الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    موجة جديدة من الصواريخ الإيرانية على إسرائيل: ضربات على تل أبيب، حيفا وبئر السبع، أكثر من 100 جريح    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    نتائج الباكالوريا 2025: تفعيل خدمة الرسائل القصيرة، والتوجيه الجامعي يسير بخطى ثابتة    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    في واقعة نادرة.. استخراج هاتف محمول من بطن شاب بعد عامين من ابتلاعه    كيف سيكون طقس السبت 21 جوان 2025؟    8 علامات تشير إلى بيع بياناتك الشخصية عبر الإنترنت.. احذرها    باجة: إستقبال شعبي لقافلة الصمود [فيديو]    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    ترامب: قد أدعم وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل إذا سمحت الظروف.. مستعد للحديث مع طهران    22 سنة سجناً مع النفاذ العاجل في حق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وقيادات سابقة    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    بلاغ جديد من النجم الرياضي الساحلي    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    قابس: أكثر من 250 مشاركا في الدورة 41 لمعرض قابس الدولي    وزارة الصحة تجدد دعوة الأطباء المقيمين إلى اختيار مراكز العمل    طبربة: إيداع مربي نحل السجن من أجل تسببه في حريق غابي    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    هجمات اسرائيل على ايران: السعودية تحذّر.. #خبر_عاجل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون واليسار في المغرب.. أسباب الخلاف وأصول التوافق
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 10 - 2008

مرت علاقة الإسلاميين باليسار في المغرب بمراحل متقلبة عديدة ابتدأت بالقطيعة التي يصاحبها الصراع والعداوة، ثم انتقلت إلى مرحلة تميزت بنوع من القطيعة التي يسودها الهدوء والحذر،
ولم تخل الفترة الفاصلة بين المرحلتين من لحظات حضر فيها تقارب تجلى في التنسيق بشأن بعض القضايا أو دعوات من هذا الطرف أو ذاك لمد جسور التواصل، أو التعاون، أو التقارب، أو التفاهم، أو حتى التحالف أحيانا.
التيارين ليسا كتلة منسجمة

ولن نفهم هذا التموج في العلاقة إن لم نستوعب أن التيارين ليسا كتلة منسجمة متجانسة؛ فالحركة الإسلامية، مثلا، تتكون من تنظيمات متعددة منها "الشبيبة الإسلامية"، و"العدل والإحسان"، و"التوحيد الإصلاح"، و"البديل الحضاري"، و"الحركة من أجل الأمة"، وهي حركات تختلف بينها حول قضايا متعددة منها الموقف من النظام الحاكم في البلاد، وطريقة فهم وعرض الإسلام، وتقدير أولويات المرحلة أو ما نصطلح عليه بالبرنامج السياسي، وسنرى لاحقا أن هذه القضايا ستؤثر على طبيعة العلاقة مع اليسار.
أما اليسار، فهو بدوره ينقسم إلى "يسار حكومي" يضم الاتحاد "الاشتراكي"، و"حزب التقدم والاشتراكية"، ويسار غير حكومي يضم كلا من "النهج الديمقراطي" و"حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، و"اليسار الاشتراكي الموحد" الذي تشكل في يوليو 2002 بعد اندماج "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي"، و"الحركة من أجل الديمقراطية"، و"حركة الديمقراطيين المستقلين"، و"الفعاليات اليسارية المستقلة"، كما يضم كذلك المنسحبين من الاتحاد الاشتراكي وهم تيار "الوفاء للديمقراطية" بزعامة محمد الساسي الذي اندمج مع اليسار الاشتراكي الموحد في سبتمبر 2005، وشكل معه حزبا معارضا أطلق عليه "الحزب الاشتراكي الموحد" وكذا تيار نوبير الأموي الزعيم النقابي والذي أسس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي في مارس 2006، وانشق عنه بعد ذلك تيار أسس "الحزب الاشتراكي" بزعامة عبد المجيد بوزوبع.
إن هذه الاختلافات داخل كل تيار ستلقي بظلالها على طبيعة العلاقة بين التيارين بحيث يمكن أن تكون العلاقة بين تنظيم من هذا التيار جيدة، أو مقبولة، مع تنظيم من التيار الآخر ومتوترة مع الباقي، والعكس صحيح، كما يمكن أن تكون هذه العلاقة جيدة أو مقبولة خلال فترة، ومتوترة في فترة أخرى؛ والمتحكم في هذا هو الظروف السياسية السائدة حينها.
مجالات للعمل المشترك

شعار يساري

وهذا يقودنا إلى خلاصة أساسية مفادها أن العلاقة بين التيارين لم تبن بعد على أساس صلب بسبب غياب حوار صريح بين التيارين يتطرق للمشاكل التاريخية، ويتصدى للإكراهات الواقعية، ويستشرف الآفاق المستقبلية، وهذا هو الغائب الأكبر.ولكن برغم غياب هذا الأساس تشهد الساحة السياسية مجالات للعمل المشترك منها:
1- الاحتجاجات الاجتماعية: وهي مجموعة من النضالات تجلت غالبا في تنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار، حيث شكلت أشكالها التنظيمية ومحطاتها النضالية، وخاصة على المستوى المحلي، مناسبات للعمل المشترك بين اليسار غير الحكومي وجماعة العدل والإحسان، حيث يلاحظ غياب باقي التنظيمات الإسلامية عن ساحة الفعل في هذا المجال، وربما يرجع سبب ذلك إلى إيلاء جماعة العدل والإحسان أولوية قصوى للمسألة الاجتماعية من خلال مشروعها العدلي وهو ما يجعلها في تلاق مع اليسار في هذه المجال، إضافة إلى الموقف من النظام الحاكم.
2- معارضة الحكومة: شكل هذا الموضوع وخاصة بعد تشكيل حكومة عباس الفاسي في أكتوبر 2007 مناسبة لتزايد دعوات التنسيق بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، وخاصة بعد التصدعات التنظيمية التي عاشها الاتحاد الاشتراكي وبروز تيار داخله يطالب بالعودة إلى المعارضة والتحالف مع العدالة والتنمية.
3- العمل النقابي: حيث يشكل الوجود داخل بعض النقابات، وخصوصا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، مناسبة للعمل المشترك بين اليسار وجماعة العدل والإحسان، أما العدالة والتنمية فقد اختار مناضلوها نقابة أخرى بعيدة عن النقابات التي ينشط فيها اليسار، وهي الاتحاد الوطني للشغل.
4- قضايا الأمة: شكلت قضايا الأمة (فلسطين، العراق،...) مناسبة للتنسيق والعمل في إطار مشترك هو مجموعة العمل الوطني لمساندة العراق وفلسطين، وتتوج أعمالها غالبا بمسيرات مليونية مشتركة.
5- المجال الحقوقي: شكلت الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان في المغرب مناسبة أخرى للعمل المشترك وقد توج ذلك بعقد المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب والتي شاركت فيها تنظيمات العدل والإحسان، والبديل الحضاري، والحركة من أجل الأمة، وغابت العدالة والتنمية، ولكنها بقيت مناسبات قليلة لأن اليسار اختار واجهات تنظيمية للعمل الحقوقي غير التي اختارها الإسلاميون.
6- المجال السياسي: في هذا المجال برز نوع من التقارب بين اليسار غير الحكومي وفصيلين من الإسلاميين هما: البديل الحضاري، والحركة من أجل الأمة اللذان تحولا إلى حزبي البديل الحضاري وحزب الأمة، وتجلى هذا التقارب في فتح حزب يساري مقره لهذين الحزبين لعقد مؤتمر تأسيسي لكل منهما.
والجدير بالذكر أن كلا الحزبين عانى من رفض السلطات الترخيص له، فمثلا حزب البديل الحضاري تأسس سنة 2002، وحزب الأمة بدأ مسار تأسيسه منذ 3 نوفمبر 2006، ورفضت السلطات التعامل معهما، وتشكلت هيأة للتضامن مع كل حزب على حدة، ولم يكن وراءها إلا فعاليات وتنظيمات وأحزاب يسارية، كما أنه في يوم 11 يناير 2001 وجهت جمعية البديل الحضاري، لم تكن حزبا حينها، بمعية تنظيمات وفعاليات يسارية "نداء الديمقراطية"، وتوج هذا العمل يوم 24 مارس 2002 بتأسيس "القطب الديمقراطي" إلى جانب فعاليات من اليسار المغربي وفعاليات أمازيغية أغلبها ذات خلفيات يسارية؛ وغاب عن هذا القطب "العدالة والتنمية"، و"العدل والإحسان" بل إن حزب البديل الحضاري ذهب بعيدا في هذا التقارب مع اليسار حتى أثر ذلك على علاقاته مع الإسلاميين.
وهذا ما يتضح من خلال حوار للسيد الأمين الركالة الناطق الرسمي للحزب مع النهار المغربية قال فيه: "حزب البديل الحضاري ليس حزبا طائفيا حتى يحصر مجال علاقاته في حدود مرجعيته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد قمنا بمبادرات سياسية تجاه الساحة الإسلامية لم تجد طريقها نحو النجاح، فقبل تأسيس حزب البديل الحضاري قمنا سنة 1992 بمعية أطراف إسلامية أخرى بتأسيس حزب الوحدة والتنمية، غير أن هذه الخطوة تم إجهاضها، وفي سنة 2001 عرضنا على التنظيمات الإسلامية اقتراح صياغة مشروع إطار للعمل السياسي المشترك يكون عنوانه بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، غير أن هذا المشروع لم يلق العناية الضرورية، في مقابل ذلك وجدنا في اليسار المغربي مخاطبين جيدين مما مكن لحوار جاد أثمر عن تأسيس القطب الديمقراطي".
علاقة لم تستقر على حال
نستنتج من هذا الاستقراء أن العلاقة بين اليسار والإسلاميين لم تستقر على حال، وأنها عاشت بين الصراع والهدوء، ويرجع سبب ذلك أساسا إلى: 1- الخلافات الأيديولوجية: وهي ليست مجرد خلافات عادية أو ظرفية بل هي في الحقيقة تناقضات، كما أنها لا تقتصر على قضايا ثانوية ولكنها تنال قضايا جوهرية مثل: الهوية، والقيم، والدين، والحرية.. ويتجلى هذا بشكل جلي في بعض المحطات كما حدث أثناء مناقشة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية.

قيادات يسارية مغربية

2- الصراعات التاريخية: وهي صراعات ميدانية طبعت تاريخ العلاقة بين التيارين فأخرجت التنافس من إطاره السياسي السلمي المدني العلني إلى صراع دموي تجاوز كل الحدود فأزهقت فيه أرواح (مقتل عمر بن جلون...).
3- الاختلافات البنيوية: فعادة ما يبنى التوافق بين تيارات متقاربة في القوة الاقتراحية والتنظيمية والجماهيرية؛ لأن هذا التقارب يساعد على التفاهم وعلى قسمة التضحيات وتقاسم المسئوليات، والذي يلاحظ في الساحة المغربية أن شرط التقارب في القوة يكاد يكون غائبا؛ لأن ميزان القوى اليوم لصالح الإسلاميين وخاصة في شقه الجماهيري.
4- سياقات التأسيس: فاليسار ظل يردد دائما أن الحركات الإسلامية صنيعة للنظام وظفها لإيقاف المد اليساري في السبعينيات.
البحث عن توافق بين التيارين
من خلال هذه الاختلافات نخلص إلى مجموعة تساؤلات: هل يمكن تحقيق توافق بين اليسار والإسلاميين؟ وفي حالة الإجابة بنعم، فعلى أي أرضية؟ ولأي هدف؟ وبأية ضمانات؟ وفي حالة الإجابة بالنفي: فما المانع؟ وما نتائج ذلك على البلاد والعباد؟ ومن المستفيد؟ ومن المتضرر من أية نتيجة؟ هذه وغيرها أسئلة تفرض نفسها منذ مدة على الساحة السياسية وعلى مختلف مكوناتها، والإجابة عنها عامل حاسم في تحديد المسار المستقبلي لبلد أنهكه الاستبداد الذي ساد وقاد وعاث في الأرض فسادًا وأهلك الحرث والنسل، ودمر العمران، وخرب النفوس، وقتل الغيرة، وبدد الثروة.
للوهلة الأولى يمكن ترجيح الجواب بالنفي، أي عدم إمكانية التوافق بين الإسلاميين واليسار؛ لأن القطيعة ترضي كلا الفريقين لاعتبارات عدة سلف ذكرها، لكن إذا قاربنا الموضوع من زاوية نظر أخرى نتجاوز فيها المقاربة الذاتية لنبحث عما هو الأصلح للبلاد، وما الذي يرضي العباد فسنصل حتما إلى نتيجة أخرى. وإننا إذ نصر على مقاربة الموضوع من هذه الزاوية؛ لأن المطلوب من اليسار والإسلاميين التخلي عن بعض رغباتهم لأنهم فاعلون عموميون، همهم خدمة المصلحة العامة، وليس إرضاء رغباتهم الذاتية، ولذلك يجب أن نستفرغ الجهد للوصول إلى صيغة للتوافق واللقاء، ودواعي ذلك متعددة أهمها:
1- رغبة الشعب في تحسين أوضاعه بغض النظر عن الخلفيات السياسية والأيديولوجية للمدافعين عن حقوقه، وكل تأخر عن تحقيق هذا الهدف تكون نتيجته سلبية تفضي إلى مزيد من العزوف واليأس يترتب عنها مزيد من الاستبداد والعنف، والخاسر الأول والأخير هو الإسلاميون واليسار على حد سواء.
2- ضرورة إيجاد حد للنزيف، وإيقاف الكارثة التي تتدحرج إليها البلاد بفعل الاختيارات الفاشلة المتبعة منذ عقود، وهذه مهمة يصعب على فريق واحد القيام بها مهما كانت قوته ومهما توسعت جماهيريته، وينبغي في مرحلة أولى توحيد الجهود لتجاوز هذا الميراث الثقيل.
3- إيقاف المد المخزني/ التسلطي الذي يستهدف قتل كل اهتمام بالشأن العام بتمييع السياسة وترميز نخب جديدة بدون هوية ولا موقف ولا هم لها إلا مصالحها الشخصية.
ويمكن أن نضيف إلى هذه الدوافع الموضوعية للتوافق مجموعة عوامل أخرى، منها: 1- الاتفاق السياسي: حيث هناك اتفاق في وجهات النظر بين الفريقين حول أسباب التردي الذي تعيشه البلاد والمتسبب فيه، ومداخل الإصلاح المتمثلة في أولوية الإصلاحات السياسية والدستورية، وهذا الاتفاق السياسي يمكن أن يغطي على الخلافات الأيديولوجية، ولو مرحليا، ويساعد على قيام حركة اجتماعية قوية وشعبية وذات مصداقية، ولنا في الحلف الناشئ بين إيران وحزب الله وتشيلي وكوبا وكوريا الشمالية ضد الهيمنة الأمريكية خير مثال؛ حيث تم تغليب الاتفاق السياسي على الخلاف الأيديولوجي، ومما يدعم هذا الخيار أن التحالفات المبنية على برامج واضحة وأهداف دقيقة تكون أفضل من التحالفات المبنية على عموميات فضفاضة.
2- الاصطفاف إلى جانب الشعب: حيث يلاحظ أن الجزء الأكبر من الفريقين لم يختر الاصطفاف في حلف المخزن وبقي إلى جانب الفئات الشعبية المستضعفة، وهذا عامل مهم يجب أن يقوي جسور التواصل بين الفريقين، والعمل الوحدوي الذي تعرفه بعض تنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار خير مثال، وليس الوقت هنا لنقد سلوكات بعض مكونات اليسار الإقصائية تجاه الإسلاميين في هذا الصدد؛ حيث يمكن –تجاوزا- اعتبارها سلوكيات فردية لا تنم عن موقف سياسي إقصائي ضد الإسلاميين.
3- موقف موحد ضد الهيمنة الأمريكية وسياساتها التوسعية والعدوانية في كل مناطق العالم.
4- موقف موحد من قضايا الأمة العربية والإسلامية: فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وإيران... إلخ. لذلك فإمكانية اللقاء والتوافق ممكنة ومتعددة، ويجب فقط البحث عنها بإرادات وحدوية ونيات صادقة، وصبر على الصعاب، ورغبة في تحدي كل العقبات.
طبيعة التوافق
نقصد بالتوافق بين اليسار والإسلاميين إيجاد صيغة عملية لتنظيم العلاقة بين الفريقين وفق ما يحفظ وحدة البلاد ويخدم مصالح العباد. ومن خلال هذا التعريف يمكن إيجاد صيغ للتوافق حسب كل مرحلة من المراحل، وهذه الصيغ لن تخرج عن إطار التعايش، والتعاون، والتنافس.
أولا- التعايش: في كل المراحل تبنى العلاقة على أساس التعايش، الذي يتجسد في الاعتراف المتبادل، والاحترام المتبادل، وفوائد ذلك كثيرة يمكن اختزالها في:
1- تجنيب البلاد شبح الحرب الأهلية.
2- تجنيب البلاد ضياع الجهود ومقدرات الدولة في غير طائل.
3- ضمان استمرارية الدولة على أسس صلبة متعاقد عليها لا تتأثر بالتداول على السلطة.
ولا بد من التأكيد على أن هذا التعايش متحقق على مستوى لا بأس به في بلادنا اليوم؛ لأن العلاقة بين اليسار والإسلاميين لا تعرف خصومة، ولكنها تعيش تعاونا حذرا حول بعض القضايا فقط. لكن هذا التعايش يجب أن يبنى على ثقة متبادلة، كما يجب أن يرقى إلى تعاون، وبما أن هناك ما يجمع التيارين وهناك ما يفرقهما، وبما أن المصلحة العامة تقتضي الإقرار بما يجمع، والديمقراطية تقتضي الإقرار بما يفرق، فالأولى التعاون فيما يجمع، والتنافس فيما يفرق.
ثانيا- في المرحلة الحالية: التعاون:
التعاون: هو صيغة التوافق المطلوب بين الفريقين في المرحلة الحالية التي يسود فيها نظام مخزني يخنق حركة كل الأحرار، وهدف هذا التعاون هو:
1- العمل على تغيير ميزان القوى الحالي لصالح القوى المطالبة بالتغيير، والقضاء على الفساد.
2- طريق ذلك تكتل مفتوح وجبهة عريضة تضم اليسار والإسلاميين والوطنيين وكل الغيورين على مصلحة البلاد.
3- أولوية هذا التكتل إيجاد بيئة سليمة للعمل السياسي يصبح فيها للتنافس ذا جدوى؛ إذ لا جدوى لحركة كل فريق وبرامجه ما دام أن المخزن هو الحاكم والماسك بزمام الأمور.
4- ومن أولوياته كذلك إيجاد ضمانات حقيقية، مؤسساتية وقانونية وإجرائية؛ لتجنيب البلاد العودة إلى الاستبداد، وسبيل ذلك ميثاق ينظم العلاقة بين مختلف مكونات المجتمع.
ثالثا- في المرحلة التالية: التنافس: في الأوضاع الطبيعية، وبسبب الاختلافات بين الفريقين فالعلاقة بينهما تبنى على أساس التنافس، والمهم أن يتحكم في هذا التنافس من أجل:
1- تنظيمه: حتى لا يصبح فوضى هدامة.
2- تخليقه: حتى لا تستعمل فيه وسائل غير نزيهة.
3- توجيهه: ليكون دافعه خدمة المصلحة العامة حتى يكون الاختلاف عامل إغناء وتطوير.
وأخيرا.. يتضح إذن أن فرص اللقاء متاحة، واحتمالات التوافق ممكنة، والمطلوب فقط هو تجاوز عقبة نفسية ما تزال تلقي بثقلها على كلا الفريقين، وأختم بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت»، وترجع قصة هذا الحلف إلى أن بني هاشم وبني عبد المطلب وبني أسد بن عبد العزى وبني زهرة وبني تيم اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان زمان كان محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال غلاما، فتعاهدوا وتعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك "حلف الفضول"، وهو حلف للفضائل والمروءة يُحمى بمقتضاه الضعيف، ويُنصر المظلوم والغريب. هذه أرضية ما زالت صالحة للقاء، وما أحوج الفريقين إلى إحيائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.