى مسوغات أطروحات " المكننة , والتقننة " , وألوهية المال وربوبية الاقتصاد وكهنوت معابد الأبناك , وقرمزيات مذاهب اللذات الأبيقورية اللامحدودة , التي روجتها مرجعيات الغرب منذ الزمن السرمدي لما قبل وبعد سقراط وامتدادها اليوم لهذا الطلسم العبراني الكولونيالي المطبوع على الدولار In god we trust ( في الإله تأتمن ) . الكاتب الصحفي: محمدعياش