الناطق باسم وزارة الداخلية: "سيتم تتبع كل من يقدم مغالطات حول عمل الوحدات الأمنية في ملف المحامي مهدي زقروبة"    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    انتاج الكهرباء في تونس ينخفض بنسبة 5 بالمائة مع موفى مارس 2024    توقيع إتفاقية قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسّسة بنكية محلية لفائدة تمويل ميزانية الدولة لسنة 2024    استكمال الأشغال الخاصّة بتعلية سد بوهرتمة دعما لقدرته    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    مباراة الترجي والاهلي.. وزارة الداخلية تتخذ اجراءات خاصة    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    تفكيك شبكة في صفاقس، تقوم ببيع محركات بحرية لمنظمي عمليات الإبحار خلسة    إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 متر..وهذه التفاصيل..    طقس الليلة    تأمين الامتحانات الوطنيّة محور جلسة عمل بين وزيري الداخلية والتربية    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    إذا لم تكن سعيداً فلا تأتِ إلى العمل : شركة تمنح موظفيها ''إجازة تعاسة ''    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    مذكرة تفاهم في مجال التنمية الاجتماعية بين تونس وسلطنة عمان    خبير في الإقتصاد : الكفاءات التونسية قادرة على تلبية احتياجاتنا من الطاقات المتجددة    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    نادي السد القطري يعلن رحيل "بغداد بونجاح" عن صفوف الفريق    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    السجن 8 أشهر ل 50 مهاجرا غير نظامي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    التمويلات الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية ناهزت 316ر2 مليار دينار ما بين 2011 و 2023    عاجل : جماهيرالترجي تعطل حركة المرور    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    كتاب «التخييل والتأويل» لشفيع بالزين..الكتابة على الكتابة اعتذار عن قبح العالم أيضا    حزب الله يستهدف فرقة الجولان بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    أخبار المال والأعمال    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    من آبل.. ميزات جديدة تسهل استخدام أيفون وآيباد    ينشط في عديد المجالات منها السياحة .. وفد عن المجمع الكويتي «المعوشرجي» يزور تونس    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    تونس تحتج وترفض التدخل الخارجي في شؤونها    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجمع الدستوري الديمقراطي وتداعيات حله...
نشر في الحوار نت يوم 05 - 04 - 2011

إن تداعيات حل التجمع الدستوري الديمقراطي مازالت تلقي العديد من الإرتسامات الغامضة، والأسئلة المطروحة على الساحة السياسية، خاصة مع ما تبعه من ابتعاث لأحزاب اخرى اصحابها كانوا من رموز التجمع...
إن قرار حل التجمع بهذه الطريقة وبهذه السرعة وبهذه الصفة وبوثيقة الإدعاء المقدمة ضده يراه العديد من السياسين أنه لم يكن قرارا قضائيا، بل كان قرارا سياسيا جاء تلبية للضعوطات المسلطة على الحكومة الهشة وخاصة في ظل غياب هيبة الدولة التي يعاني منها النظام القائم حاليا، ولعل اليوم يبرز تحدي ارجاع هيبة الدولة كأولوية مطلقة موكول للحكومة الماسكة بزمام الأمور، وهذا التحدي أكثر ما يخوفني، فهو يحمل في طياته فاصلا مشبوها ما بين بسط النظام والتعدي على القانون.
إن دلائل التمشي السياسي في التعامل مع قضية التجمع الدستوري الديمقراطي عديدة واحيانا تتضارب مع شعارات الثورة المعلنة وتوجه مجالس حماية الثورة ( الذي بدوره يحمل العديد من نقاط الإستفهام)، مما يجعلها متناقضة ما بين القول والتطبيق وصار الحديث على ظهور ما يسمى بدكتاتورية الشارع التي حلت مكان دكتاتورية النظام.
حيث راينا دعوات ملحة للحل السريع لهذا الحزب، وضعط عبر الشارع، وحتى المطالبين بحله ليست لهم رؤيا واضحة، هل أن خطر الحزب في كونه يمثل تيارا إديولوجيا هداما وبالتالي هو خطر على المجتمع ولهذا يجب حله؟، أو ان هذا الحزب خطره في عناصره كأشخاص مافيوية يجب تصفيتهم، وما بين مطلب الحل والتصفية بون شاسع...
إن دعوات التعامل مع هذه الحزب هي دعوات عقابية اكثر منها دعوات بنائية، واصبح معاقبة الحزب ومنتسبيه سواء.
ثم أننا نستغرب الدعوات والتجمعات والمسيرات أمام المحكمة يوم البت في القضية للضغط على القضاة لإستصدار الحكم في شانه بالحل، وعندما نسالهم لم هذا؟، يقولون أن القضاء مازال غير مستقل، وهنا التضارب الكامل مع النداء والفكري الثوري المعلن، فان كان القضاء غير مستقل فلم يعرض على القضاء ويستعجل الحكم عليه من خلال قضاء هم يعلمون انه غير مستقل، وكان من الأجدر اعطاء الوقت الكامل للقضاء ليكون مستقلا.
ثم أن الحزب كأي كيان يُقاضَى له الحق في ان يوكل له محامون ومن المطلوب ان يتمتع بالدفاع اللازم له دون أن يعطل سيره الدفاعي، وهذا مكفول لأي شخص وأي كيان مهما كان جرمه في قالب الشفافية والمساوات والحرية والديمقراطية.
ثم ان الكثير من الحقوقيين يعتبرون عريضة الدعوة الموجهه للقضاء من طرف الداخلية لا تؤهل محكمة عادلة ومستقلة لإصدار حكم الحل وهو ما يدعم الشك في الحكم القضائي انه حكم سياسي.
ثم بعد الحل تفرقت قياداته وبدأوا في تأسيس احزاب اخرى وأخذوا التراخيص، ونرى اليوم حملات تتبع هؤولاء لمنعهم من تكويين احزاب ودعوات اخرى تطالب بالغاء تأشيرات هذه الأحزاب، وهذا تضارب آخر مع مبادئ الثورة وما قمت من اجله ودعت إليه، لأنه يمثل اقصاء آخر يعبر على دكتاتورية الشارع الجديدة...
لماذا كل هذا يحصل؟ وهذه الفوضى في التعامل مع القضية؟، ولماذا يحل الحزب اصلا في هذا الظرف وبهذه السرعة؟، لما سُئل العديد من الداعيين إلى حل الحزب حول تداعيات هذا الإجراء وماذا سيفعل المنتسبون له قالوا يمكنهم ان يكوّنوا أحزابا اخرى، واليوم عندما كوّنوا احزابا بدئوا يطاردونهم، ولما سالوهم لماذا تفعلون هذا؟, قالوا ان هؤولاء رموز الحزب والمخربين وهم ومن كانوا السبب في هذا الإستبداد وعليهم ان يمنعوا من الممارسة السياسية، وأما المعنون بتكوين احزاب اخرى فهم الشرفاء فقط من هذا الحزب!!!!!.
غريب هذا المنطق، وكأن الشرفاء من هذا الحزب او غيره مطبوع على جبينهم كلمة شريف، اننا نرى اشياء ومطالب غربية تنم عن غياب الثقافة السياسية لكثير من الناس ممن يحركون الشارع وكلوا انفسهم كثوار وقادة ومدافعين عن الثورة في حين أن الثورة اندعلت بكل تلقائية دون قيادات توجهها، ومازال هؤولاء مصرين على مطالب غريبة لا تنم للسياسة بصلة.
إن الثورة جاءت لتعطي نموذجا متطورا للحركة الديمقراطية وليس نموذجا لحركة اقصائية وانتقامية، فأي شخص مهما كان اجرامه وفعله لا يمكن ان تسحب منه مواطنته التونسية، ولا يمكن لأي احد أن يقصي آخر بحكم رعاية والوصاية على الثورة، المذنب يعاقب مهما كان موقعه، والمعاقب الوحيد هو القانون والمحاكم العادلة، وأني اتسائل ماذا لو اصدر القضاء حكما بعدم سماع الدعوة، ورفض القضية، واعتمد التجمع هذا الحكم وقاد قضايا جديدة ضد الدولة، ماذا سيفعل الشارع؟...
إن مطلب محاسبة هذا الحزب هو مطلب اكيد، فقد ظلم البلاد والعباد، ولكن التعامل معه بهذه الطريقة السريعة هي لا تخدم القضية ولا تخدم الثورة بقدر ما تخدم التجمعيين انفسهم وقادته، وهم يريدون حكما بهذه السرعة، وهذا الحكم يخلصهم من تبعية الحزب ومسؤولياته، والأكيد أن هذا الحكم وبهذه الطريقة خدم رموز التجمع اي خدمة وارهم يشكرون القضاة والمحاميين ومتظاهري الشارع على ما فعلوه...
كنت تحدثت في مقال سابق عن مغبة هذا الإجراء، وكنت متأكدا، أن احرص الناس على حل الحزب هم رموز التجمع أنفسهم وقادتهم، لأن بحل هذا الحزب وخاصة في الوقت الحالي هو تحرر كامل من مسؤولياتهم وتاريخ العمل فيه، وبانحلاله يعبرون لحياة سياسية جديدة بعيدا عن الإرتباط القديم بالتجمع، وربما يربحون المعركة السياسية من خلال الأحزاب المبتعثة الجديدة خاصة إذا قام نظاما برلمانيا الذي يعتمد على التكتلات، وخاصة وأن لهم رصيدا معرفيا وتجارب وعلاقات وتمويل، على خلاف الحركات الأخرى والأحزاب القديمة أو الجديدة بحكم ما لاقته من تهميش وتضعيف وتشويه صورتها، ,اما الأحزاب الحرة الجديدة فهي مبتعثة بعد فترة نصف قرن من الإخصاء السياسي.
أضف إلى هذا كله سياسة المعادات ما بين الشباب الثائر الذي لم يسعى لإستقطاب شباب التجمع الدستورى الديمقراطي، وتعامل معهم كمنبوذين في المجتمع، وهذا الشباب ايضا هو ضحية من ضحايا هذا النظام والآلاف منهم تواجد في الشُعب لأنه ليس هناك من فضاء نشاطي غير هذه الشعب، وخاصة في المناطق المحرومة التي لا نجد فيها لا دور شباب ولا دور ثقافة، فقط نجد الشعبة والتي هي تقوم بكل الأدوار، وليس كل منخرط في هذا الحزب هو ضرورة رمزا فاسدا.
إن الرموز الفاسدة معروفة في كل حي وفي كل جهة وفي شارع، وفي كل دار وفي كل زقة (بلغة القذافي) كل متساكني المناطق يعرفون رموز فساد الحزب ومن كان يتعدى على حقوق الناس ويظلمهم، ومن كان يستغل منصبا وصل إليه من خلال هذا الحزب في البلديات أو غيرها ليجور ولا أحد يستطيع ان يوقفه، كل يعرف من هم اولائك الناس الذين تعاملو مع البوليس كمخبريين ويرفعون لهم التقارير ليجزوا بهم في السجون، كل الناس تعرف المسئوليين الذين كانوا ياتون ويلقون الخطب الواهية وياذنون بالمشاريع الوهمية والمشاريع التي يستغلونها في النهب والفساد المالي، انها ليست حقائق مخفية، حيث كان في عهد النظام البائد اذا اردت ان تقصي احدا فاصلق به تهمة الإنتماء للإسلاميين واليوم اذا اردت ان تقصي احد فالصق به تهمة الإنتماء للتجمع، كل يعلم من هم اهل الرشوة والمحسوبية والوصولية والكل يعلم لمن يتوجه إذا اراد ان تقضى له مصلحة وفيهم العديد من الرموز ليست لهم صلة بالحزب، قد يكونون رجال اعمال او كوادر دولة او كوادر وعامليين في الداخلية، او حتى عائلات معروفة بقربها للعائلة الحاكمة.
ان سياسية الصدمات لا تخدم الثورة اطلاقا، فتونس للجميع ومهما كان الشخص المذنب فالقضاء وحده يحاسبة سواء كان في الأمن او تجمعيا او معارضا، كان وصوليا فاسدا او مرتشيا، ولنا العديد ممن افسد واتلف المال العام وهو مستقل لا ينتمي لأي جهاز سياسي ولا امني وخاصة في قطاع الأعمال والإدارة والرياضة والسمصرة.
لقد كان من الأجدر ترك الحزب معلقا، ومجمدا، بآمواله وممتلكاته ورموزه وقياداته، ويترك الوقت الكافي للقضاء والبحث والتقصي والمحاسبة المالية ان تقوم بفعلها العدلي وتكتشف التجاوزات والفساد تحت لوائح قانونية مضبوطة، ننتظر ان يصبح القضاء مستقلا فعليا وتطبيقيا، في هذه المرحلة الإنتقالية نعلق فقط، ونجمد، وليس من المفروض ان نحاكم، لأن المجلة القانونية في حاجة إلى مراجعة عميقة لنحتكم إلى قوانيين عادلة ومجلة تضمن محاكمات عادلة وحقيقية بعيدا عن الضغوطات السياسية والنزعات الذاتية.
نطالب بتعليق الدساتير والمجلات القانونية ونطالب باستقلال قضائي ونرفض كل المستندات القانونية ثم نطالب باسراع التقاضي والحكم على العديد من المكونات والناس والسياسيين والأمنيين، هذا تناقض غريب.
كان من الأجدى اصدار قرار تجميد التجمع في كل مجالاته من عناصر قيادية وتنظيماته وأمواله دون المرور إلى الحصول على حكم قضائي الذي يجب تأجيله إلى ما بعد الحصول على نظام جديد وحكومة منتخبة وتعود الأوضاع إلى شرعيتها، وأنا لم ارى قضية ما في المحاكم التونسية فضت بهذه السرعة حتى ولو كانت قضية بسيطة لمواطن عادي والكل يعلم ان طريق القضاء ومسلكه طويل، فلم في هذه القضية بالذات سارت بهذه السرعة الجنونية مقارنة بسير القضايا الأخرى، ولولا ان هذا القرار والحكم يخدم مصالح النظام القديم لما سارت بهذه السهولة، والدليل ان قضايا اخرى حساسة في المحاسبة لم يقع حتى التطرق إليها او نشرها على خلاف ما حصل مع التجمع.
ان الناس فرحون بهذا الحل وأنا اراه غلطة كبرى ارتكبت وستنعكس على مسار الثورة وتطلعات الدولة المقبلة، وهذا دليل آخر ان هناك اناس تنقصهم الدراية السياسية والبعد الفهمي والتوقع وحسن النظر والتقدير للعواقب، واغراق الشباب الثائر في التناقض، من اجل تهرية ورقتهم الرابحة ألا وهي ورقة الشارع والضعط بها، وسنرى في المستقبل ان كل تعبئة لإعتصام او احتجاج ستزداد صعوبة وسيزيد معارضو الإعتصامات، وسيفقد الشارع ورقته الثمينة هذه على مر الأيام وتوالي دعوات الإعتصام.
أن ميزة قرار التجميد على قرار حله الراهن يسمح للثورة ان تسير دون تنغيص ومتماشيا مع شعارات الحرية والديمقراطية والتغيير الحقيقي وليس من نوع الحبر على الورق حيث:
1- يجعل قيادات الحزب في حالة من السجن السياسي ولا يتحركون في البناء الجديد للثورة والكيان الذي تريد الثورة ارسائه، لقد كانوا في موقع المسئولية واليوم عليهم ان يبتعدوا قليلا على الأقل في الوقت الراهن، حتى نحصل على ثقة شعبية في ما ستفرزه المجالس التاسيسة.
2- اعطاء فرصة كاملة لأجهزة الرقابة المالية والمحاسبة والتدقيق، ومن خلالها تستخرج الأموال المنهوبة بطرق غير قانونية ويعود منها ماهو للدولة للدولة وماهو لغير الدولة لأصحابه، فليس كل الأموال المنهوبة تعود ضرورة للدولة لإرساء العدل، وهذا طبعا تقدم فيه عريضة قانونية للقضاء العادل ليحسم في امره، وهذه مستندات الأحكام المنبثقة من هذا التمشي تضاف إلى عريضة الإدعاء التي سترفع في مجمل هذا الحزب.
3- بعد ان تسترد كل الأموال المغتصبة بغير حق، ستكون هناك اموال وممتلكات مكتسبة بطرق شرعية خاصة وأن هذا الحزب عريق وله من القدم ما يجعله يحصل اموالا بصفة قانونية، ومن هذه الأموال تدفع التعويضات لأشخاص تضرروا من هذا الحزب بصفة شخصية، وتدفع خطايا للدولة وللشعب باعتبار أن هذا الحزب اساء إلى النظام الجمهوري وهتك الدستور وخان المؤتمن والجمهورية. وهذا طبعا سينهي تفوقه المالي ويعده إلى نقطة الصفر ولا يبقى له تفوق مالي على الأحزاب الأخرى.
4- بعد ذلك ينظر في قياداته وأجهزته التي مسكت الدولة ويحاسبون قانونيا على كل المخالفات والجنح والجنايات والجرم الذي قد يكونون تورطوا فيها من خلال موقعهم القيادي، وخاصة محاسبة رموزه وكل من ثبت تورطه في مخالفات قانونية من جنح وجنايات، والمحاسبة تكون على صعيدين، الأول بصيفته القيادية المسئولة لخياتنة مؤتمن، والثانية المحاسبة بصفة شخصية في نهب المال العام ومن كان متسببا في القتل والتخريب، كل قضية ولها حيثياتها. وطبعا من كان نظيفا وشريفا فهو مواطن له كل حقوق المواطنة وعليه بعد الحكم في ان يختارإما ان يستقيل من الحزب ويتجه إلى آخر او يكوّن حزبا أو يبقى في حزبه.
5- المرحلة الأخيرة تقدم فيه كل هذه القضايا مجتمعة لعرض الحزب على القضاء لينظر في شانه وهنا سيكون للقضاء أمامه امران يحكم بهما، اولها ان يحكم بفكه وحله إذا ما اعتبر ان الحزب له اديولوجيا هدامة وخطر على بقاء الدولة وبالتالي ينهيه ويبعث بتاريخة إلى متحف باردو ليبقى كذكرى تاريخية احتراما لمؤسسه ودوره الفعال في تحرير تونس. وإما ان يرى ان الحزب ليس فيه اديولوجيات خطيرة على بناء الدولة وان الخطر الذي كان فيه هو بسب العصابات وقد وقع تفتيتها وتفريقها وهنا يعاد إلى اصحابة القدامي والدستورييين خاصة المقصيين منه في السابق ليروا ما يفعلون به ويكون حزبا كأي حزب ينطلق من نفس خط السباق دون تفوقعه بدعم الدولة دون الأحزاب الأخرى. وأعتقد ان الحل الثاني هو الأنسب والأجدى والذي كان من المفروض ان يكون وليس ما كان حاليا.
طبعا هذه المراحل ستأخذ سنوات طويلة على الأقل خمس سنوات من التعليق ليبت في الحكم، وطوال هذه الفترة تكون رموزه ومسئولية تحت سجن الإنتماء لهذا الحزب ولا يمكنهم الإستقالة والتملص منه، حتى تصفى اشكالية هذا الحزب، وطبعا هنا لن يشاركوا في اي نشاط سياسي وباعتبار أنهم ممنوعون من افستقالة أو الإنتماء لأحزاب اخرى ولا يمكنهم تكوين احزاب، وبعد مرور هذه السنوات يكون الفعل في تونس انتهي ووضحت الرؤى وتشكلت الدولة كاملة بمؤسساتها دون تدخلهم وهناك مجلة قانونية جديدو ونظاما جديدا وديمقراطية فعلية.
إن كل منتمي لهذا الحزب سواء رمزا أو قاعديا ليس من حق أحد أن يحرمهم من حق والمشاركة السياسية، ولكن الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات تفرض عليهم ان ينتظروا حتى تتوضح الرؤى في هذا الحزب وهنا يمرون بفترة انتظار يشاهدون التحول الثوري الديمقراطي ويعيشون التحول وهذا ما يشبه الرسكلة واعادة الإدماج.
إنها نفس الطريقة المتعامل بها مع الخارجيين على القانون والمساجيين فالسجن ليس دوره ردعى وتسلطي وعقابي ولكن السجن في مبادئه حقوق الإنسان هو مؤسسة تأهيلية يدخلها المجرم ليقع اصلاحه واعادة ادماجه، ونفس المنطق يفترض ان يعامل به اصحاب رموز النظام القديم، وهذا ما يشبه الإيقاف التحفضي لحماية اي شخص تواجد في جريمة ما لحمايته وحماية الأطراف الأخرى كذلك حتى نهاية التحقيق وتهدئة الضغائن، وطبعا الجرم منسوب إلى الحزب ككيان ومجموعة اشخاص كانت تمارس في نشاط وسلطة، وطبعا ليس كل من كان في موقع ما فيه هو مجرم ولكن تلك هي العدالة، تحتفض حتى يظهر الحق.
نعلم انه ان هناك اناس شرفاء ولكن للأسف ليس لأحد الأهلية للحكم على الباطن ومعرفة ما في الصدور، والأكيد انهم يتفهمون هذا الإجراء الوقائي لمحاصرة وباء الفساد، وهذا الأسلوب يعتمد دوما في مجابهة الأخطار وحصرها وهذا الحصر يشمل المذنب والبرئ للأسف ولابد من القبول به.
طبعا لن نغرق في التاريخ لمحاسبة كل من انتسب إلى هذا الحزب ولكن نعتبر ان كل من كان مشاركا في مسئوليات الحزب ما بعد انتخابات سنة 1999 باعتبار ان هذه الفترة كانت مغتصبة وبداية الدكتاتورية والفساد الكبير ونهب اموال الدولة وممتلكات الشعب والإنفراد الكلي بالنفوذ وظهور العائلة المالكية ظهورا غير متخفي لممارسة انشطة ما فيوية وفساد كبير.
انها حتمية المعاقبة على كل من يقبض عليه متلبسا، وقد حصلت الثورة وهؤولاء الناس هم على سدة الحكم ولهذا هم من سيقع محاسبتهم وهذا هو القانون الإنساني، من يقع يدفع الثمن.
طبعا المسئوليين المتهمون والمعنيون بهذا القرار تبدأ بهئية الشعب صعودا إلى كل مجالس مؤسساته من جامعات ولجان وتنسيق وهيئة مركزية وديوان رئاسي، كلهم مسؤوليين من هذا التاريخ الإنتخابي عن كل ما جرى لتونس من انتهاكات.
ولهذا علينا الا نستسلم لعواطفنا ونفكر بعقولنا ونستشرف وننظر إلى المستقبل ونقدر تداعيات اي موقف نطالب به وندرسه جيدا ولا ننساق وراء كل الشعارات التي لا نقدر عواقبها...
لقد كانت أمام الشعب فرصة عظيمة لم يقدروا قيمتها وكان قرار وزير الداخلية بالتعليق والتجميد قرارا صائبا، ولكن فقدوا هذه الفرصة يوم قدموا هذا الحزب للمحاكمة قبل ان تكون لنا قضاء مستقل تماما ومجلة قانونية متطورة ومراجعة ومستحدثة، وصارت محاكمة سريعة وقرار أسرع، وقد حكمت المحكمة بالحل وتملص كل منتميا له وصار حرا، ولا يمكن اليوم متابعته ومحاسبه بحكم علاقته بالحزب، فقد لقي هذا الحزب جزاءه ونفد فيه العقاب وهم بالتالي براء من كل تبعاته، فالحزب تحمل عنهم العقاب وانتهى الأمر.
واليوم وقد استجابت السلطة لمطالب المتظاهرين وحل الحزب وهم يقومون بتحويل التركة للدولة ولم يلقى اي شخص تضرر من هذا الحزب تعويضا ولم يستفد من الثورة، وليس هناك فائدة في تتبع المنسلخين منه والمكونيين لأحزاب جديدة، انه ضرب من الحفر في الماء، إذ كان الأمر بين يدي الثوار فاضاعوه، كما يقول المثل ( بعد ما تخذ شراء مقرون)، لقد سبق السيف العذل الآن، وخرج الأمر اليوم من بين يدي الثوار، فلا يسعون اليوم وراء سراب، وعليهم ان يبحثوا عن طرق ديمقراطية لربح صوت الصندوق وذلك بان يتنظموا في قاعدة صلبة قد تجابه تكل هذه الأحزاب المنبثقة من التجمع، وحتى الإعتصامات لن تجديهم اليوم، وانهم في حاجة إلى عشرات الإعتصامات ولن يرضى احد بهذه الفوضى التي قد تنجر من ورائها وما اسهل الإندساس في اي تجمع لإحداث الإنفلات الأمني، ونحن اليوم في حاجة أكيدة إلى الإبتعاد على الإحتكاك برجال الأمن لأنه من الغباء الإعتقاد أن عقليات العقود الماضية تغيرت عندهم في يوم وليلة.
إن واجب انقاذ تونس اليوم امر حتمي، وعلى الجميع ان يسعي لهذا الفعل بالعمل والتدارك، ان انهارت تونس ستنهار على الجميع على المجرم والضحية، السارق والمسروق، التجمعي والمعارض، على البوليس والشعب، الكل في خندق واحد.
إن المطالبة بالغاء كل شيء امر غير واقعي، نرى مصر مثلا قد تجاوزت هذا الأمر وقامت بانتخابات وتعديلات اولية للدستور، إنها لم تهدم دستورها كاملا، تركوا على الأقل بعض القواعد التي يرتكزون عليها في انتظار مزيد الصيانا وأعادة التشييد، فمن ينخر قواعده لا يجد على ما يرتكز وليس له من مستقبل غير السقوط، الثورات تحتاج سنوات لتستقر وثورتنا لو استقرت في ايام فستنهار في ايام، انها التعادلية، لابد من سقف ثقة ادنى بيننا، وسقف تسامح أدنى نبني عليه، كل مواطن كان ضحية هذا النظام وهذه الدكتاتورية، الشعب والأحزاب والبوليس وحتى البيئة والجماد كانوا ضحايا هذا النظام وهذه العصابات، فمن بقي صامتا هو ساهم بصمته، ومن هرب ساهم بهروبه، الكل مشترك في تسلط هذا النظام البائد.
نحن لم نعش يوما ديمقراطية حقيقية ولا حتى نصف حقيقية منذ الدولة الفاطمية وما فعلته بنا مرورا بكل الفترات التاريخية من حكم الأتراك والإستعمار والدولة البورقيبية ونظام بن علي، انها فرصة لتونسيين اليوم ليصنعوا ويذوقوا طعم الحرية والديمقراطية فلا نعطل هذا المسار، انه امامنا فرصة حقيقة، صحيح اننا لم نصل للمثالية المطلقة، ولكن اليوم لدينا ارضية لننزرع فيها شجرة الحرية لتنبت في بلادنا.
اني احترم رجال القانون والمحامون وغيرهم ولكن اود أن اطلب منهم باستجداء الرجاء لا تخدعوا الشعب، لماذا تفعلون هذا؟، لماذا تعطلون المسار بهذه الدعوات واشعال الشارع؟، مع احترام لكل المحامون فالدولة منذ قيامها لم تخرج من قبضة الحقوقيين، بورقيبة كان محاميا فماذا كانت النتيجة، دكتاتورية وسلطة متفردة، اتركونا ارجوكم نجرب ابداعات أخرى، اتركوا الفرصة للإقتصاديين و الأطباء والدكاترة وغيرهم من الكفاءات في المجالات الأخرى، الا يوجد إلا المحامون والحقوقيين لييقودوا هذه البلاد؟، غريب هذا الأمر والله!، وغريب هذا التناوش القانوني وكل القضايا المرفوعة امام قضاء اصلا لم يستقل، واحتكاما لمجلة قانونية في حاجة إلى اعادة صياغة ومراجعة.
حتى الباجي قايد السبسي محاميا، المحامون يتتبعون الجزئيات والفصول وماهو مكتوب في الفصول ولكن لا يهتمون بمدى معانات الناس من ثقل الإنتظار والصبر، صابرون يحلمون بمعانقة الحلم والنجاح والفوز بالقضية.
انظروا إلى ماليزيا مثلا وكيف رفعها رئيسها السابق، إنه لم يكن محاميا، كان طبيبا جراحا، ارتقي بها ثم سلم الأمانة والكل يحبه ويحييه، انظروا إلى أوردوقان في تركيا، اتركونا يرحمكم الله نستكشف قدرات كوادرنا الأخرى، اهل التعليم واهل الصحة واهل الإقتصاد....
أن المفسدون والمسيئون والقتلة كلهم سيحاسبون، إن لم يكن اليوم فغدا، وإن لم يكن في الغد ففي الأيام القادمة، لأن حجج الإدانة باقية ولا احد يستطيع تغييبها او دفنها، فهي موثقة بالصورة وبالشهادة، والناس مازالت حية ولم تمت، وسياتي يوم يقف فيه المجرمون اما القضاء في ظل دولة القانون والمؤسسات لمحكامات عادلة، وحتى ان – فرضا- استطاعوا ان يفلتوا من عقاب الناس فلن يفلتوا من عقاب الله العادل الذي يملي للظالم حتى ان اخذه لا يفلته، فمن كان يتصور ان ينهار بن علي وينهار مبارك وينهار القذافي وغيرهم على الطريق كثر....
وحتى أموالنا المنهوبة نعلم انه ليس من السهل استرجاعها، واسترجاعها يتطلب امورا معقدة واعواما طويلة، هذا ان استرجعناه، فاموال الدكتاتور الفلبيني ماركوس لم تسترجع إلى يوم الناس هذا رغم السنيين الطوال التي مرت، ولهذا نحن نعول على جهدنا، فما استدركناه في بلادنا فقد ربحناه، وما قد نسترده من الخارج هو ربح كذلك ولكن سنعول على جهدنا وعملنا وتشجيع الإستثمار في ظرف ديمقراطي متميز نخلقه لتصبح تونس قبلة لكل مستثمر وتصبح قبلة للعمل، ( وقد نرى يوما فرنسيين وايطاليين واوروبيين يحرقون إلى بلادنا يحلمون بالجنة الموعودة – أه منك ايتها الأحلام-).
على الحكومة اليوم ان تكون صادقة في تعهداتها وتلتزم بالجدول الزمني للإنتخابات، وعليها ان تخرج وتترك الأمر للشرعية ولا نريد لها ان تمكث اكثر مما مكثت، ولن نطالبها بمقاضات المجرميين، فهذا ليس من دورها بل دور القضاء، ولكننا نطالبها بالصدق في التزاماتها وتوفير صندوق صادق ومنافسة عادلة وشريفة، كما نطالب لجنتي تقصي الحقائق والفساد بتقديم الملفات التي انتهوا من النظر فيها إلى القضاء ولا ينتظرون الإنتهاء الكلي من كل الملفات ليقدموا تقريرهم النهائي، إن التقرير لا يهمنا بقدر همنا ان يطمئن الشعب إلى صدق تمشيكم ويرى المجرمين والمفسدين امام القضاء.
لقد حل الحزب وانتم احرار اليوم يا أهل التجمع والثورة كالغيث النافع تسقي الصالح والطالح، وقد سقيتم وارتويتم منها واستفدتم منها حتى قبل ان يستفاد منها صانعوها، وها انتم تحررتم من سلطة " التعليمات" ومن غطرسة " المعلم" واندثرت قبضة "الحاكم"، وانتهت القوة التي ربما كانت تجبركم على الإبحار في تيار الفساد، فاكراما لهذه الأرواح التي قضت نحبها في سبيل حريتكم كفوا كيدكم عن زهرة الحرية واتركوها تزهر.
أيها الشرطي ان لم تستطع ان تكبح جماح طبعك فحاول تجنب الصدامات وكرس جهدك للقبض على المجرمين الذين يروعون الناس ويعترضون طريقهم ويسرقون ممتلكاتهم.
أنت ايها الشعب قم للعمل فأمامنا اولويات حيوية لابد ان ننقذها، اقتصادنا لابد ان يسير، انتم ايها المعتصمون في مواقع العمل والمضربون لماذا تصرون على مطالبكم مع حكومة مؤقتة، انكم تطيلون مكوثها، تفاوضوا مع حكومة شرعية ننتخبها، واننا نعلم ان أي حكومة تكون حقيقة تمثل الشعب سوف تلبي مطالبنا وتحاسب المجرمين، وستسعى لتحسين التنمية في ظل قوانين جديدة تتماشى وتطلعاتنا.
انت يا من في سدة الحكم وتحسب انه اتاك على طبق من ذهب فاعلم انه لو دام لغيرك ما اتاك، وأن الملك يعطى ولا يطلب، فمن اعطيه اعين عليه ومن طلبه ترك له.
إن الثورات هي قوة زاحفة جديدة مقابل تراجع قوة كانت مسيطرة، فعلينا التسليم لهذا المبدأ وهذا القانون، ولينسحب من كان يوما قائدا للقائد الجديد، ولتدفن الروح القديمة لتنبت الروح الجديدة.
إننا نفتح اليوم صفحات مصالحة وطنية أساسها البناء والحس بالمواطنة واحترام القوانيين والآخرين والمسؤولين، وكل يقدم ملفه إلى القضاء ويدان يرفض عليه التخلى، على الأقل في الوقت الحالي، في هذه المرحلة الحساسة في البناء الديمقراطي، علينا أن لا نستمع إلى الدعوات الراديكالية الآتية من هنا وهناك، ونُعمل العقل، فالشعب التونسي متعلم ودرس العلوم المختلفة وعليه ان يستفيد من علمه وحكمته ويقسم اولوياته، ولا يجب ان ندخل في مزايادات فارغة.
لقد دخل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا وقال لأهلها رغم ما فعلوه معه، اذهبوا فانتم الطلقاء، حررهم وفتح معهم صفحة العفو والبناء وبدأ الناس يدخلون في دين الله افواجا، ولكنه كذلك ما عفى على اناس كانوا فتنة وكانوا شوكة في حلق الإسلام فاهدر دمهم، ورغم أنهم كانوامجموعة صغيرة جدا مقارنة باهل مكة ولكنه ما افلتهم لأنهم سم قاتل في كيان البناء فما افلتهم، ونحن لن نفلت هذه السموم لتشل ثورتنا، قد كانت الدولة التي ابهرت العالم، وسنكون نحن باذن الله الدولة التي انطلقت منها نسمة الحرية التي تغنى بها محمد عبد الوهاب يوما وحلم بها.
لن تنجح اي ثورة استلهمت من ثورتنا مالم ننجح نحن لا قدر الله،ولو حدث الفشل سنصبح سخرية للعالم واننا لسنا اهلا للحرية وألإنعتاق، فكونوا في مستوى المسئولية والأمانة الملقاة عليكم رحمكم الله.
أننا محظوظون ان مرت ثورتنا من وراء اعين العالم وخالفت توقعاتهم فنجونا من كيدهم، ومحظوظون ان تصارعت العائلة المالكة ورموز النظام البائد في بعضهم فرد الله كيدهم في نحورهم، ومحظوظين ان سارع الدكتاتور بالهرب، ولم تكن هناك مرتزقة وسلاح موزع بين الناس، والمثال المؤلم يحدث بجوارنا في ارض ليبيا الشقيقة، وخرجنا باقل خسائر ممكنة في المادة والبشر.
نحن ليس لدينا ثروات لنعوض، ثروتنا الوحدية هي الحرية والديمقراطية، اننا اليوم ننقب في ارضنا على حقول الديمقراطية لبناء مصفاة الحرية ونصنع فيها وقودا صافيا يمكننا من الإنعتاق والإنطلاق حرا طليقا كطيف النسيم، فمن نام أو ارتخى أو جبن او تكاسل فلن تنتظره الحياة.
المفكر سفيان عبد الكافي- قطر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.