ان نجاح الثورة في تحرير البلاد لا ينبغي أن ينسيني أنه يجوزفي الثورات ما لا يجوز في غيرها من ذلك ما يتعلق بما اصطلح عليه بديمقراطية الشارع او كما يسميه البعض أيضا بديكتاتورية الشارع، والامر في نظري يحتاج الى أن نقف عنده بكل مسؤولية. فما مدى مشروعية النزول الى الشارع من أجل انتزاع الحقوق؟ و متى يمكن لهذه الديمقراطية أن تتحول الى ديكتاتورية؟ ان الاجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف أنظمة الحكم و تختلف أيضا باختلاف الغاية من النزول الى الشارع اما النزول الى الشارع من أجل التعبير عن الرأي فهذا أمر لا خلاف فيه و يجب أن يكفله الدستور للجميع . و لكنني في هذا المقال اعالج ظاهرة النزول الى الشارع من اجل الحكم كتغيير النظام و سن القوانين والاعتراض على التعيينات الحكومية في المناصب السيادية و غيرها ؛ففي ظل الحكم الاستبدادي الذي تنعدم فيه المؤسسات التي تمثل الشعب و تدافع عن حقوقه من برلمانات و هيئات حقوقية و قضاء مستقل مثل ما (كان) سائدا في تونس او في كل الدول العربية لا يملك الشعب الا ان ينزل الى الشارع لانتزاع حقه بيده و هذا ما حدث في تونس منذ 17ديسمبر2010 والى حدود منتصف جانفي(يناير) 2011خلال هذه الفترة تجسمت البطولة الحقيقية؛ بطولة أولئك الذين واجهوا الرصاص الحي؛ بطولة الشهداء و الجرحى و المعتقلين. أما بعد سقوط النظام فقد أطلت علينا فئة أرادت أن تغنم من الثورة و لا يسعني الا أن أقول فيهم قول الشاعر: " و في الهيجاء ما شرفت نفسي ....و لكنني في الغنيمة كالغزال." هؤلاء مثلوا ديكتاتورية الشارع احسن تمثيل.أما الفئة الثالثة التي مارست النزول الى الشارع من أجل التغيير فهي فئة المعتصمين و المتظاهرين بعد سقوط النظام من أجل اتمام الثورة و هؤلاء كان تظاهرهم مشروعا لسببين اثنين: السبب الأول يتمثل في غياب حكومة منتخبة تمثل الشعب و تعبر عن طموحاته والسبب الثاني يكمن في طبيعة المطالب الوطنية غير الحزبية ولا المهنية ولاالشخصية التي رفعها المعتصمون و المتظاهرون .و ما استجابة الحكومة لمطالبهم الا دليل على مشروعيتها. و مادام الامر كذلك فهل نواصل اللجوء الى الشارع وسيلة للحكم بعد قيام دولة ديمقراطية ؟ الجواب: قطعا لا .لأن ديمقراطية الشارع تنتهي عندما تبدأ ديمقراطية مجلس النواب. دون أن يعني ذلك طبعا حرمان الناس حقهم في التظاهر كأداة للتعبير عن الرأي. ذلك أن من مخاطر ديمقراطية الشارع أو ديكتاتوريته أننزول فئة قليلة الى الشارع لترغم الاغلبية الصامتة عن الخضوع لارادتها و هذا يتنافى مع الديمقراطية بما هي حكم الاغلبية لا الاقلية مع ضمان حق الاقليات السياسية في المشاركة من خلال المؤسسات القانونية.اما اذا خرجت الاغلبية عن صمتها و نزلت الى الشارع ايضا للدفاع عن حقوقها الدستورية فقد يكون العنف آنذاك بديلا عن الحوار و هذا ما شاهدناه في اليمن منذ أيام. وفي ما يتعلق بالشان التونسي و ربما المصري ايضا و نحن مقبلون على انتخابات ديمقراطية قد تعري حقيقة بعض الاحزاب التي لا تعرف حقيقة حجمها و يمكن ان يدفعها وقع الصدمة الذي سيكون عنيفا لا محالة الى اللجوء الى ديكتاتورية الشارع للانتقام من صناديق الاقتراع التي عودتها بالسخاء ايام التزوير و هذا سيمثل تهديدا كبيرا للديمقراطية و للسلم الاهلي و المعلوم أنه ليس من العسير جمع الآلاف للنزول الى الشارع في بلد عدد سكانه بالملايين.أما في المجال السياسي فستسبب ديكتاتورية الشارع عائقا كبيرا امام قيام أي حكومة بمهامها مهما كانت شعبيتها. و في الختام أرجو ان يتم سن قوانين تنظم المظاهرات بعد قيام دولة ديمقراطية و تحقيق استقلال القضاء ليكون التظاهر اداة للتعبير و ليس اداة للحكم. و يلجأ اصحاب الحقوق الى البرلمان و الى القضاء الاستاذ: مراد الفضلاوي