لم تسلم حركة النهضة من توجيه أصابع الاتهام إليها بالعنف والدموية وخاصة في عهد النظام البائد الذي أدار وشغل اسطوانة الأعلام المأجور بكل طاقته لتثبيت تهمة الإرهاب لهذه الحركة. وقد دار في فلك هذا النظام كل من كانت له به مصلحة, من بعض أقلام اليسار أو من دول أجنبية مشبوهة. ولعل في كل ما كتب عن هذا الإرهاب المزعوم لم يرقى إلى الدليل, بل كان مجرد اتهامات وتخمينات وحكم على النوايا, وكأن قراءتهم للغيب لا تسقط بفعل قوتهم واحتلالهم لكل منابر الأعلام. ومما لا شك فيه, فان الحكم على أي فصيل أو حركة يتطلب دراسة قوانينه الحركية والأساسية, ومواقفه من خلال الأحداث الداخلية والعالمية, وأفعاله في مسرح الأحداث, ومن ثمة إصدار الحكم الملائم دون الدخول في مهاترات التخمين والتكذيب. وحركة النهضة, من بين الحركات العالمية التي كانت مواقفها في غاية الوضوح منذ تأسيسها في ما يخص العنف. جاء في البيان التأسيسي لحركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) الذي صدر في 6 جوان 1981 تأكيدها على " رفض العنف كأداة للتغيير، وتركيز الصراع على أسس شورية تكون هي أسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة". كما جاء في مؤتمرها السابع الذي أقيم في لندن في 3 افريل 2001 بان الحركة ملتزمة " وبأولوية المصالحة السياسية الشاملة على قاعدة إصلاح فكري شامل يغلق أبواب العنف السياسي ويسدّ الطريق على أسبابه ومسبّباته مهما كانت" وجاء فيه أيضا بان الحركة " مدعوة إلى الالتزام بتطوير ثقافة التعايش السلمي والعمل السياسي السلمي كجزء من إستراتيجية الإصلاح والنهضة الحضارية الشاملة وهي إستراتيجية ينبغي أن تضع على رأس اهتماماتها وأهدافها مناعة الوطن وصيانة أمن المجتمع وحفظ الكيان الاجتماعي من دواعي التمزق والفرقة وصيانته من الانغلاق والانكماش وكذا سلامة التصالح الاجتماعي من دواعي التطرف ومن منطق الانحياز الكلية التي تشذ عن سبل التوسّط والتسامح وتغلق باب الحوار وتستبدله بمنطق الغلوّ والإكراه". هذا في ما يخص القوانين التي تلتزم بها النهضة في رؤيتها للتعايش السلمي. وبخصوص مواقف النهضة من الأحداث الداخلية والعالمية للعنف, فان قيادة النهضة لم تدخر مناسبة للتعبير عن رفضها وإدانتها له. ففي سنة 1981, بعد الأحداث التي شهدتها بعض المعاهد الثانوي والكليات, فقد أصدرت النهضة بيانا جاء فيه " الاتجاه الإسلامي لم يتردد في إدانة أعمال العنف، سواء تلك التي حصلت في المدارس أو في الكليات أو في المؤسسات، وإذ ندين أعمال العنف والتخريب من موقع مبدئي وسيلة في معركة تحديد مصير تونس" ودعت في نفس البيان إلى "الصمود ضد الاستدراج إلى العنف" الذي يقوم به النظام آنذاك. وقد أدانت حركت النهضة العنف الذي شهدته الجزائر, بل أكثر من ذلك فقد قامت بوساطات للمساهمة في إعلان الهدنة بين الجيش الجزائري و الجيش الإسلامي للإنقاذ, ويم إعلان المصالحة الوطنية لإنهاء شلال الدم, قد قرأ التلفزيون الجزائري رسالة راشد الغنوشي, مؤكدة على انه ساهم بشكل كبير في إرساء السلم الوطني بالجزائر وإنهاء رحى العنف. كما أدان زعيم حركة النهضة في بيان له غداة أحداث 11 سبتمبر الاعتداء على برجي التجارة العالمية مستنكرا هذه الأعمال التي استهدفت مدنيين " لا صلة لهم بالسياسة أصلا". وقد نددت النهضة أيضا بالاعتداء على معابد اليهود بجربة, وعلى التفجيرات التي حصلت في باريس المرتبطة بإحداث الجزائر, وبقتل السياح والأجانب في مصر وغيرها من البلدان. ولم تمر حادثة واحدة دون أن تستنكرها النهضة انطلاقا من مبادئها وإيمانها بالعمل السلمي. وأما في ما يخص أفعال حركة النهضة على أرض الواقع, فقد ألصقت العديد من التهم بها دون أن يقع تقديم دليل لها. ومن بين هذه التهم, الاعتداء على بعض النزل في مناطق ساحلية في أواسط الثمانينات, فقد قال القضاء البريطاني قراره في هذه الحادثة, وقد جاء في صحيفة "الشرق الأوسط في 29/01/1989 بأن " السيد الغنوشي ليس إرهابيا ولم يرتكب أي عمل إرهابي، بل على العكس من ذلك فقد شجب باستمرار مثل هذه الإعمال" . وقد غرمت هيئة المحلفين بالمحكمة العليا البريطانية صحيفة عربية كانت قد اتهمت النهضة بعلاقتها بالقاعدة, بمبلغ مالي, ولا يعتقد أحدا بان القضاء البريطاني يتواطأ مع النهضة لتبرئتها. والتهمة الأخرى, هي أحداث باب سويقة و "ماء الفرق", فقد قال الغنوشي في تصريح له لصحيفة الصريح التونسية يوم 02 فيفري 2011, أن النهضة اعتمدت ك«فزاعة» يخيفون بها الناس ليحققوا مآربهم الشخصية وأن بن علي اعتمد على الرعب كمصدر للشرعية وعمل على ابتزاز الشعب والمجتمعات الدولية عبر إخافتهم من «الاخوانجية». كما قال الغنوشي في ندوة صحفية أجريت يوم 7 فيفري 2011 بتونس في خصوص هذه الأحداث " تلك أحداث أريد بها تجريم الحركة والقضاء عليها وهناك لجنة من كبار الحقوقيين يترأسهم المرحوم العميد محمّد شقرون أكّدت وجود ثغرات عديدة في ملف تلك الأحداث ....وسيأتي اليوم الذي ستنكشفُ فيه كامل الحقيقة" كما لا يخفى على أحد, بأنه زمن الهجوم الشرس على قواعد النهضة, بعد انحلال قيادتها بالزج بهم في السجون أو التهجير من البلد, قد حاول البعض من قواعد النهضة الدفاع عن أنفسهم بما أمكن لهم من جراء المطاردات ومحاولات القتل التي يتعرضون لها, وهو ما اعتبر أخطاء في تقييمات النهضة. كل المؤشرات تدلل بان حركة النهضة حركة مدنية سلمية تدعوا للتوافق الوطني ضمن الأطر القانونية المعمول بها, بالرغم من الكم الهائل من الاتهامات التي وجهت لها والتي بقت بدون دليل, وليس صعبا على شباب الثورة الذين صنعوا عالما جديدا لتونس بان يكتشفوا بأن الباطل لم يكن سوى باطلا. الدكتور محجوب احمد قاهري .