بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هو المطلوب من حركة النهضة ؟ ؟ ؟
نشر في الحوار نت يوم 30 - 03 - 2011


سؤال شعبي واقعي

أجل، هو ذاك. ليس هو من أسئلة الترف الفكري ولا من أسئلة الخيال الطوباوي كما يقال. يستمد السؤال مشروعيته من عشرات الآلاف من التونسيين ( ولو قلنا إن العدد يتجاوز عشرات الآلاف لما جانبنا صوابا) الذين تمتلئ بهم ساحات تونس من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها فضلا عن ساحات الفايس بوك والمساحات الإفتراضية الأخرى يجمعهم سؤال واحد لا تخطئه عين ولا يحتاج لراصد ماهر. أولئك جميعا يسألون عن حركة النهضة التونسية. بعضهم لم يكتشفها سوى بعد 14 يناير 2011 سيما بعد بروز رموزها وقياداتها وعودتهم إلى الساحة من جديد سواء من كان منهم منفيا من مثل الشيخ راشد الغنوشي أو من كان منهم محكوما عليه بما يشبه الإقامة الجبرية بل هي إقامة جبرية حقيقية رسالتها : لا حديث في السياسة عامة وفي حركة النهضة خاصة من مثل الشيخ عبد الفتاح مورو. ورموز آخرون كثر أغلبهم من المساجين السابقين أو من المنفيين العائدين إلى وطنهم بعد ثلاثة عقود كاملات أو بعد أزيد من عقدين كاملين وهم الأغلبية الساحقة.

دلالات السؤال

لا يزعم غير واهم أن كل أولئك هم من المتعاطفين مع حركة النهضة غير أبنائها الذين خرجوا من السجون أو من المنافي الداخلية أو المهجرين العائدين وعدد أولئك فحسب يربو عن الآلاف الكثيرة .. لا يزعم غير واهم أن كل أولئك من المتعاطفين مع حركة النهضة. ولكن يجمعهم سؤال واحد هو : ما الذي جرى على هذه الحركة التي كادت أن تستعيد قصة أصحاب الكهف لو إستمر الذيل المقطوع بن علي في الحكم لعقد آخر فحسب أو أزيد بقليل. ما هي معاناتها وكيف أمكن التعتيم عليها بهذه الصورة التي لا تنتمي بالتأكيد لقرننا وثورته الإلكترونية العارمة. وكثير من أولئك يريدون معرفة الحركة مباشرة من رموزها وقياداتها. وكثير منهم يريد معرفة موقعها الديني والفكري والسياسي وموقفها مما يجري : هل هي فعلا حركة ظلامية قروسطية لا تؤمن بحرية ولا بديمقراطية ولا بحقوق إنسان ولا بنظام جمهوري أم أن أكثر الذي قيل عنها هو من باب المنافسات غير الشريفة ولا البريئة من منافسين وخصوم تحالف بعضهم مع الذيل المقطوع بن علي وبعضهم الآخر لم يجد فرصة للدفاع عن حق الحركة في الوجود حتى مع إختلافه معها في حين أن بعضهم الآخر لسان حاله يقول : ( جاءت منك يا ميضة ) أي بالتونسي : لست مسؤولا عن تشويه حركة النهضة ولكن والحال كذلك فلم لا أسعد؟

شق آخر للسؤال ذو حجم كبير

آخرون كثر بل ربما هم الأغلبية من السائلين والمهتمين بحركة النهضة يطلبون من حركة النهضة أن تكون أمل المستقبل. مستقبل ما بعد الثورة. يريدون منها المساهمة بجد في حماية الثورة من جهة والمساهمة الفعالة في قيادة سفينة البلاد لئلا ترتهن لحسابات حزبية وسياسية ( محلية وإقليمية ودولية ) تقود البلاد بعد حين إلى شيء شبيه بالعهد البايد. عدم تلبية بقية الأحزاب والحركات اليسارية بمختلف ألوانها لمطالب وآمال أكبر شريحة من شرائح المجتمع التونسي ليس سرا ولا مؤامرة ولا إفتراء. حق أولئك مضمون دون ريب. بلاؤهم على طريق الحرية كبير جدا. كثير منهم يتمتع بوطنية نادرة. عقدة مشروعهم الوحيدة تقريبا هي : محاولة إستنبات شجرة زيتون أو نخلة في ألمانيا. تلبية آمال الناس وحمل آلامهم أشبه شيء بزراعة الأشجار التي تتطلب أول ما تتطلب التربة الملائمة. صحيح أن كثيرا منهم قام بمراجعات عقدية وفكرية وثقافية صحيحة وعميقة وربما مؤلمة وقاسية ولكن قسوة الألم إذا وجدت لا يشعر بها سوى صاحبها ولكن تلك المراجعات بمثل ما لدى المناضل الكبير حمة الهمامي مثلا مازالت بعيدة عن إحتضان آلام التونسيين وآمالهم بسبب تلك الغربة الثقافية فضلا عن كون تلك المراجعات تعترضها عوائق شأن التجديد دوما عندما يصطدم بالإلف والعادة. مازالت المسافة بعيدة بسبب أن التونسيين كلهم تقريبا إلا إستثناءات تطرفت في التغرب وطوحت به بعيدا ملتصقون فطريا بالإسلام إلتصاقا تحطمت عليه خطة تجفيف المنابع على إمتداد أزيد من نصف قرن كامل.

دعنا نقول شيئا آخر في هذ المقام : حتى التدين الذي جاءت به الحركة الإسلامية في بعض جوانبه الحركية وفي بعض الأزمان وخاصة الإبتدائية منها ومن لدن بعضهم حتى ذلك التدين لم يجد إستيعابا جيدا من لدن التونسيين. فما بالك إذا كان التدين الذي هو لب الهوية التونسية هو آخر شيء يمكن أن يهتم به اليسار التونسي بكل أطيافه وألوانه. ذلك حق من حقوق الشعب التونسي ألا ينساق وراء تدين لا يلبي عاداته وتقاليده وأعرافه وتاريخه وتراثه وإرثه وكسبه سيما مما ورث عن الزيتونة والقيروان. مهمة الفصل بين الأمرين هي مهمة المفكرين وليست مهمة الإنسان التونسي المتدين العادي تدينا تقليديا.

على أن الفصل عند التونسي الذي يدعى إلى مساندة هذا أو ذاك في مناسبات محددة بين الدين وبين الحياة أمر لا وجود له إلا قليلا جدا. يتركز الحديث في هذه النقطة كثيرا وبشكل مكثف ولكن أكثره لا يلامس الموضوع ملامسة صحيحة أو هو يقاربها فكريا. كيف تغفلون عن الوجدان والعاطفة وحديث النفس والروح؟ ألا تعدون أن الإنسان بناء متكامل متعدد الأبعاد؟ الفصل في ذلك هو بمثابة فصل إجرائي يعمد إليه الطبيب الجراح الذي يفكك البدن ليقف على الألم وأسبابه ثم يعيد بناءه من جديد. أما الفصل الذي ينزلق إليه بعضهم من إسلاميين وعالمانيين فلا وجود له سوى في ذهن سقراط ربما أو في رأس أفلاطون.

التونسي في الأعم الأغلب لا يفرق بين الأمرين تفريقا يجعله يختار رجلا لا علاقة له بهويته الدينية أو اللغوية أو الفكرية. ذلك هو الواقع ولا يملك المرء إلا أن يأسف لمن لم يدرك ذلك أو يتجاهله أو يريد عبثا تبديل العاطفة التونسية لتصبح عاطفة ألمانية مثلا.

ذلك هو أكبر ما يزعج أعداء المشروع الإسلامي أو خصومه ومنافسيه. ذلك هو عتبهم الأكبر على الحركات الإسلامية. السؤال البدهي هو : إذا كانت تلك هي منزلة الإسلام عند التونسيين فلم لا تقتربون أنتم منه بدل أن تحاولو إبعاد الإتجاهات الإسلامية عنه؟

خلاصة أولى يمكن الإنطلاق منها

جوهر تلك الخلاصة هي أن الإقبال على حركة النهضة التونسية فاق كل الحدود والتصورات. ليس هو دوما إقبال التعاطف والإعجاب فالتونسي الجديد لم يعد ينبهر بشيء ولكن تكونت فيه بفعل التجربة المريرة حاسة المساندة النقدية لكل صالح والصبر الجميل مراكمة لكل طالح ولذلك ثار ثورة عجيبة لم يكن يرقبها منه أحد بمثل تلك الطفرة والحشد وفي هذا الوقت بالذات.

جوهر تلك الخلاصة هي أن الإقبال الشعبي على حركة النهضة التونسية لا يذكرك بإقبال الناس عليها أيام إنتخابات 2 أبريل نيسان 1989 فحسب بل هو أكثر. من خاصيات الإقبال الجديد أنه إقبال جيل جديد. هو جيل الثورة. هو إقبال أرشد وأوعى. هو إقبال مساندة نقدية. أكيد أن الخطاب الإسلامي الوسطي المعتدل الذي إستمع إليه التونسيون من رئيس الحركة وأبرز منظريها على الإطلاق .. أكيد أن ذلك الخطاب زاد في إقبال الناس على الحركة.

فما هو المطلوب إذن؟؟؟

المطلوب من الحركة تحدده الحركة ذاتها ولا نتكلم هنا نيابة عنها ولكن بوصفنا مراقبين وإعلاميين فإننا نحاول صنع التفاعل المطلوب بين المهتمين بالحركة والحركة وصلا لحبل الثورة وما بشرت به من حريات وديمقراطية وعدالة ووحدة وطنية.

المطلوب في رأينا هو ما يلي:

1 المساهمة من موقعها المتقدم جدا في حماية الثورة حتى يشتد عودها نماء وترعرعا. ليس من خلال المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني فحسب. ذلك مهم ولكن الأهم منه لحماية الثورة هو حمايتها في النفوس والصدور المتأججة بها تغلي كما يغلي القدر. أسباب ذلك كثيرة منها أن أكثر التونسيين اليوم بقدر فرحتهم بالثورة فهم حذرون أن تسرق أو تغتصب من بين أ يديهم. من ذلك كذلك أن الثورة هي تونس الجديدة أو قل تونس الديمقراطية. مستقبل تونس رهن مستقبل الثورة. إذا كانت تونس قديما هبة الزيتونة فإنها اليوم هبة ثورة 14 يناير 2011. ومن ذلك كذلك أن الثورة هي أم حركة النهضة. الأم التي بعثت فيها الحياة من جديد. فضل الثورة على الحركة لا يقاس ولا يحصى ولا يعد. إذا كان مستقبل تونس في الثورة وليس في غير الثورة فإن مستقبل حركة النهضة هو في مستقبل الثورة كذلك. حركة النهضة إذا تعاونت مع فعاليات معروفة منها إتحاد الشغل قطعا على حماية الثورة بحسبانها قارب النجاة للبلاد ولها فإنها أمسكت بحبل لا ينفصم بإذنه سبحانه لأن حبل الشعوب من حبل الله سبحانه وحبل الله لا ينقطع.

2 المساهمة في الحفاظ على المواعيد الإنتخابية المحددة من مثل المجلس الوطني المرقوب في أواخر يوليو تموز 2011. إرادة الإلتفاف على تلك المواعيد الإنتخابية واضحة بعضها من رفقاء الأمس القريب فضلا عن الحكومة ودوائر أخرى كثيرة منها التجمع المنحل والبوليس السياسي وقوى الردة ضد الثورة بصفة عامة. أصبح الحديث عن تأجيل تلك المواعيد بالمكشوف كما يقال. لم يعد تورية بل صراحا بواحا. المقصد الأخبث من ذلك معروف ولا يحتاج لراصد شاطر. المقصد الأخبث هو إلتفاف على الثورة من لدن أعدائها وهو تحين فرصة تستبعد فيها حركة النهضة أو يضمر صوتها وحضورها من لدن أعداء حركة النهضة حتى لو كان بعض أولئك ليسوا أعداء للثورة إبتداء. وبالنتيجة يلتقي القصدان الأخبثان ولهما فينا ومنا سماعون. على حركة النهضة أن تسعى للإستقواء بحلفائها سواء حلفاء الهوية الثقافية أو حلفاء الديمقراطية الحقيقية لا ديمقراطية الإقصاء والإستثناء. عليها أن تعول بعد الله تعالى على الشعب نفسه بوهجه الثوري الجديد ونفسه المتوثب إلى الحرية ثم على حلفائها. كل حليف في المعركة الجديدة المفروضة على البلاد وعليها وعلى قيم الثورة يجدي نفعا كبيرا. تأجيل أول موعد إنتخابي لا يعني سوى ضربة أولى شبه قاضية ضد الثورة. إذا أفلح أعداء الثورة في تأجيل أول موعد إنتخابي فإن إسترداد المبادرة يصبح أعسر حتى لو لم يستحل بالكلية.

3 إغتنام مناخات الحرية المتدفقة لإعادة ترتيب البيت الداخلي النهضوي. الترتيب هذه المرة يجب أن يكون ترتيبا واسعا ودقيقا وجذريا فضلا عن تشريك أبناء الحركة كلهم فيه. من أشد الأمور التي تقتضي ترتيبا هي :

أ الإعداد الصحيح للمؤتمر القابل على أساس أن يكون مؤتمرا مضمونيا إلى جانب كونه إنتخابيا. المؤتمرات المضمونية في الحركة قليلة وعليها المعول بعده سبحانه في إعادة رسم الصورة الصحيحة الحقيقية الأصلية للحركة أي حركة إسلامية وسطية سياسية جامعة ديمقراطية. الإعداد الصحيح للمؤتمر يقتضي بالضرورة لم الشمل وجمع الصف والإفادة من كل الطاقات التي سحقتها السنون العجاف. يجب أن يكون مؤتمرا يلعق كل الجراحات النفسية المؤلمة والثخينة والتي كان السبب الأصلي فيها مسلسل التعذيب الشنيع الذي إستهدف الحركة على إمتداد ثلاثة عقود كاملات سجنا وقتلا ونفيا وإستدراجا. يجب أن يكون المؤتمر مضمونيا بادئ ذي بدء في لم الشمل التنظيمي للحركة أي لم ما شتته سنون السنوات الحامية الطويلة. يجب أن يكون من هذه الزاوية مؤتمر الحركة لا مؤتمر الحزب ولا مؤتمر التنظيم. تلك الحركة التي إستطاعت بتوفيق كبير قيادة السفينة التي لم تكن كل أجنحتها متجانسة فكريا وحركيا وتنظيميا رغم حالة الطقس السيئة جدا. تلك هي الحركة التي يجب عليها اليوم عقد مؤتمرها التاسع. الحركة التي تجمع صفها ولا تفرقه.

ب إشباع المؤتمر بمادة مضمونية تطرح لأول مرة وهي :
علاقات وحدود الفصل والوصل بين الحزب والحركة. صحيح أن المقاربات في ذلك طرحت منذ سنوات حتى على صفحات الأثير ولكنها تطرح لأول مرة على مؤتمر للحركة. هذه المرة يفرضها القانون فضلا عن الحالة الجديدة في البلاد وكذلك حالة الحركة الجديدة. هو أخطر ملف مضموني دون ريب. معلوم أن لغة الوصل والفصل ليست هي اللغة الطبيعية في حركة إسلامية سياسية جامعة. ولكن من العمليات الجراحية ما يكون إجراؤها ضروريا ليس طلبا للشفاء فحسب بل أحيانا لإكتساب قوة جديدة أو التخلص من أعباء مرهقة. ما يجب أن تقدم تلك الورقة والأفضل أن تكون ورقات وورقات مضادة يتناولها الناس قبل المؤتمر على أساس أنها عملية جراحية مؤلمة. هي كذلك لو مورست قبل 14 يناير 2011. أما الآن فإنها عملية جراحية إختيارية وشتان بين ما تختاره وبين ما تضطر إليه. عنوان العملية الجراحية لا مناص له من التردد بين الوصل والفصل. لا للوصل الكلي ولا للفصل الكلي كذلك. هي علاقة معقدة مركبة دون شك. وللإسلاميين فيها تجارب ناجحة. تجارب ناجحة ليست للإستنساخ ولكن لإقتباس المفيد منها والملائم للتربة التونسية. ذلك هو الأصل وما بقي منه تفاصيل. كيف تكون الحركة؟ وما هي حدود التوجس من إنفصال لا يصل وريدا بآخر من بعد سنوات أخرى طويلة؟ هي محاذير مفهومة دون ريب ولكن المفرط في الحذر لئن أبقى ظهره فما قطع أرضا. أكبر ضمان لتجاوز كل تلك المحاذير وهي جادة هو : اليقظة التامة لإستبقاء الحريات مظلة لتونس. كلما كانت الحريات مظلة لتونس إختفت المحاذير من علاقة الوصل والفصل والعكس دوما صحيح. المناخ وحده هو المحدد لكل ذلك. ليس هناك شيطان يغوي السياسي العامل مثل الدكتاتورية والإستبداد وإلغاء كل مساحات الحركة والحرية. مسؤولية الحركة حركة ما بعد الحزب كبيرة في ذلك ولا تقل شأنا عن مسؤولية الحزب حزب ما بعد الحركة .

ج أما على المستوى الهيكلي فإنه على الحركة فيما نرى تأكيد حضور مؤسسات الرقابة الداخلية الذاتية عليها تأكيدا دستوريا أعلى. للحركة في ذلك تجارب مقدرة ولكن مناخات الحرية الجديدة تفتح أبوابا أخرى كبيرة لتأكيد قيم الرقابة الذاتية والمحاسبة الداخلية. لا يقتصر بمجلس واحد في القضية المالية مثلا أو مراقبة السياسات أو بمجلس شورى كالعادة. لا بد من أن تختص مؤسسات الرقابة بشرعية دستورية عليا. هي عين شعب الحركة على قيادة الحركة. بل على أعلى سلطان فيها. لا بد أن يتطور كل ذلك ليكون مؤسسة رقابية خارجية كذلك أي هيئة دستورية عليا تراقب إتجاه بوصلة الحركة ووفائها لمنطلقاتها ومبادئها ومقاصدها. هيئات رقابة للحماية وليس للإنتقام. رقابات الضمير والتقوى والحس الجماعي فضلا عن رقابات القانون المالي والحزبي في البلاد وغير ذلك .. كل ذلك مهم ومطلوب ولكنه لا يكفي. من أكبر فوائد ذلك : تنشئة الناس على العمل الخاضع لهيئات المحاسبة والرقابة وسلطان الجماعة. أي مزيدا من نظم الديمقراطية وتنمية مسؤولية الناس أصحاب القضية.

4 إيلاء العمل الإجتماعي ما يستحقه من أهمية لتلافي الثغرات الإجتماعية الفادحة جدا التي خلفها النظام السابق في النسيج الإجتماعي التونسي. معلوم أن مشروع بورقيبة كان يقوم على تذرير المجتمع وتفتيت دفاعاته الإجتماعية والعائلية لصالح الدولة. نجح بورقيبة إلى حد كبير جدا في إلحاق المواطن بالدولة إلحاقا شبه كلي مما يسر على الدولة إبتلاعه ومعاملة معاملة الطفل القاصر. إن جرائم نصف قرن كامل بل أزيد من ذلك التذرير الإجتماعي والتفتيت العائلي خلفت جروحا غائرة جدا في النسيج القيمي والإجتماعي التونسي وليس أدل على ذلك من ظواهر إجتماعية لم يعرفها التونسيون من قبل من مثل الأمهات العزباوات ومعدلات العنوسة والطلاق والجريمة المنظمة وقتل الأرحام وعقم الرحم التونسي حتى أصبح يشكو مما تشكو منه ألمانيا من تصحر بشري ينذر بالإندثار الحقيقي في غضون عقود قصيرة. مشكلات تونسية تشكو منها مجتمعات مادية لا هي مسيحية قحة ولا هي دهرية بالكلية. واجب الحركة حيال إسترداد عافية المجتمع التونسي قيميا وإجتماعيا تناسبا مع هويته العربية الإسلامية هو واجب كبير ما ينبغي لها أن تهمله بإسم الإنشغال بالسياسة وغير ذلك. الحزب والحركة لا بد لهما من تعاون وثيق كل بما يليه في ذلك المشروع الإجتماعي الكبير. مناخات الحرية وحدها لا تكفي لأن التونسي في العقود الطويلة المنصرمة تلقى ثقافة مغايرة بل عاش حياة مخالفة نسبيا لذلك. ذلك مشروع حضاري ثقافي إجتماعي يتطلب جهودا كبيرة وخططا جسورة.
ليس المقصود هنا أعمال الإغاثة والعمل الإنساني بمعناه الإجتماعي المعتاد. ذلك ركن آخر من هذا المشروع الكبير. ليس ذلك سوى آلة من آلاته. ولكن المشروع يستهدف إعادة بناء العائلة التونسية والرحم التونسي والوحدة الوطنية التونسية على أساس إجتماعي وفي لهويته العربية والإسلامية. المقصد الأسنى من ذلك المشروع الكبير هو قطعا : العمل على إستعادة المجتمع لعافيته المطلوبة حماية له من أي محاولة أخرى قادمة من الدولة لإبتلاعه. أي تحصين المجتمع ذاتيا حتى يستعصي عن الإفتراس الحكومي المنظم الذي لا ندري متى تعود عقاربه. لا بد من إستغلال مناخات الحرية في هذه السنوات القادمات لخدمة ذلك المشروع. إذا تحصن المجتمع على أساس هويته وأعرافه وتقاليده وعاداته الطيبة في التكافل العائلي والتعاون الوطني فلا خوف عليه من أي دولة قادمة مهما تغولت.

5 المساهمة في إعادة الإعتبار للزيتونة التونسية العظيمة. مازلنا نعتقد أن تونس هي هبة الزيتونة والقيروان. وما زلنا نعتقد أن إعادة الإعتبار للزيتونة وهو أول هدف من أهداف حركة الإتجاه الإسلامي في ندوتها الصحفية ليوم 6 جوان حزيران 1981 هو إعادة الإعتبار لتونس ولشمال إفريقيا. من يريد فعلا حماية الهوية العربية الإسلامية لتونس فإن أقصر طريق لذلك هو : إعادة الإعتبار لجامع الزيتونة معبدا دينيا إسلاميا ومنارة علمية ومثابة دعوية تجمع بين الأصالة والمعاصرة. على الحركة المساهمة في ذلك ولكن ذلك مطروح في الأصل على تلاميذ الزيتونة من المختصين والعلماء والفقهاء والإعلاميين وغيرهم. الزيتونة ملك التونسيين وليست ملكا للحكومة أو الدولة أو أي حزب ولو كان حزب النهضة نفسه. وما الذي جعل النهضة تولد قبل أربعة عقود كاملة؟ أليس هو تطرف بورقيبة في القضاء على الهوية العربية الإسلامية للبلاد حتى وئدت الزيتونة؟ النهضة هي الحارس الأمين عندما تتهدد الحصون.

الزيتونة تتطلب إصلاحات جذرية كبيرة جدا وليس مجرد عمل إحيائي. كما تتطلب إرساء نظام تعليمي زيتوني ولكن بلغة جديدة وإمتداد جديد وقضايا جديدة وفقه معاصر جديد مبناه الوسطية والإنفتاح وإحياء الفقه المالكي فضلا عن نشر الدعوة والتدين وتصحيح المفاهيم.الزيتونة تتطلب بعد ذلك كله بعث فروع لها في البلاد كلها ثم خارج البلاد. لا بد من مشروع يعيد للزيتونة إعتبارها حتى تلحق بالأزهر ثم تتجاوزه لأنها أصلا كانت تتجاوزه في المدى الزمني والعطاء العلمي والدعوي.

لا بد من بعث مجلس علمي دعوي تعهد له هذه المهمة. للحركة في ذلك الدور الأكبر.

6 المساهمة في الدولة والحكومة بأكثر ما يمكن على قاعدة الوفاق الوطني. المعارضة دوما مريحة. المعارضة مريحة حتى لو كان المعارضون في السجون والمنافي. ولكن لزوم المعارضة عندما تحتاج إلى خدماتك الدولة ليس مناسبا. المساهمة في الدولة والحكومة مسؤولية جسيمة والخطأ فيها بألف ألف خطإ في المعارضة. ولكن إذا هبت رياح الديمقراطية فإن التحول إلى مواقع الحكم لخدمة الثورة والشعب يكون أمرا مطلوبا. ليس المقصود مساهمة ديكورية كما يقال. ولكن المطلوب مساهمة يقصد منها أولا وقبل كل شيء : حماية الثورة أن تغتصب وتسرق. لا مستقبل لتونس خارج ثورة 14 يناير 2011. كل الوسائل الخادمة لذلك المستقبل هي مشروعة . الدولة واحدة من تلك الوسائل. إذا أمكن للنهضة أن تكون هناك فلتكن.

تلك هي بعض الأمور المطلوبة من حركة النهضة فيما نرى ولأهل الحركة من مؤسسات وصف سديد النظر. والله أعلم...

الحوار .نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.