"فأمريكا تقول: كل شيئ الا الاسلاميين، من تحالف مع الاسلاميين أو هادنهم فقد عاداني وحلت عليه لعنتي، ومن خالفهم وعاداهم فهو صديقي وحليفي وله من صدقاتي وتبرعاتي حتى يرضى." لا أحد يتكلم عن النهج اليساري بأحزابه وطلائعه أو عن الجمعيات الحقوقية الذين ركبوا جميعا ظهر 20 فبراير، ولا أحد يلمزهم بكلام أو يمسهم بسوء. الذين يشار اليهم بالبنان، ليس لامتيازهم أو لمدحهم وانما لتطفلهم ولذمهم، ويتهمون بالجبن وتفتح في وجههم جبهات القتال هم جماعة العدل والاحسان، فكأنما هؤلاء الجماعة من الشعب المغربي ليس لهم حق الكلام في بلد ليس الا بلدهم كما هو بلد لجميع المغاربة ومن حق الجميع أن يساهم في التغيير ويقول رأيه ويكون له موطئ قدم في طريق تعديل الدستور الذي لن يكون عادلا ومشروعا وفي مصلحة الكل الا اذا تم الاستماع الى مقترحات الكل وتم اشراك الكل. العدل والاحسان، التي لا يربطني بها الا الخير والاحسان، ليست خطرا على أمن واستقرار البلاد كما يروج لذلك ولو صح هذا الزعم لكانوا على رأس المتهمين في أحداث 16 ماي وهو ما لم يحدث على الاطلاق، بل ان الاسلاميين جميعا أينما كانوا ليسوا أعداء للديمقراطية والحداثة في بلدانهم. على الأقل هم يعلنون ويكشفون عن وجوههم الحقيقية منذ البداية، وان كانوا يريدونها خلافة اسلامية فلماذا نمنعهم ونضع المتاريس والعوائق في طريقهم ونتهمهم بالرجعية والتخلف والارهاب. الديمقراطية التي ينادي بها الجميع تقول أن الكلمة الفيصل للشعب، والقرار الأخير الذي لا رجعة فيه لصناديق الاقتراع. حين تساوي الدولة بين جميع الأطياف والتوجهات والأحزاب وتحقق مبدأ تكافئ الفرص تكون مهمتها قد انتهت ويترك الشعب لنفسه يعبر بكل حرية عن قناعاته واختياراته. فلا يجب أن نعلي كفة اليساريين والعلمانيين ونقصي الاسلاميين وندينهم بنفس التهم التي يدينهم بها الغرب في بلدانهم وننسى أنهم هنا في بلدان هي بلدانهم وليسوا غرباء عنها، ثم انهم هنا في بلدان اسلامية فلماذا نخوف الناس منهم ونرهبهم بهم وهم يستخدمون خطابا دينيا يستمد مضامينه وأسسه من الاسلام دين بلدانهم الرسمي. الحذر الحذر، والخوف كل الخوف من اشتراكيي الفم رأسماليي الجيب، من علمانيي الخطاب والممارسة اسلاميي النية، الذين يستعملون التقية في السياسة ويجهرون بعكس ما يبطنون. فالاسلاميون الحقيقيون هم الذين يعلنون صراحة عن أهدافهم واستراتيجيتهم السياسية ويقولون جهارا نهارا نريدها دولة اسلامية، أما الذين يبكون مع الباكين ويضحكون مع الضاحكين ويغدون مع الغادين ويروحون مع الرائحين فليسوا من الاسلاميين في شيئ. فيجب كما قلنا أن يعطى للاسلاميين مثل ما يعطى للعلمانيين وغيرهم من الفرص، ولندع الشعب يقرر بنفسه أي طريق يختار وأية دولة يريد، فكلمة الشعب وحدها هي الحكم وهي الفيصل وهي التي تعلو ولا يعلى عليها. هل حزب العدالة والتنمية حزب اسلامي فعلا، طبعا لا فهو حزب ذو مرجعية اسلامية فقط، والمرجعية هنا يمكن أن تعني أي شيئ باستثناء الاسلام الشريعة، ولا أظن أن هناك فرقا كبيرا بينه وبين كثير من الأحزاب المحافظة. وقد ناضل الحزب في سبيل الحصول على اسم يدل دلالة واضحة وصريحة على التوجه الاسلامي الا أن كل محاولاته باءت بالفشل قبل أن يرخص له باختيار اسم العدالة والتنمية، والاسم على كل حال ليس ذا أهمية بالغة فالممارسة هي الأهم وأهم من الخطاب نفسه، خصوصا اذا علمنا أن قانون الأحزاب في المغرب لا يسمح بتأسيس أحزاب سياسية على خلفيات دينية. وفي ما يخص اليات عمل حزب العدالة والتنمية فالتوجه الاسلامي حاضر فقط في الخطاب وغائب في الممارسة، فكل الأحزاب تسعى لمحاربة الفساد والقضاء على الرشوة واعطاء القدوة في الممارسة السياسية على اختلاف توجهاتها وتنوع مرجعياتها، فالعمل الاسلامي في ميدان السياسية يقتضي تشريعات اسلامية وقوانين تتوافق مع الشريعة، فاذا ممرت مدونة الأسرة وصودق على قانون الارهاب واغلقت دور القران... فعلى الاسلاميين السلام. وهنا يكمن الفرق بين العدالة والتنمية والعدل والاحسان، يكمن في قبول الانخراط في اللعبة السياسية أو رفض الأمر. فحزب بن كيران قبل بشروط الانخراط ووقع عليها ولذلك حاز على الاعتراف والرضى، وأما جماعة عبد السلام ياسين فنصيبها وحظها أن تسخط عليها الدولة الى يوم تقبل فيه بالشروط وتستبدل خلافتها الراشدة بدولة مدنية حديثة على مقاس ما تخيطه أمريكا من ديمقراطية للدول الاسلامية. فأمريكا تقول: كل شيئ الا الاسلاميين، من تحالف مع الاسلاميين أو هادنهم فقد عاداني وحلت عليه لعنتي، ومن خالفهم وعاداهم فهو صديقي وحليفي وله من صدقاتي وتبرعاتي حتى يرضى. ان قدر الاسلاميين في كل بلد اسلامي أن يتابعوا بتهمة الارهاب ويوشحوا بنياشين التخلف والرجعية وتسلب منهم الشرعية ويمارس الاعلام، الرسمي خاصة، في حقهم الازدراء والاقصاء والتنفير. ففي الوقت الذي تتسع فيه بنى العلمانية وتتجذر مؤسساتها في مجتمعنا تضيق مساحة كل ما هو اسلامي ومن روح الدين الحنيف، فلا غرابة اذا غدا مغربنا في غضون سنوات دولة تجهر فيه الغربان بالسخرية من المقدسات الدينية وتخرج الخفافيش في وضح النهار تلوح بورقتها الرابحة دسترة علمانية الدولة. فدعوتنا أن يتم اشراك الجميع في بناء المغرب الحديث والاستماع للجميع من طرف الجميع، فلا تغلق أبواب الاصلاح والتغيير في وجه الاسلاميين غير المعترف بهم رسميا، سواء تعلق الأمر بالعدل والاحسان أو غيرها، وتفتح على مصراعيها في وجه من يخدمون أجندة العلمانية. فلا اقصاء ولا تهميش والمغرب مغرب الجميع.