السيد عبد الحميد الجلاصي المكلف بالهيكلة والتنظيم في حزب النهضة: حركتنا تحديثيّة وسطية تنهل من تراث حركة الإصلاح التونسي جريدة الصحافة - الاربعاء 25 ماي 2011 حاوره: الصحبي بن منصور
رغم كثرة الهوامش في الحديث عن حركة النهضة التي شغلت الناس في تونس منذ أربعة عقود بحيث طغت الإشاعة والكلام المفتقد للرويّة على وقائع الأمور فانّ الصورة الحقيقية لهذا الحزب السياسي تستمد معالمها من التكوين العلمي والثقافي الرفيع المستوى لرموزها وعموم قادتها. ومن هؤلاء القادة المهندس عبد الحميد الجلاصي عضو المكتب التنفيذي بالنهضة المكلّف بالهيكلة والتنظيم والذي قضّى من حكم جائر بالمؤبّد بالسجن 18 سنة عرف فيها معنى السجن الانفرادي والتدمير الممنهج لكيان الإنسان رغم أنّه ظل عنوانا للصمود في وجه كافة أشكال التعذيب والتنكيل.
ما هي الضمانات التي يمكن أن تقدّمها حركة النهضة لطمأنة الشعب على مكتسبات الحداثة في تونس؟ بلادنا تعيش حالة مخاض، ومرحلة انتقال دقيقة وحسّاسة، ومحفوفة بالمخاطر وهي مرحلة انتقال من وضع انغلاق، احتكرت فيها منظومة الحكم الفضاء العمومي، وأقصت أبرز القوى الفكرية والسياسية المعارضة والمستقلّة، الى وضع ينفسح فيه مجال الحريات، وتتوفر فيه الفرصة لكل القوى للتعريف بنفسها. على حركتنا اليوم أن تتعامل مع فئة شبابية لم تعرفها أصلا، ومع فئات أخرى غابت عنها عشرين سنة كاملة، ومع المواريث السيئة لسياسة التشويه التي مارسها النظام البائد، ومع محاولات الشيطنة التي يلجأ إليها بعض المنافسين السياسيين في مناخات وضع انتخابي، ومع حالة الاختلاط والالتباس داخل حالة إسلامية مركّبة ومعقّدة، يجب أن نبذل جهدا كبيرا للتواصل مع الناس، لتطوير مشروعنا وخطابنا، وتوضيح صورتنا الحقيقية. فحركتنا حركة إصلاحية وسطية تحديثية معتدلة، تنهل من التراث حركة الإصلاح التي انطلقت في بلادنا منذ حوالي القرنين والصراع في بلادنا ليس بين تحديث وتقليد، بل حول أرضيات ومرجعيات التحديث. ونحن نرى ان الحداثة حداثات، وان دروبها متنوعة، قدر تنوع الثقافات والحضارات. وما يجب ان يكون مدعاة افتخار للتونسيين ان توافقت طوائف واسعة من نخبهم الفكرية والسياسية على أرضيات تحدد الملامح العامة لنمط المجتمع وتطلعاته الأساسية من حرية، وعدالة، واعتزاز بالثقافة والتاريخ، وانفتاح على المكاسب البشرية كما جاء ذلك في الميثاق الوطني (1988) او أرضية تحالف 18 أكتوبر... ونحن حركة مسؤولة، ملتزمة بكلّ تعهداتها، بل ومستعدة لدفع الحوار الوطني لمزيد من التوافقات، وكلّ توافق بين النخب السياسية يقود الى طمأنة عامة الجماهير.
ماهي استراتيجيتكم الانتخابية؟ وما هي سياستكم في التحالف؟ ومع من؟ من المهم ان نضع الاستحقاق الانتخابي في اطاره الحقيقي حيث يجب ان يكون الهدف الأساسي تدريب شعبنا على الديمقراطية لينتقل من موقع المتفرّج على مسرحية سمجة الى صانع لتاريخه، وننتقل من ثقافة الرعايا الى ثقافة المواطنة، ان الكسب السياسي للبلاد أهم وأبقى من الكسب الانتخابي للأحزاب وهذا يحمّل النخب السياسية مسؤولية جسيمة. لا يجب ان ينظر الى محطة 24 جويلية بأنها نهاية للتاريخ، تستعمل لكسبها انتخابيا كلّ الاسلحة الممكنة استنادا لثقافة التنافي. ان الانتخابات هي محطة للتنافس وليس للتقاتل ومن حق كل طرف ان يفكر وان يعمل على كسبها، ولكن مع تقدير جيد للموقف، يبرز المتوافق عليه وطنيا، وهو كثير ويحصر مجال المنافسة في غيره، ويربط بين ما قبل 24 جويلية وما بعدها، اذ لا أحد في إمكانه ولا مصلحته ان يحكم البلاد منفردا اذ ان أوضاع ترسيخ الانتقال الديمقراطي تتطلب توافقات اجتماعية وسياسية واسعة، وكتلة تاريخية متنوعة تكون صمّام أمان تصون الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي لذلك نسعى الى التحالف مع كل من يوافقنا الرؤية، وستظل ايادينا وقلوبنا مفتوحة وسنحرص على سلامة المناخات والعلاقات حتى ان استحال التحالف، اذ هناك دائما مجالات للالتقاء غير التحالف، منها التعاون، والتنسيق، والاحترام، تركيزا لقيمة حرية الاختلاف مع ترك الباب مفتوحا للمستقبل، إذ قد نختلف اليوم شيئا من الاختلاف، دون ان يمنعنا ذلك من الالتقاء غدا...
كيف تنظرون لموضوع المال السياسي والتمويل الاجنبي؟ هذه مسائل تنظمها قوانين البلاد، وأخلاقيات العمل السياسي واعرافه. ومن أخطر ما يمكن ان تصاب به حياة سياسية من أخلال ان تكون الأحزاب مجرّد واجهات لمراكز قوى، وكتل مصالح معلومة او متسترة داخلية او خارجية... ان الحرص على استقلال القرار الوطني، لا يمكن ان يتم الا بأن تكون المكونات السياسية الفاعلة تعبيرا حقيقيا عن الواقع الاجتماعي. ويجب ان يكون المورد الأساسي للأحزاب متأتيا من منخرطيها... والالتزام الحزبي هو في الأساس وخاصة في مراحل البناء السياسي، هو الشأن اليوم في بلادنا، هو فعل نضالي يتطلب كثيرا من التضحية وكثيرا من العطاء بالجهد، والوقت، والمال ايضا...
بلغنا أخيرا أنه تم فتح باب الانخراط في حركتكم، كيف يتمّ الانخراط؟ بعد فترة من الاعداد المادي والفني فتحنا أخيرا باب الانخراط ونأمل ان يجد التونسيون في حركتنا اطارا ملائما للعمل الاصلاحي الشامل. لقد حرصنا على جملة مبادئ أهمها الانفتاح في الرؤية والبساطة في الاجراءات.. فكل تونسي يحترم هوية البلاد ومبادئ حقوق الانسان ومكاسب البلاد، ويدافع عنها، وتتوفر فيه الاستقامة الاخلاقية ويلتزم بجملة من الضوابط العامة للعمل الجماعي مرحّب به في الحركة. وقد وضعنا على ذمّة المكاتب المحلية في كلّ المعتمديات نماذج لمطالب انخراط تعمّر وينظر فيها في وقت وجيز لتسند لأصحابها بطاقات انخراط... ونأمل ان تساهم حركتنا بدورها الوطني في تأطير المواطنين وتثقيفهم وحمايتهم من أمراض الاستقالة وغواية الحلول البائسة.