عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : واتساب يتوقف على هذه الهواتف ابتداءً من 5 ماي... هل هاتفك بينها؟    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    الرابطة الأولى (الجولة 28): صراع مشتعل على اللقب ومعركة البقاء تشتد    بطولة انقلترا : ضربة لآمال فورست في بلوغ رابطة الأبطال بعد خسارته 2-صفر أمام برنتفورد    نسق إحداث الشركات الأهلية في تونس يرتفع ب140% مقارنة بسنة 2024    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    أعوان وإطارات المركز الدولي للنهوض بالاشخاص ذوي الاعاقة في اعتصام مفتوح    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    "براكاج" حافلة نقل مدرسي ببنزرت.. إيقاف 6 شبان , بينهم 3 قصّر    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شتان بين هذا الموت ، وذاك الموت !!
نشر في الحوار نت يوم 04 - 05 - 2011

أخيرا هبت رياح التغيير على عالمنا العربي ، أخيرا حدث ما كان يراه المستبدون الظالمون و الطغاة الجبابرة بعيدا و هراء وخرافة وما كان يراه المؤمنون الصادقون الموقنون قريبا و حقا ويقينا ، أخيرا اضطرت وكالات الأنباء ومحطات الأخبار إلى تغيير معجمها تغييرا كليا ، فضربت عُرْضَ الحائط كلمات الخضوع والهزيمة والتبعية والطاعة ... واستبدلت بها كلمات الثورة والتغيير والحرية وإسقاط النظام والاستبداد ...
ها هو المارد العربي يخرج من قمقمه أخيرا ليعلن للملإ أن نومه لم يكن موتا ، وأن صمته لم يكن إلا استعدادا لصراخ قوي مدو هز أركان الطواغيت والظلمة ، وأن انحناءه لم يكن ذلا ولا هوانا بل كان استعدادا لزرع قنابل الثورة والتغيير من أجل الكرامة والحرية والمكانة بين الأمم ... ، وأن غيابه من ميادين التغيير لم يكن إلا تحينا لفرص مناسبة تخول له إثبات ذاته مهما كلفه الأمر ... إذ أيقن أن الاحتجاج والثورة لن يكلفاه أكثر مما كلفه الخضوع والخنوع والصمت طوال هذه السنوات العجاف ... الموت واحد والمذاق مختلف ...
هذا الشباب المتدفق حماسا وهمة ويقظة وإصرارا على التغيير الجذري ، أدرك أخيرا أنه لابد مما ليس منه بد ، وتمثل الكلمة/الجوهرة التي توجه بها أبو بكر الصديق لخالد بن الوليد رضي الله عنهما : " احرص على الموت توهب لك الحياة " ، أكيد أن هذا الشباب الذي دخل التاريخ من بابه الواسع قادر اليوم على التمييز بين هذا الموت وذاك الموت ... يقول المتنبي :
غَيْرَ أَنَّ الْفَتَى يُلاَقِي الْمَنَايَا


كَالِحَاتٍ وَلاَ يُلاَقِي الْهَوَانَا

وَلَوْ أَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ


لَعَدَدْننَا أَضَلَّنَا الشُّجْعَانَا

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ


فَمِنَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ جَبَانَا

1 _ ذاك الموت ...
هل كانت الشعوب العربية _ قبل اندلاع مسلسل الثورات _ حية أو ميتة ؟ هو سؤال يبدو غريبا موغلا في الغرابة كما أنه يبدو غير مستساغ وغير مقبول ، ولكنه سؤال مشروع بكل المقاييس ، لأنه يطرح مفهومي " الحياة " و " الموت " للنقاش ، في زمن أصبح فيه الموت طقسا يوميا عاديا ...
كانت الشعوب العربية تبدو حية في الظاهر فقط ، جماهير غفيرة ممتدة من المحيط إلى الخليج ، تُمَارَسُ عليها شتى أشكال الظلم والاستبداد ، وتذوق الهوان والذل ألوانا وأصنافا ، دون أن تجرؤ على الرفض ولا على الاحتجاج ، كان الحاكم العربي الذي كان يحتل المرتبة الأولى في كل مجالات الحياة ، يسوق رعيته كما يشاء ويحلو له ، فهو صاحب الأمر والنهي أولا وأخيرا ، وهي ملزمة بطاعته طاعة عمياء ، بموجب دستور ممنوح تنص بعض فصوله على أن شخص هذا الحاكم مقدس ، وتنمو صفة القداسة هذه شيئا فشيئا إلى أن تصبح واقعا يجسده حضور صوره في كل مكان ، في المقاهي ، والملاهي ، وفي الحانات ، والإدارات ، والأزقة ، والشوارع ... " نعمة منه علينا ، إذ نرى لما نراه ، أنه مازال حيا ، ومازلنا على قيد الحياة " على حد تعبير الشاعر العراقي أحمد مطر ... هكذا يتم تغييب الشعب تماما ، ويتم تزويير اختياراته تزويرا ، فنتائج الانتخابات تتجاوز 99 %دائما ، وزيارات الحاكم تعتبر أياما مشهودة ، وأفراحا مصنوعة بقوة السوط ، وحد السيف ، فهو أبدا محبوب ، يُستقبل بالهتافات ، والأيادي المتحركة ، والورود والرياحين ، وبمواكب الشموع والخيول والفتيات الفاتنات ...
ليس غريبا أن يشعر الحاكم العربي بالاستعلاء التام وهو يخاطب الجماهير المغلوبة على أمرها ، هذا الاستعلاء الذي يجعله لا يتورع عن توظيف كل الصفات التي تهينها وتذلها و تحط من قدرها .
ذاك الموت الذي كان يتجسد في صور عديدة : انتحار ، هجرة سرية عبر البحر إلى الضفة الأخرى ، إدمان على المخدرات ، اكتئاب ، ارتماء في أحضان الرذيلة والفساد ... كل هذه الصور المقرفة تعتبر إفرازا لممارسات المستبد الذي " يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ، ويحكم بهواه لا بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته . "[1]
2 _ هذا الموت ...
أصبح للموت لون آخر ، وطعم آخر منذ أقدم الشاب التونسي البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجا على الظلم والإهانة التي تعرض لها ، هل يحق لأحد أن يشكك في أن هذا " الموت/الشهادة " كان بمثابة الصرخة التي أيقظت هذه الشعوب من موتها/خوفها ؟! هل يمكن لأحد أن يجادل في كون هذا "الموت/الأيقونة " هو الذي أهدى الحياة للشعوب العربية التي ظلت ترزح تحت كلاكل الظلم والقهر والتسلط لعقود طويلة ؟!، كانت البداية مع الشعب التونسي الذي قدم أروع أمثلة التضامن والالتحام والانتفاض في وجه الطاغوت ، والذي تمثل أخيرا قول شاعره الشابي :
إِذَا الشَّعْبُ يَوْمًا أَرَادَ الْحَيَاة


فَلاَ بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَدَرْ

وَلاَبُدَّ لِلَّيْلِ أَنْ يَنْجَلِي


وَلَابُدَّ لِلْقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِرْ

وظلت الحياة تسري تباعا في كل أوصال العالم العربي ، من تونس التي لم يجد جبارها بدا من الفرار بجلده ، بعدما أيقن بأن تغيير نبرة الخطاب ، وإلقاء الوعود الزائفة لن يوقفا المد الجارف القادم من أعماق الشعب ، إلى مصر التي آثر فرعونها المكوث في " وطنه " رفقه أسرته ، لتتم محاكمتهم بعدما زكمت روائح فضائحهم وجرائمهم كل الأنوف ، إلى ليبيا التي بلغ من استبداد فرعونها أن نعت شعبه ب " الجرذان " ، وتوعده بأنه سينتقم منه " بيتا بيتا " و " زنقة زنقة " ، إلى اليمن التي ظل جبارها متمسكا بكرسي السلطة ، غير آبه بالشهداء الذين يتساقطون يوميا من أجل استنشاق عبير الحرية والحياة ، إلى سوريا التي يرسم شعبها لوحات فداء وشهادة في سبيل حياة حرة كريمة ... والبقية سوف تأتي لا محالة ...
هذا التسونامي العربي الرائع يحطم عروش الطغاة والجبابرة ، بقوة اليقين بأن الحرص على الموت يساوي الحياة ، وكأن هذه الجماهير تفهم أخيرا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا إن رحى الإسلام دائرة ، فدوروا مع الكتاب حيث دار . ألا إن كتاب الله والسلطان سيختلفان ، فلا تفارقوا الكتاب . ألا إنه سيكون عليكم أمراء يرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم ، إن أطعتموهم أضلوكم . وإن عصيتموهم قتلوكم . " قالوا : " وما نفعل يا رسول الله ؟ " قال : " كما فعل أصحاب موسى ، حملوا على الخشب ، ونشروا بالمناشير . فوالذي نفس محمد بيده ، لموت في طاعة خير من حياة في معصية . " ، وجدت الجماهير نفسها أخيرا أمام خيارين لا ثالث لهما : إما طاعة الأمراء الطغاة الجبابرة ، وهي طاعة لا تورث إلا الضلال ، وإما عصيانهم ، وهي عصيان يؤدي إلى موت العزة والكرمة والحياة " لموت في طاعة خير من حياة في معصية . " .
شتان فعلا بين " هذا الموت " و " ذاك الموت " ، ذاك الموت موت ذل وهوان وخضوع واستسلام في صورة حياة ، وهذا الموت حياة شرف وعزة وأنفة ورفض لممارسات المستبدين الظالمين الطغاة ، واستشهاد في سبيل الله ، لأن الله عز وجل حرم على نفسه الظلم وجعله بيننا محرما ، وأمرنا ألا يظلم بعضنا بعضا ، ولأنه عز وجل خلق الإنسان كريما ، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا ، هذا الموت حياة بدليل قوله عز من قائل : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون " آل عمران / 169 ، الإشكال الحقيقي يكمن في كون المستبد يرفض أن يتم التمييز بين هذا الموت ، وذاك الموت ، ولا غرابة في ذلك لأن " المستبد عدو الحق ، عدو الحرية وقاتلهما ، والحق أبو البشر ، والحرية أمهم ، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا ، والعلماء هم إخوتهم الراشدون ، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا وإلا فيتصل نومهم بالموت . "2.

(1) _ ( طبائع الاستبداد ) / عبد الرحمن الكواكبي / ص : 27 / دار الشرق العربي / الطبعة الثالثة / 1411 ه _ 1991 م .
(2) _ ( طبائع الاستبداد ) 27 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.