بعد صراع مرير مع حكومة محمد الغنّوشي, انتهى باستقالته, و أخذ مكانه على رأس الحكومة المؤقتة شخصية مرّت بمختلف مراحل القرن العشرين من أزمة الثلاثينات مرورا بعهد البايات و البورقيبية فعهد بن علي. و هاهو الآن يبدو سعيدا بعودته إلى السياسة في القرن الجديد. ما تميّز به الباجي قايد السبسي عن سلفه هو حضوره الركحي و تصنّعه لروح الدعابة في حديثه و استشهاداته المتواترة بآيات قرآنية و مقولات كتلك التي تقول " الصدق في القول و الاخلاص في العمل" , و لكن عن أي صدق و أي اخلاص , ربما صدق و اخلاص ليس للشعب و إنما وفاء لانتمائه و انتماء رفيقه الشيخ المبزّع. أطل علينا بخطاب تكاد تغلب عليه الآيات القرآنية التي تدعو إلى التسامح و الصفح و ضرورة احترام الحاكم ... عن أي تصالح يتحدّث؟ لماذا لا يستشهد بآيات القصاص " و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" . التصالح يأتي بعد استرجاع الحقوق و رد الاعتبار لمن ظُلِم و محاسبة كل من أجرم و أخطأ في حق كل تونسي. ثم يسترسل في حديثه قائلا أن القرارات كانت تؤخذ في قصر قرطاج و أن حكومة القصبة في ما مضى كانت صورية و هو بذلك يبرر أن حكومة القصبة لم تُخطئ فهي مغلوبة على أمرها و بالتالي هو يريد أن يُسقط كل جرائم الوزراء و المسؤولين السابقين. و يريدنا أن نضع اليد في أيدي من صادروا حقوقنا و ثرواتنا و فوّتوا فيها بقرارات وزارية كانت تُوقّعُ في مجالس الوزراء بالقصبة. يريدنا أن نمنح ثقتنا لمن سرقنا و تجسس علينا في كل حركاتنا و سكناتنا, لمن كان يُطبّل ليل نهار و شخصن الدولة و أسس لوثنية جديدة , وثنية ليست عقائدية بل وثنية سياسية ألّهت الحاكم و جعلته الأوحد و ألّهت الحزب و اعتبرت أن أي خروج عن الحزب و الحاكم الأوحد هو ردّة و ملّكت الوطن و مقدّراته للعائلة الحاكمة. يتحدّث الوزير الاول عن الألفة بين القلوب ؟؟؟؟ ألفة بين أم الشهيد و القنّاص الذي أطلق الرصاصة في عنق ابنها و حرمه فرحة شبابه . ألفة بيننا و من كان يُطبّل لبن علي حين كان الرصاص سيّد الميدان في تالة و القصرين. ألفة بيننا و من كان يصفنا بالهمجيين و الملثمين المهددين لأمن الوطن و المتواطئين مع أطراف خارجية لزعزعة أمن تونس و ما حققه الزعيم و حزبه من انجازات.... و يبدو أن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و بقية التسمية لا قرار لها فهذه المرة الثانية في أقل من عشرة أيام تلتف الحكومة على قرارت الهيئة: فبعد التحريف في المرسوم المتعلّق بالاشراف على الانتخابات و الذي حرّفته الحكومة لتأصيل مبدأ التزوير, و يوم أمس التفّت على اجماع الهيئة باقصاء التجمعيين منذ 23 سنة لتقلص الحكومة المدة إلى 10 سنوات. و كأن بالهيئة أصبحت أيضا صورية في باردو و القرارات تؤخذ في مكتب السبسي بالقصبة. ازدواجية في موقف السبسي فمرة يقول بأن الحكومة يقف رأيها عند الاستشارة فقط و لا تتدخّل في قرارات الهيئة و مرة أخرى تقول أنها تصحح مقترحات الهيئة لما فيه صالح البلاد و لكن هذا التحريف المتواصل في ما يُجمع عليه من في الهيئة يُوضّح أن التحريف متعمّد و يصب في صالح التجمّع و فلوله اعتمد السبسي في ندوته الصحفية اسلوب المراوغة في الاجابة عن الاسئلة و التي لم ترتقي في مجملها إلى مستوي الأسئلة الحساسة و الجوهرية بل و تعدى ذلك ليستهزأ ببعض الصحفيين و يرد عليهم بأسلوب ساخر. ربما يظن السبسي و حكومته أن الشعب أبدى رضا و قبولا به في هذه المرحلة من باب الاقتناع بقدرته على ادارة المرحلة و ثقة من الشعب فيه بأنه رجل المرحلة الحرجة و لكن الامر على العكس من ذلك , إنّه قبول على مضض و لا يتعدي أن يكون وعيا بضرورة استمرارية الدولة و الوصول إلى 24 جويلية. و يجب أن تُدرك الحكومة أن الشعب لا يزال في حالة استنفار قصوى و طوارئ تجاه قراراتها.