جديد سلسلة "ما لا يقال" على بي بي سي عربي بعد نجاح السلسلة الاولى من "ما لا يقال" التي رصدت فيها بي بي سي كل المسكوت عنه في العالم العربي وأثارت جدلا واسعا في الصحافة والقنوات التلفزيونية والاذاعية وتمت ترجمتها الى اللغة الانكليزية وترشيحها الى جوائز دولية، تعود بي بي سي لستكتمل سلسلتها الثانية في حلقة جديدة من تونس يعاد فيها احياء حقبة القمع بالضرب والسجن والتعذيب على لسان الضحايا والجلادين.
"كانت معاملة سيئة جداً. كانوا يتعرضون للضرب، ويوضعون في عزلة، يتعرضون للتجويع ويكبلون. السجانون كانوا ينهالون عليهم ضربا بالعصي والهراوات". ليس هذا مشهد من سيناريو هوليوودي، وإنما شهادة شاهد من أهلها: جلاد من عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، خلال وصفه كيفية التعامل مع معارضي النظام. لكن هناك في المقابل "احساس غير عادي بتأنيب الضمير. تجد نفسك في وضع حيث يرتبط مستقبلك، خبز اولادك، بما تفعله. واذا لم تتخذ في حق المعارض اجراء صارماً، تصبح أنت في خطر. يتم صرفك ويأتي غيرك لكي يؤدي المهمة". وليست عمليات الضرب والتجويع والتعذيب وحدها ما كان يتعرض له المعارضون. فقد كان المنتسبون الى حزب التجمع الحاكم "يعتبرون أنفسهم محصنين. يتصرفون كما لو أنهم أصحاب القرار". وحتى وإن فتحت تحقيقات في ممارساتهم، "كانت الملفات تغلق لمصلحة اتباع النظام". سجناء وسجانون، مناضلون ومرتشون، ضحايا وجلادون من حقبة بن علي، التقتهم "بي بي سي" فتحدثوا بلا قيود عن تجارب تتجاوز العقل، مسرحها القيروان، مدينة الفتوحات الاسلامية الشهيرة. فإذا كان بن علي رحل، إلا انه ترك خلفه اسئلة كثيرة بلا اجابات، إلى أن تحدث أبناء القيروان، عن بعض ما عاشوه في مرحلة ما قبل التحرر من النظام السابق وما بعدها. مكابس لكسر الأصابع جلادون لا يوفرون وسيلة للتعذيب، من كبس الاصابع بمكبس حديدي الى الايهام بالقتل. وهناك أيضاً قصة أم خسرت ابنها قبيل فرار بن علي بيوم واحد، وشقيقة تحمل نفسها مسؤولية وفاة شقيقها الذي أردته رصاصة لدى عبوره قرب تظاهرة بحثاً عن شقيقته. من الضحايا ايضا عامل بسيط شارك في مظاهرة مناهضة للحرب على العراق عام 1991 ، فوجد نفسه في السجن وطرد من عمله منذئذ... تفككت أسرته وتركته زوجته في انتظار أن يتحسن حاله. خرج من سجن بن علي بفقرتين مكسورتين في الظهر، وبنفسية مدمرة وبلا اسرة. نظام لاحق الاساتذة الجامعيين، نظراً إلى ان الادراك السياسي يصنع معارضين لا مكان لهم في تونس بن علي، وفقاً لإحدى الشهادات. وصنع النظام السابق - بحسب الافادات- ميليشيات وضعت في خدمة الحزب الحاكم، كان ينشرها خلال الاضطرابات، محملة بعصي وهراوات لضرب المشاركين في الاحتجاجات. "عمل وطني" وتؤكد هذه الرواية، شهادة متعامل سابق مع النظام، يحكي فيها كيف شارك في عمليات الضرب خلال اضراب نظمه الاتحاد التونسي للشغل. ولا يبدو هذا المرتزق آسفاً على ما فعل، قائلاً: "بكل صراحة كنا نفض مشاكل وندافع عن حزب عريق. عن وطن. فهمنا كان ان لا تتضرر المؤسسات". ويلفت احد الشهود ل"بي بي سي" الى ان التجاوزات لم تقع في السنوات الاخيرة فقط، "فهي كانت قائمة منذ زمن بعيد، لكنها زادت في السنوات ال15 الأخيرة". ولم تخلُ الافادات من سرد لعميات تلفيق التهم "وهي تجاوزت الناشطين السياسيين لتطال حتى المواطنين العاديين. حيث كانت تهم الاتجار بالمخدرات او الاسلحة، أو غيرها تلفق إليهم" بحسب إفادة احدهم، فيما دافع عضو سابق في الحزب الحاكم عما كان يصدر من أوامر، مؤكداً أن أي قرار لم يكن ليتخذ إلا بأمر من أعلى. كل هذه الرويات وغيرها تشاهدونها على شاشة "بي بي سي" ضمن سلسلة وثائقيات "ما لا يقال". الشريط من إعداد الصحفي عبدالرحيم الفارسي، أشرف على تصويره وإدارته Marc Perkins وتولت إدارة التحرير فيه نجلاء العمري. يبث مساء الجمعة 18 مارس- آذار بعد موجز أنباء الثامنة مساء بتوقيت غرينتش وسيليه نقاش يستمر حتى العاشرة مساء بمشاركة عدد من الضيوف في استديوهات لندن.