لماذا لا تصدق الشعوب توسلات طغاتها ووعودهم لها التي لخصها بن على "فهمتكم " وعندما اقدم بشار الاسد على الغاء حالة الطوارئ ؟ الاجابة بسيطة وواضحة لان هؤلاء الحكام ومن سبقوهم سبق ان صدعوا رؤوس شعوبهم بالاماني والتمنيات والتطلعات وادركت الشعوب التي لم تعد تحتمل المزيد من الوعود الكاذبة واية ذلك ان نصوص دساتير الطغاة والمفترض أن تكون موضع الإجماع، اضحت وثائق تفتقد الإجماع الوطني حولها. لانه بدون انتخابات حرة ونزيهة، وبدون رقابة حقيقية وفعالة على السلطة التنفيذية من جانب مجالس نيابية تتمتع فيها المعارضة بوجود فعال لن يكون هناك تداول للسلطة ولا احترام حقيقى لحقوق الإنسان، ولا تكون هناك فرصة لأي تطور سياسي نحو أوضاع أكثر ديمقراطية. إن الطريقة التي يتعامل بها الطغاة مع ما يمكن تسميته ب"أبو القوانين" قد أسقطت عنه طبيعته السامية، وجعلت منه مجرد وثيقة تعكس رغبات حاكم فرد، ولا تحظى بالإجماع الوطني، وتصبح مجرد ورقة تستخدم من جانب طرف واحد في الصراع السياسي، بدلا من أن تكون المرجع المرشد لدى كل الفاعلين السياسيين يحتكمون إليها عندما يحتد بينهم الخلاف، ويرتضون بما تقضى به نصوصها أيا كان تأثيرها على مصالحهم واية ذلك ان الغاء نظام الطوارئ ترافق مع حملة تصفية وسفك للدماء وقتل المحتجين فاية نصوص ووعود تعيق هؤلاء الطغاة . فهو الذي صنعها واصدرها وهو اول من يدوسها بقدميه اححتقارا للشعب وعدم الاعتداد لارادته السامية .ولعل ذلك يطرح التساؤل المشروع هل ما يقوم به النظام السوري هو لمسايرة المطالب الاحتجاجية ام لاجهاض الثورة المشروعة ؟ الاجابة انه لتخفيف الضغوط عليه مع إنتاج لشكل جديد من الاستبداد السياسي المستنير حيث إنه من أكثر خصوصيات المجتمع العربي على مر تاريخه الطويل أنه قادر على تصنيع المستبد، وإعادة إنتاجه ولكنه عاجز في الوقت نفسه عن تقييده أو التخلص منه، فأي عملية مراجعة لتاريخ المستبدين العرب من يزيد بن معاوية وكافور الاخشيدي الى الجنرال حافظ الاسد وأبنائه تثبت أن هناك قانونا تاريخيا مستمرا يقضي بأن المجتمع العربي يمتلك من القدرات ما يجعل الصبي الأبله خليفة للمسملين أو كافور الحبشي حاكما مطلقا لمصر، وكذلك يجعل أي ضابط تحت التدريب أو عسكري لا يجيد إلا الرمي بالسلاح حكيما ملهما، وهنا يبرز دور بعض المثقفين السوريين المستميتين في الدفاع عن النظام حتى عندما يبطش ويريق الدماء الزكية لمواطنين لم يقولوا الا انهم يريدون ان يكونوا احرارا وليسوا عبيدا لم يقولوا اكثر من ذلك سلميا هؤلاء مثقفي السلطة والسلطان ما هم الا سماسرة لبيع الشعب السوري وتطلعاته في سوق النخاسة السياسية لمتسلط على الحكم مستبدا بالشوكة ومتغلب بالقوة، ولكن في نفس الوقت نحيي ونقدر ونجل مثقفو سوريا الشرفاء المشتركين في الثورة المدافعين عنها و هؤلاء ضمير الأمة وحراسها، وحاملو مشاعل نورها فالنظام وسدنته ونخاسيه وسماسرته يريدون تحويل الثورة الى عملية إصلاح شكلية في إطار رفض شامل للنظام من شعبه خلقت بيئة أهم ملامحها هو "الضغط" والإرغام والتوتر وسياسة ردود الأفعال، وما يضفي أهمية على الموضوع ان النظام باركانه يرى انه باق لانه ليست هناك ضغوط خارجية عليه فخبرة البعثيين تشير الى معادلة خطيرة في مسلكه وهذا المسلك ليس وليد الساعة، وهو أنه عندما يكون النظام بين مطرقة الضغط الخارجي وسندان مجتمعه فإنه يميل دائما نحو تفضيل التنازل ومسايرة الضغط الخارجي على مسايرة مطالب شعبه، هذه هي المعادلة السياسية القائمة في سوريا، مع ان المفروض ان يتقوى الحاكم بشعبه ازاء الخارج وضغوطاته والاستقواء بمجتمعه لمواجهة هذه الضغوطات· والخبرة التاريخية الخارجية تقدم دليلا على هذا· ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية أمن نظام الضمان الاجتماعي للبريطانيين سنة 1944 بينما قذائف النازية تسقط على لندن لأنه يعرف أنه إذا أراد من شعبه تحمل البؤس والشقاء والقذائف فهو بحاجة لأن يقدم شيئا لكي يتمكن من تعبئتهم ويستقوي بهم· وهذه حالة السياسيين في النظم السياسية التي تنبثق من شعوبهم ولا تكون فوقهم لذا فان القول السديد في استمرار الثورة حتى اقتلاع الطاغية
دكتور عبدالعظيم محمود حنفي باحث في النظم السياسية العربية مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات القاهرة