لقد اتخذت عبارة التطرف حظا كبيرا من الاستعمال لم يقابل في أغلب الأحيان بما يناسبه من التفسير و التحليل شأنها في ذلك شأن عبارة الارهاب حتى صار الكثير من الناس يستعملونها عن غير وعي بمدلولها الحقيقي على بساطته لتوظيفه في المجال السياسي خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث أفرغت هذه العبارة من معناها الخقيقي لتلبس لبوسا دينيا حدد مجال استعمالها بالعالم الاسلامي دون سواه ولذا وجدت أنه من الضروري ونحن في مرحلة اعادة البناء أن انفض الغبار عن هذه العبارة راجيا أن يكون هذا العمل مقدمة لاعادة صياغة العديد من المفاهيم فما معنى التطرف ؟ وماهي المذاهب المتطرفة؟ و ما مدى خطورة التطرف على الديمقراطية ؟ و ما هي الوسائل الجديرة بمواجهته؟ نفض الغبار ان عبارة التطرف لغويا متصلة بالجذر" طرف " الذي يحمل معنى الحد وبالتالي فالتطرف يعني الذهاب الى الحد الأقصى من المذهب أو الفكرأو الفلسفة و تتبلور هذه النزعة المتطرفة في المجال السياسي بشكل مباشر أو مقنع من خلال رفضها لمبادئ الديمقراطية ذلك أن الشخص المتطرف يتبنى وجهة نظر متطرفة تتميز بالاعتقاد الراسخ أنه يمتلك الحقيقة و اعتبار كل من يخالفه الرأي على خطا و نتيجة لذلك يسعى الى فرض رأيه بطرق مختلفة باختلاف وضعيته الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية فاذا كان يمتلك السلطة استغل اجهزتها لفرض رأيه و قمع من يخالفه الرأي و اذا عجز عن ذلك لجأ الى العنف الجسدي او اللفظي كالشتم و السباب و التهكم و غيرها من الاساليب المتخلفة فما هي المذاهب المعنية بمفهوم التطرف؟ ليس هناك مذهب دينيا كان أو لا دينيا متطرفا في ذاته و انما يصيبه التطرف اذا بلغ بمعتنقيه الامر الى الاعتقاد بانهم على حق و أن كل من يخالفهم الرأي على باطل و بالتالي فكل مذهب أو ايديولوجيا مهددة من داخلها بالتطرف و ان كانت منطلقاتها غير متطرفة فالفكر القومي اذا دفع الى حده الأقصى وقع في العنصرية و العنصرية تطرف و الحزب الديني اذا احتكر الدين وقع في الاقصاء و الاقصاء التطرف و الاشتراكية اذا دفعت الى حدها الاقصى وقعت في الشيوعية و"الشيوعية" تطرف و الديمقراطية اذا دفعت الى حدها الأقصى وقعت في الدكتاتورية و الديكتاتورية تطرف بل حتى المنظمات الحقوقية اذا غالت وقعت في التطرف من ذلك المغالاة في الدفاع عن المرأة حد ظلم الرجل و الظلم تطرف و المنظمات النقابية اذا غالت في المطالب الاجتماعية و تجاوزت قدرة المشغل وقعت في التطرف رغم أن منطلقها انساني و لذلك يقول" المثل الشيء اذا زاد عن حده انقلب الى ضده". المخاطر ان كل ديمقراطية يمكن أن تواجه بمخاطر قد تحول دون تطورها و سعيها المتواصل للاستجابة لحاجات المواطنين ذلك ان الاحزاب المتطرفة لائكية كانت أم دينية لا تدون في برنامجها السياسي حجة على تطرفها فتحول دونها ودون الوصول الى السلطة و انما يستشف ذلك من خطاباتها السياسية و سلوكاتها غير المعلنة فاذا لاحظنا لدى أي مجموعة أو حزب سياسي نكران لحقوق الآخرين و الغاء للحريات الفردية كحرية اللباس مثل منع الحجاب أو فرضه فتلك حجة على تطرفه تقتضي التصدي له و الحؤول دون وصوله الى السلطة وغالبا ماتبني هذه الأحزاب المتطرفة ايديولوجيتها على الكراهية و الاقصاء والاسلاموفوبيا بشكل مباشر أو مقنع ولذلك فهي لا تتمتع غالبا بالأغلبية لأن الشعوب تميل بطبعها الى الاعتدال و التسامح و ترفض الكراهية مما قد يضطر هذه الأحزاب المتطرفة الى اجراء تحالفات سياسية تمكنها من الوصول الى السلطة و تهديد الديمقراطية الحلول انك لا تستطيع أن تواجه عدوك و أنت لا تعرفه و لذا لا بد من وضع مقاييس التطرف حتى نهتدي بها الى المتطرفين و نحمي ديمقراطيتنا من أذاهم و سأختصر هذه المقاييس في ثلاثة يسهل علينا حفظها: وهي الكراهية و الاقصاء و الاسلاموفوبيا فاذا توفر شرط واحد من هذه الشروط فان ذلك كاف للحكم على الحزب بالمتطرف الآن و قد عرفنا عدونا فكيف نواجهه ان المواجهة لا تكون حتما بنفس الاساليب و الا وقعنا في التطرف فالأمر يبدأ حسب رأيي بتبني اجراءات وقائية كتكريس الحريات الفردية و المساواة و احترام الرأي المخالف و القيام بحملات اعلامية منظمة لنشر هذه القيم و التصدي بقوة القانون لوسائل الاعلام التي تنشر الكراهية بين الأحزاب و المذاهب و تعمل على تقسيم المجتمع و دفعها الى الحياد و المهنية كما ينبغي للمؤسسات التربوية ان تعمل على تكريس قيم الديمقراطية و التسامح و مفهوم الحقوق و الواجبات اما الاحزاب السياسية فلا بد من ردعها كذلك بطرق قانونية كتغريمها بخطايا مالية اذا هي لم تتجنب الخطابات الاقصائية و مهما يكن من أمر فان التطرف السياسي أكبر أعداء الديمقراطية وهو ليس حكرا على الاحزاب الدينية دون سواها كما يروج البعض بل التطرف كما اسلفت ظاهرة تخص كل الاحزاب و الايديولوجيات مهما اختلفت مرجعياتها وان حصرها في جهة معينة يعني السماح للعديد من الجهات المتطرفة الاخرى بالنشاط وتهديد الديمقراطية و السلم الأهلي و لذا لابد من وضع مقاييس واضحة للتطرف السياسي تلزم جميع الأحزاب و تعرض المخالفين للعقاب