"المحجبة مكانها المنزل لا العمل الإعلامي أمام الكاميرات".. لم تكن تلك العبارة قانونا مكتوبا داخل قطاع الإذاعة والتليفزيون المصري، لكنها كانت عرفا سائدا مطبقا تم بموجبه استبعاد ما يزيد على 37 مذيعة من الظهور على الشاشات، ووصل الأمر إلى حد مجاهرة رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق أسامة الشيخ بهذا التصريح في عدة مرات. غير أن هذا القانون غير المعلن باستبعاد المحجبات من الظهور على شاشات التليفزيون المصري قد أعلن سقوطه نهائيا كأحد توابع انهيار أركان نظام مبارك السابق ورحيل حماة هذا القانون وسدنته؛ إذ وافق الدكتور سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المعين من قبل الجيش، على عودة المُذيعات المُحجبات إلى الظهور مرة أخرى على شاشة التليفزيون، وذلك بعد اجتماع مع اللواء أركان حرب طارق مهدي، المُشرف على اتحاد الإذاعة والتليفزيون ضم مُذيعي القنوات الأولى والثانية والفضائية المصرية لمُناقشة مطالب المُذيعين بتحقيق العدالة بين الجميع. وعقب موافقة سامي الشريف أكد عادل معاطي -رئيس قطاع القنوات الإقليمية التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون بمصر- في تصريحات صحفية أنه أصدر تعليمات لرؤساء القنوات الإقليمية بالسماح للمذيعات المحجبات بالظهور على الشاشة، وتقديم البرامج دون حساسية، مضيفا أن هذا القرار يستفيد منه 37 مذيعة في القنوات الإقليمية. أحكام قضائية بلا تنفيذ وقد قوبلت هذه القرارات بارتياح وترحيب من المذيعات اللواتي تم استبعادهن في ظل النظام البائد، وأشرن إلى أنهن خضن معارك قضائية في سبيل ذلك، ورغم أن بعضهن قد حصل على أحكام قضائية بالعودة فإن هذه الأحكام ظلت حبيسة الأدراج دون تنفيذ. المذيعة لمياء حسين المذيعة بالقناة الخامسة أحد هذه النماذج، حيث منعت من العمل عقب ارتدائها الحجاب، مشيرة إلى أنها لم تظهر على الشاشة منذ 9 سنوات، وكان المسموح لها فقط إجراء التعليقات الصوتية على البرامج، على الرغم من حصولها على حكم واجب النفاذ من المحكمة في 2010 إلا أنه ظل معطلا لمدة عام كامل. ومن القناة الخامسة أيضا، تبرز قصة كفاح للمذيعة غادة الطويل ارتدت الحجاب في عام 2002 ليتم منعها، وهو ما دفعها إلى رفع دعوى قضائية عام 2003 ليصدر الحكم القضائي في 2005، ولا يتم تنفيذه إلا في نهايات 2010، بعدما تناولت مشكلتها وكالات أنباء العالمية، وهددت باللجوء لمنظمات حقوق الإنسان الدولية. أعمال إدارية للمذيعة! ومن القناة الخامسة إلى القناة الأولى حيث أكدت المذيعة نشوى عبد السلام (مدير إدارة تثقيف الطفل في القناة الأولى) أنها قامت بالأعمال الإدارية فقط بالمحطة بعد ارتدائها الحجاب، بالإضافة من قيامها بالتعليق الصوتي على بعض البرامج، إلا أنها لم تظهر على الشاشة منذ 5 سنوات تقريبا، وقالت ل"بوابة الأهرام": "كانوا دايما يقولون لنا إنكن لم تأتين محجبات، وأن هذا هو اختياركن، وأن هذا الشكل الجديد الذي اتخذتهن يختلف مع مصوغات العمل في التليفزيون". وفي لقاء جمعها مع رئيسة التليفزيون نادية حليم، قالت حليم لها: إنه سيتم عمل اختبارات للمذيعات البعيدات عن الشاشة منذ سنوات طويلة قريبا لمعرفة هل هناك تغيير في الأداء أو الشكل أم لا؟. وأضافت نشوى أن الكثيرات من هؤلاء المذيعات اعتبرن أن هذا القرار لن يكتمل، باعتباره تسكينا لهن في ظل الثورة، إلا أن اللواء طارق مهدي القائم بتسيير أعمال اتحاد الإذاعة والتليفزيون هو من بدأ في تفعيل هذا القرار، و لم ير غضاضة من ظهورهن على الشاشة. أشادت أيضا المذيعة نيفين الجندي المذيعة بالقناة الثانية بموقف اللواء طارق مهدي، حيث قالت إنه قابل المذيعات بروح طيبة وسعة صدر كبيرة، وأبدى موافقته على ظهورهن -أي المحجبات- في البرامج الأسرية، وبرامج المرأة وكذلك الدينية، في حين فضلت المذيعة نشوى عبد السلام أن يشمل القرار الظهور أيضا في برامج الأطفال، وأكدت الجندي أنه يجري الآن إعداد (الجدول) المخصص بهذا الشأن. وأضافت: "منذ 12 سنة لم أظهر على الشاشة، وقد تخللت هذه المدة 9 سنوات قضيتها في قناة اقرأ الفضائية، بعدما لفظنا التليفزيون -على حد قولها- وأبدى رفضه لنا"، وأكدت أن هذا القرار منحهن الشعور بالانتماء والعودة لبيتهن الأصلي مرة أخرى. واتفقت المذيعات أن ثورة 25 يناير لها دور إيجابي في تحريك قضيتهم بعدما باتت راكدة، وبعدما حرمن من الظهور على الشاشة بالحجاب لسنوات طوال؛ لترسخ الثورة بذلك مبدأ الحرية والديمقراطية. "قيادات عليا ترفض الحجاب"! وأضافت المذيعة مها مدحت مدير إدارة البرامج الدينية أن هذا القرار أيضا، يعد تأكيدا على سقوط النظام السابق، وشددت على أن الحجاب ليس حجاب العقل، وأن (الاحتشام) هو مفهوم أعم وأشمل وهو موجود في كل الشرائع السماوية، حيث قالت: إن الاحتشام يحسن علاقة الفرد بربه دون المساس بحرية الآخرين، ورددت ما كان يقال لهن من أسباب لمنعهن من الظهور قائلة: (قيادات عليا ترغب في عدم ظهوركن بالحجاب). واستكملت، أنه كان لها صولات وجولات مع التليفزيون المصري ، فضلا عن لجوئها للقضاء وقيامها باعتصامات في مبنى الحزب الوطني. وعلى الرغم من حصولها على حكم قضائي واجب النفاذ إلا أنها ظلت مقيدة في الظهور على الشاشة، حيث سمح لها –كحالة استثنائية- في عمل تقديمه فقط للبرنامج الديني الذي تقدمه_ومن زاوية بعيدة جدا- ثم مؤخرا استطاعت أن تقدم خاتمة أيضا، وتجدر الإشارة أن أوقات عرض البرامج التي قدمتها، كانت في وقت الفجر. وشددت مها على ضرورة أن يقوم الإعلاميون بصياغة إعلامهم، وهو أيضا ما دعا إليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قائلة: "ليس لأحد الحق في صياغة إعلامنا؛ لكي يكون إعلامنا إعلاما مسئولا". كما دعت إلى دخول الرقابة الإدارية في آليات العمل التليفزيوني من بدايته، بحيث لا يقتصر دوره فقط على حصر المخالفات وأطلت المذيعة المحجبة للمرة الأولى في التلفزيون المصري في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، حينما قررت المذيعة كريمان حمزة ارتداء الحجاب وسمح لها فيما بعد بإعداد برنامج ديني لا يتجاوز بضع دقائق. بعدها ساد عرف غير مكتوب أو معلن داخل أروقة التلفزيون فحواه أن من ترغب في ارتداء الحجاب عليها أن تبتعد عن البرامج الجماهيرية والاكتفاء بالبرامج الدينية، لكن حينما طالبن بحقهن في تقديم مختلف البرامج رفض طلبهن فأصبحن أمام خيارين: إما التقدم بالاستقالة كما فعلت المذيعة كاميليا العربي، أو اللجوء إلى القضاء كما فعلت كل من رانيا رضوان وغادة الطويل ومها مدحت وهالة المالكي وأخريات.