يبدو أن الأجهزة الحاكمة في المغرب لازالت لم تستوعب متطلبات اللحظة التاريخية التي يمر بها عالمنا العربي والإسلامي والتحولات النوعية التي يعرفها ميزان القوى المتجهة لصالح الشعوب، ويمكن استشفاف ذلك من خلال الخطوات المحتشمة التي أقدمت عليها: 1. فدستوريا أقدمت على تشكيل لجنة لمراجعة الدستور، ورغم أننا استبشرنا بعض الخير من خلال خطاب 9 مارس الأخير، إلا أن طبيعة اللجنة وتشكيلتها ناهيك عن طريقة التعيين اللاديمقراطية التي تم بها تشكيلها، ينبئ بأن الإصلاح الدستوري المنشود لن يعرف مداه الأقصى، وحتى الاستشارات التي تقوم بها اللجنة ليست هي الآلية الضامنة للإشراك الفعلي لقوى المجتمع في بلورة الخطوط العريضة للدستور المبتغى، فهذه الاستشارات في آخر المطاف تظل بلغة الفقهاء شورى معلمة وليست ملزمة، والقرار الأخير بموجب الدستور سيكون للملك باعتبار صلاحياته الواسعة في مراجعة الدستور كما ينص على ذلك الفصل 103 من الدستور الحالي؛ 2. وسياسيا كانت خطوة الإفراج على بعض المعتقلين السياسيين وبعض معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية وبعض المعتقلين المظلومين عموما، هي الخطوة البارزة، إلا أنها هي أيضا كانت ناقصة ومنقوصة من حيث طبيعة الخطوة ومن حيث نوعيتها، o فمن حيث طبيعتها تم الإعلان من داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن المعتقلين المفرج عنهم قد صدر في حقهم عفو مما تبقى من عقوبة السجن، وهي إشارة سلبية على اعتبار أن هذا النوع من العفو لا يعد تصحيحا لخطأ المحاكمات الجائرة وأحكامها الظالمة، بقدر ما كان إقرارا بهذه الأحكام مع عفو ممنوح تماشيا مع "منطق المنة" التي يسير عليها السلوك الرسمي للدولة، إن إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين يظل ناقصا دون إرفاقه بجبر الضرر واستعادة حقوقهم كاملة ووظائفهم وحياتهم العادية كما كانت من قبل، ودون هذه المرفقات سيظل الإفراج خطوة مغشوشة أريد منها فقط التسويق الإعلامي الخارجي، وتسكين مؤقت لحرارة دينامية الشارع المغربي الذي بات ملتحما مع قضية الحرية للمعتقلين المظلومين والسياسيين جملة وتفصيلا، o ومن حيث نوعية خطوة الإفراج، فهي ظلت منقوصة الفرحة على اعتبار أن هناك العديد من المعتقلين المظلومين والسياسيين لازالوا قابعين في السجون ظلما وعدوانا، ومنهم معتقلو ما يسمى بخلية بليرج دون استثناء ومعتقلو السلفية الجهادية وآخرون، إن منطق الجرعات الذي تقوم به الدولة في التعامل مع هذه القضايا هو منطق بئيس ولا يعبر على إرادة حقيقية وصلبة في مباشرة أجندة الإصلاح المؤجلة، بل يعطي إشارة سلبية إلى الشعب وقواه الحية والشريفة إلى عدم الثقة بكل خطوة رسمية كيفما كان نوعها،
1. واجتماعيا كانت خطوة التسريع بإيجاد مناصب لحاملي الشهادات العليا وإقرار مرسوم يسهل ذلك ويمنح الفرصة لحامل شهادة عليا من ولوج أسلاك الوظيفة العمومية دون الاحتكام للمباراة هي الخطوة الأبرز اجتماعيا، وقد ترفقها بعض الإجراءات التي قد تنجم عن نتائج الحوار الاجتماعي، وهي خطوات أيضا تجزيئية تعالج القضية الاجتماعية بمنطق إدارة الكوارث وليس بمنطق الحلول الشاملة والبنيوية، ومنها سن سياسات اجتماعية تقضي بشكل بنيوي على الفوارق الاجتماعية وتعيد الكرامة للإنسان، 2. ولا حاجة للتذكير مرة أخرى أن الجواب على الإشكالات المجتمعية لا يتم فقط عبر تشكيل اللجن والمجالس، لأن ذلك في نظري تعويم للمشاكل ، وتهرب مقصود من مواجهة كل أجندات الإصلاح المؤجلة ومباشرة تفعيلها بإرادة صادقة، وعليه ففي تقديري فإن برهان صدق كل خطوة هو في مدى تجاوبها مع المطالب الشعبية التي أقرها الشعب علانية بدون صناديق اقتراع سواء في محطة 20 فبراير أو في 20 مارس أو في الوقفات والتظاهرات اليومية والأسبوعية التي تعرفها بلادنا من أقصاها إلى أقصاها، وهذه المطالب عبرت عنها شعاراته ولافتاته وبيانات قواه الحية ودينامية شبابه التواق إلى التغيير، وتناغما مع هذه المطالب نعتبر أن أول البدايات الصحيحة دستوريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا مجملة في التالي: o إقرار إصلاحات دستورية شكلا ومضمونا، وذلك بأفق ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، بما يضمن الإقرار بالصلاحيات الكاملة للبرلمان في ممارسة التشريع والرقابة، ويضمن استقلالية الحكومة باعتبارها مؤسسة تنفيذية تمارس كامل صلاحياتها التنفيذية، ويمنحها الإمكانيات الدستورية والقانونية والسياسية لتنفيذ برامجها واختياراتها، مع ما يتطلبه هذا الإجراء من إصلاح للقضاء وتمكينه من استقلاليته بكافة مقتضياتها؛ o الاجتثاث الفوري لكل تلك الترسانة القانونية القمعية التي تقيد حرية التنظيم وتجرم حرية التعبير والصحافة وتنتهك مجال الحريات عموما؛ o الإطلاق الفوري والشامل لسراح كل المعتقلين السياسيين وكل ضحايا قانون مكافحة الإرهاب المشؤوم مع جبر ضررهم واستعادة كل حقوقهم كاملة كما كانت قبل اعتقالهم الظالم، وإغلاق كل المعتقلات السرية غير القانونية (ومنها معتقل تمارة)، وإقرار الضمانات والتشريعات القانونية التي تمنع أية عودة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ o القطع مع سياسة تفريخ الأحزاب وتفصيل الخارطة السياسية على مقاس الاستبداد، وإنهاء عملية "فبركة" الحزب الأغلبي الذي يستعمل وسائل الدولة في حروبه التي سببت و ستسبب الخراب في المشهد السياسي؛ o القطع مع اقتصاد الريع، وإنهاء آليات التحكم السلطوي على مجال الاستثمار، وإقرار المنافسة الاقتصادية الحرة والشريفة، دون إغفال ضرورة الحرص على البعد الاجتماعي والتضامني للاقتصاد؛ o تبني خطوات عملية واستعجالية في المجال الاجتماعي وذلك بإدماج المعطلين حاملي الشهادات ضمن أسلاك الوظيفية العمومية والقضاء على البطالة عموما، وسن سياسات اجتماعية وطنية تقضي بشكل بنيوي غير فولكلوري على الفوارق الاجتماعية والقضاء كذلك على الفوارق بين الجهات. أحمد بوعشرين الانصاري