مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    الإنطلاق في تكوين لجان جهوية لمتابعة تنفيذ برنامج الشركات الأهلية    عميد المحامين يدعو وزارة العدل الى الالتزام بتعهداتها وتفعيل إجراءات التقاضي الالكتروني وتوفير ضمانات النفاذ الى العدالة    جمعية "ياسين" لذوي الاحتياجات الخصوصية تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية في انتعاشة لهذه السياحة ذات القيمة المضافة العالية    اختتام الصالون الدولي 14 للفلاحة البيولوجيّة والصناعات الغذائية    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة "تستقطب اكثر من 5 الاف زائر.    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية خلال مؤتمر رابطة برلمانيون من اجل القدس باسطنبول    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة انقلترا - غالاغر يمنح تشيلسي التعادل 2-2 أمام أستون فيلا    بطولة ايطاليا : تعادل ابيض بين جوفنتوس وميلان    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط حفظ الصحّة    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل فتح صفحة جديدة للتأمّل و المراجعة و المحاسبة


باريس في 10 نوفمبر2007
أيحق لنا ان نحتفل.. ما دام وضعنا لم يتغيّر
لقد توقّع الكثير من الملاحظين ان البلاد قادمة على انفراج سياسي بمناسبة الذكرى العشرين لوصول الرئيس الثاني للجمهوؤية. ولكن بعد أيّام من الاحتفال بالذكرى العشرين لوصول الرئيس الثّاني للجمهورية التونسية التي وقع الاعلان عنها في 25 جويلية 1957 في تونس خاب ضنّ الجميع.
هذا وقد أطلق سراح ثمانية من السجناء السياسيين مساء اليوم 7 / 11/ 2007 نسأل الله لهم العافية و السلامة ونفرح لملاقاتهم اهليهم بعد طول غياب وأغلبهم لم تبقّى لهم من مدّة العقوبة المحكوم بها الا القليل فيما قارب أحدهم على إنهاء مدّةالعقوبة تقريبا، و هم عبد الكريم الهاروني و علي شنيتر و محمد الصالح قسومة وعبد اللطيف بوحجيلة و فاخر الفاطمي و رمزي بالطيبي و الحطاب ساسي و عبد الحميد الجلاصي و محمد عون و لطفي السنوسي.
ولقد تأكّد لدينا من عدم إطلاق العديد من السجناء السياسيين الآخرين إلى حدّ الآن في مقدّمتهم الصادق شورى الرئيس السابق للحركة و انّ معاناتهم لا تزال متواصلة منذ ما يقارب العشريتين وهم السادة : ابراهيم الدريدي – رضا البوكادي – نورالدين العرباوي – عبدالكريم بعلوش – منذر البجاوي – الياس بن رمضان – عبدالنبئ بن رابح – الهادي الغالي – حسين الغضبان – كمال الغضبان – – منير الحناشي – بشير اللواتي – محمد نجيب اللواتي – الشاذلي النقاش – وجيد السرايري - بوراوي مخلوف – وصفي الزغلامي – عبدالباسط الصليعي – لطفي الداسي – رضا عيسى – الصادق العكاري ، فضلا عن عدم الإفراج عن مئات من السجناء السياسيين المُحاكمين بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب ، مع ملاحظة تواصل إعتقالات عديدة في الأيام القليلة الماضية لعدد كبير من الشباب التونسي بمقتضى هذا القانون دون أن يثبت عليهم أي فعل موجب للمؤاخذة .
ان هذه الاشارة الايجابية ليست على مستوى الحدث. اذ ان استمرارهذه الحالة المتأزمة لا تخدم الا الاستئصاليين الذين يتمعّشون من دوام الازمة السياسية في البلاد. هؤلاء هم الذين وضعوا ايديهم على جهازي الدولة والحزب الحاكم .
وكذلك نأسف ان يلتجئ الى الاضراب على الطعام من اجل الحصول على جواز سفر الذي حقّ لكلّ مواطن بلا منّ واستجداء من احد و انا من المحرومين من هذا الحقّ منذ 19ماي 1990 الا وهو حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس.
و لقد التجأ الاستاذ محمد النوري و الصحفي سليم بوخذير منذ اليوم الاوّل من شهر نوفمبر الجاري للاضراب عن الطّعام من اجل الحصول على جواز سفر الذي حقّ لكلّ مواطن.
و بالمناسبة فانّي اعلن عن تضامني ومساندتي مثل الكثيرالذين اعلنوا مساندتهم للاستاذ محمد النوري و الصحفي سليم بوخذير في المطالبة بهذا الحقّ الدستوري المضمون لجميع المواطنين في العالم و كذلك جميع المحرومين من هذا الحقفي داخل البلاد وخارجهاّ. وقد زارهما العديد من الوجوه السياسية و الحقوقية والنقابية للمساندة و الدعم المضربين عن الطعام وكان من أبرزهم الدكتور عبد اللطيف المكي الأمين العام للاتحاد العام لالتونسي للطلبة و رابح الخرايفي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي والشيخ عبد الوهاب الكافي عضو مؤسس لحركة الاتجاه الاسلامي وراضية النصراوي عن جمعية مقاومة التعذيب و أحمد الخصحوصي عن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين و حمة الهمامي عن حزب العمال الشيوعي التونسي وعلي بن سام عن ودادية امقاومين و القائمة تطول.
كما تلقى المضربان العديد من الاتصالات الهاتفية و الرسائل الالكرونية و القصيرة من الداخل و الخارج لابداء المساندة و الدعم و من بينهم وليد البناني نائب رئيس حركة النهضة و الطاهر العبيدي نائب رئيس اتحاد صحفيي الأفارقة بالمنفى و صلاح الدين الجورشي نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان و كمال الجندوبي عن الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الانسان و الدكتور منصف بن سالم القيادي بحركة النهضة.
كما قام المضربان بإرسال رسالتين بمناسبة انعقاد المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي المنعقد في نزل الديبلوماسي معربين عن جزيل امتنانهما للقوى الوطنية التي ساندت اضرابهما و لقد تولى الأستاذ رشيد خشانة تلاوة بيان المضربين وسط الحشود الحاضرين.
كما قام ضيوف المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي بالتأكيد على مساندتهم المطلقة لاضراب الاستاذين منهم: حمة الهمامي و خميس الشماري و علي العريض.
لقد التجئ الاستاذ محمد النوري و الصحفي سليم بوخذير مثل العديد من المحرومين و انا مثلهم انّي تقدّمت بأوّل طلب للحصول على جواز السفر منذ 19ماي 1990 على اثر نشر نتائج الانتخابات العامة المعلوم نتائجها للعموم التي وقعت في افريل1989 و انا محروم من حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس الى يوم النّاس هذا.
انّ العديد من المحرومين من حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس لأسباب تتعلق بآرائهم عزمهم في حوض الاضراب عن الطعام بشكل جماعي من داخل البلاد وخارجها تضامنا مع المضربين على الطعام محمد النوري و سليم بوخذير و ذلك ليوم واحد يوم 07 نوفمبر 2007
التغييروالتذكير .
انّ كلمات " لاظلم بعد اليوم" و " لارئاسة مدى الحياة" هذه الكلمات كانت من اجمل ما سمعناه فجر السّابع من نوفمبر 1987 . اذ هذا اليوم يذكرنا بيوم الاعلان عن قيام الجمهورية في 25 جويلية 1957.
و قد تبعت هذا الاجراء خطوات جريئة الا ان هذه الحالة لم تدم طويلا. اذ دامت ثلاثة سنوات من الربيع في تونس الذي تميّز بالانفتاح السياسي والحراك الوطني ثمّ تراجعت مساحة الحرية وامال كلّ من ساند التغيير الحاصل في نوفمبر1987.
وكان هذا الوضع نتيجة اخطاء ارتكبها العنصرين الهاميين و الفاعلين في الساحة السياسية التونسية وهما بعض الاطراف من الوسط الاسلامي المعارضغرورا منهم من جهة. وبعض الاطراف من داخل السلطة الذين دفعوا نحوتحويل مقاليد الدولة الى ادارة القمع البوليسي نتيجة جهلها للعمل السياسي واصوله فكرا و ممارسة وتجربة الذي يعتمد على الحوارو الوفاق بين الفرقاء والشركاء في الوطن.
وسرعان ما أدرك من هلّل للحدث ودفعته المطامع و سوء التقدير إلى الاعتقاد خطأ بأنّه سيوجد لنفسه دورا سياسيا داخل السلطة أو خارجها. و استولت آلة القمع على مقاليد السلطة فمنهم من وجد الفرصة سانحة ليسوّق لسياسة تجفيف ينابيع التديّن في البلاد.
فكان على النظام إمّا أن يقايض السياسة بالمحاصصة في المجال الإداري أو أن يواجه البوليس السياسي هذه الأداة التي قوانيها وعدالتها وسجونها الخاصّة.
وفي هذا السياق الدولي الذي شهد انقلابا في بداية التسعينات ببروز أحاديّ القطب، وعت السلطة الجديدة طبيعة الدور الذي يؤمّن لها البقاء ومصادر التمويل الخارجي تحت مسمّيات "التعاون والأمن" إطارا حدّدته الدول الغربية لتمرير أجندتها و خياراتها في سلب خيرات الشعوب و احتلال ارضهم و استعباد شعوبهم.
فانخرطت السلطة بصورة كاملة فيما يسمى بالحرب على التطرف و الإرهاب حتى أنّ تاريخ العشريتين الماضيتين يكاد يختزل في الحملات القمعية التي تحوّلت إلى حرب بوليسية على المجتمع ونخبه وأصبح التعذيب ممارسة منهجية وافتعلت المحاكمات الصورية التي طالت الآلاف من الأبرياء، دون إغفال أساليب المحاصرة والتجويع والتنكيل.
و النتيجة انّ الدول الغربية لم تغدق المساعدات فحسب وإنّما أسرفت عبر وسائل إعلامها في شهادات الاستحسان لهذا التوجه القائم على غضّ الطرف عن الانتهاكات لحقوق الانسان والتسليم السياسي والقمع فمجّدت "سياسة الاعتدال والتسامح" وأصبح الأداء الاقتصادي "معجزة" وأمّا سوى ذلك من حقوق وحريات فهو لم يعد يدخل في عناصر التقويم.
والحال أنّ سبب المعضلة ومولدها يكمن في إلغاء الوظيفة السياسية "للدولة" والذي نتج عنه تأزّم بقيّة المجالات وتدهور أوضاعها.
وللمتابع السياسي أن يلاحظ ما آلت إليه حال أحزاب "الإدارة" وما تردّى فيه حال الاتحاد العام التونسي للشغل وعن أزمة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعن حال جمعية القضاة التونسيين وعن حال الإعلام، حتى أنّ المشهد العام يوحي بأنّ مستقبل البلاد مفتوح على المجهول يتهدّده العنف المضادّ والتدخّل الخارجي
وأنّ طبيعة الحلول التي بوسع السلطة أن تقدّمها وهي القائمة على القمع و"التسويات المؤقتة" لن تجدي نفعا في معالجة أزمة سياسية شاملة اذ هي تتطلّب حلولا جذرية تعيد للسياسي اعتباره ودوره في بناء الدولة وتحقيق إدماج القوى الحيّة بكلّ مكوّناتها السياسية والعقائدية داخلها، لانّ الحال الآن شبيه بمن يعتقد بأنّ الجسم المريض يعالج بدواء جلدي بسيط والذي قد يسّرع في انهيار البناء باكمله وهو الذي باتت عناصره الداخلية متصدّعة وتنذر بالتفكك.
التغييروالمعاناة
لقد استشرت ظاهرة الفساد المالي والثراء الفاحش داخل رموز السلطة وبطانتها وهو ما جعل القمع يجد مبرّرا اضافيّا استوجب منها ضخّ المزيد من شحنات التخويف والترويع عبر تكميم الافواه وتجويع البطون ومحاصرة الاعلام المحترف و الهادف بكلّ الوسائل و انتهاءا باحكام القبضة على القضاء.
لقد طالت المحنة التي لم تنته المحنة بقضاء العقوبة بل اتبعتهم عقوبات اخرى اشدّ على النفس في خارج السجن اذ تتعدد الإنتهاكاتوالاعتداءات الى ما بعد السجن بداية بالحدّ من حرية التنقل و الحرمان من الشغل و قطع الأرزاق و المراقبة الإدارية و تكثيف المتابعة الأمنية .
و قد منع الكثيرين من العمل أو المعالجة في المستشفيات الكائنة في غير مكان الإقامة و توجد حوالي 400 حالة مراقب إداري إلى حدّ الآن .
أما في أواسط التسعينات فقد كان ما يفوق 10.000 حالة لتصل إلى الحرمان من كسب الرزق و بعضهم من اتمام دراستهم و من حرمانهم من جوازات سفرهم و من الوثائق الإدارية و من العلاج المجاني٬ اذ أدّى ذلك إلى وفاة بعضهم بعيد خروجه من السجن لقلّة المال و وثائق العلاج المجاني .
و بالمناسبة لا يمكنا ان ننسى انّ لنا اخوان نقاسمهم نفس العقيدة و اللغة مشرّدين او مسجونين او مسرّحين ولكن محرومين من ابسط الحقوق الاساسية للانسان من حقّ الشغل او التنظّم او حتّى حقّ السفر و التنقّل في داخل اوطانهم او خارجها لا لشيء سوى انّهم لا يفكّرون مثل حكّامهم, ولا ننسى المسرّحين منهم الممنوعين من العمل و من السفر‘ وكذلك المشردين في جميع اصقاع العالم‘ نسال الله تعالى ان يجمعنا و اياهم على ارض الخضراء الحبيبة‘
انّ ضريبة النضال التي دفعها اخواننا بلا منّ صابرين محتسبين اجرهم الى الله تعالى تفوق ما دفعه غيرهم اذ نصبت لهم محاكمات أجمع المراقبون أنها جائرة و تفتقر إلى أبسط قواعد المحاكمات العادلة حيث انتهك فيها حقوق المتهمين و الموقوفين و ذلك باعتماد التعذيب و المعاملة القاسية و تدليس المحاضر و تواريخها و تجاوز المدد القانونية للإحتفاظ و الإحتجاز خارج نطاق القضاء و رفض العرض على الفحص الطبي و عدم سماع المتهم و عدم تمكينه من الدفاع عن نفسه و عدم الإعلام بالإيقاف
وقد رفض تمكين بعض المحكومين و محاميهم من نسخ الأحكام و انتهاك الحق في الإطلاع على الملفات و عدم احترام ما ينص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و لما ينص عليه الفصل 5 من مجلة الإجراءات الجزائية على عدم جواز محاكمة الشخص الواحد أكثر من مرة لنفس التّهمة.
و قد ثبت أن الكثيرمن السجناء المتبقين في سنة 2001 يقضون أحكاما متكررة و يقدر عددهم نحو 500 فردا. اذ ان من بين 55 سجين في سنة 2006 وُجد 33 سجين مكررة أحكامهم وهذا على سبيل المثال لا الحصر. اذ أن السجين السياسي رضا الخميري المحاكم سنة 90 قد أعيدت محاكمته سنة 1997 لنفس التهم فدخل في اضراب عن الطعام لإسقاط الأحكام المتكررة وقد قضى أكثر من 50 يوم إضراب قد توفي في إضرابه عن الطعام في 1997.ان هذه الحالة هي عيّنة مما دفعه اخوان لنا في العقيدة والوطنمن ضريبة في سبيل تحقيق الحرية والتعدّدية ورفض الاقصاء في البلاد.
أما في السجون فقد لاقى المساجين المعاملة القاسية و المهينة للكرامة البشرية و شتى صنوف التعذيب و الإجراءات الإنتقامية كالعزل و النُقل التعسفيّة إلى آخره و سوء المعاملة فضلا عن الإهمال الصحي و الحرمان من الرعاية الطبية٬ و قد توفي من جراء ذلك 9 سجناء. 7 متوفين في ظروف غامضة ينتظرون فتح تحقيقات للكشف عن سبب و طريقة وفاتهم. 13 متوفى تحت التعذيب بشهادة المنضمات الإنسانية ينتظرون من السلطة فتح التحقيقات للغرض.4 متوفين فقط وقع التحقيق من طرف السلطة المختصّة للغرض. 3 أفراد وقع إعدامهم شنقا يوم 9 أكتوبر 1991. 12 مختل عقليّا ينتظرون المساعدة والمعالجة. حوالي 350 مريض بمرض مزمن أو مقعد لا يقدر على العمل أو مصاب بعاهات دائمة. 3 حالات انتحار بعدما ان فقدوا عقلهم. 9 وفايات في السجن نتيجة الإهمال الصحي بحسب شهادات زملائهم. 2 من المتوفين لم تسلّم جثثهم حسب شهادة عائلاتهم و لم يُفتح تحقيق في سبب وفاتهم. 12 حالة وفاة خارج السجن بسبب الإهمال الصحي وانغدام المعالجة. 5 خالات وفاة اعفي عنهم لاسباب صحيّة .حوالي 350 سجين حوكموا بأحكام متكررة و لم يسعفوا باتصال القضاء و قضوا سجنهم بتهم متكررة 10 منهم مازالوا في السجن إلى حدّ يوم 2 نوفمبر 2007.
وقع إطلاق سراح البعض منهمو هم منهكين صحيّا ليقضوا خارج السجن. نذكر منهم : الحبيب الردادي٬ نقل إلى المستشفى يوم 10 مارس2003 و دخل في غيبوبة يوم 15 مارس و متع بعفو يوم 19 مارس و هو في غيبوبته و توفي يوم 22 مارس 2003 و السجين لخضر السديري من غار الدماء متع بعفو خاص و توفي يوم 30 مارس 2002 في مستشفى فرحات حشاد بسوسة و السجين الهاشمي المكي الذي متع بعفو ليتوفى بعد 3 أشهر من إطلاق سراحه عانى فيها ويلات المرض الخبيث في جوان 2006 .
و قد اعتمدت اساليب اخرى من اجل تحطيم الروح المعنوية العالية للمساجين بتدمير كيانهم الأسري والضغط على بعض النساء بتطليق أزواجهن كرها . 21 سجين أكرهت زوجاهم على تطليقهم.
على سبيل المثال نذكر حالة السجناء رضا البوكادي٬ كمال بسباس٬ معتوق العير٬ محمد العيادي٬ حسونة النايلي٬ جلال مزغيش٬ فيصل قربع٬ عبد الله المسعودي٬ كمال الغضباني٬ فرج الجامي٬ عبد اللطيف الوسلاتي٬ خالد الكواش٬ حاتم زروق٬ الطاهر الحراثي٬ سامي القرقني٬ و غيرهم ... و قد استعاد أكثر هؤلاء المساجين زوجاتهم بعد خروجهم من السجن لبطلان طلاقهم بوقوعه كرها. 90 سجينة من النساء 9 في ولاية نابل 45 في تونس الكبرى و البقية في باقي ولايات الجمهورية
إن الاسلوب الامني في التعامل مع الاسلاميين قد ثبت فشله اذ ان جملة الاحكام التي صدرت ضد الاسلاميين تعدّ مئات القرون .ممّا أدّى إلى وفايات تحت التعذيب في السجون و مراكز الإيقاف ٬ كانت حصيلتها قائمة طويلة من الشهداء الذين قضوا و التي تأبى السلطة فتح تحقيق فيها. بل تحاكم كل من يظهر هذه الحقائق متهمة إياه بشتى التهم كنشر الأخبار الزائفة التي من شأنها تعكير صفو النظام العام٬ ثم تحرك آلة القضاء لتكمل الدور .
و لا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن عدد الوفايات التي حصلت في المعتقلات و السجون و التي بقي يكتنفها الكثير من الغموض و لم تفتح في شأنها تحقيقات جديّة يؤكد شهود عيان أنهم توفوا تحت التعذيب و قد بلغ عددهم 13 حالة. و رغم هذه المعانات التي لا يتحمّلها الكثير من البشر دون السقوط في ردود الفعل اليائسة هي دليل على طبيعة الحركة الدعوية الرّافضة للعنف.
التغيير و التطلعات للمستقبل
سؤال محيّر وهويتطلّب الاجابة. من المستفيد من اطالة محنة الاسلاميين في تونس ؟
ان المستفيد الاوّل هو من لا يريد للاسلاميين مكان في الساحة السياسية التونسية لانّه باطالة محنة الاسلاميين يبقى الحزب الحاكم وحده يصول و يجول وحده في الساحة في غياب الخصم ذا الوزن في الساحة. ثمّ بعد ذلك الاستئصاليين الذين لا يرغبون في المصالحة الوطنية و اخيرا اولائك الذين لا يرغبون في المحاسبة.
هذا ولقد جاء في الخطاب الرئاسي بتاريخ 7 نوفمبر2007" فلا مجال للإقصاء والتهميش ولا مجال لبقاء أي كان، متخلفا عن مسيرة النماء والتقدم " كما جاء خطابه من السنة الفارطة ما يدعم تطلّعات الشعب التونسي بكلّ اطيافه و مكوّناته على اختلافها اذ قال رئيس الدولة حينها و - وعد الحرّ دين - أنّ الذكرى العشرين للتحوّل ستكون فرصة للانتقال بالحياة السياسيّة في البلاد إلى مرحلة جديدة، كما ورد في نفس الخطاب تأكيده على دور ومنزلة المعارضة في العمليّة الديمقراطيّة: «إنّ المعارضة والحزب الحاكم طرفا المعادلة في العمليّة الديمقراطيّة التعدّديّة».
أهدرت السلطة خلال 17 ينة طاقات مالية وفكرية وسياسية وأمنية واعلامية في غير وجهتها الحقيقية أمام منطق الحلول المستندة الى الهواجس والاقصاء السياسيين. هذه المعركة الأمنية لم تجن تونس من ورائها الا رداءة اعلامية وانغلاقا سياسيا وسوء سمعة حقوقية , واحتقانا اجتماعيا في ظل شعور الالاف من التونسيين بالهضم والضيم.
بعد كلّ هذا ندعو النظام الحاكم في تونس من منطلق المصلحة الى تغيير المنطق والاليات , بل ندعو التجمع كحزب حاكم الى ارجاع الاليات الأمنية الى اصلها وهي حفظ أمن المواطن والتصدي للجريمة الفردية والمنظمة , وفض النزاعات بين المواطنين تحت اشراف سلطة القضاء المستقلّ ...
ان تونس اليوم تقف أمام معركة تحديات جديدة تختلف اطلاقا عن تحديات مرت بها البلاد في حقبة تاريخية مضت وطويت , وليس أمامها الا الحوار الوطني . وليس من المستحيل على حزب عريق بحجم التجمع الديمقراطي الدستوري ورئيس دولة قوي يحكم بلدا ناميا ومستقرا , أن يفكرا في ترتيب أوضاع عامة وسياسية جديدة يدشنانها بمرحلة حوار وطني موسع تكون مبشّراته ايقاف حملات الاعتقال على خلفية الاشتباه واطلاق سراح كل من تبقى من معتقلي الرأي ,وتدشين حقبة اصلاحية جادة.
و بالمناسبة فلا يسعنا الا ان نذكّرببعض المبادئ التي لا حياد عنها وهي غيرة منّا على مصير الصحوة الاسلامية و الدّفاع عن بيضة الاسلام و ما الحركة الاسلامية الا وسيلة من اجل اصلاح ما فسد على مرّ العقود من الاستعمار و التغريب و انتهاءا بتجفيف ينابيع التديّن من طرف الحاقدين و تصرّف بعض المراهقين الذين استدرجوا نحو طريق مسدود . لقد دفع هؤلاء السنين العديدة من اعمارهم في السجن اوفي بلاد الغربة متشرّدين انهكهم التجويع و المضايقات.
لقد طالت المحنة حتّى كاد الياس يدبّ في صدور المؤمنين بالقضية حتّى جاءت حادثة حمّام الشطّ الاليمة التي كانت دليلا قاطعا على انّ الوضع لا ينبغي ان يستمرّ على هذا النحو اذ ان غياب الاعتدال و التعامل العقلاني لا سبيل الا ان يفتح الطريق للياس و التطرّف و هذا ما نكرهه لشعبنا و لبلادنا التي لا نتمنّى لها الا الامن و الاستقرارو السلامة و التنمية و الرقي حتّى تنافس بلادنا بقية الشعوب المتقدّمة حضاريّا و تقنيّا .
و نتمنّى على الله ان يفرّج عن بقية اخواننا القابعين في السجون و لسان حالهم يقول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و هو راجع من الطّائف اذ قال : { اللهمّ الليك اشكو ضعف قوّتي‘ و قلّة حيلتي‘ وهواني على النّاس‘ يا ارحم الراحمين‘ انت ربّ المستضعفين‘ و انت ربّي‘ الى من تكلني‘ الى بعيد يتجهّمني ‘ ام الى عدوّ ملّكته امري‘ ان لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا ابالي ‘ غير ان ّعافيتك هي اوسع لي} نسأل الله تعالى ان يجمعنا و اياهم في رحاب البلاد في اهليهم الذين هم اشدّ شوقا اليهم.
لم نفاجئ بالخطوة الرئاسية التي انتزعت فتيل أزمة سياسية حادة بين قادة الحزب الديمقراطي التقدمي وجهات سياسية وأمنية حاكمة كانت ترى في اضراب الأساتذة احمد نجيب الشّابي وميّة الجريبي تشويشا استباقيا مقصودا على هذا الاحتفال. مع العلم خطوة الانفراج السياسي هذه بين السلطة وقيادة الحزب الديمقراطي المعارض وحلفائه في وقت بدأت بمناسبة احتفالات كبيرة في تونس بمناسبة ذكرى استلام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لرئاسة الدولة في تونس نوفمبر1987.
و قد تبعت هذا الاجراء خطوات جريئة الا ان هذه الحالة لم تدم طويلا. اذ دامت ثلاثة سنوات من الربيع في تونس الذي تميّز بالانفتاح السياسي والحراك الوطني ثمّ تراجعت مساحة الحرية وامال كلّ من ساند التغيير الحاصل في نوفمبر1987.
علما أن مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي تتّفق في الرأي مع السيد أحمد إبراهيم ، السكرتير الأول لحركة التجديد المعارضة ، الذي يؤى أنه "من غير المقبول أن تتواصل هذه الوضعية على ما هو عليه" محرضاً القوى المعارضة على "بناء القطب الديمقراطي التقدمي" على أساس الاندماج مع الحداثة.
وتقول مية الجريبي الامينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي "فعلا حققنا استقرارا اجتماعيا وفائضا اقتصاديا خلال العقدين. لكن سجلنا ايضا تراجعا ملحوظا على المستوى السياسي." وتابعت "في الماضي كان يوجد جدل ونقاش وحوار سياسي حقيقي اما الان فيوجد تصحر تام دون حرية صحافة ودون احترام حق التجمع ودون اعادة تهيئة."
أما الشابي فهو مدير صحيفة الموقف الناطقة بلسان الحزب الذي قد حصل على ترخيص قبل نحو 20 عاما. هذا وقد قرارا الأمينة العامة للحزب الديمقراطي و مدير صحيفة الموقف رفع إضرابهما عن الجوع دون الاشارة صراحة الى اضراب الجوع المفتوح الذي نفذاه إحتجاجا على محاولة إخراج حزبهما من مقره المركزي بوسط تونس العاصمة واستقبلا خلاله ممثلي عدد من السفارات الغربية .
وقد اكّد حزب الوحدة الشعبية فقد اكّد في بيانه أن الحياة السياسية في تونس تعيش أجواء إيجابية في ظل تطلعات الأحزاب السياسية للإجراءات التي سيعلن عنها بمناسبة الذكرى العشرين لتحول السابع من نوفمبر" الذي تولى الرئيس زين العابدين بن علي مقاليد الحكم في البلاد.
كما أكد على أن الحوارالوطني الواسع هو الأسلوب الأفضل لتجاوز العراقيل والإرتقاء بالحياة السياسية وعلى أهمية تواصل النسق الإصلاحي في ظل التمسك بالثوابت الوطنية لقطع الطريق أمام التدخل الأجنبي المرفوض في الشأن الوطني.
امّا الحزب الاجتماعي التحرري فقد انتقد في بيانه اسلوب الاستنجاد بالدوائر الاجنبية مضيفا ان لجوء بعض المجموعات السياسية لاسلوب المزايدة والضغط لحل قضايا لا تخصها دون غيرها من الاحزاب هو امر غير مبرر .
مع الاشارة الى ان حزب الوحدة الشعبية و الحزب الاجتماعي التحرري ممثلين في البرلمان التونسي حيث يملك الحزب الاول 11 مقعدا والثاني مقعدين وذلك من ضمن 37 مقعدا تتقاسمها معهما ثلاثة احزاب معارضة اخرى .
وفي الاخير و ليس آخرا و بعد عشرين سنة من ازاحة الرئيس الاوّل للجمهورية بعد ان تقدّم في السنّ بحيث لا يتمكّن من القيام وتسيير شؤون الدولة مما ادّى الى وجوب ازاحته حفاظا على القاعدة الاجتماعية و استمرار الاستقرار السياسي الذي تتميّز به البلاد.
لقد تمكّن النظام من اعادة الاتحاد العام التونسي للشّغل الذي كان يلعب دور القوة المُوازية للسلطة في وقت من الاوقات بازاحة زعيمه التاريخي الحبيب عاشور عن قيادة الحركة النقابية، في مؤتمر سُوسة في ربيع 1989، الذي أعاد التحالف الاستراتيجي بين النظام والحركة النقابية.
أما في الساحة الطلابية التي كانت مصدر إزعاج مستمر للسلطة ومخبرا مُهما لمَد الحركات السياسية والمجتمع المدني بالكوادر الشابة والمناضلة، فقد قصم ظهرها بعد تصفِية الإتحاد العام التونسي للطلبة، في حين استمرت مجموعات من اليسار تتقاتل على بقايا "الاتحاد العام لطلبة تونس" بدون منافس.
امّا الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبقية مكوِّنات الحركة الحقوقية، التي وجدت نفسها نتيجة تراجع دور الأحزاب والنقابات وغياب حركة اجتماعية قوية تلعب دورا سياسيا في بعض الأحيان، فقد تعرّضت بدورها لمجموعة ضربات متتالية كادت أن تجهز عليها و استبعادها عن دورها الاصلي باختلاق قضايا واهية لتلهيتها، لولا صمودها الرمزي.
وبذلك، انهزم الجميع بالضربة القاضية ولم يبق في الساحة السياسية إلاّ السلطة وحدها، و بهذا الاَعتبار أن قوّتها ناشئة من ضُعف الآخرين ومن انتِهاجها لسياسة أمنية قاسية، لكنها عمليا، بقيت قادرة على الاستمرار ولا تزال تشكِّل الضامن لتلاحم دولة قوية ومجتمع لا مبالي بالشان العام.
وحذّر الاتحاد الدولي لحقوق الانسان على لسان سهير بلحسن ان على البلاد ان لا تخاطر بالسقوط في براثن العنف اذا لم تسمح بحرية أكبر للتعبير وتعزيز حقوق المعارضين. وتقول سهير بلحسن من الاتحاد الدولي لحقوق الانسان "وضع حقوق الانسان في تونس مقلق ...وبلا مجتمع مدني حر ستواجه (تونس) المزيد من احداث العنف مثلما حصل في ضواحي العاصمة." وعكر هدوء تونس في اوائل هذا العام تبادل نادر لاطلاق النار بين قوات الامن واسلاميين سلفيين متطرفين مما اسفر عن مقتل 14 مسلحا.
وتحظر الحكومة الاحزاب الاسلامية لان تسييس الدّين يؤدي الى صراع واراقة دم في نهاية الامر. وتصر الحكومة على انها ملتزمة بنشر مزيد من الديمقراطية والحرية وتقول ان اقلية من المعارضين اعتادت محاولة تشوية سجل حقوق الانسان في البلاد.
ولقد بدأ تطبيق نظام التعددية الحزبية في اوائل الثمانينات وانها بدأت في الاونة الاخيرة تمنح دعما ماليا للمجموعات المعارضة المشروعة لدعم الديمقراطية.
ويقول عزام محجوب الاقتصادي والاستاذ بجامعة تونس "حاليا تونس في مفترق الطرق ... حققت نسب نمو معقولة وحافظت على مردودية اقتصادية جيدة لكن لا يمكننا الحصول على نمو مستديم اذا اوصدت المجالات السياسية." وتابع "يجب ان يكون المناخ مناسبا للتطور مما يعني الشفافية ونشر المعلومة ونظام قضائي ناجع. لكن يوجد لدينا نقص في الحكم الرشيد ونحتاج للاسراع بالاصلاحات للمحافظة على التقدم."
لقد اصاب النظام التونسي في المجال الاقتصادي وخيّب الآمال في الجانب السياسي باستعماله اليد الحديدية في هذا المجال. امّا في المجال الاقتصادي فقد نجح بالاستنجاد باهل الخبرة والنجاعة و بمتابعته للملفات الاقتصادية وهو محقّ في ذلك وكذلك بتدخّله من اجل الحراك الاجتماعي كلّما اقتضت الحاجة الى ذلك.
السؤال المطروح الآن هو كيف يمكن إعادة الإعتبار للسياسة من جديد؟
للاجابة على هذا السؤال المحيّر وقع الاتصال بالدكتور. عزام محجوب،وهو خبير اقتصادي لدى عديد المنظمات الدولية والإقليمية أكّد بدوره المكاسب التي تحققت في المرحلة الماضية، مبرزا أن بداية المنعرج الاقتصادي، كانت مع تبنّي برنامج الإصلاح الهيكلي في عام 1986.
وقد لاحظ أن تونس حافظت على نَسق نُمو متواصل منذ الستينات، الذي كان ولا يزال في حدود خمسة بالمائة، وعلى نسق استثماري بنسبة 27 بالمائة، ووصف ما تم إنجازه بأنه وليد عملية تراكمية تواصلت لمدة 40 عاما، التي انطلقت منذ الستينات لتصل نسبتها اليوم في حدود 1,5 بالمائة، ممّا حسّن بوضوح في نصيب الدخل الفردي.
خلافا لما كان يتوقّعه البعض، يُمكن القول بأن الرئيس بن علي لم ينجح فقط في البقاء في السلطة لمدّة عشرين عاما دون منازع، بل نجح في أن يحكم البلاد بيُسر وأن يضمن حالة من الاستقرار الاجتماعي تُعتبر نادرة في تاريخ البلاد وفي المنطقة أيضا.
وفي المقابل، أخفق خصومه، سواء في أن يزيحوه أو أن يشكِّلوا قوة ضغط حقيقية تُجبره على أن يأخذ وجودهم ومَطالبهم بعين الاعتبار و على راسهم حركة النهضة، التي كانت تُعتبر القوة السياسية الرئيسية في البلاد بعد الحزب الحاكم، اذ انّها توقّعت بأنها قادِرة على ان تفرض شروطها.
كما كان يتغنّى بعض قادتها في مطلع التسعينات غرورا بأنهم، كما وفّروا المناخ المناسب لوصول بن علي إلى دفّة الرئاسة، فإنهم سيكونون قادرين على إزاحته أو تهديده، لكنهم لم يتمّكنوا من الصمود لاكثرمن بضعة اشهر ولا سيّما بعد ان اختارت قيادتهم الهروب من السّاحة لتامين سلامة القيادة الرّاشدة و الملهمة.
ان هذه القيادة هي التي كانت تتوهّم انها سوف ترجع غانمة بعد ان ينتصر جيرانهم و نسوا او تناسوا ان النضال لا يكون الا على الساحة و ليس بالوكالة مع العلم ان الشعب التونسي لا ولن يقبل بقيادات من وراء البحار مهما كانت كفائتهم و موهبتهم و قدراتهم .
ان القيادة التي من المفروض ان تعطي المثال في الصبر والمصابرة وبعد مواجهة لم تدُم سوى بضعة أشهروجدوا أنفسهم خارج اللعبة تماما منذ مطلع التسعينات اذ انهم خيّروا الهروب على الصّمود.
و الخلاصة فان النموّ الاقتصادي لا يكفي وحده للشعور بالاطمئنان على مستقبل البلاد، حيث يجب العمل على توفير الراحة لبال المواطن و اطمئنانه، وهذه الراحة لا تتحقّق إلا عندما يسود حكم القانون، ولا تكون القوانين خاضعة لإرادة أشخاص متنفّذين يكيفونها حسب مصالحهم.
وهذا يؤكِّد على أهمية التقيد بالآليات الديمقراطية، مثل تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة وعدم تزوير إرادة المواطنين، مع العلم ان ذلك هو جزء من آليات الديمقراطية، وليس جوهرها.اذ ان جوهر الديموقراطية يكمن في احترام الحريات الاساسية وفي مقدّمتها حرية التعبير حتّى يشعر المواطن بالامان و كذلك حرية الصحافة المقروئة و المكتوبة و المرئية وننسى وجوب مراقبة اجهزة الامن للاحالة دون هيمنتها على بقية اجهزة الدولة. ثمّ لا بدّ من تحييد الادارة التونسية محليّا و جهويّا ووطنيّا.
ايمانا منّا و اقتناعا بارساء الديمقراطية في بلادنا عبر التوافق و الحوار و اثراء القواسم الوطنية المشتركة. وامّا مجال الاختلاف مع السلطة السياسية فهوواضح وواسع في مجالات حقوق الانسان السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.
ذلك اننا نؤمن في المستوى السياسي بضرورة حياد الادارة حيال كل الاحزاب السياسية لان المنطق الذي يجب ان يقود الادارة هو منطق الجدارة و الكفاءة و ليس منطق الانتماء الذي يحرك الحياة الحزبية و السياسية.
ولذلك نرى ضرورة مراجعة المجلة الانتخابية بحيث لا يسمح لاي حزب سياسي أي كان لونه ان يحصل على اكثر من ثلث المقاعد النيابية.
ان مطالب المرحلية في الايام القليلة المقبلة هي الاصلاحات السياسيّة التي تساهم لامحالة في فتح صفحة جديدة في التعامل السياسي فيما بين المتشاركين في الوطن وهي تقتضي اساسا القطع نهائيّا مع رؤى الفكر الواحد والحزب الأوحد .
ان هذه المرحلة تستلزم تجسيدا حقيقيّا للمشاركة الجماعيّة في مؤسّسات الحكم ، أي لكلّ الأطراف والألوان، بعيدا عن منطق الوصاية و الاحتكار للسلطة والتداخل بين أجهزة الدولة وهياكل الحزب الحاكم .هذا الحزب الذي ليس له رائحة و لا طعم ولاسياسة واضحة المعالم الايديولوجية.
فقد بدأ تحت عنوان " حزب الدستور" على يد الشيخ عبد العزيز الثعالبي لمقاومة الحضور العسكري الفرنسي و مطالبة تمثيل الشعب داخل "برلمان تونسي" ثمّ تحوّل الى "الحزب الحرّ الدستوري التونسي" نتيجة انقلاب مجموعة مخضرمة متأثّرة بالثقافة الغربية عموما والفرنسية بصفة اخصّ تتنازعها تيّار فرنسي يقوده الزعيم الحبيب بورقيبة و تيّار عروبي بزعامة صالح بن يوسف. فكانت الغلبة للزعيم الاوّل بتواطئ مع المستعهر الفرنسي الذي سلّمه مقاليد البلاد الذي تعمّد تصفية غريمه جسديّا بعد ان اقامسنة 1957 نظاما جمهوريّا حسب مقاسه.
وفي سنة 1964 بمناسبة مؤتمر بنزرت تحوّل الى "الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي" تحت تأثير الزعيم احمد بن صالح الذي انقلب عليه و ادخله السجن بعد محاكمة ملفّقة بتهمة الخيانة العظمى ثمّ استجلب الزعيم الهادي نويرة المناقض للاوّل في التوجّه الذي اعتمد نظرية المقيم العام الفرنسي للاربعينات بايريتون القائل بالديمقراطية الاقتصادية دون الديمقراطية السياسية و هذه السياسة هي الباقية المتّبعة الى يوم النّاس هذا.
و قد تواصل الامر في مرحلة الصراع على الخلافة بادارة الوؤير الاوّل محمد مزالي سنة 1980 الذي يوزّع الوعود بالتغيير الموعود بالحرية و التعددية الحزبية وتعزيز العربية في التعليم ولكنّ في عهده كان ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل وبداية محاكمة الاسلاميين و تزوير نتائج الانتخابات التشريعية.
حتّى كان سنة 1987 اذ اشتدّ الصراع مع حركة الاتجاه الاسلامي فما كان من الرئيس الحبيب بورقيبة ان عيّن وزير الدّاخلية وزيرا اوّلا قصد ضرب الحركة السلامية الخصم الوحيد والعنيد الا ان هذا الاخير لم يطوّل كثيرا في هذه المسؤولية فازاح الرئيس الحبيب بورقيبة بمقتضى الفصل 51 من الدستور واراح البلاد والعباد فجر يوم 7 نوفمبر 1987.
مع العلم ان حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم يهيمن على المجلس التشريعي و 80 في المئة من المقاعد في البرلمان. وتتنافس الاحزاب الستة المعارضة على نسبة 20 في المئة الباقية.
ان هذا الجهاز الضّخم الحاكم في رقاب الشعب التونسي منذ نصف ثرن بدون منازع ولا مشارك هو جهاز التجمّع الدستوري الديمقراطي الذي يعتبر من اقدم الاحزاب و اضخمها في العالم بالمقرنة بعدد سكّان البلاد اذ يعدّ اعضائه المليونين او يتجاوز ذلك حسب الاحصائيات الرسمية و هذا الجهاز المُمتد على طول البلاد و عرضها ، و يأطّر خمس سكّان البلاد و هذا يمكن له أن يلعب دورا حاسما في تحقيق الاستمرارية ودعم النظام في مرحلته الانتقالية. الا انّه اصبح حِزب مُهيمن على أجهزة الدّولة ويستغلّ قدراتها و مؤسّساتها، ليس حزبا حاكما يضع المخطّطات و السياسات الكبرى.
كيف التأسيس للوفاق من أجل المصلحة العامة
وان هذه المرحلة تقتضي بداية حيادا تاماّ للإدارة مركزيّا وجهويّا ومحليّا وإلزامها بالتعامل مع كلّ الأحزاب و الاشخاص على قدم المساواة ودون إقصاء أو تهميش مع ضرورة التعامل بروح جديدة في الإعلام الوطني فيها الانفتاح وهوامش الجدل ومتخلّصة من الانغلاق والسطحيّة. و الغريب، أنه، بالرغم من طول وجوده و استمراره في الحكم منذ أكثر من نصف قرن، إلا أنه قليلا ما يبادر اطاراته للنِّقاش السياسي في عمق الخيارات المصيرية.
ولقد اكّدنا مرارا و تكرارا بان حركتنا تاسّست من اجل الدعوة الى الله و التعريف بالفكر الاسلامي الذي من شانه ان يساهم في نشر الخير بين ابناء البلد الواحد الى جانب بقية الشرائح السياسية المتواجدة على الساحة التونسية قصد ايجاد مجتمع تسوده مبادئ الاخوّة والمحبة و التعاون و التسامح المستمدّة من السيرة النبوية الشريفة و ‘‘الحكمة ضالة المؤمن التقطها انّى وجدها وهو احقّ بها‘‘
1- نجدّد العهد في المضي قدما في الدّفاع عن المبادئ الاسلامية السمحة في التغيير عن طريق الكلمة الطيّبة و الكتاب و المقال الصحفي و النصح الجميل و المسيرة السلمية و غيرها من الوسائل النضالية المسالمة المتنافية مع العنف الجسدي و المادي الذي نرفضه و نندّد به من حيث كان ماتاه.
2- تمسّكنا بالوسائل السلمية في التغيير و استبعاد أي تصرّف ما من شانه ان يتنافى مع احترام الحرمة الجسدية للمواطن مهما كانت انتماءاته السياسية او العقائدية و التي لا تخدم البلاد و لا العباد.
3- ندعو الجميع الى التسامح و التعاون و فضّ الخلافات و المشاكل على تنوّعها عن طريق الحوار بين الفرقاء و نشر مبادئ الاخوة و المحبة بين الجميع,
4- دعوة القيادة الحالية الى تقديم نقد ذاتي و ان يتّقوا الله في الأمانة التي وضعت في اعناقهم فضيّعوها– على مستوى المؤسّسات‘ لا على مستوى الأشخاص – و تقييم مرحلة العشرية السابقة على علّتها و الكفّ عن استبعاد و تغييب و تهميش من لهم السبق من مواقع القرار‘ و الرّجوع الى الخطّ الأصلي او إرجاع الأمانة إلى أهلها – في داخل البلاد لا خارجها – ضمن ضوابط لا سبيل للحياد عنها.
انّ الدعوة الى اطلاق سراح مابقي من ابناء الحركة في السجون اذ كفاها ما دفعت نتيجة اخطاء بعض افرادها من تشريد و سجن و تعذيب حتّى الموت احيانا لبعض المناضلين قليلي التجربة‘ وقع دفعهم في طريق مسدود نتيجة خيار غير سليم لم يقع الاجماع حوله من اجل ان نفتح صفحة جديدة للتامّل و المراجعة و المحاسبة فيما بيننا في داخل القطر لا خارجه.
و بذلك فقط يمكن للدرّ ان يعود الى معدنه و تاخذ الصحوة الاسلامية موقعها في كنف الوضوح الكامل. وفي الاخير‘ ليس لنا ملجئ الا لله نشكو له حزننا ‘ و نقول حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فهو نعم المولى و نعم النصير ‘ فهو ربّ المستضعفين وهو ربّنا‘ وحسبنا الله و نعم الوكيل ونستلهم موقفنا هذا من دعوة الله في منزّل كتابه الكريم ‘‘ الذين استجابوا لله و الرّسول من بعد ما اصابهم القرح ‘ للذين احسنوا منهم و اتقوا اجر عظيم‘ الذين قال لهم النّاس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوءا و اتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ‘‘
‘‘ لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ‘‘ صدق الله العظيم و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باريس في 10 نوفمبر2007
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.