نجاح 21 تلميذا من أبناء قرى الأطفال "أس و أس" في دورة المراقبة لباكالوريا 2025    الزبلة والخروبة: شنوّة هي؟ وعلاش لازم تخلصها باش ما توقفلكش البيع و الكراء؟    موفى جوان 2025: عجز تونس التجاري يتفاقم إلى 9،900 مليار دينار..    وقتاش تعرف إلي بطارية كرهبتك تعبت ؟ العلامات إلي ما يلزمكش تغفل عليهم!    سرّ تخزين الدلاع باش ما يفسدش فيسع    القصرين: حجز 11 طناً من البطاطا المخزنة خارج المسالك القانونية بمدينة بوزقام    النادي الإفريقي: رئيس الهيئة العليا للرقابة يكشف عن ديون سابقة لم يتم تسويتها    مركاتو: مانشستر يونايتد يتعاقد مع نجم لوهافر الفرنسي    بعد العاصفة الرملية التي شهدتها توزر وقبلي: معهد الرصد الجوي يكشف التفاصيل..#خبر_عاجل    عاجل/ ترامب يتوعد باعلان مهم الاثنين المقبل..وهذه التفاصيل..    عاجل/ ولاية تونس توجه تنابيه لهؤلاء..    هام/ هذه الدول الأكثر طلبًا للكفاءات التونسيّة والمهن المطلوبة..    كأس العالم للأندية 2025: صراع محتدم على الحذاء الذهبي قبل االمباراة النهائية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أكثر من 25 بالمائة من الناجحين من شعبة البكالوريا رياضيات يتحصّلون على ملاحظة حسن جدّا    هام/ نسب النجاح في دورتي البكالوريا حسب الولايات..    قوة إسرائيلية تتسلل داخل الأراضي اللبنانية وتنفذ عملية تفجير    الناطق باسم محاكم قرمبالية: خبر اطلاق أسراب من النحل على مدعويين في حفل زفاف غير صحيح    طيران الإمارات تتصدر تصنيف YouGov لأكثر العلامات التجارية العالمية الموصى بها لعام 2025    4 سنوات سجن في حق رجل الأعمال لزهر سطا وخطية تفوق 5 ملايين دينار    النادي الصفاقسي: تعزيز جديد في صفوف الفريق    الحماية المدنية : 130 تدخلا لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة    عاجل: صدور حكم بالسجن سنة مع وقف التنفيذ ضد نجل فنان مشهور    القهوة باش تغلى؟ البرازيل في وجه العاصفة وترامب السبب    سبعيني يكسّر القاعدة وينجح في الباك... قصة ما تتعاودش!    بعد وضع اسمه في أفيش لسهرة بمهرجان قرطاج: مقداد السهيلي...أنا وين سي علاء!!!    كفاش تحمي صغارك من شمس الصيف؟ نصائح ذهبية من أطباء الأطفال    برد الكليماتيزور يداوي ولا يضر؟ طبيبة توضّح شنو يلزمك تعمل    السخانة باش ترجع في الويكاند؟    قراءة تحليلية لنتائج البكالوريا 2025 ... بين نسب النجاح والتحديات التعليمية    حزب العمال الكردستاني يبدأ تسليم سلاحه    مقتل 150 مسلحاً في كمين للجيش النيجيري    باكستان.. مقتل 9 ركاب حافلة بعد اختطافهم من قبل مسلحين    لأول مرة منذ تأسيسه مهرجان قرطاج الدولي 2025 دون مدير فني    مهرجان قرطاج الدولي..دورة تحتفي بالفن وتنصت للقضية الفلسطينية [فيديو]    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    لطيفة تطرح 4 أغاني من ألبومها "قلبي ارتاح"    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    الحذرَ الحذرَ، فوالله لقد ستر حتى كأنه قد غفر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً    عاجل: من 20 إلى 90 دينار: تذاكر مهرجان قرطاج تثير الجدل من جديد    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: ولا تنازعوا فتفشلوا ...    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    الليلة: خلايا رعدية وأمطار مع تساقط محلي للبرد    المحلل المالي معز حديدان: كلفة دعم الخبز تكفي لبناء 4 مستشفيات جامعية سنويا    أنيسيموفا تتأهل لنهائي ويمبلدون بفوز مثير على سبالينكا    نسبة النجاح العامة في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2025 تبلغ 52.59 بالمائة    بنزرت: حملات رقابية ليليلة للحد من مظاهر الانتصاب الفوضوي وإستغلال الطريق العام ببنزرت المدينة    إختتام مشروع تعزيز الآلية الوطنية لتأطير الصحة الحيوانية البيطرية بتونس    الموت في لحظة غفلة: السباحة الليلية تودي بحياة مراهق في بن قردان    عاجل: فيفا تُصدر تصنيف جويلية 2025...تعرف على مرتبة تونس عالميا وافريقيا    قبلي : تواصل قبول الأعمال المشاركة في الدورة الرابعة من مسابقة "مسابقة بيوتنا تقاسيم وكلمات"    عاجل/ "يويفا" يحدث تعديلات على لوائح العقوبات في مسابقات الموسم المقبل..    الرابطة المحترفة الثانية : مبارك الزطال مدربا جديدا للملعب القابسي    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لو كان القتال لعلة الكفر لكان الرهبان أولى الناس بالقتل
نشر في الحوار نت يوم 09 - 09 - 2009


مؤكدًا أن الإسلام يفتح أبواب المسالمة مع الجميع
الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي: آية السيف مختلف عليها والبعض يقول بنسخها
لو كان القتال لعلة الكفر لكان الرهبان أولى الناس بالقتل

مصطفى عبد الجواد
شدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على أن المحاربة وليس الكفر هي علة القتال في الإسلام، معتبرًا أنه لو كانت العبرة بالكفر لكان الرهبان أولى الناس بالقتال، ولم فرق الإسلام بين رجل وامرأة.
وأشار إلى وجود اختلاف حول الآية التي توصف بآية السيف، والتي يقول البعض بأنها نسخت مائتي آية من آيات القرآن منها آيات العفو والصفح، لافتًا إلى أن هناك من يقول بأن آية السيف نفسها منسوخة، ونبه لضرورة فهم وتفسير هذه الآيات في ضوء السياق الذي وردت فيه وأسباب نزولها.
كما تطرق القرضاوي، خلال حلقة الأمس من برنامج "فقه الحياة" الذي يبث يوميًا على قناة "أنا" الفضائية (تردد 12226 أفقي نايل سات) ويقدمه أكرم كساب، إلى حديث: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة"، مؤكدًا أن الحديث ضعيف من ناحية المتن والسند.
وانتهى القرضاوي إلى أن نشر تلك الأفكار المتشددة ينقل صورة مشوهة إلى العالم عن الإسلام والمسلمين، بينما نحن نريد أن نفتح قلوب العالم بالمحبة وبالأخلاق، وليس بالسيف، معتبرًا أن المسلمين لم يقوموا بواحد في الألف من الجهد المطلوب لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام.

** كيف تردون على من يرون في الجهاد حربًا على العالم كله، خصوصًا أنهم يستندون على آيات من القرآن وأحاديث من السنة النبوية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى أهله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد،
فقد ذكرنا في بعض حلقاتنا السابقة، أن قضية الجهاد وقعت بين طرفين وواسطة، طرف يريد إلغاء الجهاد وإماتة روحه حتى تستسلم الأمة لأعدائها، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، ولا عن دينها وأرضها وحرماتها. هذا قسم يقابله الذين يريدون أن يحاربوا العالم كله، من سالمنا ومن حاربنا.
وهؤلاء يسمونهم "الهجوميين"، فهم يقولون بأن الإسلام دين هجومي، ولابد أن يفرض سلطانه على العالم، أو على الأقل إذا لم يفرض العقيدة يفرض النظام والشريعة والدولة على العالم.
وهؤلاء الإخوة لهم طبعًا شبهات، وكل ذي دعوة لابد أن تكون له شبهات، لكن المهم دائمًا هو المحكمات، حيث يجب الاستمساك بالمحكمات من النصوص؛ والله تعالى أنزل القرآن (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فالمنهج السليم هو أن ترد المتشابهات إلى المحكمات، إنما منهج أهل الزيغ على عكس ذلك.
وهم مثلاً يقولون إن القرآن يأمرنا أن نقاتل الناس كلهم، فإذا واجهتهم بالآيات الأخرى التي تأمر بعرض الدعوة على الناس (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يقولون هذه منسوخة، من الذي نسخها؟ نسختها آية السيف.
وإذا جئت لهم بقوله تعالى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) والأمر فيها واضح، يقولون لك: هذه منسوخة، من الذي نسخها؟ نسختها آية السيف، وإذا جئت بقوله تعالى: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) قالوا لك: هذه منسوخة، من نسخها؟ نسختها آية السيف، ووصل الأمر إلى أنهم قالوا إن آية السيف نسخت مائة وأربعين آية في كتاب الله، بل بعضهم قال نسخت مائتي آية، وإن هذه الآيات موجودة في المصحف خطًا ولفظًا ومعدومة المعنى.

** وما قولكم في قضية النسخ هذه؟
أنا أضيق جدًّا في القول بالنسخ في القرآن، وأرى مثلاً أن قوله تعالى في سورة البقرة: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) نسختها الآية التالية (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهذا ثابت في البخاري ومسلم، وقد ذكر الإمام الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن" أن هناك من العلماء قديمًا من أنكروا النسخ في القرآن، ومن المعروف أن الإمام الرازي يذكر دائمًا قول أبي مسلم الأصفهاني الذي لا يرى نسخًا في القرآن ويؤول كل ما قيل إنه منسوخ.
وعلى كل حال قضية النسخ غير مقطوع بها، وما من آية قيل إنها منسوخة إلا وخالف فيها من خالف، ولا تجد آية مطلقًا متفقًا على أنها منسوخة، والأصل أن الله أنزل هذا القرآن ليهتدى به، وليعمل به، وليحتكم إليه، فكيف نقول: هذه الآية لم يعد لها عمل، ومن يجروا على أن يقول هذه الآية بطل مفعولها، والعجيب أنك حينما تسألهم ما آية السيف؟ لا يتفقون عليها.

آية السيف

** إذن هناك أكثر من آية تسمى آية السيف؟
هناك أربع آيات تقريبًا كلها في سورة التوبة، وأشهر الآيات هي قوله تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، ولكن حينما تنظر في هذه الآية، تجد أنها جاءت في مشركي قريش، ومشركي العرب، الذين نكثوا العهود وتعدوا الحدود، وآذوا المسلمين، وقاتلوهم سنين طويلة، ونزلت فيهم سورة براءة (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ) فهذه الآية كما قال الإمام الحسن بن الجلال من أئمة الزيدية نزلت في المحاربين الذين يحاربون الإسلام.

والذي يدل على هذا أنه قبل هذه الآية جاء قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ) كما أن قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) هو الآية المباشرة لها، وبعدها (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
** إذن ترون أن هذه الآية لا تعتبر ناسخة لآية العفو والصفح؟
العجيب أن بعضهم قال إن هذه الآية منسوخة أيضًا، ونسختها آية سورة محمد: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوَهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَناًّ بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ).

** ذكرتم أن سورة براءة أو سورة التوبة تضم وحدها أربع آيات تسمى بآية السيف، وأشرتم إلى إحداها، فما الآية الثانية؟
الآية الثانية قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) و"كافة" في الآية قد تكون حال من الفاعل، أو حال من المفعول، بمعنى أنتم أيها المسلمون تجمعوا على قتالهم كما يتجمعون على قتالكم، أو قاتلوهم جميعًا كما يقاتلونكم جميعًا ولا يستثنون أحدًا منكم واعتبروهم كتلة واحدة.
وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن الأشهر الحرم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) والأشهر الحرم كما أشرنا من قبل هي هدنة إجبارية، ولذا فالسياق ليس سياق قتال العالم بل العكس هو الأولى.
أما الآية الثالثة التي قيل إنها آية السيف فجاءت في سياق الاستنفار وهي قوله تعالى (انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا) وهي جاءت بعد قوله (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً)
والآية الرابعة هي آية الجزية (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) وهي تقول للمسلمين: استمروا في قتالكم، لأنها نزلت بعد غزوة تبوك، حيث اشتبك المسلمون مع الروم بعدما قتلوا دعاة المسلمين، وتهيئوا ليغزوا المسلمين في المدينة فكان لابد من لقائهم والخروج إليهم، وعند اللقاء لابد من أن يعرض عليهم إما الإسلام وإما قبول الجزية، ومعنى قبول الجزية هو الدخول تحت سلطان المسلمين، أما قوله (وهم صاغرون) فقد فسرها أكثر العلماء بأنها تعني جريان أحكام الإسلام عليهم، أي الخضوع للدولة الإسلامية في أحكامها الشرعية المدنية، أما الأحكام الدينية فلا تفرض عليهم، فلا نفرض عليهم صلاة ولا زكاة ولا أي شيء من هذا.
وإذا قبلوا الجزية فإنهم يدفعون شيئًا قليلاً، هو مقابل الزكاة من ناحية، ومقابل الجهاد من ناحية أخرى، ولذلك تعتبر الجزية كأنها بدل خدمة عسكرية.

حديث السيف

** لكن هناك حديثًا في مسند الإمام أحمد يستند إليه هؤلاء، وهو "بعثت بالسيف بين يدي الساعة" وهناك من العلماء من ذهب إلى صحة هذا الحديث؟
أنا أسمي هذا الحديث "حديث السيف" كما أن هناك الآية التي يسمونها آية السيف، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد كما ذكرتم، وروى أبو داود، جملة منه "من تشبه بالقوم فهو منهم" وإن كان لم ير باقية الحديث، وهذا الحديث أول من صححه العلامة الشيخ أحمد شاكر في تخريجه للمسند، ومعروف أن الشيخ شاكر متساهل في التصحيح، وهو يأخذ بتصحيح ابن حبان، وابن حبان أحيانًا ينفرد بتصحيح بعض الناس، بناء على قاعدة عنده، ولذلك المحققون من علماء الحديث أخذوا هذا على العلامة الشيخ شاكر، لكنه حينما صحح الحديث فتح الباب لغيره، حيث جاء الشيخ الألباني بعده وصححه أيضًا، وجاء الشيخ الأرناؤوط ، أو آل الأرناؤوط ، شعيب وعبد القادر في "تخريج زاد المعاد"، وصححوا الحديث.
ولكن في تخريج المسند، وهو عمل موسوعي كبير أشرف عليه الشيخ شعيب، أعادوا النظر في تخريج هذا الحديث، وانتهوا إلى أنه حديث ضعيف، وهذا من بركة هذا العمل الجماعي، حيث عللوا الحديث بعلل لا يتسع المقام لذكرها.

** هذا عن السند، فماذا عن المتن؟
من ناحية المتن أرى أنه مخالف لما جاء في القرآن الكريم، فالله تعالى يقول (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً) و (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ) فالرسول لم يبعث بالسيف، وإنما بعث بالبينات (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)، والرسول وهو أول من أرسل بالبينات، فكيف نقول إنه بعث بالسيف، والمفروض أن الأحاديث التي تبين موقف الإسلام، يجب التوقف والتشدد فيها، والعلماء قالوا إن أحاديث الحلال والحرام، وأحاديث الأحكام لا يؤخذ فيها إلا بحديث صحيح أو حسن، وأنا أرى أن ذلك ينطبق أيضا على الأحاديث المتعلقة بفضائل الأحكام.

** ماذا عن الحديث المتفق عليه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا أو حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله" ؟
ما المراد بالناس هنا؟ هل المراد أن نقاتل العالم كله؟ وهل إذا أخذنا بظاهر هذا الحديث لا نقبل حتى الجزية أم يجب أن نرد النصوص بعضها إلى بعض، فمن المناهج الأصولية في فهم الأحكام وفي فهم الشريعة، أن نرد النصوص بعضها إلى بعض، ونأخذ النصوص متكاملة، فلا نأخذ نصًا ونترك الآخر.
وهذا الحديث مثل الآية التي زعموا أنها آية السيف في سورة التوبة (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ) فالمقصود في الآية هو مشركو العرب الذين أمهلوا هذا الإمهال، ليختاروا لأنفسهم، كما جاء في سورة البقرة (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) فكلها معاملة بالمثل، والحقيقة أن هؤلاء المشركين اختاروا لأنفسهم فعلاً، ودخلوا الإسلام جميعًا، ولم يحتاجوا إلى قتال.

** ولكن قد يقول البعض ما الذي يجعل الشيخ القرضاوي يقول هذا الكلام، هل هناك من العلماء من الأقدمين أو من المعاصرين من سبقكم إلى هذا التفسير؟
نعم هناك كثيرون، وأشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه، فله كتاب اسمه "قاعدة في قتال الكفار" ويقول فيه: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقاتل إلا من قاتله، ولم يحارب إلا من حاربه، ومن هادنة هادنه، ومن سالمه سالمه، وكل الغزوات تقول هذا، كما أن القرآن، وكتب الأحاديث، وكتب السيرة والغزوات، وكتب الفقه، كلها تدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقاتل إلا من قاتله.
ومن المعاصرين هناك الشيخ الغزالي، والشيخ شلتوت، والشيخ محمد عبد الله دراز في كتابه "مبادئ السلم الدولي في الإسلام" والشيخ أبو زهرة والكثيرون غيرهم.

غزوات هجومية؟

** هؤلاء يتعللون أيضًا بغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها كانت غزوات هجومية، كما في غزوة بدر؟
هذا سوء لفهم لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم الرسول خرج في غزوة بدر لتعقب القافلة التجارية القادمة من الشام، ولم يكن يقصد قتالاً، ولذلك خرج مع مجموعة غير مستعدة للقتال، وكان يقصد أن يضرب قريشًا ضربة اقتصادية تعوض المسلمين عن بعض ما خسروا بمكة، لأنهم تركوا أموالهم، وعقاراتهم، وبيوتهم، ومزارعهم، فكان لابد من ضربة اقتصادية متمثلة في هذه القافلة.
لكن نجت القافلة، ولم يكن في ذهن النبي عليه الصلاة والسلام هذه الغزوة، إلا أن أبا جهل وأمثاله هم الذين أرادوها نوعًا من التحدي، وقالوا لابد أن نصل إلى بدر، وبدر محسوبة على المدينة، ونقيم هناك، وننحر الجذور، ونشرب الخمور، وتعزف علينا القيان، ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر، إذن كانت عملية تحدٍ، وكان لابد من أن يواجه الرسول هذا الموقف، والقرآن يقول: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) أي غير مستعدين. وبعد ذلك جاءت غزوة أحد، والكفار هم الذين جاءوا إلى المدينة، أما غزوة الخندق "غزوة الأحزاب" فكان المقصود بها استئصال الرسول وأصحابه في عقر دارهم، فجاءت قريش وغطفان ومن حولهم، ليحاصروا المدينة.

** وماذا عن الفتوحات التي كانت في خلافة الراشدين، ما الذي جعل الصحابة عليهم رضوان الله يخرجون من جزيرة العرب، أليس في هذا نوع من بسط القوة والنفوذ؟
هو عندما تقوم الدولة وتريد أن تمكن لنفسها، هناك ضرورات، ومن هذه الضرورات تأمين الدولة إذا كان جيرانك يهددونك، فلابد إما أن تعاهدهم أو تحاربهم، أما هذا الوضع المائع فغير ممكن، والرسول والمسلمون كانوا يرحبون بكل معاهدة، والنبي عليه الصلاة والسلام بعدما دخل المدينة أقام اتفاقية بينه وبين اليهود، وهم الذين بدأوا بنقضها.
وفي ذلك الوقت كانت هناك دولتان كبريان تتنازعان العالم، الفرس والروم، وهؤلاء رفضوا الدين الجديد، والروم قتلوا الدعاة، وكسرى مزق كتاب محمد، فكان لابد من هذا الصدام.

** البعض يقول إن هناك إجماعًا على أن جهاد الطلب هو فرض كفاية؟
أولاً ليس هناك إجماع، حتى الصحابة كما ذكرنا من قبل منهم من خالف ذلك، وابن عمر يقول إن الجهاد ليس فرض كفاية، وذكرنا من التابعين عمرو بن دينار، وابن شبرمة وابن المبارك والبعض يقول إن الجهاد يكون فرض كفاية إذا خيف على المسلمين من أعدائهم، إنما إذا كانت بلاد المسلمين آمنة ومطمئنة وحدودها مؤمنة، فليس من الضروري أن يغزوا، وممن تبنوا هذا القول أيضا ابن رشد الجد في المقدمات والممهدات، كما ذكره شحنون وبعض الحنفية.
وحتى لو سلمنا بأن جهاد الطلب فرض كفاية، فهناك شرح وتفسير لمعنى فرض الكفاية عند بعض العلماء خصوصًا الشافعية، والشافعية هم أشد الناس في قضية القتال؛ لأنهم قالوا إن الكفر وحده علة للقتال على خلاف الحنفية والمالكية وغيرهم.
الشافعية يقولون إنه ليس من الضروري لأداء فرض الكفاية أن نبعث بغزاة وجنود يدخلون أرض الكفار، ولكن يكفي أن تشحن الثغور بالجنود المسلحين المدربين والقواد الأكفاء، حتى يكون للمسلمين رهبة عند أعدائهم، بحيث لا يفكرون في التوسع في أرضهم، فتخمد شوكتهم، وهذا ذكره الإمام الرافعي في روضة الطالبين، وذكره الإمام النووي في منهاجه، وشراح المنهاج كلهم اتفقوا على هذا الأمر.
محاربة أم كفر؟

** الحروب والمعارك والغزوات التي وقعت ما الأصل أو السبب فيها؟ هل هو مجرد الكفر؟ أو هو الكفر مع المحاربة؟
هو الكفر مع المحاربة، أو المحاربة، هكذا قال الأحناف، فنحن نقاتلهم لحرابهم لنا، ولو كان القتال لغرض الكفر، لكنا نقتل النساء والرجال، فالمرأة كافرة مثل الرجل، ولكان أولى الناس أن نقتلهم هم الرهبان في الصوامع، الذين يحافظون على الدين، لكننا منعنا عن قتال الرهبان في الصوامع والحراث في أرضهم، والتجار في مزارعهم.
وإذن فالمحاربة هي السبب القتال، وهذا ما فصله ابن تيمية في كتابه "قاعدة في قتال الكفار" وذكر أدلة كثيرة منها قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) ومنها قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وقوله تعالى: (فإما منًا بعد وإما فداء) حيث يوضح أنه إذا كنا سنمن عليه أو نفديه وهو سيظل كافرا، فالأولى أن ما نقتله من البداية قبل الأسر، كما أن المقصود في الآية ، (فشدوا الوثاق حتى إذا أثخنتموهم) ليس ألا نبقى كافرًا، إنما نكسر شوكتهم حتى لا يعتدوا علينا.

** ما خطورة هذه الأفكار على الأمة الإسلامية ككل؟
هذه الأفكار إذا انتشرت ولم تجد من يرد عليها، أخذ العالم عنا، أننا قوم لا نريد السلام لأحد، بل نريد أن نسيطر على العالم بالقوة، ونحن نريد أن نفتح قلوب العالم بالمحبة، وبالأخلاق وليس بالسيف، كما أن الإخوة المتشددين يرتبون على هذا أنه لا يجوز أن ندخل في الأمم المتحدة، ولا أن نؤمن بميثاقها ولا أن نقبل عضويتها، ونعيش في عزلة عن العالم كله، العالم كله يصبح ضدنا.
وهذا ما لا يقبله الإسلام، الإسلام بالعكس يريد أن يفتح الأبواب حتى مع الذين يحاربهم ويحاربونه، (وإن جنحوا للسلم فاجنح له وتوكل على الله) (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) فليست هناك عداوة دائمة، ولا محبة دائمة، القلوب تتغير، والإسلام دائمًا يريد أن يفتح الأبواب للمسالمة مع الناس جميعًا؛ لأنه رحمة للعالمين.

** لكن مثل هذه العهود والمواثيق ألا تجعل الناس يقعدون عن الجهاد في سبيل الله؟
ما معنى يجلسون عن الجهاد في سبيل الله؟ عن نشر الإسلام؟ عن الدعوة إلى الإسلام؟ هل يمنع أحد المسلمين من دعوة الناس في العالم؟ العالم الآن وصل سكانه إلى 7 مليارات نسمة، فهل قدمنا نحن دعوتنا سلميًا إلى العالم حتى نقاتل العالم؟ مطلوب منا جيوش جرارة من الدعاة والإعلاميين والمعلمين ليخاطبوا العالم بلغته، ونحن لم نقدم واحدًا في الألف من الجهد المطلوب لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.