مداخلة قدمت في مؤتمر" استراتيجيات اللاعنف في فلسطين ورياح التغيير بالمنطقة" بتاريخ 26/3/2011 بعد التعريف بمركز الديمقراطية وتنمية المجتمع، تحدث وليد سالم عن دروس التغيرات في المنطقة وآثارها على فلسطين. بالنسبة لدروس التغيرات في المنطقة ركز وليد سالم على النقاط المفصلية التالية: أولاً: أن المنطقة تعيش وضعا ثوريا نحو التغيير، ويعني ذلك بالملموس أن شعوب المنطقة لم تعد قادرة على العيش كما كانت تعيش في السابق، وأن الانظمة لم يعد بإمكانها أن تستمر في ممارسة الحكم بنفس الطريقة السابقة. ثانياً: أن الثورات الجارية في المنطقة هي ثورات ضد الاستبداد أياً كانت الهوية الأيدلوجية للأنظمة، وعليه فإن أي نظام في المنطقة لن يستطيع أن يجد نفسه بمنأى عن التأثر برياح ونتائج هذه الثورات. ومن خلال التفكير القول أن إيران ستستفيد منها، هي على العكس فإن إيران ستتلظى بنارها. ثالثاً: ان هذه الثورات هي فعل شباب معولم في مجال تبني مفاهيم الحرية والديموقراطية والكرامة وحقوق الانسان. شباب تشرب هذه الجوانب الإيجابية للعولمة، ونأى بنفسه عن جوانبها السلبية ذات النزعة المائلة للهيمنة وتدمير الآخر. رابعاً: ان هذه الثورات هي تحد للمقولة السائدة بأن العالم العربي يشكل استثناءاً في مجال التحول الديمقراطي عن دول العالم بأسرها التي تحولت غالبيتها الى الديمقراطية، فيما تخلف العالم العربي عن الركب. خامساً: هي ثورات لاعنفية ملهمة عالميا سيما بنموذجها المصري والتونسي، كما شهد بذلك الرئيس أوباما عندما تحدث عن الثورة المصرية، ويجب الانتباه هنا أن أعداد من نزلو الى الشوارع للتظاهر السلمي في مصر قد تجاوزت أية اعداد شهدتها أية ثورات عالمية سابقة على الإطلاق بما فيها الثورات الامريكية والفرنسية. سادساً: مقابل ما سبق، فإن هذه الثورات ستواجه مشكلات الانتقال الديمقراطي ومشكلات التحول الديمقراطي وتحقيق استقرار الانظمة الديمقراطية الناشئة، ففي مجال الانتقال الى الديمقراطية هنالك مشكلة إمكانية إضعاف الثورات من قبل الجيش، أو من عناصر انتهازية، أو من أحزاب لم تكن فاعلة فيها، وتريد اليوم أن تجني ثمار هذه الثورات لها، وغيرها من المخاطر. وإذا ما قيد لعمليات الانتقال هذه أن تتم بنجاح، فإن مايأتي بعدها لايقل مشقة وصعوبة وهو يتعلق بكل مشكلات تحقيق التحول الديمقراطي وتحقيق استقرار النظام الديمقراطي عبر بناء المؤسسات الراسخة والفاعلة، كما وبناء ثقافة وقيمة وآليات عمله، ولهذا فإن طريقا طويلا لازال ينتظر الدول التي حدثت فيها الثورات بما فيها مشاكل الإنتقال، ثم مشاكل تحول واستقرار المجتمع الديمقراطي. اما بالنسبة لآثار هذه التحولات على فلسطين، فقد أشار المتحدث الى آثار عامة وأخرى محدودة داخل فلسطين نفسها. أما بالنسبة للآثار العامة فهي تتعلق بثلاثة أمور: أولاً: بعد التحولات العربية ستصبح علاقة الدول العربية التي تربطها علاقات سلام باسرائيل مرتبطة بمدى قدرة اسرائيل بتقديم ما عليها من استحقاقات وفق الاتفاقيات الموقعة، وليس كالتزام عربي من طرف واحد كما كان عليه الحال سابقا، ففي اتفاقية كامب بين مصر واسرائيل عام 1978 فإن اسرائيل ملزمة بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والتقدم في السلام مع الفلسطينيين وسوريا، وهذا ماسكت عنه مبارك، فيما لن تسكت الادارة المصرية الجديدة عن مطالبة اسرائيل بالالتزام به. ثانياً: مبادرة السلام العربية قد لا تبقى طويلا مفروضة على الطاولة إذا لم تبادر حكومة اسرائيل الى الرد ايجابا عليها. ثالثاً: في المقابل فإن تغيرات في الاردن تأتي بحكومة مناهضة لإسرائيل ولاتفاقية وادي عربة قد تؤدي الى تدخل إسرائيل في الاردن، كما قد تحدث تدخلات أمريكية اخرى في المنطقة لحماية اسرائيل من الخطر في حال تحول نظام عربي أو أكثر الى مواقف ضد اسرائيل. أما بالنسبة للآثار المحدودة فتشمل مايلي: أولاً: رغم أن الوضع الفلسطيني وبعكس غالبية الدول العربية قد استند تاريخيا الى التعددية والمشاركة والانتخابات، بما في ذلك لم يمنع من نشوء سلطتين استبداديتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ,سيما بعد الأحداث في غزة عام 2007. ويترافق وجود السلطتين المستبدتين اللتين جمدتا المجلس التشريعي وعطلتا الانتخابات الدورية التي كانت مقرره حسب القانون الاساسي عام 2010، مع وجود أحزاب وفصائل مستبده في علاقاتها الداخلية، وكذلك مع تكلس قيادات الانتفاضة الأولى والثانية في السلطة والاحزاب والمنظمات غير الحكومية. ثانياً: مقابل هؤلاء نشأ جيل جديد في فلسطين، يافع وحيوي، ومعولم بمفاهيم الحرية والديمقراطية والكرامه، يرفض الاستبداد الداخلي، ويرى أن زواله هو المقدمة الضرورية التي لابد منها من أجل التخلص لاحقا من الاحتلال الاسرائيلي. وتتسم المرحلة الحالية بنشوء المجموعات الشبابية وتكاثرها اليومي المطرد، فلا يكاد يمر يوم بدون أن تسمع عن مجموعة شبابية جديدة، ويقال أن عدد هذه المجموعات قد بلغ 60 مجموعة تقسم كل منها بدورها عدة مجموعات جميعها فاعلة في العالم الالكتروني الافتراضي ومن خلاله تنظم الأنشطة الميدانية التي تقوم بها، وهذه المجموعات تتسم بكونها غير حزبية ومستقلة في غالب الاحيان، وتنأى بنفسها عن السلطتين القائمتين في غزة والضفة وكذلك من قيادات الأحزاب والمنظمات غير الحكومية المستبدة. ثالثاً: لهذه المجموعات طروحات جديدة لافته منها: اولاً: أنها تتحدث عن وحدة الشعب الفلسطيني في الوطن ( ضفة,غزة, قدس, 48) والشتات، وشكلت هذه المجموعات نفسها بما يضم شبابا من كل وحدات الشعب الفلسطيني هذه. ثانياً: أنها تقف ضد استمرار المفاوضات الفاشلة، وعدا واحدة تدعو للبديل عبر الانتقاضة المسلحة، فإن بقية المجموعات كلها تدعو لاستبدال المفاوضات بأسلوب المقاومة المدنية السلمية للاحتلال. ثالثاً: انها تدعو الى انشاء نظام سياسي فلسطيني جديد، عبر انتخابات وطنية شاملة تشمل المجلس التشريعي والمجلس الوطني معا وفي عموم اماكن تواجد الشعب الفلسطيني. رابعاً: انها تدعو الى تغيير هيكلية السلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث تصبح سلطة خدمات فقط، مسنودة بجهاز شرطة، فيما يتم حل باقي الأجهزة الأمنية التي تقوم بالتعاون مع سلطة الاحتلال. خامساً: انها تطرح رؤية جديدة لمعالجة الخلاف بين فتح وحماس، على أساس ما يلي: 1- النقطة السابقة لاعادة هيكلة السلطة على أساس كونها سلطة خدمات مسنودة بجهاز شرطة فقط، مما يجعل بعض نقاط الخلاف الحالية بين فتح وحماس والمتعلقة بكيفية اعادة هيكلة الاجهزة الأمنية تصبح نقاطا غير ذات صلة. 2- جمع فتح وحماس معا في المقاومة المدنية السلمية واللاعنفية للاحتلال، مما يؤسس لوحدة عملية على الارض، بدل استمرار المناكفات على طاولات الحوار، ومثال قرية بدرس ونجاحها هنا هو مثال حي، حيث توحد ممثلو فتح وحماس معا في القرية في العمل بالميدان واقتنعوا من خلال الممارسة بقدرة النضال السلمي الشعبي الموحد على الإنجاز، واداروا النضال ضد الاحتلال معا على اساس هذه القناعة حتى نجحوا، وتمثل بدرس، في هذا الاطار نموذجا يمكن السير على هديه في تجارب أخرى توحد الأطر السياسية في الميدان كمدخل لتغيير عقولهم وقناعاتهم، وليس العكس أي انتظار تغيرالعقول والقناعات عن طريق طاولات الحوار العقيمة وتأجيل الفعل الميداني الى حين تحقق هذا التغير الذي لن يتحقق. 3- المطالبة اللحوحة بشمولية مطالب الشعب في اتفاقيات معالجة الانقسام. بحيث لا تقنصر هذه الاتفاقات على تقاسم الكعكة بين فتح وحماس، في تقصي مطالب الشعب الى الهامش، أولا تحقق بالمرة. 4- تجاوز حالة فتح ( المفاوضات بدون مقاومة) كما وتجاوز حالة حماس ( الحديث عن المقاومة بدون ممارستها فعليا)، وذلك عبر طرح المقاومة المدنية السلمية كمقاومة مجديه منتجة وفعالة ويشارك بها كلا الفصيلين جنبا الى جنب مع عموم الشعب الفلسطيني. بهذه الصيغ تطرح الحركات الشبابية الجديدة صيغا جديدة لتجاوز حالة الانقسام بين فتح وحماس، بين الضفة وغزة، كما تطرحان آليات واضحة لتحويل النظام السياسي الفلسطيني، وان لم يكن لاسقاطه، على أن يكون هذا التحويل تحويلا جذريا نحو انشاء سلطة ديمقراطية منتخبة في كل من م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية سيما مجلسها التشريعي. ينتظر هذا الحراك الشبابي ثلاث محطات خلال عام 2011، الاولى هي محطة التجربة ( محطة آذار ونيسان 2011) المرتكزة على شعارات انهاء الانقسام وانهاء الفساد، وهي محطة لازالت القوى السياسية والسلطة تتدخل خلالها في شؤون الحركات الشبابية وتمارس الوصاية عليها. المحطة الثانية هي محطة "التمرس" وهي مرحلة أيار وحزيران، حيث الدعوات للمسيرات السلمية والاعتصامات أمام الحواجز العسكرية والمستوطنات، وعلى مداخل القدس وداخلها، كما ومسيرات زحف اللاجئين نحو القدس. أما المحطة الثالثة فهي محطة أيلول، وهي محطة الثورة الكبرى ضد الاحتلال وضد كل الاستبداد الداخلي معا، وهي محطة سيكون لنا شأنها حديث آخر.