الحركة مصطلح يندرج ضمن مصطلحات اجتماعيةسياسية مثل التيار والجبهة والمؤتمر والاتجاه والحزب، و قد استخدمنا نحن الإسلاميين كل هذه المصطلحات السياسيةبكثرة في حين يقل عندنا استخدام مصطلح الحزب، والتدين ضمن مصطلح الحزب يقصد به التطبيق النسبيللدين في حياة الإنسان. ولفظ الحركة أو التحريك ضده هو السكون، وجزء من هذا المعنى هوالتغيير المستمر والمرتكز على فكرة، وبهذا المعنى استخدمها العلماءوالمفكرون في توصيف كل تيار أو اتجاه أيديولوجي مثل الحركةالشيوعية والحركة الإسلامية وحركة لاهوت التحرير[1].
فالحركة الإسلامية هي أعم وأشمل من الحزب السياسي من حيث الهدف وآليات التغيير والفعل، وبعيدا عن التنظير والخوض في العموميات دعنا ننطلق من موقع التجربة ضمن الحركة الإسلامية في تونس، فقد انطلقت هذه الأخيرة في بداياتها في الستينيات والسبعينيات بمفهومها الدعوي والإصلاحي الديني المحض من تذكير بالآخرة وتبيان الخير والشر والحث على العبادات والدعوة لمحاسن الأخلاق...
ثم في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ومع دخول الإسلاميين إلى الجامعة واختلاطهم بتيارات أيديولوجية مغايرة كالشيوعيين والقوميين حصلت لدينا (في الجامعات بالخصوص) نقلة نوعية في الأداء السياسي وخوض حلبة الصراع الفكري والأيديولوجي... وبرغم تشكيل حركة الاتجاه الإسلامي لحزب سياسي تقدم بطلب ترخيص للعمل القانوني في 6 جوان 1981 بقي أداء الحركة الإسلامية (خارج الجامعة بالخصوص) أداء دعويا إصلاحيا بمفهومه الديني المحض حتى وإن لامس كل جوانب حياة الفرد، الاجتماعية والثقافية والسياسية، حيث كانت المنابر الوحيدة لممارسة هذه المهمة الدعوية هو المسجد.
وكانت الحركة الإسلامية (سواء الاتجاه الإسلامي أو النهضة فيما بعد) تتوخى أسلوب البيعة للفكرة العامة للحركة قياسا لبيعة العقبة الأولى والثانية التي تمت بين محمد صلى الله عليه وسلم من جهة والأنصار من جهة أخرى، حيث بايعنا على النصرة في المنشط والمكره، لأن الفكرة التي بايعنا عليها لا ترتبط ببرنامج سياسي أو أداء فئة معينة من الأشخاص وإنما هي الرسالة الكبرى للإسلام بعد اقتناع بأن خط الحركة الإسلامية التي بايعناها هو خط الإسلام الوسطي الصحيح الذي حرصت الأمة على بقائه منذ بداية الرسالة المحمدية إلى يومنا هذا وهو ما يصطلح عليه بالجمهور أو السلف الصالح أو الصراط المستقيم أو الفرقة الناجية أو سمه ما شئت...
وضمن هذا المفهوم العام للحركة الإسلامية الذي يمثل خط التواصل مع أسلافنا من المصلحين والعلماء أمثال أسد بن الفرات والإمام سحنون و أبي زيد القيرواني والطاهر بن عاشور والخضر حسين وعبد العزيز الثعالبي وراشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو كل هؤلاء يمثلون هذه المدرسة التي تعود أصولها إلى فهم معين للإسلام (الجمهور) يكاد يكون الخط الرابط بين محمد صلى الله عليه وسلم وعصرنا الحاضر، هذه هي الحركة الإسلامية...
والمسألة المهمة في هذا المفهوم للحركة الإسلامية هو صفة القداسة لهذا التيار (الديني بدرجة أولى) بحيث لو يزيغ قيد أنملة سواء في فهمه للقعيدة أو طريقته في استنباط الأحكام أو قراءته للسلف الصالح لأصبح فرقة من الفرق الإسلامية المتعددة والتي لا تحصى ولا تعد في تاريخ الأمة، ولا داعي لذكر أسماء هذه الفرق وهذه التيارات...وهناك من المذاهب الإسلامية في تاريخ الأمة والتي نجدها حتى في أيامنا هذه وموجودون في تونس أيضا، من التزم منهج السلف الصالح ولكن تنقصهم الشمولية في فهم الإسلام، فتجدهم ركزوا على منحى من نواحي الشريعة وأهملوا جوانب أخرى وهؤلاء أقل سلبية على الأمة من المذاهب التي انحرفت سواء في فهمها للعقيدة أو قراءتها للسلف أو طريقتها في استنباط الأحكام الشرعية...
والمسألة الأهم من ذلك كله هو الصفة العالمية والكونية لهذا التيار وهذه الحركة الإسلامية، فلا يمكن أن نقول أن الحركة الإسلامية في تونس لها عقيدتها التونسية الخاصة أو طريقتها الخاصة في استخراج الأحكام (ما عدى الخصوصيات القطرية في أحكام فرعية)، وإنما هو خط إسلامي واحد (ولأن تعددت المذاهب داخل المدرسة الواحدة) من أندونيسيا إلى المغرب الٌأقصى تربطهم عقيدة واحدة وأحكام وفرائض عامة وهي ما تسمى بالأمة الإسلامية...
أما الحزب فهو لا يختلف بين قطر وآخر فحسب بل بين الحزب والحزب الآخر في نفس القطر، بل داخل الحزب نفسه هناك اختلاف، وهذا ما لم توضحه الحركة الإسلامية لأبنائها سواء بقصد أو بدون قصد، وبقي طابع القداسة هذا يتبع الحركة الإسلامية حتى بعد تشكلها في قالب حزب سياسي (النهضة في تونس)... لأن النهضة هي مكاتب وهياكل تنظيمية، يعني أشخاص بأعينهم، وبرنامج معين ليس فيه أي نوع من القداسة سواء كانت هذه القداسة ضمنية أو علنية أو تحت أي صفة من الصفات...
وتجد من أبناء الحركة الإسلامية (التي تحدثنا عنها) من هم ملتزمون بنفس الخط العام للجمهور والسلف والعقيدة الصحيحة ولكن لا علاقة لذلك بالحزب أو الأحزاب مهما كان برنامجها أو الأشخاص الذين يكونون هذه الأحزاب، وهذا الخطأ أو قل النقص الحاصل في حركة النهضة، حيث لعبت على وتر الحركة الإسلامية الواحدة التي من ينشق عنها فقد انشق عن وحدة الأمة ووحدة الصف وخان البيعة، وتصبح حركة النهضة هي الأمة وغيرها (من داخل الحركة الإسلامية) هو المنشق عن الأمة، وهنا مكمن الخطر ومحل اللبس.
لذلك ولرفع اللبس هناك ضرورة لفصل الحركة الإسلامية عن الحزب والأحزاب السياسية عموما وذلك لعدة أسباب، منها التي ذكرت من رفع صفة القداسة عن الحزب (النهضة في تونس) وكذلك هناك ضرورة واقعية، فالحركة الإسلامية تحتاج إلى فتاوى دينية لا يمكن أن تصدرها أحزاب سياسية ولا وزارة تابعة للدولة وإنما الفتاوى تصدرها الأمة بكل مكوناتها والحركة الإسلامية القطرية تحرص على الفتاوى القطرية، وتحتاج أيضا إلى إعادة دور المساجد من إحياء للعلوم ودعوة لدين الله وغيرها من ضرورات تجدد هذا الدين الذي لا يمكن أن تقوم به أحزاب سياسية...
ومن شروط الديمقراطية هو النقد ورفع طابع القداسة عن الأحزاب، وأنا أدعو شباب الثورة أن يتفننوا ويدربوا أنفسهم على النقد بالكاريكاتور لقيادات حزبية (في النهضة أو غيرها)، ضمن قاعدة مشتركة لأخلاقيات النقد، حتى يرفعوا عنهم هذه القداسة... كما حصل بعد الثورة من شتى صنوف الإبداعات في تصوير بن علي وكل الديكتاتوريات العربية المتنحية... وهذه خطوة جبارة لم تتعود الأمة عليها، ولكن أدعو أن تكون هذه التفانين الكاريكاتورية لزعماء يمارسون نشاطهم على الساحة ولا ننتظر حتى يتنحوا لكي نصدر في شأنهم إبداعات النقد الجاد، ولكن ننقد ضمن أخلاقياتنا الإسلامية دون السخرية ولا التنابز بالألقاب، قال تعالى:( ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) الحجرات 11.
فلو تجاوزنا هذا الربط والخلط بين الحركة الإسلامية والحزب، لحررنا الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من كثير من الأثقال هي في غنى عنها يوم تصبح تمارس الحكم، ولضمنا تحييد المساجد وحركية الدين من الجمود باستقلالية الفتوى والأئمة ولجنبنا الإسلام كدين أخطاء اجتهادات الأفراد والأحزاب، وكذلك نزيل كثيرا من المخاوف لدى أصدقائنا من الأيديولوجيات الأخرى، والله الموفق والمستعان...
المهدي بن حميدة ------------------------------------------------------------------------ [1] في مفهوم الحركة الإسلامية: القبيلة الإسلامية تقود الشعب المسلم ... بقلم: عمر محمد سعيد الشفيع (السودان)