هل يمكن أن نفصل الدين عن الدولة؟ هل يمكن أن نؤسس لديمقراطية بعيدا عن الدين؟ هل يمكن أن نقنع الشعب التونسي أو المصري أو أي شعب مسلم بأن الاسلام مسألة شخصية ولا تتدخل في السياسة؟ هل طرح علاقة الدين بالدولة جدل جاءت به الثورة سواء في تونس أو مصر و ستكون آخر بلدان يطرح فيها الموضوع أم أننا سنرى هذا الجدال والحراك مجددا في سوريا و اليمن و غيرها عندما تضع المظاهرات أوزارها؟ان من يرى أن علاقة الدين بالدولة هي علاقة تواصل، و خاصة الاسلامين، ينطلقون من أن الشعب أغلبه مسلم و بالتالي لابد من الحفاظ على هويته و لو بمجرد الاشارة الدستورية على أن الدولة دينها الاسلام في حين يراها البعض الآخر، و خاصة العلمانيين و اللائكيين، أنه لا بد أن تحسم بالفصل بل و لا بد أن ينص على ذلك الدستور مستدلين بأن الدين ثابت و هو شأن خاص في حين أن السياسية هي شأن متغير وترتكز على المناورة و المخادعة... و لم يكلف أحد نفسه عناء طرح هذه الجدلية بصيغة واقعية و تطبيقية حتى نعرف على الأقل هل ستلغى وزارة الشؤون الدينية؟ هل سيلغى مهمة المفتي العام؟ من سيشرف على المساجد و يحدد سياساتها و برامجها؟ هل ستبقى تونس و مصر جزء من الأمة العربية والاسلامية أم أنه سيطلب منها الانسحاب من الجامعة العربية و من رابطة العالم الاسلامي؟ هل سيطرح موقف الاسلام من قانون الشذوذ أو قانون الاجهاض و غيرها من المواضيع المسكوت عنها أم ستصاغ القوانين طبقا لقوانين الولاياتالمتحدة و الاتحاد الأوروبي و الذي في كثير من بلدانه لم تحسم المسألة بعد بسبب معارضة الكنيسة الى يومنا هذا؟، أم أن الأمر سيكون مثل تجاربنا السابقة مع الأنظمة المنحلة عندما منعت غيرها من استخدام الدين في السياسية و لكنها وظفته لنفسها دون أي وازع فرأينا الأئمة في المساجد تدعو لحامي الحمى و الدين كما رأينا الفتاوي التي تحث على طاعة أولي الأمر وحرمة الخروج عنهم!!! و قبل أن نناقش هذا الخيار أو ذاك لابد أن نشير الى تجارب الغرب و خاصة أوروبا في مسألة الدين ولعل التجربة الايطالية خير مقال أن نستحضره في ذلك بحكم معايشتي لها و لقربها من محيطنا اضافة الى وجود الفاتكان بها. فالبرغم من أن الدستور الايطالي لا يتحدث عن علاقة الدولة بالمسيحية والكاثوليكية بصفة أخص الا في البند السابع و الذي حدد هذه العلاقة باتفاق ثنائي بينهما. و لكن عمليا فان الكنيسة الكاثوليكية تستفيد بنسبة الثمانية بالألف من أداءات العمال، كما أن الكنائس معفاة من جميع الأداءات و لا يخفى على أحد أن أغلب العطل الرسمية في ايطاليا بل في أوروبا مربوطة بمناسبات دينية مسيحية أما أسماء الشوارع و الجامعات و المستشفيات فحدث و لا حرج كما أن أغلب القوانين التي تقرها الحكومات المتعاقبة في ايطاليا لابد أن يكون للمسيحية رأي فيها و ان لم يعلن عن ذلك و ما عجز الحكومة على صياغة قانون الشواذ الذي وجد معارضة كبيرة من الفاتكان وأيضا قانون الاجهاض الذي لا يمنعه القانون الايطالي و لكن ترك للمستشفيات الحرية في القيام به من عدمه الا دليل على ذلك. و لا شك أن معظمنا سمع بقضية الصليب في الفصول و المستشفيات حيث لا يخلو فصل في مدرسة أو غرفة في مستشفى من صليب معلق على الحائط و قد اعتبرته احدى المحاكم الايطالية رمز هوية البلد و وحدتها مخالفة بذلك دستور البلاد الذي ينص على علمانية الدولة. وفي الدولة الايطالية اللائكية تدرس المسيحية في المدارس ضمن المناهج المقررة كما أن قداس الأحد يبث كل أحد على الهواء مباشرة على القناة الأولى الرسمية التي يدفع أداءاتها المواطن المسيحي و الشيوعي و المسلم و اليهودي و لم يحتج أحد على ذلك بل ان برامج المسيحية الكاثوليكية في جميع القنوات التلفزيونية بائنة للعيان. و قد أدّى هذا الحرص على الهوية المسيحية الكاثوليكية الى سن تشريعات تهدف الى الحد من انتشار المساجد في ايطاليا و التي اعتبرت تهديدا للمناخ العام للبلاد أما الاعتراف بالدين الاسلامي فدونه عقبات كؤودة. و بالرغم من أن هناك اجماع لدى كل الفرقاء على أن الشعب التونسي كما الشعب المصري و غيرهما هو شعب مسلم و ان الاسلام هو قاسمه المشترك الا أنهم سرعان ما يرتجفوا اذا ما ذكر الاسلام في التشريعات و القوانين في الوقت الذي تتجه فيه بريطانيا الى بعث محاكم اسلامية تختص في الفصل بين نزاعات المسلمين في قضايا الأسرة و تتجه نحو ذلك البلدان الاسكندنافية و غيرها من البلدان الأوروبية في حين نرى حراس الدولة العلمانية في الدول الاسلامية ينتفضون و يقرعون ناقوس الخطر مستغيثين من أن قطع اليد و الجلد يهدد مكاسب الحداثة و التقدم و الرقي!!! و اني لا أدري ما ضير العلمانية في أن يتدخل كبار العائلة في جلسة صلح اذا شبت خصومة بين زوجين؟ و ما ضير العلمانية اذا أوصى أحدنا لأبنائه بنصيب طبقا للشريعة الاسلامية في الميراث و هو ما نصت عليه "مجلة الأحوال الشخصية" التي يعبدونها من دون الله؟ و ما ضير العلمانية اذا كف السياسي عن الكذب و الخديعة بحجة التحريم؟ وما ضير العلمانية اذا منع الربا الفاحش في المجتمع و بنيت المعاملات على العمل والجهد؟ و ما ضير العلمانية اذا منعت العلاقات خارج الرباط الزوجي حتى نعلم هذا ابن من عوض البحث أين سنأوي هذا؟ و ما ضير العلمانية اذا منع علاقات الشذوذ في بلد مسلم لأنها علاقات غير طبيعية؟ و ما ضير العلمانية اذا أخذ رأي الاسلام في أي مسألة قبل البت فيها بقانون معين حتى نحافظ على الشعور العام للمجتمع المسلم؟ لقد صوروا لنا أن الدين بعبع يهدد الدولة المدنية المنشودة وسيعلق الناس على المقاصل و لم يكلف أحدهم نفسه عناء البحث عن شروط تطبيق حد الزنا أو شروط تطبيق حد السرقة في الدولة الاسلامية، و هي أشد أحكام الشريعة على الناس، و التي لو درسوها لعلموا أنه يكاد يستحيل تطبيق ذلك لأنه ببساطة ان الشريعة الاسلامية تدرأ الحدود بالشبهات. رضا المشرقي / ايطاليا