عوّض حلف شمال الأطلسي استراتيجية التدخل العسكري البري المباشر في الأراضي الليبية باستراتيجية تكثيف القصف الناري ضد الدكتاتور معمر القذافي وقواته لدفعه نحو الاختباء التام أو اغتياله مباشرة لوضع حد للأزمة، في حين ترفض الدول الأوروبية منح أسلحة هجومية متطورة للثوار الليبيين مخافة من سيناريوهات مقلقة بعد نجاح الثورة قد تحمل مواجهات عسكرية إذا لم يحصل لاحقا توافق على تقسيم السلطة. في هذا الصدد، تستمر المنتديات العسكرية الأوروبية في اسبانيا وفرنسا في معالجة ما تصفه بالحرب القائمة في ليبيا، مؤكدة أن خيارات التدخل العسكري البري المباشر وعلى مستوى شامل لم تعد مطروحة في أجندة الدول الغربية لأسباب متعددة، أولها، بدء انهيار المنظومة العسكرية الليبية جراء القصف القوي للحلف الأطلسي، حيث بدأت تفتقر كتائب القذافي للسلاح ووسائل النقل في ظل القصف والحصار. ثانيا، استهداف الدكتاتور الليبي معمر القذافي مباشرة ولكن من خلال التستر بقصف المقرات الحكومية والعسكرية، وعليه يتحمل القذافي مسؤولية اغتياله إذا كان موجودا في القيادات العسكرية، ثم اللجوء الى الحرب النفسية من خلال ترويج أخبار تفيد بمقتله أو إصابته بجروح في غارات الطيران الحربي، وهذا من شأنه أن يؤثر عل نفسيه الكتائب وأنصاره بسبب غياب رأس القيادة. ويهدف الاغتيال ثم ترويج أخبار عن جرحه إلى تسريع وتيرة إنهاء الأزمة الليبية حتى لا تطول. وعمليا، استطاع الحلف الأطلسي، كما يسود التقدير العسكري، إقناع معمر القذافي بحتمية الفرار من العاصمة طرابلس وتقليل اتصالاته بالحكومة التي انفرط عقدها بينما يغيب التنسيق عن الوحدات العسكرية المنتشرة في عدد من مناطق البلاد وخاصة في منطقة طرابلس، وهذا يشكل بداية الانهيار الحقيقي. ويرى الخبراء أن التواجد العسكري البري موجود في ليبيا من خلال كوماندوهات خاصة فرنسية وبريطانية. وأكدت جريدة 'دايلي ستار' البريطانية أن هدف الكوماندوهات البريطانية هو تنفيذ عمليات وسط طرابلس من ضمنها استهداف القذافي نفسه. ومن المحتمل ارتفاع وتيرة القصف الجوي وتنفيذ العمليات من طرف الكوماندوهات الخاصة خلال هذه الأيام لتسريع الحل النهائي، وكان وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه قد أشار إلى ذلك في نهاية الأسبوع الماضي. ومن جانبها، أكدت وزيرة الدفاع الإسبانية كارمن تشاكون منذ أيام أنه 'يجب الاستمرار في الضغط العسكري حتى تحقيق نهاية طرد القذافي من السلطة'. ومن جانب آخر، فإحجام وتردد الغرب حتى الآن في تزويد الثوار الليبيين بأسلحة متطورة تساعدهم في التقدم نحو العاصمة يعود لسببين، الأول اقتراب نهاية نظام معمر القذافي جراء الضربات القوية التي يتلقاها منذ شهرين تقريبا. والثاني، وكما يؤكد مصدر أوروبي ل'القدس العربي'، مرتبط بالضبابية التي تلف الهوية السياسية والإيديولوجية للثوار، إذ لا يشكلون مجموعة متجانسة بقدر ما هم منتمون لتيارات متعددة وتفتقر للتنظيم والانضباط السياسي بسبب غياب طبقة سياسية ومجتمع مدني في عهد القذافي عكس باقي الدول العربية التي يقود فيها سياسيون والمجتمع المدني الحركات الاحتجاجية أو أنجزوا الثورة مثل تونس ومصر. وهذا من شأنه أن ينتج عنه، في حالة عدم الاتفاق ما بعد الثورة، مواجهات بين ثوار اليوم لا سيما في ظل صراعات صامتة وعلنية أحيانا بين المنتفضين في البدء ورجال القذافي الذين التحقوا لاحقا بالثورة، وقتها ستكون هناك جماعات مسلحة بشكل جيد ولا تخضع لأي سلطة سياسية أو عسكرية، ومما يزيد من حساسية الوضع انفتاح ليبيا في حدودها الجنوبية على الصحراء الكبرى، حيث تجارة الأسلحة رائجة وثمة تواجد لأعضاء وأنصار تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.